| دولة المرابطين | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:14 am | |
|
ماذا تعني كلمة المرابطين؟ وما أصلهم؟
تعني القيام باتخاذ خيامًا على ثغور المسلمين لحمايتها والدفاع عنها، ومن هنا أطلق عليهم اسم المرابطين. ويُنسب المرابطون إلى قبيلة جدالة بموريتانيا.
كيف تحولوا من قمة الفساد إلى هذا الصلاح؟ وكيف بلغت هذه القوة؟
كانت أوضاع جدالة في منتهى الفساد والانحلال، ففكر قائدهم يحيى بن إبراهيم: ماذا يفعل ليصلح أحوال قبيلته؟ فاستدعى رجلاً يدعى عبد الله بن ياسين لكي يعظ هؤلاء الناس، وتنشأ دولة المرابطين من هذه الدعوة. وبعد وفاة عبد الله بن ياسين في سنة 451 هـ/ 1059م، يتولى أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين بعد أن كان قد انضم هو وقبيلته إلى المرابطين، ويزداد أعداد المرابطين في عهده، وتتوسع الدولة، وينيب عنه ابن عمه يوسف بن تاشفين زعيمًا على المرابطين، ويذهب لنشر الإسلام في السنغال وغيرها من بقاع إفريقيا. أما يوسف بن تاشفين فلقد حارب حاييم بنمنّ الله، وحارب صالح بن طريف؛ لأنهم ادَّعوا النبوة، وبدأ ينشر الإسلام، حتى عاد أبو بكر بن عمر اللمتوني، فلما وجد يوسف بن تاشفين وقد نشر الإسلام وحارب أعداء الدين؛ فتنازل له عن الحكم وذهب إلى إفريقيا لنشر الإسلام، وقبل وفاته كانت دولة المرابطين تسيطر على ثلث إفريقيا.المرابطون بالأندلس:
في سنة 478 هـ/ 1085م يعبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس ويتحد مع الأندلسيين ويهزم ألفونسو السادس في موقعة "الزَّلاَّقة" من أشهر مواقع التاريخ الإسلامي، ويوحد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وبعد وفاة يوسف بن تاشفين حرر المسلمون الكثير من الأراضي الإسلامية المحتلة.ولكن هل تنتهي دولة المرابطين؟
نعم، كان لا بد من نهاية لهذه الدولة، ويعود السبب في ذلك إلى الفتنة بالدنيا والأموال، وانشغال المرابطين بالأمورالخارجية عن الأمور الداخلية، وكثرة الذنوب سواء في بلاد المغرب أو في الأندلس، وتعمق العلماء في الفروع دون الأصول. ومن العوامل المسئولة عن الانهيار أيضًا حدوث أزمة اقتصادية في آخر عهد المرابطين؛ بسبب البعد عن الطريق الصحيح.
يتبع
| |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:17 am | |
| مَنْ هُم المُرَابِطُون؟ قبيلة جُدَالة وأصل المرابطين: كان التاريخ هو سنة 478 هـ= 1085 م، حيث سقطت طُلَيْطِلَة، وحوصرت إِشْبِيلِيّة، وعُقد مؤتمر القمة، ومن هذا التاريخ نعود إلى الوراء ثمانية وثلاثين عامًا، وبالتحديد في 440 هـ= 1048 م حيث أحداث "بربشتر" و"بلنسية" السابقة، لنكون مع بداية تاريخ المرابطين. وكما غوّرنا في أعماق التاريخ، نعود ونغوّر في أعماق صحراء موريتانيا البلد الإسلامي الكبير، وبالتحديد في الجنوب القاحل، حيث الصحراء الممتدة، والجدب المقفر، والحرّ الشديد، وحيث أناس لا يتقنون الزراعة ويعيشون على البداوة. في هذه المناطق كانت تعيش قبائل البربر، ومن قبائل البربر الكبيرة كانت قبيلة "صنهاجة"، وكانت قبيلتي "جُدَالَة ولَمْتُونة" أكبر فرعين في "صنهاجة"... كانت "جُدَالة" تقطن جنوب موريتانيا، وكانت قد دخلت في الإسلام منذ قرون، وكان على رأس جدالة رئيسهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، وكان لهذا الرجل فطرة سوّية وأخلاق حَسَنة. نظر يحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورًا عجيبة (كان ذلك متزامنًا مع مأساة بربشتر وبلنسية)، وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، وألِفوا الزنى، حتى إن الرجل ليزني بحليلة جاره ولا يعترض جاره، تمامًا كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ] {العنكبوت:29}. ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره؟! فقد فشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن، وكثر الزواج من أكثر من أربعة، والناس ما زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه، فالسلب والنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكل الضعيفة، والوضع شديد الشبه بما يحدث في دويلات الطوائف، بل هو أشدّ وأخزى. ((وكان المغرب الأقصى في ذلك الوقت في محنة سياسية ودينية، حيث ظهرت دعوات منحرفة عن الإسلام وحقيقته وجوهره الأصيل، واستطاعت بعض الدعوات الكفرية أن تشكل كيانًا سياسيًا تحتمي به))... د. الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين لقد كانت هذه الأوضاع سواء في بلاد الأندلس أو في موريتانيا أشد وطأةً مما نحن عليه الآن، فلننظر كيف يكون القيام، ولنتدبّر تلك الخطوات المنظّمة والتي سار أصحابها وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة وإصلاح أحوال الأمة... يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:26 am | |
| [size=16]يحيى بن إبراهيم يحمل هم المسلمين[/size كان يحيى بن إبراهيم الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات، لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛ فالشعب كله في ضلال وعمى، وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس. وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج، ثم وهو في طريق عودته يُعرّج على حاضرة الإسلام في المنطقة وهي مدينة القيروان (في تونس الآن)، فيكلّم علماءَها المشهورين بالعلم لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام. وبالفعل ذهب إلى الحج وفي طريق عودته ذهب إلى القيروان، وقابل هناك أبا عمران موسى بن عيسى الفاسي (368 - 430 هـ= 979 - 1039 م )، وهو شيخ المالكية في مدينة القيروان (كان المذهب المالكي هو المنتشر في كل بلاد الشمال الإفريقي وإلى عصرنا الحاضر، كما كان هو المذهب السائد في بلاد الأندلس)، قال عنه الحميدي صاحب جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس - (جـ 1 / صـ 121) موسى بن عيسى بن أبي حاج واسم أبي حاج: يحج أبو عمران الفاسي، فقيه القيروان، إمام في وقته دخل الأندلس وله رحلة إلى المشرق، وصل فيها إلى العراق، فمن مشايخه بالأندلس أبو الفضل أحمد بن قاس بن عبد الرحمن صاحب قاسم بن أصبغ، وأبو زيد عبد الرحمن بن يحيى العطار، وأبو عثمان سعيد بن نصر، وسمع بالقيروان من أبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي وغيره، وبمصر من أبي الحسين عبد الكريم بن أحمد ابن أبي جدار وغيره، وبمكة من أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن أحمد السفطي وغيره، والعراق من أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وغيره؛ وكان مكثراً عالماً... وقال عنه الحِميري صاحب الروض المعطار في خبر الأقطار - (جـ 1 / ص 435): الفقيه الإمام المشهور بالعلْم والصلاح... وقال عنه ابن فرحون صاحب الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - (جـ 1 / ص 172) قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أحفظ الناس وأعلمهم جمع حفظ المذهب المالكي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة معانية وكان يقرأ القرآن بالسبع ويجوده مع معرفته بالرجال وجرحهم وتعديلهم. أخذ عنه الناس من أقطار المغرب والأندلس واستجازه من لم يلقه وله كتاب التعليق على المدونة كتاب جليل لم يكمل وغير ذلك وخرج من عوالي إلى حديث نحو مائة ورقة. قال حاتم: ولم ألق أحداً أوسع علماً منه ولا أكثر رواية.... هـ. فلما التقى به يحيى بن إبراهيم الجدالي حكى له قصته وسأله عن الدواء، فما كان من أبي عمران الفاسي إلا أن أرسل معه شيخًا جليلًا يعلّم النّاس أمور دينهم.
يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:30 am | |
| عبد الله بن ياسين ونواة دولة المرابطين جلس رحمه الله يفكر ويفكر ثم هداه ربه سبحانه وتعالى، فما كان منه إلا أن تعمّق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدًا عن الحواضر والمدنية، حتى وصل إلى شمال السنغال (التي لا نعرف عنها سوى فريقها القومي، رغم كونها بلدًا إسلاميًا كبيرًا، حيث أكثر من 90 % من سكانه من المسلمين). وهناك وفي شمال السنغال اعتزلهم عبد الله بن ياسين، متنسكًا في جزيرة، قال ابن خلدون - كما نقل عنه الزركلي في الأعلام جـ 8 / ص 160-: " يحيط بها النيل، ضحضاحًا في الصيف، يخاض بالاقدام، وغمرًا في الشتاء يعبر بالزوارق " صنع خيمة بسيطة له وجلس فيها وحده، ثم بعث برسالة إلى أهل جُدالة في جنوب موريتانيا، تلك التي أخرجه أهلُها منها يخبرهم فيها بمكانه، فمن يريد أن يتعلم العلم فليأتني في هذا المكان. كان من الطبيعي أن يكون في جُدالة بعض الناس خاصّة من الشباب الذين تحرّكت قلوبهم وفطرتهم السوّية لهذا الدين، لكنّ أصحاب المصالح ومراكز القوى في البلاد كانوا يمنعونهم من ذلك، فحين علموا أنهم سيكونون بعيدين عن قومهم، ومن ثَمّ يكونون في مأمن مع شيخهم في أدغال السنغال، تاقت قلوبهم إلى لقياه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال، وجلسوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر...!! وفي خيمته وبصبر وأناة شديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلّمهم الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكيف أن الإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة، وبدأ يعلمهم العقيدة الصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل ويحملون السيوف، وكيف يعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادون الصيد ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه ولا يستجدون طعامهم ممن حولهم من الناس. ذاق الرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهم وأقربائهم وذويهم، لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه، فذهبوا إلى جُدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحوا عشرة، ثم زادوا إلى عشرين، وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانية فثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر. هذا ولم يملّ الشيخ عبد الله بن ياسين تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكان يكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه، وأنه لا بدّ من المحافظة على هذه الأصول، فالقرآن الكريم والسنة المطهرّة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام. يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:32 am | |
| أبو بكر بن عمر اللمتوني وزعامة دولة المرابطين بعد الشيخ "عبد الله بن ياسين" يتولّى الشيخ "أبو بكر بن عمر اللمتوني" ( 480 هـ= 1087 م ) زعامة جماعة المرابطين، وفي خلال سنتين من زعامته لهذه الجماعة الناشئة يكون قد ظهر في التاريخ ما يُعرف بدويلة المرابطين، وأرضها آنذاك شمال السنغال وجنوب موريتانيا، وهي بعد لا تكاد تُرى على خريطة العالم. وبعد سنتين من تولّي الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين، وفي سنة 453 هـ= 1061 م يسمع بخلاف قد نشب بين المسلمين في جنوب السنغال في منطقة بعيدة تمامًا عن دويلة المرابطين، ولعلمه أن الخلاف شر وأنه لو استشرى بين الناس فلن يكون هناك مجال للدعوة، نزل بعجالة ليحلّ هذا الخلاف رغم أن الناس ليسوا في جماعته وليسوا من قبيلته، لكنه وبحكمة شديدة يعلم أنه الحق ولا بد له من قوة تحميه. وفي السنة المذكورة كان قد وصل تعداد المرابطين قرابة الأربعة عشر ألفا، فأخذ نصفهم وجاب أعماق السنغال في جنوبها ليحل الخلاف بين المتصارعين هناك، تاركًا زعامة المرابطين لابن عمه يوسف بن تاشفين (410 - 500 هـ= 1019 - 1106 م ) رحمه الله. يستطيع أبو بكر بن عمر اللمتوني أن يحل الخلاف الذي حدث في جنوب السنغال، لكنه يفاجأ بشيء عجيب، فقد وجد في جنوب السنغال وبجانب هذه القبائل المتصارعة قبائل أخرى وثنية لا تعبد الله بالكلية، وجد قبائل تعبد الأشجار والأصنام وغير ذلك، وجد قبائل لم يصل إليها الإسلام بالمرة. حزّ ذلك في نفسه رحمه الله حيث كان قد تعلّم من الشيخ عبد الله بن ياسين أن يحمل همّ الدعوة إلى الله، وأن يحمل همّ هداية الناس أجمعين حتى إن لم يكونوا مسلمين، وأن يسعى إلى التغيير والإصلاح بنفسه، فأقبل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بالسبعة آلاف الذين معه يعلمونهم الإسلام ويعرفونهم دين الله، فأخذوا يتعلمون ويتعجبون: كيف لم نسمع بهذا الدين من قبل! كيف كنا بعيدين عن هذا الدين الشامل المتكامل! حيث كانوا يعيشون في أدغال أفريقيا ويفعلون أشياء عجيبة، ويعبدون أصنامًا غريبة، ولا يعرفون لهم ربًا ولا إلهًا. وبصبرٍ شديدٍ ظلّ أبو بكر بن عمر اللمتوني يدعوهم إلى الإسلام، فدخل منهم جمع كثير وقاومه جمع آخر؛ ذلك لأن أهل الباطل لا بدّ وأن يحافظوا على مصالحهم، حيث أنهم مستفيدون من وجود هذه الأصنام، ومن ثَمّ فلا بدّ وأن يقاوموه، فصارعهم أيضًا والتقى معهم في حروب طويلة. ظلّ الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني يتوسع في دعوته ويتنقل من قبيلة إلى قبيلة، وفي 468 هـ= 1076 م وبعد خمس عشرة سنة كاملة من تركه جنوب موريتانيا وهو زعيم على دويلة المرابطين، يعود رحمه الله بعد مهّمة شاقة في سبيل الله عز وجل يدعو إلى الله على بصيرة، فيُدخل في دين الله ما يُدخل، ويحارب من صد الناس عن دين الله سبحانه وتعالى حتى يرده إلى الدين أو يصده عن صده. ((لقد كان أبو بكر بن عمر من أعظم قادة المرابطين، واتقاهم وأكثرهم ورعًا ودينًا وحبًا للشهادة في سبيل الله، وساهم في توحيد بلاد المغرب، ونشر الإسلام في الصحارى القاحلة وحدود السنغال والنيجر، وجاهد القبائل الوثنية حتى خضعت وانقادت للإسلام والمسلمين، ودخل من الزنوج أعداد كبيرة في الإسلام، وساهموا في بناء دولة المرابطين الفتيّة، وشاركوا في الجهاد في بلاد الأندلس وصنعوا مع إخوانهم المسلمين في دولة المرابطين حضارة متميّزة)) د. الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:35 am | |
