[size=16]مقدمة
أتى اليوم الرابع للقتال، وكان الفريقان يقاتلون منذ أكثر من أربع وعشرين ساعةً متصلةً، ولم ينقطع القتال إلا نحو ساعة واحدة بعد صلاة العشاء بعد تكبيرة طليحة بن خويلد الأسدي؛ ولكن القتال كله استمر من صباح اليوم الثالث حتى صباح اليوم الرابع، وأشرقت شمس اليوم الرابع، ورأى سعد بن أبي وقاص أن المسلمين يتواصون بالقتال؛ فعلم أن النصر في هذه الليلة "ليلة الهرير" مع المسلمين، وكان سعد بن أبي وقاص من فوق حصن "قديس" لا يرى وقائع القتال بصورة واضحة، وليس عنده من الجنود من يذهب ويعود إليه بالأخبار؛ لأن كل الجنود كانوا قد اشتركوا في القادسية لشدة المعركة، ونال التعب من الفريقين، وكان واضحًا أن الحرب تقترب من نهايتها، فكل فريق قد استُنفِدَتْ طاقاته سواء الطاقات البدنية أو الخططية، فالطرفان لم يناما منذ أربع وعشرين ساعة، وكل فريق يريد للموقعة أن تنتهي.
أدرك هذه الحقيقة القعقاع بن عمرو التميمي t فقال للمسلمين: إن الدَّبَرَة بعد ساعة لمن بدأ القوم (أي أن ميعاد الهزيمة قد اقترب، فمن يبدأ في التخاذل سيكون من نصيبه الهزيمة؛ لأن الأمر شديد على الطرفين) {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]؛ فاصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر، فآثِرُوا الصبرَ على الجزع. وبدأ يحمِّس المسلمين، وقام خطباء المسلمين من جديد يحمسون المسلمين، وكأنهم في بداية القتال، وبدأ المسلمون في الهجوم الشديد على الجيوش الفارسية، وفي بداية ذلك اليوم مال النصر إلى حَدٍّ كبير إلى صفِّ المسلمين، وكان القتال كله في قطاع الجيش الفارسي، كما كان الجيش الإسلامي بكامله في قطاع الجيش الفارسي يضغط عليه عند نهر العتيق الذي يقع خلف الجيش الفارسي، وكان الجيش الفارسي يتكون من خمسة قطاعات، منها قطاع البيرزان وقطاع بهمن وكلاهما دون رئيس ودون قائد؛ لأن البيرزان وبهمن قُتِلا، وبقي رستم في منتصف الجيوش في قطاع بهمن حيث تقع الطائرة التي يقيم فيها.
خطة للوصول إلى قلب الجيش الفارسي:
قام القعقاع بن عمرو التميمي t بتدبير خطة حتى يُنْهَى القتال الشديد على المسلمين وعلى الفرس؛ ففكَّر في أمر فكر فيه من قبلُ المثنى بن حارثة t، حيث فكر في أن يأخذ قبيلة تميم وهي قبيلته، ويأخذ معه نجباء المسلمين من المقاتلين، أي أن يأخذ أفضل الجنود من كتيبة الفرسان ويدك بهم قلب الجيش الفارسي، وكان يرأسه بهمن جاذويه، وكان هدف القعقاع بن عمرو t أن يفصل الميمنة عن الميسرة؛ فتنقطع الاتصالات بين الفريقين، ومن الممكن بعد ذلك أن يفقدوا السيطرة، ويفقدوا صلتهم بقائدهم، وكان هدف القعقاع t أن يصل إلى رأس الأفعى؛ يصل إلى رأس رستم قائد الفرس، ويقول: إذا قتلت رستم ضاعت معنويات الجيش الفارسي كله. وبدأت بالفعل عملية من أصعب العمليات؛ لأن قطاع بهمن فيه نحو عشرين ألفًا، وقبيلة تميم كلها تقريبًا ثلاثة آلاف؛ ومن فضل الله على المسلمين أن المساحة العرضية لأرض القادسية كانت ضيقة، فكان الجيش الفارسي مرتبًا في صفوف بعضها وراء بعض، وهذا كان من فضل الله I، وقد أسهم ذلك في إلحاقِ الهزيمة بالفرس.
وبدأ القعقاع t ومعه قبيلة تميم في الضغط على الفُرْسِ، ويبدأ قلب الفرس في الانهيار تدريجيًّا أمام الضغط الشديد للمسلمين، وفي الوقت نفسه تمارس قبائل بني قحطان اليمنية الضغط على ميمنة الفرس بقيادة الهرمزان، وتضغط قبيلة قيس على مهران في الميسرة؛ حتى لا تلتف ميسرة أو ميمنة الفرس حول الجيش الإسلامي من الخلف، ويستمر المسلمون في الضغط على الفرس إلى نهر العتيق، وكانت أعداد الجيش الفارسي ضخمة، فهناك مائة وعشرون ألفًا موجودون قبل نهر العتيق، وهناك مائة وعشرون ألفًا ينتظرونهم في الناحية الأخرى، وكان قد قتل من الفرس نحو خمسة وعشرين ألفًا حتى هذه اللحظة، وتبقَّى -من هذا الجيش- خمسة وتسعون ألفًا، وهذا ما زال عددًا كبيرًا.[/size]