*3* باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِنْهُمْ حذف التشكيل
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَقَعَ وَجَبَ
الشرح:
قوله: (باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم) أي من المجاهدين، ومن موصولة، وكأنه ضمنها معنى الشرط فعطف عليها بالفاء وعطف الفعل الماضي على المستقبل وهو قليل، وكان نسق الكلام أن يقول: من صرع فمات، أو من يصرع فيموت، وقد سقط لفظ فمات من رواية النسفي.
قوله: (وقول الله عز وجل (ومن يخرج من بيته مهاجرا) الآية، أي يحصل الثواب بقصد الجهاد إذا خلصت النية فحال بين القاصد وبين الفعل مانع، فإن قوله (ثم يدركه الموت) أعم من أن يكون بقتل أو وقوع من دابته وغير ذلك فتناسب الآية الترجمة، وقد روى الطبري من طريق سعيد بن جبير والسدي وغيرهما أن الآية نزلت في رجل كان مسلما مقيما بمكة، فلما سمع قوله تعالى (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) قال لأهله وهو مريض أخرجوني إلى جهة المدينة فأخرجوه فمات في الطريق، فنزلت، واسمه ضمرة على الصحيح، وقد أوضحت ذلك في كتابي في الصحابة.
قوله: (وقع: وجب) ليس هذا في رواية المستملي وثبت لغيره، وهو تفسير أبي عبيدة في " المجاز " قال: قوله فقد وقع أجره على الله أي وجب ثوابه.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ فَقُلْتُ مَا أَضْحَكَكَ قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ
الشرح:
حديث أم حرام وقد تقدم قريبا أن شرحه يأتي في كتاب الاستئذان: والشاهد منه قوله فيه " فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت"، مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تكون من الأولين وأنهم كالملوك على الأسرة في الجنة، وقوله في الرواية الماضية " فصرعت عن دابتها " لا يعارض قوله في هذه الرواية " فقربت لتركبها فصرعتها " لأن التقدير فقربت إليها دابة لتركبها فركبتها فصرعتها.
قال ابن بطال: وروى ابن وهب من حديث عقبة بن عامر مرفوعا " من صرع عن دابته في سبيل الله فمات فهو شهيد " فكأنه لما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه في الترجمة.
قلت: هو عند الطبراني وإسناده حسن قال: وفي حديث أم حرام أن حكم الراجع من الغزو حكم الذاهب إليه في الثواب.
ويحيى المذكور في هذا الإسناد هو ابن سعيد الأنصاري، وفي الإسناد تابعيان هو وشيخه وصحابيان أنس وخالته، وقوله فيه " أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية " كان ذلك في سنة ثمان وعشرين في خلافة عثمان.
*3* باب مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من ينكب) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف بعدها موحدة، والنكبة أن يصيب العضو شيء فيدميه، والمراد بيان فضل من وقع له ذلك في سبيل الله.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرُ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي أَتَقَدَّمُكُمْ فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ قَالَ هَمَّامٌ فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ فَكُنَّا نَقْرَأُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
حديث أنس في قصة قتل خاله وهو حرام بن ملحان وسيأتي شرحه في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة، وقوله فيه " عن إسحاق " هو ابن عبد الله بن أبي طلحة.
قوله: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر) قال الدمياطي: هو وهم، فإن بني سليم مبعوث إليهم، والمبعوث هم القراء وهم من الأنصار.
قلت: التحقيق أن المبعوث إليهم بنو عامر، وأما بنو سليم فغدروا بالقراء المذكورين، والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال " بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل " الحديث، ويأتي شرحه مستوفى هناك، فلعل الأصل " بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر " فصارت من بني سليم، وقد تكلف لتأويله بعض الشراح فقال: يحمل على أن أقواما منصوب بنزع الخافض أي بعث إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر وحذف مفعول بعث اكتفاء بصفة المفعول عنه، أو " في " زائدة ويكون " سبعين " مفعول بعث، ويحتمل أن تكون " من " لبست بيانية بل ابتدائية، أي بعث أقواما ولم يصفهم من بني سليم أو من جهة بني سليم انتهى.
وهذا أقرب من التوجيه الأول ولا يخفى ما فيهما من التكلف.
وقوله في آخر الحديث " على رعل " بكسر الراء وسكون المهملة بعدها لام هم بطن من بني سليم، وكذا بعض من ذكر معهم؛ وسيأتي الحديث في أواخر الجهاد أنه دعا على أحياء من بني سليم حيث قتلوا القراء، وهو أصرح في المقصود.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
الشرح:
حديث جندب، وسيأتي الكلام عليه في " باب ما يجوز من الشعر " من كتاب الأدب، ووقع فيه بلفظ " نكبت إصبعه " وهو الموافق للترجمة، وكأنه أشار فيها إلى حديث معاذ الذي أشير إليه في الباب الذي يليه، وفي الباب ما أخرجه أبو داود والحاكم والطبراني من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا " من وقصه فرسه أو بعيره في سبيل الله أو لدغته هامة أو مات على أي حتف شاء الله فهو شهيد".
*3* باب مَنْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من يجرح في سبيل الله) أي فضله.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ
الشرح:
قوله: (لا يكلم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح اللام أي يجرح.
قوله: (أحد) قيده في رواية همام عن أبي هريرة بالمسلم.
قوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) جملة معترضة قصد بها التنبيه على شرطية الإخلاص في نيل هذا الثواب.
قوله: (إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم) في رواية همام عن أبي هريرة الماضية في كتاب الطهارة " تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت تفجر دما".
قوله: (والريح ريح المسك) في رواية همام " والعرف " بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء وهو الرائحة، ولأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث معاذ بن جبل " من جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها الزعفران وريحها المسك " وعرف بهذه الزيادة أن الصفة المذكورة لا تختص بالشهيد بل هي حاصلة لكل من جرح، ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل اندماله لا ما يندمل في الدنيا فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول، ولا ينفي ذلك أن يكون له فضل في الجملة، لكن الظاهر أن الذي " يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دما " من فارق الدنيا وجرحه كذلك، ويؤيده ما وقع عند ابن حبان في حديث معاذ المذكور " عليه طابع الشهداء " وقوله " كأغزر ما كانت " لا ينافي قوله " كهيئتها " لأن المراد لا ينقص شيئا بطول العهد، قال العلماء: الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى.
واستدل بهذا الحديث على أن الشهيد يدفن بدمائه وثيابه ولا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره، ليجيء يوم القيامة كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه نظر لأنه لا يلزم من غسل الدم في الدنيا أن لا يبعث كذلك، ويغني عن الاستدلال لترك غسل الشهيد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد " زملوهم بدمائهم " كما سيأتي بسطه في مكانه إن شاء الله تعالى.