مقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر منذ اللحظة الأولـي
منذ أن دخل أهل المغرب العربي في الإسلام في القرن الأول الهجري ، فإنهم كانوا وما يزلون يحملون راية هذا الدين بأمانة وشرف سواء كان ذلك في حالة انتصاره أو صموده أو تراجعه ، ولم تسقط راية هذا الدين من أيديهم قط رغم الأهوال والصعاب التي عانوها على يد حملات الحقد الصليبي المتأخر والمتقدم ، وما زال الإسلام هو القوة الخالده والباقية في نفوسهم كجذوة من نار لا تنطفئ.
دخل الإسلام بلاد المغرب منذ عام 23هـ عندما بدأت المحاولة الأولى للاتجاه غرباً على يد عمرو بن العاص t بعد أن أتم الله فتح مصر ، واستمرت تلك المحاولات على يد عبد الله بن أبي السرج (27 هـ إلى 35 هـ) ثم رافع بن حديج (45 هـ) ثم عقبة بن نافع (50 هـ إلى 55 هـ) ثم أبو المهاجر بن دينار من ( 55 هـ إلى 62 هـ ) الذي استطاع أن يضم إليه رجال القبائل من البربر وأن يستخدمهم في فتوحاته بعد ذلك، ثم مرة أخري عقبة بن نافع الذي وصل إلى ساحل المحيط الأطلسي ( 62 هـ إلى 64 هـ) الذي قال قولته المشهورة: "اللهم أشهد أني بلغت المجهود ولولا هذا البحر ـ يقصد المحيط الأطلسي ـ لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد سواك" وبعده قام زهير بن قيس بتوطيد دعائم الحكم الإسلامي في بلاد المغرب ، ثم حسان بن النعمان (73 هـ إلى 82 هـ) ومنذ ذلك اليوم أصبح أهل المغرب العربي هم رجال الإسلام الأشداء ومجاهدوه البواسل وطلائعه في الفتح والغزو وتحصين ثغور الإسلام ، ومواجهة التحدي الصليبي الغاشــم.
وعقب ذلك جاء موسي بن نصير فأكمل الفتح وثبت دعائمه "86 هـ" وقام بالهجوم على الجزر المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط مثل صقلية وسردينيا ، كورسيكا ، جزر البليار، ثم أعد عدته وأرسل الجيش المسلم المكون من رجال القبائل " البربر " بقيادة المجاهد البربري طارق بن زياد والي طنجة فأجتاز المضيق " مضيق جبل طارق " ووصل إلى الأندلس فهزم ملك القوط وأسـس الحكم الإسلامي في الأندلس الذي استمر ثمانية قرون ( 711 م ـ 1492 م ) ، واستمر التقدم الإسلامي في أوروبا على يد البربر الذين أصبحوا خير جند الإسلام وغزا طارق بن زياد جنوب فرنسا وأستشهد سنة 102 هـ ثم تابع عقبة بن سنيح الكلبي حركة الفتح في أوروبا وبلغ نهر الرون ومدينة ليون الفرنسية ثم توغل حتى بلغ مدينة أوتون في أعالي نهر الرون وأستمر هذا المجهود على يد عبد الرحمن الغافقي الذي خرج بجيشه سنة 732 هـ فاستولي على مدينة بوردو على مصب نهر الجارون إلى أن توقف عقب معركة بلاط الشهداء التي أستشهد فيها سنة 732 م ولما توقف غزو المسلمين وهجومهم في أوروبا عقب معركة بلاط الشهداء كان من الطبيعي أن يحدث هجوم صليبي مضاد فهذه سنة الله في خلقه وسنة الصراع بين الحق والباطل، وكان من الطبيعي أيضًا أن يحدث النزاع والشقاق والانقسام بين المسلمين، ويرجع ذلك إلى سمة هامة من سمات المجتمع المسلم وهي أنه إما أن يقوم هذا المجتمع بأداء رسالته في الجهاد وتحرير الشعوب من الطواغيت والظالمين وإما أن يحدث شرخ في كيان ذلك المجتمع، فالمجتمع المسلم أما أن يجاهد أو يتمزق ويتفرق ويحدث البأس بين أهله بعضهم بعضًا.
