المبحث الأول: التعريف بالعقيدة
(1) معنى العقيدة.
(2) وجوب معرفة العقيدة والدعوة إليها.
(3) مصادر العقيدة.
(4) خصائص العقيدة.
(5) أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
(6) وسطية هذه الأمة.
(7) خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة.
(8) الانحرافات في فهم الكتاب والسنة في باب العقيدة.
(9) موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع.
(10) الفرق بين العقيدة والتوحيد.
(1) التعريف بالعقيدة:
العقيدة هي مجموعة من القضايا المسلمة بالعقل والسمع والفطرة يعقد عليها الإنسان قلبه و يثني صدره جازماً بصحتها قاطعاً بوجودها وثبوتها لا يرى خلافها أنه يصح أو يكون أبداً. وذلك كاعتقاد الإنسان بوجود خالقه وعلمه به وقدرته عليه ولقائه به وكاعتقاده بوجوب طاعته فيما بلغه من أوامره ونواهيه من طريق كتبه ورسله وكاعتقاده بغنى ربه تعالى عنه وافتقاره إليه وأنه لا حياة ولا سعادة إلا بلزوم أمره وأنه متى ابتعد عنه لحظة خاف على نفسه من الهلاك.
وكاعتقاده أنه الرب المستحق للعبادة ولا معبود سواه واعتقاده أن الرب سمّى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات، هذه الأسماء والصفات ينبغي أن تثبت له على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال شيخنا محمد الصالح العثيمين رحمه الله: «العقيدة هي حكم الذهن الجازم يقال اعتقدت كذا يعني: جزمت به في قلبي فهو حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإن خالف الواقع ففاسد.
فاعتقادنا أن الله إله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل لأنه مخالف للواقع»[1].
(2) وجوب معرفة العقيدة والدعوة إليها.
يجب على كل مسلم أن يتعلم العقيدة الإسلامية ليعرف معناها وما تقوم عليه ثم يعرف ما يضادها ويبطلها أو ينقضها من الشرك الأكبر والأصغر.
قال تعالى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ (سورة محمد،
الآية:19) قال الإمام البخاري –رحمه الله-: «باب العلم قبل القول والعمل» ثم استشهد بهذه الآية.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران إلا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل»[2]. ونظراً لأهمية العلم بالعقيدة اتجهت همم أهل العلم إلى تعلمها وتعليمها واعتبروها من أولويات العلوم وألفوا فيها مؤلفات خاصة فصلوا فيها أحكامها وما يجب فيها وبينوا مايفسدها أو ينقضها من الشركيات والخرافات والبدع.
ولذلك يجب أن يكون لعلم العقيدة الصدارة بين المقررات الدراسية وتكون هذه الدراسة باختيار الكتب الصحيحة السليمة التي ألفت على مذهب أهل السنة والجماعة المطابق للكتاب والسنة.
ويجب أيضاً على الدعاة إلى الله أن يركزوا على جانب العقيدة أكثر من غيرها ويقبلوا على دراستها وتفهمها أولاً ثم يعلموها لغيرهم ويدعوا إليها من انحرف عنها أو أخل بها قال الله تعالى ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (سورة يوسف، الآية:108)
(3) مصادر العقيدة
عقيدة أهل السنة والجماعة توقيفية وهي تقوم على التسليم بما جاء عن الله وعن رسوله e دون تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل ولها مصدران أساسيان هما:
( أ ) القرآن الكريم.
القرآن الكريم هو المصدر الأول في الشريعة أصولها وفروعها وكل أصل بعده فهو راجع إليه ومعتمد عليه، وهو أفضل الوحي المنزل على الإطلاق وكل ما تضمنه حق وصدق كما قال تعالى ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾ (سورة النساء، الآية:122) وقال ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً﴾ (سورة النساء، الآية:87) وهذا الذي تعهد الله بحفظه دون غيره من الكتب السماوية الأخرى كما قال تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (سورة الحجر، الآية:9)
وقد نهج القرآن الكريم في إيضاح العقائد طريقين:
الأول: سياق الآيات القرآنية في مدلولاتها العقدية سياق الأخبار المسلمة التي بلغت من وضوح الدلالة ما لا يتصور معه إنكار أحد لها وذلك كالآيات التي جاءت ببيان ربوبيته وألوهيته على خلقه كقوله تعالى ﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة البقرة، الآية:163) وكآية الكرسي وسورة الإخلاص وغيرها من السور والآيات.
وكذلك الآيات التي جاءت ببيان أسمائه وصفاته فهذه كلها تدل دلالة واضحة لا يتصور معها إنكار أحد لها إلا من انطمست عقولهم وانتكست فطرهم.
الطريق الثاني: سياق الآيات القرآنية جاريةً على موازين العقول الصحيحة كما في قوله تعالى ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (سورة الأنبياء، الآية:22) والمعنى أنه لو كان فيهما آلهة لفسدت السماوات والأرض لكنهما لم تفسدا فالنتيجة ليس فيها آلهة إلا الله.
ومن هنا نعلم أن القرآن الكريم في دلالته على العقائد الإلهية بين الخبر وموازين العقل الصحيح خلافاً لما يدعيه بعض المتكلمين من أن دلالة القرآن دلالة خبرية محضة خالصة.
وليس أدل على بطلان هذا القول من مجيء نوعي الدلالة العقلية والخبرية في نصوص القرآن الكريم.
(ب) ما صح عن رسول الله e .
والإجماع المعتبر في تقرير العقيدة مبني على الكتاب والسنة أو أحدهما، والفطرة والعقل السليم يؤيدان تفصيلات في العقيدة فهما يوافقان الكتاب والسنة ولا يعارضانهما.
وإذا ورد ما يوهم التعارض بين النقل والعقل اتهمنا عقولنا فلا يقدم العقل القاصر على الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا على السنة.
وكل ما اختلف فيه من أمور العقيدة فمرده إلى الكتاب والسنة كما فهمهما سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم.
وأصول الدين كلها توقيفية بينها رسولنا e بالقرآن والسنة وكل محدثة في الدين فهي بدعة وكل بدعة فهي ضلالة قال تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا﴾ (سورة المائدة:3).