[size=16]مقدمة
وقفنا في الدرس السابق عند فتح مدينة (الباب)، وتَوَجُّه سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي خليفة سيدنا سراقة بن عمرو بعد موته إلى مملكة الترك ليفتحها، ولما عزم عبد الرحمن بن ربيعة على غزو الترك خرج بالناس، فقال له شهربراز: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد غزو الترك. قال: لقد رضينا منهم ألاّ نغزوهم ولا يغزونا. قال عبد الرحمن: لكنا لا نرضى حتى نغزوهم في ديارهم، وتالله إن معنا أقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الروم. قال: ومن هم؟ قال: أقوام صحبوا رسول الله r، ودخلوا في هذا الأمر بِنِيَّة، ولا يزال هذا الأمر لهم دائمًا، ولا يزال النصر معهم حتى يغيّرهم من يغلبهم.
ولا ندعُ هذه القَوْلة تمر علينا دون النظر بإمعان والتفكر فيها لاستخلاص الدروس والعبر؛ فقد كان لسيدنا عبد الرحمن بن ربيعة نظرٌ ثاقب، وفهم عميق للإسلام العملي الذي يُطبَّق، وليس مجرد كلمات تقرأ في بعض الكتب. ويخبر سيدنا عبد الرحمن أن النصر دائمًا مع المسلمين حتى يغيرهم من يغلبهم، فمن يستطيع أن يغير المسلمين يستطيع أن يغلبهم، ويظل المسلمون على هذه الحال حتى يعودوا من جديد إلى الإسلام، فيستطيعوا أن يغلبوا غيرهم كما تم في كل الحروب السابقة؛ ففي معاركهم مع الفرس كان المسلمون أضعف وأقل من الفرس في كل المواقع، وأيضًا في معاركهم مع الروم كان المسلمون أقل منهم عددًا وعُدَّةً، ورغم ذلك انتصر المسلمون وحققوا انتصارات كبيرة؛ والسبب أنهم لم يتغيروا.
واستخلاص هذه الدروس وتلك العبر لا يُعَدُّ خروجًا عن دراسة التاريخ، فلو أننا درسنا التاريخ لمجرد سماع الحكاية أو القصة فلن نستفيد من هذه المواقف، ولكن لو استفدنا وطبّقنا ما استفدناه سيكون درس التاريخ عبادة نؤجر عليها ونثاب.
وبنظرة إلى من استطاع أن يغير المسلمين نجد أن كثيرًا من أعداء المسلمين استطاعوا أن يغيروهم، ومما يؤثر في النفس أن يشترك المسلمون أنفسهم في التغيير، فيصير بعض المسلمين من أعمدة ذلك التغيير السلبي في الإسلام، وبذلك تتم الهزيمة.
ولقد غير اليهود كثيرًا في المسلمين، وكذلك فعل النصارى، كما غير بعض المسلمين في المسلمين.[/size]