[size=16]مقدمة
يبدو أن الغنائم غيرت في طباع بعض المسلمين، فقد لاحظ سيدنا عمر بن الخطاب تغيرًا في حال الرسل القادمين إليه من المدائن وبلاد الفرس بعد التقشف الذي عهده عليهم، إلى أن أرسل إليه سيدنا حذيفة رسالة يقول له فيها: إن المسلمين قد أترفت بطونهم، وخفت أعضادهم، وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
فاتخذ سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا يأمر فيه سيدنا سعدًا بالتخلي عن المدائن عاصمةً، وأمره بالبحث عن أرض أخرى صلبة ليست كأرض المدائن، وقال: إن العرب لا يوافقهم إلا ما وافق إبِلَها.
وأمرهم بالبحث عن أرض برية وبحرية (أي تكون على نهرٍ ويكون النهر غربها لكي لا يفصلها عن المدينة)، ولا يفصل بينهم وبين سيدنا عمر جسر ولا بحر.
فبعث سيدنا سعد سيدنا حذيفة وسيدنا سلمان الفارسي يرتادان للمسلمين منزلاً مناسبًا يصلح لإقامتهم، فمرَّا على أرض حصباء في رملة حمراء، وكان العرب يطلقون على الأرض التي صفتها هكذا الكوفة.
وفي أوائل العام السابع عشر الهجري بدأ المسلمون تأسيس المدينة الجديدة، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللَّبِن بإذن عمر، بشرط أن لا يُسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وأن لا يزيد على ثلاث حجرات، وألاّ يتطاولوا في البنيان، وأن يتذكروا الله تعالى، ويتذكروا الجنة والنار. واتخذ المسلمون الكوفة عاصمة لهم، وتحركت القوات الإسلامية الرئيسية من المدائن إلى الكوفة.
وأقام سيدنا سعد بن أبي وقاص اجتماعًا مع قواد الحاميات ليضع الأسس التي تقوم عليها المدينة الجديدة؛ فأتى سيدنا القعقاع بن عمرو من حلوان إلى الكوفة وترك عليها سيدنا قباذ بن عبد الله الفارسي، وهو أول فارسي يستخلفه سيدنا القعقاع على حامية حلوان، وأول من يُولَّى إمارة في بلاد فارس.
واستخلف سيدنا ضرار بن الخطاب على "ماسَبذان" رافع بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عبد الله بن المعتم على "الموصل" سيدنا مسلم بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عمر بن مالك على "قَرْقِيسياء" الفارسي عشنق بن عبد الله الفارسي.
أربع حاميات رئيسية عليها أربعة أمراء من الفرس، وفي ذلك بيان أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.[/size]