*2*كِتَاب الْبُيُوعِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَقَوْلُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ
الشرح:
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم " كتاب البيوع " وقول الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) و قوله: (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) كذا للأكثر، ولم يذكر النسفي ولا أبو ذر الآيتين والبيوع جمع بيع، وجمع لاختلاف أنواعه.
والبيع نقل ملك إلى الغير بثمن، والشراء قبوله، ويطلق كل منهما على الآخر.
وأجمع المسلمون على جواز البيع والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله له ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج، والآية الأولى أصل في جواز البيع، وللعلماء فيها أقوال أصحها أنه عام مخصوص، فإن اللفظ لفظ عموم يتناول كل بيع فيقتضي إباحة الجميع، لكن قد منع الشارع بيوعا أخرى وحرمها فهو عام في الإباحة مخصوص بما لا يدل الدليل على منعه.
وقيل عام أريد به الخصوص، وقيل مجمل بينته السنة، وكل هذه الأقوال تقتضي أن المفرد المحلى بالألف واللام يعم.
والقول الرابع أن اللام في البيع للعهد وأنها نزلت بعد أن أباح الشرع بيوعا وحرم بيوعا فأريد بقوله: (وأحل الله البيع) أي الذي أحله الشرع من قبل.
ومباحث الشافعي وغيره تدل على أن البيوع الفاسدة تسمى بيعا وإن كانت لا يقع بها الحنث لبناء الأيمان على العرف والآية الأخرى تدل على إباحة التجارة في البيوع الحالة وأولها في البيوع المؤجلة.
*3* باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ حذف التشكيل
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَقَوْلِهِ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
الشرح:
قوله: (باب جوار أبي بكر) الصديق تكسر الجيم وتضم، والمراد به الذمام والأمان.
قوله: (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده) أورد فيه حديث عائشة في شأن الهجرة مطولا.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ
الشرح:
قوله: (أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة) كذا في رواية شعيب، وقد تقدم في أواخر كتاب العلم من طريق مالك عن الزهري فقال " عن الأعرج " وهو صحيح عن الزهري عن كل منهم، وطريقه عن الأعرج مختصرة، وسيأتي في الاعتصام من طريق سفيان عن الزهري أتم منه وقد تقدمت مباحث الحديث هناك.
والمقصود منه قول أبي هريرة " إن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق " والصفق بفتح المهملة - ووقع في رواية القابسي بالسين وسكون الفاء بعدها قاف - والمراد به التبايع، وسميت البيعة صفقة لأنهم اعتادوا عند لزوم البيع ضرب كف أحدهما بكف الآخر إشارة إلى أن الأملاك تضاف إلى الأيدي، فكأن يد كل واحد استقرت على ما صار له.
ووجه الدلالة منه وقوع ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واطلاعه عليه وتقريره له.
قوله: (على ملء بطني) أي مقتنعا بالقوت أي فلم تكن له غيبة عنه.
قوله: (نمرة) بفتح النون وكسر الميم أي كساء ملونا.
وقال ثعلب: هي ثوب مخطط.
وقال القزاز: دراعة تلبس فيها سواد وبياض.
وقد تقدمت بقية مباحثه في أواخر كتاب العلم، لأنه ساق هذا الكلام الأخير هناك من وجه آخر عن أبي هريرة، ويأتي شيء من ذلك في كتاب الاعتصام.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ قَالَ سُوقُ قَيْنُقَاعٍ قَالَ فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ قَالَ ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَنْ قَالَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ كَمْ سُقْتَ قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
الشرح:
قوله: (عن جده) هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: (قال: قال عبد الرحمن بن عوف) في رواية أبي نعيم في " المستخرج " من طريق يحيى الحماني عن إبراهيم بن سعد بسنده عن عبد الرحمن بن عوف فهو من مسند عبد الرحمن، وقد أخرجه المصنف في " فضائل الأنصار " عن إسماعيل بن عبد الله وهو ابن أبي أويس عن إبراهيم بن سعد فقال " عن أبيه عن جده قال: لما قدموا المدينة آخى الخ " فهو من هذه الطريق مرسل، وقد تبين لي بالطريق التي في هذا الباب أنه موصول.
قوله: (آخى) تقدم في الصيام بيان وقت المؤاخاة في قصة سلمان وأبي الدرداء.
قوله: (سعد بن الربيع) سأذكر ترجمته في " فضائل الأنصار".
قوله: (نزلت لك عنها) أي طلقتها لأجلك، و " حلت " أي انقضت عدتها.
وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في " الوليمة " من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، قال ابن التين: كان هذا القول من سعد قبل أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يكفوا المهاجرين العمل ويعطوهم نصف الثمرة.
قوله: (قينقاع) بفتح القاف وسكون التحتانية وضم النون بعدها قاف: قبيلة من اليهود نسب السوق إليهم، وذكر ابن التين أنه ضبط قينقاع بكسر النون في أكثر نسخ القابسي وهو صواب أيضا، وقد حكى فتحها أيضا، صرف قينقاع على إرادة الحي، وتركه على إرادة القبيلة.
قوله: (تابع الغدو) أي داوم الذهاب إلى السوق للتجارة.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ مَا سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
الشرح:
حديث أنس في قصة عبد الرحمن بن عوف المذكورة.
قد أورده المصنف من طرق عن حميد وعن ثابت وعن عبد العزيز ابن صهيب كلهم عن أنس، وليس في شيء منها أن أنسا حمله عن عبد الرحمن إلا ما وقع في رواية لمسلم وللنسائي عن طريق عبد العزيز عن أنس فقال " عن عبد الرحمن بن عوف قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي " فذكر الحديث.
ووقع عند الدار قطني من طريق مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن ابن عوف أيضا وذكر أن روح بن عبادة تفرد به عن مالك، والمحفوظ عنه كما رواه الجماعة، وسيأتي الكلام على حديث أنس وبيان فوائد طرقه واختلافها في " الوليمة " إن شاء الله تعالى.
والغرض من إيراد هذين الحديثين اشتغال بعض الصحابة بالتجارة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره على ذلك، وفيه أن الكسب من التجارة ونحوها أولى من الكسب من الهبة ونحوها.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ
الشرح:
حديث ابن عباس في ذكر أسواق الجاهلية وتقريرها في الإسلام، قد تقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحج، وقوله فيه (وكان الإسلام) أي وجاء الإسلام، فكان هنا تامة، و " تأثموا " أي طرحوا الإثم، والمعنى تركوا التجارة في الحج حذرا من الإثم، وقراءة ابن عباس " في مواسم الحج " معدودة من الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة وليس بقرآن.