فنّ القصّـــــة ( 1
تعريف القصّة- هي حكاية حدث أو مجموعة حوادث تجري في بيئة معينة , وتقوم بها شخصيات مرسومة بتصميم خاص , وتهدف لإيصال فكرة محددة إلى القارئ.
- والقصة أكثر تعبيراً عن الحياة والإنسان , وألصق بالقارئ , وأكثر إثارة لاهتمامه , وأقدر على تغييره.
- ولاتصور القصة الحياة أو الواقع كما هو , بل تمثل الواقع بعد أن يتدخل فيه الكاتب بخياله وفنه لإعادة تكوينه بحسب رؤيته الخاصة للعالم .
عناصر القصة :
( الموضوع – فكرة القصة – العمل القصصي – البيئة – الشخصيات – الأسلوب )
أولاً : الموضوع:
هو المادة الأولية التي يختارها الكاتب من تجاربه أو من الشخصيات والمواقف التي عرفها , أو من التاريخ والوثائق , فينسقها ويرتبها ويضيف إليها من نفسه لتصبح ناطقة بالحياة.
- ويختلف نوع القصة بحسب الموضوع :
1- إذا دارت حول النفس الإنسانية وميولها وسلوكها >>>>>> فالقصة نفسية مثل ( السراب ) لنجيب محفوظ.
2- إذا تناول الموضوع تحليل المجتمع وتركيبه وعاداته وتقاليده >>>>>> فالقصة اجتماعية مثل ( الأرض ) للشرقاوي.
3- إذا كان الموضوع مستمداً من التاريخ وأحداثه وأبطاله >>>>>> فالقصة تاريخية كروايات ( معروف الأرناؤوط )
4- إذا عالج الموضوع قصصاً وطنية أو سياسية >>>>>> فالقصة وطنية مثل ( الجبان البخيل ) لأديب النحوي .
5- إذا عالج موضوعات فكرية تتعلق بالكون والإنسان >>>>>> فالقصة فلسفية مثل ( مذكرات الأرقش ) لميخائيل نعيمة.
6- قد تعالج القصص الموضوعات السابقة جميعها فتكون >>>>>> شاملة مثل ثلاثية نجيب محفوظ.
ثانياً : فكرة القصة :
هي وجهة نظر الكاتب في الحياة أو بعض مشكلاتها , فهي الأساس الذي يقوم عليه بناء القصة , وتستخلص الفكرة بعد قراءة القصة وتمثلها.
مثلاً :
الفكرة في قصة " ذهاب وإياب " تقول : ( لاكرامة لكادح في مجتمع الاستغلال) .
- ويجب تجنب طرح الفكرة بأسلوب مباشر , لأنّ ذلك يعطل حركتها ويجعلها للوعظ والإرشاد.
ثالثاً : العمل القصصي ( الحدث والحبكة) :
أ- الحدث القصصي:
هو مجموعة الأعمال التي يقوم بها أبطال القصة , ولا تسلك نظاماً معيناً والكاتب يقوم بعملية اختيار هذه الحوادث وترتيبها ليقربها من الواقع وللتعبير عن الهدف الذي يرمي إليه.
- أشكال عرض حوادث القصة:
1- النوع الأول( التقليدي): ترتب فيه الحوادث بشكل متسلسل من البداية حتى النهاية . وكل عمل يتأثر بسابقه ويؤثر بلاحقهمثل قصة ( ذهاب وإياب ) لصبري موسى.
2- النوع الثاني ( يبدأ من النهاية ) : ثم يعود إلى الخلف ليحكي للقارئ تطور الحوادث الذي أدى إلى هذه النهاية مثل قصة ( السراب ) لنجيب محفوظ , تبدأ بمقتل الزوجة وموت الام ثم يعود إلى البدايات ليستوعب ماجرى.
3- النوع الثالث ( يبدأ من الوسط ) : ويرد الحوادث إلى اسبابها التي أدت إليها مثل قصة اللص والكلاب لنجيب محفوظ , تبدأ من خروج البطل من السجن فيتذكر زوجته وصديقه الخائنين وابنته وغيرها فيندفع للانتقام والقتل .
ب- الحبكة: هي فن ترتيب الحوادث وسردها وتطورها بحسب منطق الحياة والواقع . ولها نوعان:
1- الحبكة المحكمة : تقوم على حوادث مترابطة متلاحمة تسير في خط واحد متدرج , وتبلغ الذروة ثم تنحدر إلى الحل . وقد تتفرق لكنها تلتقي مرة ثانية , ويعتمد الكاتب على عنصر التشويق وهي حيل لتأجيل الحل . كما نرى في روايات نجيب محفوظ ( السراب – الثلاثية ) وروايات ( حنا مينة) .
2- الحبكة المفككة : وهو ذكر أحداث متعددة غير مرتبطة برابط السببية , ولا يجمع بينها سوى أنها تجري في مكان واحد أو زمان واحد . كما نرى في (زقاق المدقّ ) لنجيب محفوظ , حيث يتوحد المكان وتتشتت الحوادث والشخصيات.
فن القصة ( 2 )
تتمة عناصر القصة :
رابعاً : البيئة :
هي مجموعة القوى والعوامل الثابتة والطارئة التي تحيط بالفرد وتؤثر فيه. فالحوادث تجري في إطار زماني وآخر مكاني .
- الإطار المكاني : هو البيئة الطبيعية والجغرافية التي تؤثر على شخصية الإنسان , والبيئة الاجتماعية كالبيت والشارع ومافيها من عادات تؤثر في سلوك الشخصيات .
ويجب اختيار البيئة بشكل يلائم الأحداث والشخصيات.
وقد تسيطر البيئة على الشخصيات في بعض الروايات كما نرى في شخصية الطروسي عند حنا مينة , التي تتأثر بالبيئة البحرية وتناقضها وثورتها وصراعاتها . وعلى الكاتب معرفة بيئته معرفة جيدة , ليحسن تصويرها وتحريك الشخصيات فيها .
- الإطار الزماني : وهو المرحلة التاريخية للحوادث والإطار الزماني لقصة تاريخية يختلف عن الإطار الزماني لقصة تجري في العصر الحاضر , وتتغير طبيعة المجتمع والعلاقات البشرية والشخصيات من مرحلة لأخرى.
خامساً : الشخصيات :
- هي مصدر الحوادث في القصة وعصب الحياة ومحور الحركة فيها , وهي التي تقود القصة من البداية إلى النهاية.
- ويستمد الكاتب شخصياته من الحياة فيأخذ بعض ملامحها ويعيد صياغتها بما يتفق وأغراضه الفنية والفكرية , وقد يقدّم جانباً من نفسه في شخصياته.
- وفي القصة عدة شخصيات رئيسية وثانوية . والشخصية الرئيسية أو بطل القصة قد يكون مجموعة وليس فرداً كما في قصة( الطابور ليوسف إدريس )
- وقد يكون المكان بطلاً للقصة كما في رواية ( زقاق المدق لنجيب محفوظ ) .
نوعا الشخصية :
1- الشخصية النامية : هي الشخصية المتطورة مع الحدث ويتم تكوينها في نهاية القصة , تتفاعل مع الأحداث وتتبدل وتأخذ شكلاً جديداً , وبفضلها الذوق الحضاري , كما في شخصيات ( زقاق المدق لنجيب محفوظ ) .
2- الشخصية الثابتة : لها بعد واحد , تظهر مكتملة ولاتتغير , ويحدث التغيير في علاقاتها مع الشخصيات الأخرى . وتصرفها ذو طابع واحد , كشخصية( رضوان الحسيني ) في ( زقاق المدقّ ).
