2) بناء القلعة وتأسيس الدولة:
أ- بناء القلعة:
بنيت قلعة بني حماد أو قلعة أبي الطويل في سنة 398هـ/1007 م على منحدر وعر، فوق سفوح جبل تكربوست على الحدود الشمالية لسهول الحضنة على مسافة 36كلم من المسيلة.
تميزت القلعة بمزايا إستراتيجية كبيرة أو أكثر من عاصمة الزيريين لأن حماد سارع لتحصينها وعمرها بسكان المسيلة وأولاد حمزة, إضافة أنها ازدهرت ازدهارا جعل منها قبلة لطلبة العلم، وبعد زحف عرب بني هلال على افريقية محط سكان القيروان فاضطر أهلها للتوجه إلى القلعة، ويرجع الفضل في تطويرها إلى هؤلاء.
ويذكر الإدريسي أن: <<....مدينة القلعة من أكبر البلاد قطرا وأكثرها خلقا وأغزرها خيراً وأوسعها أموالا وأحسنها قصوراً ومساكن....وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتفاع وقد استدار صورها بجميع الجبل ويسمى تكربوست وأعلى هذا الجبل متصل بسيط من الأرض >>.
يمكننا أن نتساءل لماذا لم تتخذ أشير كعاصمة للدولة الحمادية رغم ما عرفت به من إستراتيجية الموقع وحصانتها الطبيعية وكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب,من افريقية إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسان بالأوراس. فيمكن أن يكون إبعادها كعاصمة إستراتيجية يعود لكونها منطقة آهلة بالحركة ثم أن القبائل الرحل الآتية من الشرق تهددها باستمرار، والمدينة تطل على أراضي زناته إلى جانب أن أشير كانت عاصمة الزيريين، كل هذا جعل حماد في اعتقادنا يبادر بإنشاء عاصمة جديدة ليبرهن في ذلك على استقلاله التام. كما أن الموقع الجديد يقع في موطن صنهاجة وهو يعرفه جيدا بأن طبيعته قاسية ومسالكه وعرة ويكمن حمايته بسهولة وبإعداد قليلة من الجند كونه موقع محصن طبيعياً.
ب- تأسيس الدولة:
بعد وفاة باديس بويع ابنه المعز 454هـ/1062م) كخليفة لوالده الذي واصل مشواره الحربي ضد حماد إذ بمجرد وفاة باديس، قام حماد بالزحف على أشير التي خرجت على سيطرته نتيجة خيانة أهلها وكان ذلك الوقت بها كرامة الوصي المؤقت على عرش افريقية بعد وفاة باديس، حيث تفاجأ بحماد على رأس قوة تعدادها 1500 مقاتل وقد انتهت
بهزيمة كرامة وعودته إلى القيروان.)(
وبعدها بعث حماد إلى باغاية أخاه إبراهيم ليلتقي بأيوب بن يطوفت ليحمل سلام حماد، ويعلن إليه أن ما حدث كان بقضاء الله (الحرب بينهما) وأنه وأخاه على طاعة المعز بن باديس وأخبره أن حماد يطلب الصلح منه، ويبعث له من يثق به من أجل أن يخلفه ويأخذ العهود المكتوبة ليطمئن، فصدقه أيوب وبعث معه أخاه حمامة وحبوس بن القائم بن حمامة وتبعهما غلام أيوب يورين، فغدر حماد بهم وجردهما من الثياب وألبسهم ثياب رثة، وقتل غلام أيوب الذي كان عنده أعز من الولد.)ثم زحف حماد لمحاصرة باغاية فبلغ الخبر بذلك المعز فزحف إليه وسارع بالعساكر إلى حماد وقاتله حتى هزمه وقتل أصحابه وأسر أخاه إبراهيم( سنة 408هـ/1017م.
ونتيجة لانهزام حماد وتفرق أصحابه عنه طلب الصلح من المعز, ولكن المعز اشترط عليه أن يبعث ابنه كضمان على صدق نواياه، فبعث حماد ابنه القائد عام408هـ/ 1017م فعقد له المعز الصلح، واستقل حماد بذلك بعمل المسيلة وطبنة ومقرة ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة، وزاد النويري عليها مدينة دكة
وهكذا انتهت الحرب بينهما وانقسمت صنهاجة إلى دولتين: دولة آل زيري ودولة بني حماد ملوك القلعة.
وهكذا نعتبر تاريخ 408هـ/1017م هو التاريخ الفعلي لتأسيس قلعة بني حماد بعد الاعتراف الزيري بها.
3) أمراء بني حماد قبل الانتقال لبجاية:
أ- عمر حماد بن بلكين 408-419هـ/1017-1028م:
يقول لسان الدين بن الخطيب أن حماد كان نسيج وحده وفريد دهره وفحل قومه، ملكا كبيرا وشجاعا، قد قرأ الفقه بالقيروان وناظر في كتب الجدل وأخباره المشهورة وهو الذي بنى القلعة المنسوبة إليه فاتخذ بها القصور العالية والقصاب المنيعة والمساجد الجامعة والبساتين الأنيقة ونقل إليها الناس من سائر البلاد،وهذا بعدما اشترط على باديس أن يحكم كل المناطق التي يفتحها ويستولي عليها من أيادي زناته خارج نطاق الدولة الزيرية، وتوصل حماد إلى الاتفاق مع باديس وهذا يعتبر بمثابة الوثيقة القانونية التي يستند إليها حماد للحصول على الاستقلال الكامل عن بني زيري بعد الحرب التي دارت بين طرفي آل زيري ثبت سلطان بنو حماد وآل باديس،(5)وهذا بعد انعقاد الاتفاق مع الأمير الزيري والاعتراف باستقلال الدولة الحمادية، وتوطد الصلح الذي
تم انعقاده بين الطرفين بتزويج المعز لأخته أمو العلو بعبد الله بن حماد في 415هـ، وبعد ذلك بأربع سنين توفي حماد وخلفه ابنه القائد.)ب- عهد القائد بن حماد بن بلكين 419-446هـ/1028-1054م:
تميزت فترة حكم القائد بالاستقرار وهذا بسبب انشغال المعز بن باديس عنه وهذا لمداهمته من طرف العرب.
وكان القائد سديد الرأي، عظيم القدر، وتحرك إلى محاربة حمامة بن زيري المعز المغراوي أمير مدينة فاس وكانت بينهما حروب أسفرت على موادعة وخلع القائد بني عبيد كما فعل ابن عمه وأدى ولائه إلى بني العباس إلى أن هلك سنة 446هـ فكان ملكه 27 سنة وولي بعده ولده المحسن.)تولى القائد الحكم بعد وفاة أبيه، وعين أخوه يوسف على المغرب وريغلان على حمزة، وزحف إليه حمامة بن زيري بن عطية ملك فاس من مغراوة سنة ثلاثين، فخرج إليه القائد، وأحس بذلك حمامة فصالحهوقد ساعدت عدة عوامل في استقامة أمر الدولة في الحقبة الأولى من عصر القائد بن حماد (419هـ-430هـ) إلى جانب جهود أبيه ومن أبرز هذه العوامل: أن القائد بن حماد قد لعب دورا فعالا في توطيد أسس الصفاء بين أبيه وبين المعز بن باديس، إذ كان السفير والرهينة التي بواسطتها تم الصلح، كما أن العلاقة بين المعز والفاطميين في القاهرة كانت تمر بفترة قلق واضطراب وكان هذا في مصلحة القائد