*3* باب السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب السمر) و بفتح المهملة والميم، وقيل الصواب إسكان الميم لأنه اسم للفعل، ومعناه الحديث بالليل قبل النوم.
وبهذا يظهر الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها.
قوله: (في العلم) كذا في رواية أبي ذر بإضافة الباب إلى السمر.
وفي رواية غيره باب السمر في العلم بتنوين باب.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ
الشرح:
قوله: (حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن) أي أنه حدثه عبد الرحمن.
وفي رواية غير أبي ذر حدثني عبد الرحمن، والليث وعبد الرحمن قرينان.
قوله: (عن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر.
قوله: (أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة، واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي، وأما أبو بكر الرازي فتابعي مشهور لم يسم، وقد قيل إن اسمه كنيته.
قوله: (صلى لنا) أي إماما.
وفي رواية " بنا " بموحدة.
قوله: (العشاء) أي صلاة العشاء.
قوله: (في آخر حياته) جاء مقيدا في رواية جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر.
قوله: (أرأيتكم) هو بفتح المثناة لأنها ضمير المخاطب والكاف ضمير ثان لا محل لها من الإعراب والهمزة الأولى للاستفهام، والرؤية بمعنى العلم أو البصر، والمعنى أعلمتم أو أبصرتم ليلتكم، وهي منصوبة على المفعولية، والجواب محذوف تقديره قالوا نعم، قال فاضبطوها.
وترد أرأيتكم للاستخبار كما في قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله) الآية، قال الزمخشري: المعنى أخبروني.
ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره من تدعون.
ثم بكتهم فقال: (أغير الله تدعون) .
انتهى.
وإنما أوردت هذا لأن بعض الناس نقل كلام الزمخشري في الآية إلى هذا الحديث، وفيه نظر لأنه جعل التقدير أخبروني ليلتكم هذه فاحفظوها، وليس ذلك مطابقا لسياق الآية.
قوله: (فإن رأس) وللأصيلي " فإن على رأس " أي عند انتهاء مائه سنة.
قوله: (منها) فيه دليل على أن " من " تكون لابتداء الغاية في الزمان كقول الكوفيين، وقد رد ذلك نحاة البصرة.
وأولوا ما ورد من شواهده كقوله تعالى: (من أول يوم أحق أن تقوم فيه) وقول أنس ما زلت أحب الدباء من يومئذ، وقوله: مطرنا من يوم الجمعة إلى الجمعة.
قوله: (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض) أي الآن موجودا أحد إذ داك، وقد ثبت هذا التقدير عند المصنف من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي في الصلاة مع بقية الكلام عليه، قال ابن بطال: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة.
وقال النووي: المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مائة سنة.
والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ ثُمَّ قَالَ نَامَ الْغُلَيِّمُ أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ
الشرح:
قوله: (حدثنا الحكم) بفتحتين هو ابن عتيبة بالمثناة تصغير عتبة، وهو تابعي صغير، وكان أحد الفقهاء.
قوله: (ثم جاء) أي من المسجد.
قوله: (نام الغليم) بضم المعجمية وهو من تصغير الشفقة، والمراد به ابن عباس، ويحتمل أن يكون ذلك إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بنومه أو استفهاما بحذف الهمزة وهو الواقع.
ووقع في بعض النسخ: " يا أم الغليم " بالنداء وهو تصحيف لم تثبت به رواية.
قوله: (أو كلمة) بالشك من الراوي، والمراد بالكلمة الجملة أو المفردة، ففي رواية أخرى " نام الغلام".
قوله: (غطيطه) بفتح الغين المعجمة وهو صوت نفس النائم، والنخير أقوى منه.
قوله: (أو خطيطه) بالخاء المعجمة، والشك فيه من الراوي، وهو بمعنى الأول قاله الداودي.
وقال ابن بطال: لم أجده بالخاء المعجمة عند أهل اللغة.
وتبعه القاضي عياض فقال: هو هنا وهم.
انتهى.
وقد نقل ابن الأثير عن أهل الغريب أنه دون الغطيط.
قوله: (ثم صلى ركعتين) أي ركعتي الفجر.
وأغرب الكرماني فقال: إنما فصل بينهما وبين الخمس ولم يقل سبع ركعات لأن الخمس اقتدى ابن عباس به فيها بخلاف الركعتين، أو لأن الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر انتهى.
وكأنه ظن أن الركعتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل لكن حملهما على سنة الفجر أولى ليحصل الختم بالوتر، وسيأتي تفصيل هذه المسألة في كتاب الصلاة في باب الوتر إن شاء الله تعالى.
ومناسبة حديث ابن عمر للترجمة ظاهرة لقوله فيه: " قام فقال " بعد قوله: " صلى العشاء " وأما حديث ابن عباس فقال ابن المنير ومن تبعه: يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة وهي قوله: " نام الغليم"، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل، فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم، زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله إياه على يمينه كأنه قال له قف عن يميني فقال وقفت ا ه.
وكل ما ذكره معترض، لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرا، وصنيع ابن عباس يسمى سهرا لا سمرا إذ السمر لا يكون إلا عن تحدث قاله الإسماعيلي، وأبعدها الأخير لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرا.
وقال الكرماني تبعا لغيره أيضا: يحتمل أن يكون مراد البخاري أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة وحديثه صلى الله عليه وسلم كله علم وفوائد.
قلت: والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى، وهذا يصنعه المصنف كثيرا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث، والنظر في مواقع ألفاظ الرواة، لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن.
وإنما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحا على حقيقة السمر بعد العشاء، وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من طريق كريب عن ابن عباس قال: بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد.
.
الحديث.
فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن.
فإن قيل: هذا إنما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم، فالجواب أنه يلحق به، والجامع تحصيل الفائدة، أو هو بدليل الفحوى، لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى.
وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث حيث ذكره المصنف مطولا في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
ويدخل في هذا الباب حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعد العشاء، وقد ذكره المصنف في كتاب الصلاة.
ولأنس حديث آخر في قصة أسيد بن حضير وقد ذكره المصنف في المناقب، وحديث عمر " كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين " أخرجه الترمذي والنسائي ورجاله ثقات، وهو صريح في المقصود، إلا أن في إسناده اختلافا على علقمة، فلذلك لم يصح على شرطه.
وحديث عبد الله بن عمرو: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم إلا إلى عظيم صلاة " رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمرو وليس على شرط البخاري، وأما حديث " لا سمر إلا لمصل أو مسافر " فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول، وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى: " الصلاة " فقال عمر: إنا في صلاة.
والله أعلم.