| يوسف بن تاشفين ومهام صعبة قال "الذهبي" في "سير أعلام النبلاء": كان ابن تاشفين (410 - 500 هـ= 1019 - 1106 م ) كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق... ووصفه "ابن الأثير" في "الكامل" بقوله: كان حليمًا كريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين، ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام... منذ أن ترك الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني دويلة المرابطين في جنوب موريتانيا وشمال السنغال في سنة 453 هـ= 1061 م والشيخ يوسف بن تاشفين ينتظر وصوله، مرّ يوم ويومان وشهر وشهران ولم يرجع، وحين علم أنه قد توغّل في أفريقيا ما كان منه رحمه الله إلا أن بدأ ينظر في الشمال باحثًا عمن ابتعد عن دين الله يعلّمه ويردّه إليه. نظر يوسف بن تاشفين في شمال موريتانيا (المنطقة التي تعلوه) وفي جنوب المغرب العربي فرأى من حال البربر الذين يعيشون في هذه المنطقة وبالتحديد في سنة 453 هـ= 1061 م رأى أمورًا عجبًا، هذه بعض منها: أولًا: قبيلة غمارة: هي من قبائل البربر وقد وجد فيها رجلًا يُدعى حاييم بن منّ الله يَدّعي النبوة وهو من المسلمين، والغريب أنه لم ينكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال إنه نبي على دين الإسلام، ثم أخذ يُشرّع للناس شرعًا جديدًا وهم يتبعونه في ذلك ويظنون أن هذا هو الإسلام. فرض حاييم بن منّ الله على قبيلته صلاتين فقط في اليوم والليلة، إحداها في الشروق والأخرى في الغروب، وبدأ يؤلّف لهم قرآنًا بالبربرية، ووضع عنهم الوضوء، ووضع عنهم الطُّهر من الجنابة، كما وضع عنهم فريضة الحج، وحرّم عليهم أكل بيض الطيور وأحلّ لهم أكل أنثى الخنزير، وأيضا حرّم أكل السمك حتى يُذبح. وإنه لخلط وسَفه بَيّنٌ خاصة حين يَدّعي أنّه من المسلمين، كما أنه من العجب أن يتبعه الناس على هذا الأمر ويعتقدون أن هذا هو الاسلام. قبيلة برغواطة: هي قبيلة أخرى من قبائل البربر في تلك المنطقة، على رأسها كان رجل يُدعى صالح بن طريف بن شمعون، ذلك الذي لم يكن بصالح ادّعى أيضًا النبوة، وفرض على الناس خمس صلوات في الصباح وخمس في المساء، وفرض عليهم نفس وضوء المسلمين بالإضافة إلى غسل السُّرّة وغسل الخاصرتين، كما فرض عليهم الزواج من غير المسلمات فقط، وجوّز لهم الزواج بأكثر من أربعة، وأيضًا فرض عليهم تربية الشعر للرجال في ضفائر وإلا أثموا، ومع كل هذا فقد كان يدّعي أنه من المسلمين. قبيلة زناتة: كانت قبيلة زناته من القبائل السنيّة في المنطقة، وكانت تعرف جزءًا من الإسلام، هو جانب العبادات وأمور العقيدة، فقد كانوا يصلون كما ينبغي أن تكون الصلاة، ويزكون كما يجب أن تكون الزكاة، لكنهم كانوا يسلبون وينهبون مَنْ حولهم، والقوي فيهم يأكل الضعيف، فَصَلُوا الدين تماما عن أمور الدنيا وسياسة الحياة العامة، فلم يكن الدين عندهم إلا صلاة وصيام وحج، وفي غير ذلك من المعاملات افعل ما بدا لك ولا حرج. كان من هذا القبيل الكثير والكثير الذي يكاد يكون قد مرق من الدين بالكلية، وقد كانت هناك قبيلة أخرى تعبد الكبش وتتقرب به إلى رب العالمين، وبالتحديد في جنوب المغرب، تلك البلاد التي فتحها عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير رضي الله عنهما. يوسف بن تاشفين وصناعة النصر والحضارة شق ذلك الوضع كثيرًا على يوسف بن تاشفين رحمه الله فأخذ جيشه وانطلق إلى الشمال ليدعو الناس إلى الإسلام، دخل معه بعضهم لكن الغالب قاومه وحاربه، فحاربه حاييم بن منّ الله، وحاربه صالح بن طريف، وحاربته كل القبائل الأخرى في المنطقة، حتى حاربته قبيلة زناتة السنية، فحاربهم بالسبعة آلاف رجل الذين تركهم معه أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله، وبمرور الأيام بدأ الناس يتعلمون منه الإسلام ويدخلون في جماعته المجاهدة. وبعد رجوع الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في سنة 468 هـ= 1076 م وبعد خمس عشرة سنة من الدعوة - كما ذكرت - في جنوب السنغال وأدغال أفريقيا، يرى يوسف بن تاشفين رحمه الله الذي كان قد تركه فقط على شمال السنغال وجنوب موريتانيا في سنة 453 هـ= 1061 م يراه أميرًا على: السنغال بكاملها، وموريتانيا بكاملها، والمغرب بكاملها، والجزائر بكاملها، وتونس بكاملها، وعلى جيش يصل إلى مائة ألف فارس غير الرجالة، يرفعون راية واحدة ويحملون اسم المرابطين. وجد أبو بكر بن عمر اللمتوني كذلك أن هناك مدينة قد أُسست على التقوى لم تكن على الأرض مطلقا قبل أن يغادر، وتلك هي مدينة "مراكش"، والتي أسسها الأمير يوسف بن تاشفين، وكان أول بناء له فيها هو المسجد الذي بناه بالطين والطوب اللبن، تمامًا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحمل بنفسه الطين مع الناس تشبهًا أيضًا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأمير على مائة ألف فارس. وكذلك وجد الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رجلًا قد أسس حضارة لم تُعرف في المنطقة منذ سنوات وسنوات، ثم هو بعد ذلك يراه زاهدا متقشفًا ورعًا تقيًا، عالمًا بدينه طائعًا لربه، فقام الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بعمل لم يحدث إلا في تاريخ المسلمين فقط، حيث قال ليوسف بن تاشفين: أنت أحق بالحكم مني، أنت الأمير، فإذا كنتُ قد استخلفتُك لأجلٍ حتى أعود فإنك تستحق الآن أن تكون أميرًا على هذه البلاد، أنت تستطيع أن تجمع الناس، وتستطيع أن تملك البلاد وتنشر الإسلام أكثر من ذلك، أما أنا فقد ذقت حلاوة دخول الناس في الإسلام، فسأعود مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا أدعو إلى الله هناك. أبو بكر بن عمر اللمتوني رجل الجهاد والدعوة نزل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا يدعو من جديد، فأدخل الإسلام في غينيا بيساو جنوب السنغال، وفي سيراليون، وفي ساحل العاج، وفي مالي، وفي بوركينا فاسو، وفي النيجر، وفي غانا، وفي داهومي، وفي توجو، وفي نيجريا وكان هذا هو الدخول الثاني للإسلام في نيجريا؛ حيث دخلها قبل ذلك بقرون، وفي الكاميرون، وفي أفريقيا