استمرت بعد ذلك سيوف أهل المغرب هي الدرع الحامية للإسلام، فهاهم المرابطون ينطلقون على رأس جيوش المغرب ليعيدوا توحيد الأندلس وينزلوا الهزيمة بالأسبان في موقعة الزلاقـة سنة 1086م ، وظل أهل المغرب العربي يحافظون على الحكم الإسلامي في الأندلس بسيوفهم طوال حكم المرابطين وجزء كبير من حكم الموحدين حتى سنة 612هـ - 1214م ، ويعود حكم الطوائف بعد ذلك ليعطي الفرصة للأسبان لإنهاء الحكم الإسلامي في الأندلس سنة 1492م.
ومع سقوط الأندلس سنة 1412 م لم تتوقف المعركة ، معركة الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية التي تعد المغرب العربي والجزائر خصوصًا من أهم مسارحها ذلك ان هذا الصراع في تلك البقعة لم يتوقف قط قبل فتح الأندلس وأثناء الحكم الإسلامي للأندلس وحتى بعد سقوط الأندلس، ذلك أنه بعد سقوط الأندلس تعرضت بلاد المغرب العربي عمومًا والجزائر خصوصًا إلى حملات صليبية لم تنقطع أبدًا من برتغالية وأسبانية وقشتالية وفرنسية وغيرها ، وكان لجهود البحرية الجزائرية دور كبير في صمود تلك البلاد فترة طويلة وكذلك ظهور قوة العثمانيين في أفق العالم الإسلامي ، وشهدت تلك الفترة الكثير من الحملات الهجومية الإسلامية على أسبانيا والبرتغال وكذا الحملات الصليبية المعاكسة على بلاد المغرب خاصة الجزائر ، واستمر الكر والفر على نهاية القرن الثامن عشر وبديات القرن التاسع عشر ، وفي ذلك الوقت تعرضت بلاد المغرب العربي إلى عشرات الحملات الصليبية من أسبانية وبرتغالية وفرنسية بل وإيطالية وأمريكية، فإيطاليا مثلاً أرسلت حملاتها في سنة 1784م وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك في حملة سنة 1802 وسنة 1815م ... على كل حال أنتهي الأمر بسقوط بلاد المغرب العربي في قبضة الاحتلال الفرنسي "الجزائر سنة 1830 ، وتونس سنة 1881 م ، ومراكش 1912م".
الجهاد الجزائري ضد الاحتلال الفرنسـي لم ينقطع الجهاد الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي منذ عام 1830 وحتى الاستقلال 1962 ، وظهرت العديد من حركات المقاومة "الداي حسين – عبد القادر الجزائري – المقراني والحداد – لالا فاطمة..إلخ ".
كان الاحتلال الفرنسي للجزائر مجرد محطة في صراع طويل لم ينقطع بين الإسلام والغرب، وإذا كانت الحروب الصليبية على المشرق العربي (فلسطين والشام ومصر) قد بدأت سنة 1095 م وانتهت 1294 م أي استمرت قرنين من الزمان ثم سكتت خمسة قرون إلى أن استؤنفت من جديد 1798 م "الحملة الفرنسية على مصر" فإن الحروب الصليبية التي استهدفت المغرب العربي عمومًا والجزائر خصوصًا قد بدأت قبل الحملات الصليبية على المشرق العربي وأثناءها وبعدها بدون انقطاع إطلاقًا حتى أن المؤرخين الجزائريين يطلقون عليها حرب الألف عام.
وبمجرد سقوط الجزائر في قبضة الاحتلال الفرنسي 1830 اندلعت حركات المقاومة في كل مكان، صحيح أنها لم تنجح في القضاء على الاستعمار الفرنسي وقتها إلا أنها نجحت في منع فرنسة الجزائر واستمرار لهيب الثورة حتى نالت الجزائر استقلالها 1962 ولولا تلك الحركات المجاهدة لتسارع مفعول المخطط الاستعماري وتم القضاء على الجزائر المسلمة الى الأبد، أي أن تلك الثورات والانتفاضات وحركات المقاومة رغم فشلها أللحظي كانت بوادر انتصار في المستقبل وكانت حاضنة الحياة والاستمرار للجزائر المسلمة ولولاها لانطفأت شعلة المقاومة ولانتهت الجزائر المسلمة، أي أن الدور الخطير الذي لعبته تلك الحركات هي المحافظة على الجذوة مشتعلة ولو تحت الرماد.