طرق رسم الشخصيات :
1- الطريقة التحليلية : يرسم فيها الكاتب شخصياته من الخارج , فيحلل عواطفها وأحاسيسها وأفكارها , ويعقب عليها . كشخصية ( شدوان ) في ( ذهاب وإياب )
2- الطريقة التمثيلية : وفيها يترك الكاتب الشخصية لتعبر عن نفسها بالحوار والتصرفات والعلاقات مع الشخصيات الأخرى . كما فعل أديب النحوي في قصة ( الجبان البخيل ) .
- وقد يستخدم الكاتب الطريقتين معاً كما في ( ثلاثية نجيب محفوظ ) .
- ويفضل ألاّ تطغى شخصية الكاتب على شخصياته بل يتركها تتصرف بعفوية حسب مكوناتها النفسية والفكرية والخلقية , ولا يجوز أن يجبرها أو يلزمها بأفكاره كما فعل جبران والمنفلوطي .
فن القصّــــة ( 3 )
تتمة عناصر القصّة :
سادساً : الأسلوب - أو النسيج اللغوي :
هو الصياغة اللفظية للقصة وتختلف بين كاتب وآخر , ويميل الأسلوب القصصي للبساطة والسهولة والوضوح بشرط ألا يطغى التأنق اللفظي على الاهتمام بالعمل القصصي , وبعض الكتاب يتكلفون لغة متأنقة لاتناسب القصة , كطه حسين في قصصه ( الكروان – وشجرة البؤس ) .
ويتوزع الأسلوب بين : السرد – والوصف – والحوار .
أولاً : السرد :
وهو نقل الحوادث من صورتها الواقعة إلى صورة لفظية باستخدام الأفعال التي تكون جزئيات الواقعة والإيحاءات التي توحي بها . وللسرد ثلاث طرق :
1- الطريقة المباشرة : يقوم فيها الكاتب بدور المؤرخ لأعمال صدرت عن الآخرين , مثل قصة ( ذهاب وإياب ) لصبري موسى.
2- طريقة السرد الذاتي : يكتب الكاتب القصة بضمير المتكلم , مثل قصة ( ليلة حافلة ) للمازني .
3- طريقة الوثائق : تعرض الحوادث بوساطة الرسائل أوالمذكرات أو الاعترافات مثل قصة ( زهرة العمر ) لتوفيق الحكيم .
- ويمكن للكاتب الاعتماد على أكثر من طريقة لسرد الحوادث .
ثانياً : الوصف :
- وهو وسيلة رسم البيئة والشخصيات وأحوالها النفسية وهيئاتها .
- يجب أن تكون لغة الوصف مركزة مقتصدة دون استرسال , ويجب أن يختار اللغة الموحية السهلة الواضحة الخصبة , وأن يكون للوصف وظيفة في القصة .
ثالثاً : الحوار:
هو وسيلة اتصال الشخصيات ببعضها
وله عدة وظائف :
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يكشف أعماق الشخصية وخفاياها ومستواها الفكري ويجعلها حية .
2- يطوّر الحوادث ويتنبأ بها ويدفعها للأمام .
3- يستحضر الحلقات المفقودة للإعلام عن حوادث غير مذكورة .
4- يساعد على حيوية المواقف , ويكون استجابة لضرورة المناقشة والجدل وتقليب الأفكار .
ومن صفات الحوار الجيد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أن يلتحم بكيان القصة ولايبدو دخيلاً عليها .
2- أن يكون مناسباً للموقف ومستوى الشخصية النفسي والاجتماعي والفكري .
3- أنم يكون سلساً رقيقاً , موجزاً معبراً .
4- القرب من واقع الحياة دون الانحدار إلى الهذر والثرثرة والعامية .
ملاحظات :
- هناك حوار قريب من العامية ولايخرج عن الفصحى , وهو أكثر إقناعاً .
- هناك نوع من الحوار هو ( المونولوج الداخلي ) يقوم على الاستجابة التلقائية للموقف والتداعي النفسي ويخرج على البنية النحوية , وهو أكثر حيوية وتأثيراً .
- أخيراً : الأسلوب لاينفصل عن العناصر الأخرى بل يكوّن معها وحدة متكاملة .