الوسطى، وفي الجابون. فكانت أكثر من خمس عشرة دولة أفريقية قد دخلها الإسلام على يدِ هذا المجاهد البطل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله هذا الرجل الذي كان إذا دعا إلى الجهاد في سبيل الله - كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية - كان يقوم له خمسمائة ألف مقاتل، أي نصف مليون من المقاتلين الأشداء غير من لا يقومون من النساء والأطفال، وغير بقية الشعوب في هذه البلاد من أعداد لا تحصى قد هداها الله على يديه. وما من شك أنه كلما صلى رجل صلاة في النيجر أو في مالي أو في نيجريا أو في غانا، كلما صلى رجل صلاة هناك، وكلما فعل أحد منهم من الخير شيئا أُضيف إلى حسنات الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني ومن معه رحمهم الله. قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: "أبو بكر بن عمر أمير الملثمين كان في أرض فرغانة، اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من الملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدو خمسمائة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذا يقيم الحدود ويحفظ محارم الاسلام، ويحوط الدين ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابته نشابة في بعض غزواته في حلقه فقتلته..." ها هو رحمه الله وبعد حياة طويلة متجردة لله سبحانه وتعالى يستشهد في إحدى فتوحاته في سنة 480 هـ= 1087 م، وما استمتع بملكٍ قط بل كان يغزو في كل عام مرتين، يفتح البلاد ويعلّم الناس الإسلام، لتصبح دولة المرابطين قبل استشهاده رحمه الله ومنذ سنة 478 هـ= 1085 م متربعة على خريطة العالم ممتدة من تونس في الشمال إلى الجابون في وسط أفريقيا، وهي تملك أكثر من ثلث مساحة أفريقيا. لذلك حين قرأ "ألفونسو السادس" رد "المعتمد على الله بن عباد" أمير إشبيلية المحاصرة من قِبل الأول: لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين، علم أنه سيواجه ثلث أفريقيا، وعلم أنه سيقابل أقوامًا عاشوا على الجهاد سنوات وسنوات، فقام من توّه بفكّ الحصار ثم الرحيل. دولة المرابطين ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين وناصر الدين كانت بداية حديثنا عن تاريخ المرابطين هو سنة 440 هـ= 1048 م وكانت البداية برجل واحد فقط هو الشيخ عبد الله بن ياسين، ثم كان الصبر والتربية المتأنية في الدعوة إلى الله على النهج الصحيح القويم ليصل عدد المرابطين وينتشرون بهذا الحجم الذي أشرنا إليه، والذي يمثّل الآن أكثر من عشرين دولة أفريقية. فقط كان ذلك بعد ثمان وثلاثين سنة، وتحديدًا في سنة 478 هـ= 1085م، ويصبح يوسف بن تاشفين رحمه الله زعيم هذه الدولة العظيمة، ويسمي نفسه: أمير المسلمين وناصر الدين، وحين سُئِل لماذا لا تتسمى بأمير المؤمنين؟ أجاب: هذا شرف لا أدّعيه، هذا شرف يخصّ العباسيين وأنا رجلهم في هذا المكان. كان العباسيون في هذه الفترة لا يملكون سوى بغداد فقط، وكان يوسف بن تاشفين يريد للمسلمين أن يكونوا تحت راية واحدة، ولم يُرِد رحمه الله أن يشق عصا الخلافة، ولا أن ينقلب على خليفة المسلمين، وكان يتمنى أن لو استطاع أن يضم قوته إلى قوة الخليفة العباسي هناك، ويصبح رجلًا من رجاله في هذه البلاد فقال مجمّعا مؤمّلا: وأنا رجلهم في هذا المكان، وهذا هو الفقه الصحيح والفهم الشامل للإسلام... يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:38 am | |
| يوسف بن تاشفين ووفد الأندلس في سنة 478 هـ= 1085م وفي مراكش يستقبل يوسف بن تاشفين الوفد الذي جاء من قِبل بعض ملوك الطوائف - كما ذكرنا - يطلبون العون والمساعدة في وقف وصدّ هجمات النصارى عليهم، وإذا به رحمه الله يتشوّق لمثل ما يطلبون، حيث الجهاد في سبيل الله ومحاربة النصارى، فيالها من نعمة، ويالها من أمنية. ما كان منه رحمه الله إلا أن انطلق معهم وبنحو سبعة آلاف فقط من المجاهدين، رغم أن قوته في الشمال الأفريقي مائة ألف مقاتل، وكان لديه في الجنوب خمسمائة ألف، وقد كان هذا ملمح ذكاءٍ منه؛ إذ لم يكن رحمه الله وهو القائد المحنك ليخرج ويلقِي بكل قواته في الأندلس، ويتحرك بعشوائية تاركًا وراءه هذه المساحات الشاسعة في شمال وجنوب أفريقيا بلا حراسة ولا حماية، ومن ثَمّ فقد رأى أن يظلّ أحد الجيوش رابضًا في تونس وآخر في الجزائر ومثله في المغرب وهكذا في كل البلاد الإفريقيه التي فُتحت. أعدّ العدة رحمه الله وجهّز السفن، وبينما يعبر مضيق جبل طارق، وفي وسطه يهيج البحر وترتفع الأمواج وتكاد السفن أن تغرق، وكما كان قائدًا يقف هنا قدوة وإمامًا، خاشعًا ذليلًا، يرفع يديه إلى السماء ويقول: اللهم إن كنت تعلم أن في عبورنا هذا البحر خيرا لنا وللمسلمين فسهّل علينا عبوره، وإن كنت تعلم غير ذلك فصعّبه علينا حتى لا نعبره، فتسكن الريح، ويعبر الجيش، وعند أول وصول له، والوفود تنتظره ليستقبلونه استقبال الفاتحين، يسجد لله شكرًا أن مكنّه من العبور، وأن اختاره ليكون جنديًا من جنوده سبحانه وتعالى ومجاهدًا في سبيله. يوسف بن تاشفين وقدوة كانت قد افتقدت وغُيّبت يدخل يوسف بن تاشفين أرض الأندلس، ويدخل إلى إشبيلية والناس يستقبلونه استقبال الفاتحين، ثم يعبر في اتجاه الشمال إلى ناحية مملكة "قشتالة" النصرانية، تلك التي أثارت الرعب في قلوب كل الأمراء الموجودين في بلاد الأندلس في ذلك الوقت، يتجه إليها في عزّة نفس ورباطة جأش منقطعة النظير بسبعة آلاف فقط من الرجال. كان الأندلسيون ومنذ أكثر من سبعين سنة، في ذلّ وهوان وخنوع يدفعون الجزية للنصارى، وحينما شاهدوا هؤلاء الرجال الذين ما ألِفوا الذلّ يومًا، وما عرفوا غير الرباط في سبيل الله، حينما شاهدوهم يعبرون القفار ويتخطون البحار حاملين أرواحهم على أكفّهم من أجل عزِّ الإسلام وإعلاء كلمة الله ورفعة المسلمين، حينما شاهدوهم على هذه الحال تبدّلوا كثيرًا، وتاقت نفوسهم إلى مثل أفعالهم، فأقبلوا على الجهاد، وأذّنوا بحي على خير العمل. قال المقري في نفح الطيب: واجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية، وكان المعتمد قد جمع عساكره أيضاً، وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير، وقصده المطوعة من سائر بلاد الأندلس، ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع عساكره، وحشد جنوده، وسار من طليطلة... وبدأ يلحق بركب يوسف بن تاشفين الرجل من قرطبة والرجل من إشبيلية، وآخر من بطليوس، وهكذا حتى وصل الجيش إلى الزَّلَّاقة في شمال البلاد الإسلامية على حدود "قشتالة"، وعدده يربو على الثلاثين ألف رجل. ولا نعجب فهذه هي أهمية القدوة وفعلها في المسلمين وصورتها كما يجب أن تكون، تحركت مكامن الفطرة الطيبة، وعواطف الأخوّة الصادقة، والغيرة على الدين الخاتم، تلك الأمور التي توجد لدى عموم المسلمين بلا استثناء، وتحتاج فقط إلى من يحرّكها من سباتها. يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:47 am | |