وبمجرد دخول القوات الفرنسية اندلعت المقاومة، وقاومت الجزائر تحت قيادة "الداي حسين" وخاض الداي حسين أكثر من معركة مع قوات الاحتلال، انتهت بهزيمة الجيش الجزائري ودخول الفرنسيين الجزائر العاصمة في 5 يوليو 1830 م.
ولم يقف شعب الجزائر ساكنًا، فاندلعت عمليات المقاومة في سهل المتيجة وتحولت الى ثورة شاملة ضمت كل أبناء القبائل في تلك المنطقة "أثني عشرة قبيلة هم كل سكان سهل المتيجة"، وفي منطقة البليدة اندلعت الثورة بقيادة ابن زعنون، ونجحت تلك الثورة في استعادة مدينة البليدة من أيدي الفرنسيين وإنزال خسائر ضخمة بالقوات الفرنسية وتعززت تلك الثورة بانضمام الحاج سيدي السعدي إليها وانخراط عدد كبير من أهالي الجزائر تحت قيادة ابن زعنون، وتطورت تلك الثورة حتى باتت تهدد الفرنسيين في الجزائر العاصمة ذاتها، وفي سنة 1831 خاض المجاهدون معركة كبيرة ضد الفرنسيين في منطقة بوفريك، وفي نفس الوقت كان أحمد بوفران ينظم المقاومة في الجانب الأيسر لوادي الحراس، وبعد هزيمة قوات ابن زعنون حمل الحاج سيدي السعدي راية الجهاد واستمر يقاتل حتى 1832، كما أنضم الحاج محيي الدين إلى الثورة وقاد تلك الثورة في وهران.
الحاج أحمد باي "قسنطنية"يمثل الحاج أحمد باي رمزًا هامًا من رموز المقاومة في بواكير الاحتلال الفرنسي للجزائر ، بل يمكن أن نقول أنه مع الأمير عبد القادر يمثلان أكبر رمزين للمقاومة سواء من حيث بلائهما ضد الاستعمار أو باستمرار مقاومتهما لمدة طويلة ، فالحاج أحم باي "قسنطنية" استمر يقاتل الفرنسيين حتى عام 1848 ورفض دائمًا الدخول في أمانهم الذي عرضوه عليه مرارًا وتكرارًا وأنزل بهم العديد من الخسائر في عشرات المواقع التي خاضها ضدهم.
فعقب انهيار مقاومة الداي حسين ودخول القوات الفرنسية على الجزائر العصمة في 5 يوليو 1830، حمل الحاج أحمد بأي لواء المقاومة فاستطاع ان يجمع فلول الجيش الجزائري وأن يدخل العديد من المعارك مع الفرنسيين مثل معركة " عقبة البشاري " سنة 1836، بل وانتصر على الفرنسيين عندما حاولوا دخول قسنطنية سنة 1836، واتصل الحاج أحمد باي بالخلافة العثمانية للحصول على دعم عسكري منها لمواجهة الفرنسيين غلا أن موقف باي تونس حال دون وصول ذلك الدعم، وبرغم ذلك فإن الحاج أحمد باي واصل مسيرة المقاومة واستطاع أن يحشد 5 آلاف فارس وألفين من المشاة بالإضافة إلى الجيش النظامي، وأنطلق من قسنطنية وأشتبك مع الفرنسيين في موقعة " مجاز عمار " سنة 1837، إلا أن التفوق العددي والتسليحي للفرنسيين أدي الى هزيمة الحاج أحمد باي فرجع إلى قسنطنية وقاتل مع أهلها من بيت لبيت ومن شارع على شارع ، وحتى بعد سقوط قسنطنية بيد الفرنسيين، رفض الحاج أحمد باي عرض الأمان الفرنسي وأنسحب إلى خارج المدينة وأخذ ينظم غارات متواصلة على خطوط المواصلات الفرنسية بين عنابه و قسنطينة، واستمر الحاج أحمد يجاهد متنقلاً من قرية إلى قرية ومن جبل إلى سهل حتى سقط بين القوات الفرنسية عام 1848م ، وقامت القوات الفرنسية بإيداعه السجن فمات بالسجن بعد عامين من اعتقاله أي عام 1850م ، رافضًا دائمًا قبول التصالح مع الفرنسيين أو خيانة قضية الجهاد والثــورة.