| الزلاقة ومعركة الوجود الإسلامي في الأندلس لما كان يوم الجمعة الموافق 12 من شهر رجب 479 هـ= 23 من أكتوبر 1086 م هجم "ألفونسو السادس" بستين ألفًا من النصارى على الجيش الأول للمسلمين المؤلّف من خمسة عشر ألف فقط، وقد أراد يوسف بن تاشفين من وراء ذلك أن تحتدم الموقعة فتُنْهك قوى الطرفين حتى لا يستطيعان القتال، وكما يحدث في سباق الماراثون فيقوم هو ويتدخل بجيشه ليعدل الكفة لصالح صف المسلمين. وأمام أمواج تتلوها أمواج وأسراب تتبعها أسراب، يصبر المسلمون أمام ستين ألفا من النصارى... المعتمد بن عباد في قلب المعركة: مال ألفونسو السادس على المعتمد بجموعه وأحاطوا به من كل جهة فاستحر القتل فيهم، وصبر ابن عباد صبراً لم يعهد مثله لأحد، واستبطأ يوسف وهو يلاحظ طريقه، وعضته الحرب واشتد البلاء وأبطأ عليه الصحراويون، وساءت ظنون أصحابه، وانكشف بعضهم وفيهم ابنه عبد الله، وأثخن ابن عباد جراحات وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه، وجرحت يمنى يديه وطعن في أحد جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدم له آخر وهو يقاسي حياض الموت يضرب يميناً وشمالاً، وتذكر في تلك الحال ابناً له صغيراً كان مغرماً به، كان تركه بإشبيلية عليلاً اسمه المعلى وكنيته أبو هاشم فقال: أبا هاشـم هشـمتني الشـفار فلله صبري لذاك الأوار ذكرت شخيصك تحت العجاج فلم يثنـني ذكره للفرار ثم كان أول من وافى ابن عباد من قواد ابن تاشفين، داود بن عائشة، وكان بطلاً شهماً فنفس بمجيئه عن ابن عباد... وهناك وبعد عصر ذلك اليوم يشير يوسف بن تاشفين إلى من معه أن انزلوا وساعدوا إخوانكم، وذلك بعد أن كانت قد أُنهكت قوى الطرفين من المسلمين والنصارى، وبعد طول صبر ينزل يوسف بن تاشفين بالأحد عشر مقاتلًا الذين كانوا معه وهم في كامل قوتهم، فيحاصرون الجيش النصراني. قسّم يوسف بن تاشفين الجيش الذي كان معه إلى قسمين، فالأول يساعد مقدمة المسلمين، والثاني يلتفّ خلف جيش النصارى، وكان أول فعل له خلف جيش النصارى هو أن حرّق خيامهم، وذلك حتى يعلم النصارى أن يوسف بن تاشفين ومن معه من ورائهم وهم محيطون بهم، فقد كان يعلم رحمه الله أن مثل هؤلاء الناس لا يهمهم من الدنيا إلا أن يظلوا أحياء، وأن ينجوا بأنفسهم. حين علم النصارى أن المسلمين من ورائهم وأنهم محاصرون دبّت الهزيمة في قلوبهم، وبدأ الخلل يتغلغل في صفوفهم، وبالفعل بدأ الانسحاب التدريجي التكتيكي الذي يحاول أقل خسارة ممكنة، وقد التفّ الناس حول ألفونسو السادس يحمونه، ثم حدثت خلخلة عظيمة في جيشهم. وفي الضربة الأولى ليوسف بن تاشفين يُقتل من النصارى عشرة آلاف رجل، وفي وصف لهذا القائد في تلك المعركة يقول المؤرخون بأن يوسف بن تاشفين وهو الأمير على ثلث إفريقيا كان في هذه الموقعة يتعرض للموت ويتعرض للشهادة ولا يصيبها، يلقي بنفسه في المهالك، رحمه الله ورضي عنه وعن أمثاله. تزداد شراسة الموقعة حتى قبيل المغرب، ثم ومن بعيد يشير يوسف بن تاشفين إلى الأربعة آلاف فارس أو الفرقة الثالثة والأخيرة، والتي كانت من رجال السودان المهرة، فيأتون فيعملون القتل في النصارى ويستأصلونهم. وتنجلي الحقيقة المروّعة لأعداء الله عن قتل خمسين وخمسمائة وتسع وخمسين ألفًا من النصارى من مجموع ستين ألفا منهم، ممن كانوا سيهزمون الإنس والجن والملائكة، في موقعة كانت تنزلق فيها أقتاب الخيول وأرجل الفرسان من كثرة الدماء في هذه الأرض الصخرية، حتى سُمّيت من بعدها بالزلَّاقة. وكان قد بقي من النصارى أربعمائة وخمسون فارسًا فقط، منهم ألفونسو السادس الذي نجا من الموت بساق واحدة، ثم انسحب في جنح الظلام بمن معه إلى طليطلة، وقد مات منهم في الطريق من أثر الجراح المثخنة ثلاثمائة وخمسون فارسا، وهناك دخل طليطلة بمائة فارس فقط. فكانت الزلاقة دون مبالغة كاليرموك والقادسية... لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا بعد هذه المعركة جمع المسلمون من الغنائم الكثير، لكن يوسف بن تاشفين وفي صورة مشرقة ومشرّفة من صور الإخلاص والتجرد وفي درس عملي بليغ لأهل الأندلس عامة ولأمرائهم خاصة يترك كل هذه الغنائم لأهل الأندلس، ويرجع في زهدٍ عجيب وورع صادق إلى بلاد المغرب، لسان حاله: [لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورً] {الإنسان:9}. قال المقري في نفح الطيب: وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام، حتى جمعت الغنائم، واستؤذن في ذلك السلطان يوسف، فعفّ عنها، وآثر بها ملوك الأندلس، وعرفهم أن مقصده الجهاد والأجر العظيم، وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم، فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه، وأحبوه وشكروا له ذلك. يعود رحمه الله إلى بلاد المغرب ليس معه إلا وعودًا منهم بالوحدة والتجمع ونبذ الفرقة، والتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نصحهم باتباع سنة الجهاد في سبيل الله، وعاد يوسف بن تاشفين البطل الإسلامي المغوار وعمره آنذاك تسع وسبعون سنة!! كان من الممكن له رحمه الله أن يرسل قائدا من قواده إلى أرض الأندلس ويبقى هو في بلاد المغرب، بعيدا عن تخطي القفار وعبور البحار، وبعيدا عن ويلات الحروب وإهلاك النفوس، وبعيدا عن أرض غريبة وأناس أغرب، لكنه رحمه الله وهو الشيخ الكبير يتخطى تلك الصعاب ويركب فرسه ويحمل روحه بين يديه، لسان حاله: أذهب إلى أرض الجهاد لعلّي أموت في سبيل الله، شعاره هو: إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومٍ فَلَا تَقْنَعُ بِمَا دُونَ النُّجُومِ فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ لكنه رحمه الله لم يمت هناك، فلا نامت أعين الجبناء. واستشهد في ذلك اليوم جماعة من الفضلاء والعلماء وأعيان الناس، مثل ابن رميلة صاحب الرؤية المذكورة، وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك المصمودي، وغيرهما، رحمهما الله تعالى... نفح الطيب المعتمد على الله بن عباد وشرف الجهاد ولما دخل ابن عباد اشبيلية جلس للناس وهُنئ بالفتح، وقرأت القراء وقامت على رأسه الشعراء فأنشدوه، قال عبد الجليل بن وهبون: حضرت ذلك اليوم وأعددت قصيدة أنشده إياها فقرأ القارئ: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ] {التوبة 40} فقلت: بعداً لي ولشعري، والله ما أبقت لي هذه الآية معنى أحضره وأقوم به؛ واستشهد في هذا اليوم جماعة من أعيان الناس كابن رميلة المتقدم الذكر وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك المصمودي وغيرهما، وطار ذكر ابن عباد بهذه الوقيعة وشهر مجده، ومالت إليه القلوب، وسالمته ملوك الطوائف، وخاطبوه جميعاً بالتهنئة، ولم يزل ملحوظاً معظماً إلى أن كان من أمره مع يوسف ما كان... الروض المعطار في خبر الأقطار - الحِميري مصير ألفونسو السادس: لما بلغ - ألفونسو السادس - إلى بلاده وسأل عن أبطاله وشجعانه وأصحابهم ففقدهم ولم يسمع إلا نواح الثكلى عليهم، اهتمّ ولم يأكل ولم يشرب حتى هلك هماً وغمًا، فكان مصيره جهنم وبئس المصير... صراعات ملوك الطوائف وعودة يوسف بن تاشفين من جديد بعد عودة يوسف بن تاشفين إلى أرض المغرب، حدثت الصراعات بين أمراء المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس بسبب الغنائم وتقسيم البلاد المحرّرة. وهنا ضج علماء الأندلس وذهبوا يستنجدون بيوسف بن تاشفين من جديد، لا لتخليصهم هذه المرة من النصارى، وإنما لإنقاذهم من أمرائهم... يتورّع يوسف بن تاشفين عن هذ الأمر، إذ كيف يهجم على بلاد المسلمين وكيف يحاربهم؟! فتأتيه رحمه الله الفتاوى من كل بلاد المسلمين تحمّله مسئولية ما يحدث في بلاد الأندلس إن هو تأخر عنها، وتحذّره من ضياعها إلى الأبد، وتطلب منه أن يضمها إلى أملاك المسلمين تحت دولة واحدة وراية واحدة، هي دولة المرابطين. فجاءته الفتوى بذلك من بلاد الشام من أبي حامد الغزالي صاحب "إحياء علوم الدين"، وقد كان معاصرًا لهذه الأحداث، وجاءته الفتوى من أبي بكر الطرطوشي العالم المصري الكبير، وجاءته الفتوى من كل علماء المالكية في شمال أفريقيا. لم يجد يوسف بن تاشفين إلا أن يستجيب لمطلبهم، فقام في سنة 483 هـ= 1090 م وبعد مرور أربعة أعوام على موقعة الزَلَّاقة، وجهّز نفسه ودخل الأندلس. ((الواقع يقول أن ابن تاشفين لم يطمع في الأندلس وتردد كثيرًا قبل العبور، وعف عن الغنائم بعد ذلك وتركها للمعتمد ولأمراء الأندلس ولم يأخذ منها شيئًا، وكان عودته، ثم يعود في الجواز الثاني بسبب اختلافات ملوك الطوائف، وتحالف بعضهم مع عدو الإسلام، وكان الجواز الثالث لوضع حد لمهزلة ملوك الطوائف، لقد آن - وباسم الإسلام - لهذه الدويلات الضعيفة المتناحرة المتحالف بعضها مع الأعداء أن تنتهي...))...الزلاقة - د. شوقي أبو خليل يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:50 am | |
| يوسف بن تاشفين ودولة واحدة على المغرب والأندلس لم يكن دخول يوسف بن تاشفين الأندلس أمرًا سهلًا، فقد حاربه الأمراء هناك بما فيهم المعتمد على الله بن عبّاد، ذلك الرجل الذي لم يجد العزّة إلا تحت راية يوسف بن تاشفين رحمه الله قبل وبعد الزلاقة، قام المعتمد على الله بمحاربته وأنّى له أن يحارب مثله... استعرت نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف وانتهت بضم كل ممالك الأندلس لدولة المرابطين إلا "سرقسطة" التي حكمها أحمد بن هود، والذي كان كالشوكة في حلق النصارى، فقد قاومهم زمنًا طويلًا، وتراجع النصارى أمام صمود بني هود البطولي، وأظهر بنود هود مقدرة فائقة على قتال النصارى مما جعل المرابطين يحترمونهم، وتوطدت العلاقة الودية بين الأمير يوسف والأمير احمد بن هود الذي كان وفيًا في عهوده، ومخلصًُا في جهاده، وحريصًا على أمته، ورضي المرابطون ببقاء أحمد بن هود حاكمًا تابعًا لهم، وبذلك أصبحت الأندلس ولاية تابعة لدولة المرابطين، وتوارت العناصر والزعامات الهزيلة وانهار سلطان العصبيات الطائفية. الأندلس في عصر المرابطين ص 112 فاستطاع يوسف بن تاشفين أن يضمّ كل بلاد الأندلس تحت لوائه، وأن يحرّر "سرقسطة"، تلك التي كان النصارى قد أخذوها بعد أن قسّمها أميرها بين ولديه - كما ذكرنا - واستطاع أن يضمّها إلى بلاد المسلمين، وقد أصبح أميرًا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط أفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين. ظلّ هذا الشيخ الكبير يحكم حتى سنة 500 هـ= 1106 م وكان قد بلغ من الكبر عتيًا، وتوفي رحمه الله بعد حياة حافلة بالجهاد وقد وفّى تمام المائة، منها سبع وأربعين سنة في الحكم، وكان تمام ستين سنة على ميلاد دولة المرابطين، تلك التي أصبحت من أقوى دول العالم في ذلك الزمان يتبع | |
|
| |
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: دولة المرابطين الخميس أكتوبر 22, 2009 10:52 am | |
| المرابطون ومواصلة الانتصارات بعد موت يوسف بن تاشفين بعام واحد، وفي سنة 501 هـ= 1107 م وبعد ما يقرب من اثنتين وعشرين سنة من الزلاقة، تدور واحدة من أضخم المواقع بين المسلمين وبين النصارى، وهي التي سميت في التاريخ بموقعة أقليش، وقد تولى القيادة فيها على المسلمين عليّ بن يوسف بن تاشفين ( 477 - 537 هـ= 1084 - 1143م) وتولى القيادة على الصليبيين ابن ألفونسو السادس، وانتصر المسلمون أيضًا انتصارًا ساحقًا في هذه الموقعة، وقُتل من النصارى ثلاثة وعشرون ألفًا. توالت انتصاراتُ المسلمين بعد هذه المعركة، ففي عام 509 هـ= 1115 م استطاع المسلمون أن يفتحوا جزر البليار، تلك التي كانت قد سقطت من جديد في عهد ملوك الطوائف، وقد أصبح المسلمون يسيطرون على جزء كبير من أراضي الأندلس تحت اسم دولة المرابطين. ((لقد مرت سياسة المرابطين في الأندلس بمراحل ثلاث: 1 - مرحلة التدخل من أجل الجهاد وإنقاذ المسلمين، وقد انتهت بانسحاب المرابطين بمجرد انتصار الزلاقة. 2 - مرحلة الحذر من ملوك الطوائف، بعد أن ظل وضعهم وضع التنافر والتحاسد والتباغض، ولم يفكروا في الاندماج في دولة واحد، بل فضل بعضهم التقرّب إلى الأعداء للكيد ببعضهم. 3 - مرحلة ضم الأندلس إلى المغرب، فوضعوا حدًا لمهزلة ملوك الطوائف.)) الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين 136 وفي سنة 512 هـ= 1118 م تحدث في داخل بلاد المغرب وفي عقر دار المرابطين ثورة تؤدي بأثر سلبي إلى هزيمتين متتاليتين لهم في بلاد الأندلس، كانت الأولى هزيمة قاتندة، والثانية هزيمة القُليّعة. المرابطون الهزيمة والانحدار.. وقفة متأنية على إثر قيام ثورة في المغرب في عقر دار المرابطين، وعلى إثر هزيمتين متتاليتين لهم في الأندلس من قِبل النصارى، يحق لنا أن نتساءل: لماذا تقوم الثورة في هذا الوقت في دولة المرابطين؟! ولماذا هذا الانحدار وتلك الهزائم المتتالية؟! وفي تحليلٍ موضوعيّ لهذه الأحداث نعود بالتاريخ إلى بداية نشأة دولة المرابطين وقيامها، ففي سنة 440 هـ= 1048 م حيث قَدِم الشيخ عبد الله بن ياسين، ظلت الأمور بعده تتدرج ببطء حتى دخل أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله مع الشيخ عبد الله بن ياسين وحدثت انفراجة قليلة للمسلمين كانت غير متوقعة في ذلك الوقت، حدث بعدها انتشار بطيء ثم انتشار سريع، ثم فتح عظيم وتمكين، ثم دنيا وسلطان وعزّ كبير للمسلمين، حتى عام 509 هـ= 1115 م كما رأينا سابقًا. ومن خلال واقع دراستنا تلك، ومن خلال واقع تاريخ المسلمين قبل ذلك، ما الذي يمكن أن نتخيله بعد هذا؟! فمنذ سنة سنة 440 هـ= 1048 م ولمدة سبعين سنة، وحتى سنة 509 هـ= 1115 م حيث الانتصارات المتتالية، وحيث العلو والارتفاع، وحيث الأموال والغنائم والقصور، وحيث الدنيا التي فتحت على المسلمين، والتي وصلوا فيها إلى درجة عالية من العزّ والسلطان والتمكين، فما هو المتوقع بعد ذلك، وما هي الأحداث الطبيعية التي من الممكن أن تحدث كما سبق ورأينا؟! لا شكّ أن الشيء الطبيعي والمتوقع حدوثه هو حصول انكسار من جديد للمسلمين، وحدوث فتنة من هذه الدنيا التي فتحت على المسلمين، وفتنه من هذه الأموال التي كثرت في أيديهم. وقد يتساءل البعض: هل من المعقول بعد انتصارات أبو بكر بن عمر اللمتوني، وانتصارات وأعمال يوسف بن تاشفين، وبعد الزلّاقة، هل من المعقول بعد كل هذا أن يحدث انكسار للمسلمين؟! وفي معرض الردّ على هذا نقول: كيف نتعجب من حدوث هذا الانكسار الذي حدث بعد وفاة يوسف بن تاشفين، ولا نستغربه وقت أن حدث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متجسدًا في الردّة الكبيرة التي حدثت بين المسلمين؟! وهو بلا شكّ أعظم تربية وأقوى أثرًا من يوسف بن تاشفين ومن على شاكلته، وخاصة إذا كانت هناك شواهد بيّنة لهذا الانكسار وتلك الرجعة. شواهد الانكسار وعوامل السقوط في دولة المرابطين كدورة طبيعية من دورات التاريخ، ومما لا يعدّ أمرًا غريبًا أو غير متوقع، كانت هناك شواهد بيّنة لانكسار وتراجع دولة المرابطين عما كانت عليه قبل ذلك، نستطيع أن نجملها فيما يلي: أولًا: فتنة الدنيا وإن ظلّ أمر الجهاد قائمًا بالرغم من عدم توقف الجهاد، وبالرغم من صولات وجولات علي بن يوسف بن تاشفين التي كانت له مع النصارى وفي أكثر من موقعة، إلا أن المرابطين كانوا قد فُتنوا بالدنيا، وهو يعدّ في بادئ الأمر شيء غريب جدًا، وفي تحليل لمنشأ هذا الشاهد وُجد أن سببه خطأ كبير كان قد ارتكبه المسلمون في دولة المرابطين وهم عنه غافلون، وليتنا نأخذ العظة والعبرة منه، فقد جعلوا جلّ اهتمامهم التركيز على جانب واحد من جوانب الإسلام وتركوا أو أهملوا الجوانب الأخرى، فقد انشغل المرابطون في أرض الأندلس وفي بلاد المغرب وما حولها من البلاد، انشغلوا بالجهاد في سبيل الله عن تعليم الناس وتثقيفهم أمور دينهم، ومهمّة التعليم بالذات مهمّة شاقة خاصة في هذا الزمن؛ فالناس بطبيعتهم متفلّتة من التعلم ومن الالتزام بتعاليم الدين، ولا يحبون من يأتي لهم بقوانين وبرامج تربوية يعتقدون أنهم في غنى عنها، ومن ثَمّ كان لا بد وأن يتضاعف المجهود الضخم الذي يُبذل من أجل هذه المهمة، حتى تتعلم الأمة أمور دينها، وتعرف ما يجوز وما لا يجوز، وتعرف الواجبات من المحرمات من المستحبات، وقد انشغل المرابطون بالجهاد في سبيل الله عن غيره من المهمات ذات الأولوية المطلقة مثل قضية التعليم تلك، ولم يعد الأمر مثل ما كان عليه عهد عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين من حرصهم على تعليم الناس وتفقيههم أمور دينهم، وجعلهم جميعًا في رباط وفي مهمة منوطة بهم عليهم أن يؤدوها. شُغل المرابطون بالجهاد عن إدارة الحكم وعن السياسة داخل البلاد، شُغلوا بالأمور الخارجية عن الأمور الداخلية، والإسلام بطبيعته دين متوازن ونظام شامل لا يغلّب جانبًا على جانب، وقد رأينا مثالًا واضحًا لهذا الأمر في تلك الدولة المتوازنة التي أقامها عبد الرحمن الناصر رحمه الله في نواحي العلم والجهاد والاقتصاد والقانون والعمران والعبادة، وكل شيء، حيث الدولة التي تسدّ حاجات الروح والجسد، فسادت وتمكنّت وظلّت حينًا من الدهر، ومثلها أيضًا كانت بداية دولة المرابطين وإقامة الجماعة المتوازنة على يد الشيخ عبد الله بن ياسين، تلك التي اهتم في قيامها بكل جوانب الحياة وعوامل ومقومات الدولة المتكاملة، التي تعطي كل جانب من مقومّاتها قدرًا مناسبًا من الجهد والوقت والعمل، فتعلّموا أن يكونوا فرسانًا مجاهدين ورهبانًا عابدين، كما تعلّموا أن يكونوا سياسيين بارعين، ومتعاونين على منهج صحيح من الإسلام وأصوله، لكن أن يوجِه المسلمون كل طاقاتهم إلى الجهاد في سبيل الله في سنة خمسمائة من الهجرة وما بعدها، ثم يتركون أمور السياسة الداخلية وتثقيف الناس وتعليمهم أمور دينهم، فتلك هي قاصمة الظهر... ثانيًا: كثرة الذنوب رغم وجود العلماء كثرت الذنوب والمعاصي في دولة المرابطين، سواء أكان ذلك في الأندلس أم في أرض المغرب، وهذا مع وجود العلماء الكثيرين في ذلك الوقت، وكثرة الذنوب كان أمرًا طبيعيًا خاصّة بعد أن فُتحت البلاد وكثرت الأموال؛ وذلك لأن معظم الذنوب تحتاج إلى أموال كثيرة جدًا لاقترافها، فالخمر والمخدرات والملاهي الليلية، ذنوب تحتاج إلى كثير مال للحصول عليها واقترافها، تلك الأموال التي لو كثرت ما برحت هذه الذنوب تكثر وتصير إلفًا بين الأقران، وأصحاب النفوس الضعيفة الذين كانوا يقطنون في دولة المرابطين (في المغرب) كانوا يفكرون في الذنوب لكن لا يقدرون عليها، أما الآن وقد فُتحت الدنيا عليهم وكثرت الأموال في أيديهم، فتحرّكت هذه النفوس الضعيفة ناحية الذنوب، وبدأت ترتكب من الذنوب والكبائر ألوانًا وأشكالًا. ولا شكّ أنه كان هناك الغني الشاكر، لكن الحق أن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة، والأصل أن الناس جميعًا يُفتنون بالدنيا ويقعون في الذنوب إذا كثر المال في أيديهم، يقول سبحانه وتعالى في معرض قصة نوحٍ عليه السلام: [فَقَالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ] {هود:27}. والأراذل هم ضعاف الناس وبسطاء القوم وفقراؤهم، وهم الذين اتبعوا نوحًا عليه السلام، واتبعوا الرسل من بعده، واتبعوا كل الدعاة إلى يوم القيامة، ومن هنا فإن كثرة الذنوب أمر طبيعي ومتوقع كنتيجة مباشرة لكثرة الأموال، لكن أين العلماء الكثيرون المنتشرون في بلاد الأندلس وبلاد المغرب العربي في ذلك الوقت؟! كيف يُفتن الناس بالدنيا وراية الجهاد خفّاقة، وكيف تُكثر الذنوب رغم وجود العلماء الأجلّاء؟! وواقع الأمر أن العلماء هم الذين يقع على عاتقهم العبء الأكبر من هذا التدني وذاك الانحدار، إذ نراهم وقد انشغلوا بفرعيات الأمور وأغفلوا أساسياتها، لقد طرقوا أمورًا وتركوا أمورًا أولى وأهمّ منها، أخذوا يؤلّفون المؤلفات ويعقدون المناظرات ويقسّمون التقسيمات في أمور لا ينبني عليها كثير عمل ولا كثير جدوى، بينما أغفلوا أمورًا ما يصحّ لهم أبدًا أن يتركوها أو يغفلوها، شغلوا أنفسهم بوضع اليد أثناء الصلاة، هل توضع على الصدر أم على البطن؟ وإذا كانت على الصدر ففي أي مكان منه؟ وكيف يكون وضع السبابة أثناء التشهد؟ هل تُرفع من بداية التشهد أم من منتصفه؟ وهل ترفع ساكنة أم متحركة؟ وإذا كانت متحركة فهل حركتها رأسية أم هي دائرية؟ ثم ما هو معدل الحركة أسريع هو أم بطيء؟ وهذا بخلاف المناظرات والمجادلات الحادّة والطويلة في أمر الخوارج والشيعة والمرجئة والمعطلة والمشبهة والمجسمة، وغيرها من الأسماء والفرق التي ما كان يراها المسلمون أو يسمعون عنها، أخذوا يُنقّبون في الكتب ويبحثون عن كل غريب من أجل هذه المناظرات وتلك المجادلات التي لا نهاية لها... النتائج التي تربت على تعمق العلماء في الفروع دون الأصول: كان اتّجاه العلماء في ذلك الوقت إلى التعمق في الفروع وإهمال الأصول كمن ترك لُجّة البحر واتجه إلى القنوات الفرعية، فأنى له الوصول وأنى لعمله الفائدة المرجوة منه؟! فكان ونتيجة طبيعية لذلك أن نتج عن هذا القلب الخاطئ وذاك التعمق في الفروع تلك الأمور الخطيرة التالية: أولًا: جدال عظيم عقيم بين العلماء والعامّة وذلك أن العلماء لم يفهموا أو لم يستطيعوا أن يتفهموا حاجة العامة، كما لم تعرف العامة ما يتنطع به العلماء، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر وأحكم الخلق يتكلم بالكلمة فيفهمه علماء الصحابة ويفهمه الأعرابي البسيط، كما كان يفهمه الرجل وتفهمه المرأة والكبير والصغير كل على حد سواء. ثانيًا: عزلة العلماء عن مجتمعاتهم باتجاه العلماء إلى دقائق الأمور من الفروع لم يعد يشغلهم حال مجتمعاتهم، ولم يعودوا هم يعرفون شيئا عما يدور فيها وما يحلّ بها من مصائب وذنوب، فتوسّعت الهوّة كثيرًا بينهم وبين مجتمعاتهم، وحدثت بذلك عزلة خطيرة لهم في العهد الخير للمرابطين، فكانت الخمور تُباع وتُشترى بل وتُصنّع في البلاد ولا يتكلم أحد، وكانت الضرائب الباهظة تُفرض على الناس غير الزكاة وبغير وجه حق ولا يتكلم من العلماء أحد، وكان الظلم من الولاة لأفراد الشعب ولا يتكلم من العلماء أحد، وكانت هناك ملاهي الرقص لا تتستر بل تعلن عن نفسها بسفور ولا يتكلم من العلماء أحد، وإنه لعجب والله أن تحدث مثل هذه الأمور في هذا الزمن (من بعد سنة خمسمائة من الهجرة) وتلك الدولة المرابطية، فقد كانت النساء تخرج سافرات بلا حجاب والعلماء لاهون بالحديث عن المرجئة والمعطّلة وغيرها من أمور الجدال العقيمة والفرقة المقيتة، ويعتقدون أن مثل هذه الأمور هي التي يجب أن يُشغَل بها المسلمون، وغيرها هي الأقل أهمية من وجهة نظرهم. ثالثًا: أزمة اقتصادية حادة كان من بين شواهد الانكسار الأخرى في نهاية دولة المرابطين، وبعد فتنة الدنيا والمال، وغياب الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام، وكثرة الذنوب، وجمود الفكر عند العلماء وانعزالهم عن المجتمع كان فوق كل هذه الأمور أن حدثت أزمة اقتصاديّة حادة في دولة المرابطين؛ حيث غاب المطر لسنوات وسنوات، فيبست الأرض وجفّ الزرع وهلكت الدواب، وقد يرى البعض أن هذا من قبيل المصادفة البحتة والعجيبة في نفس الوقت، لكنها والله ليست مصادفة بل هي في كتاب الله عز وجل ومن سننه الثوابت، يقول تعالى في كتابه الكريم: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {الأعراف:96}. وهذا كلام نوح عليه السلام في حديثه لقومه حيث يقول: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا] {نوح:10،11،12،13}. فالله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمنين دائمًا بالقحط وبالأزمات الاقتصادية الحادة عندما يبتعدوا عن طريقه وعن نهجه القويم الذي رسَمَهُ لهم، ومن هنا فلو لوحظ تدهور في الحالة الاقتصادية لأحد البلدان أو المجتمعات، وبدأت الأموال تقلّ في أيدي الناس، وبدءوا يعملون لساعات وساعات ولا يحصل لهم ما يكفي لسدّ رمقهم أو ما يكفي لعيشهم عيشة كريمة، فاعلم أن هناك خللاً في العلاقة بين العباد وربهم سبحانه وتعالى، وأن هناك ابتعاد عن منهجه وطريقه المستقيم؛ إذ لو كانوا يطيعونه لبارك لهم سبحانه وتعالى في أقواتهم وأرزاقهم. وبالطبع أعقب هذه الأحداث التي وقعت في بلاد المرابطين هزائم متعددة من قِبل النصارى، فكانت كما ذكرنا موقعة قاتندة في سنة 514 هـ= 1120 م والتي هُزم فيها المسلمون هزيمة منكرة، ومثلها وبعدها أيضا كانت موقعة القُليّعة في سنة 523 هـ= 1129 م والتي مُني فيها المسلمون أيضًا بالهزيمة المنكرة. | |
|
| |
| دولة المرابطين | |
|