الصعوبات والمعوقات التي واجهة الجمعية
لم تغفل السلطة الفرنسية عن نشاط الجمعية، وبدأت في التضييق على أعضائها منذ عام 1933، ووضعت كافة أعضائها تحت المراقبة، ومنعت إصدار تصاريح جديدة لمدارس الجمعية.
ولما كانت الإجراءات الفرنسية ضد الجمعية بغرض تحجيم حركة الجمعية حتى يخلو الطريق للصوفية، فقد واجهت الجمعية الصوفية في المساجد وبين جموع الناس، فاستيقظت الجزائر على حقيقة الصوفية الخاضعة وتهاونها مع المحتل.
وكانت المواجهة الثانية مع المؤامرات الفرنسية على هوية الجزائر في عام 1936، وذلك من خلال مشروع فرنسي يجعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ويتم تمثيلها في البرلمان الفرنسي، وظن البعض أن هذا المشروع قد يكون طريقًا للحصول على بعض حقوق الجزائر المهدرة، فشارك مجموعة من الجمعية على رأسهم ابن باديس في مؤتمر جزائري فرنسي في باريس لمناقشة المشروع، وكان حضورهم بشكل شخصي حتى لا يخالفوا قانون الجمعيات، واستطاع أفراد الجمعية توجيه القرارات النهائية بما يحفظ للجزائر عروبته، وإسلامه، وذاتيته، وصاغ ابن باديس رده على المشروع في قصيدة مفحمة.
كان نجاح الجمعية في إحباط هذه المؤامرة دافعًا للسلطات الفرنسية إلى أن تجد من الوسائل ما يحطم بعضًا من شخصيات الجمعية، فدفعت الطرق الصوفية العميلة إلى مهاجمة ابن باديس، حتى إنها أطلقت عليه -أي الصوفية– "ابن إبليس"! كما دبرت سلطات الاحتلال اغتيال مفتي العاصمة ابن مكحول، واتهمت الطيب العقبي بقتله، ولم تحاكم الرجل أو تقبض عليه، وتركت الاتهام معلقًا، وذلك حتى تُشَوِّهَ سمعة الرجل وجمعيته، وهو ما دفع به إلى الاستقالة عام 1938.
ومع قيام الحرب العالمية الثانية، طالبت فرنسا كافة الهيئات الجزائرية بتأييد موقف فرنسا، وكان ذلك تمهيدًا لإشراك الجزائريين في صفوف القتال الفرنسية، ورفضت الجمعية، وكانت المواجهة هذه المرة مع السلطة الفرنسية مباشرة، فأصدرت السلطات قرارًا بإلغاء الجمعية عام 1940، وتوفي ابن باديس في نفس العام، وخلفه محمد البشير الإبراهيمي في رئاسة الجمعية، ولكنه اعتقل وعُذِّب في عام 1941، ثم قامت سلطات الاحتلال بنفيه إلى الصحراء، وفي عام 1946 عادت الجمعية إلى النشاط بعد الإفراج عن رئيسها، ولكنها لم تعد كما كانت من قبل.
أفول نجم جمعية العلماء
كانت الخطوة الأولى في اتجاه أفول نجم الجمعية هي خروج الجمعية عن أهدافها السابق ذكرها، وانخراطها في العمل السياسي، مع صدور نظام الجزائر الجديد الصادر من السلطة الفرنسية عام 1947، وفيه اعترفت فرنسا بما يشبه الحكم الذاتي للجزائر، واعترفت باللغة العربية لغة أساسية في الجزائر، ومن ثم اتجهت الجمعية إلى ممارسات سياسية ورطتها في مواقف وتحالفات وصدامات سياسية، وصرفت الجمعية عن التركيز على معاني التربية التي صنعت لها مكانتها عند الشعب الجزائري.
والخطوة الثانية هي سفر كل من رئيس الجمعية البشير الإبراهيمي، ونائبه أحمد المدني إلى مصر في عام 1951، واستقرارهما بها منذ عام 1952، وإن كان عذرهما هو حشد التأييد السياسي والمادي للثورة والقضية الجزائرية، وخشية الاعتقال عند العودة، ونجاحهما في المشاركة في تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة، وافتتاح إذاعة صوت الجزائر من الإذاعة المصرية، وقد كان أول صوت يصدر من هذه الإذاعة صوت البشير الإبراهيمي مناديًا الثوار: "لا نسمع عنكم أنكم تراجعتم، أو تخاذلتم"، ولكن هذا الغياب المستمر أورث فراغًا في التوجيه والقيادة، لم تستطع قيادة العربي البتسي أن تقنع القدامى أو الجدد، ومن ثم بدأت صراعات خفية حول رئاسة الجمعية.
كانت الخطوة الثالثة هي الانقلاب الداخلي الذي قاده محمد خير الدين، والذي غيّر كثيرًا من الهياكل، وأدان الغائبين عن أداء واجبهم خارج البلاد، وقد كان ذلك في اجتماع أخير عقدته الجمعية في سبتمبر 1954م.
انتهى الأمر بصدور قرار حل الجمعية من السلطات الفرنسية في الجزائر في منتصف عام 1956م، ولم يستطع القائمون عليها الاجتماع وإعادة تنظيم أنفسهم، وخاصة مع توجه الجميع للمشاركة في الثورة المسلحة التي اشتعلت منذ عام 1954م، وكانت ثمرة جميع الجهود في عام 1962م، وهي استقلال الجزائر العربية المسلمة.
إشراقة جديدة
رغم ما أعلنته الحكومة الاستعمارية الحرب على نشاط الجمعية فوجهت جهودها إلى تعطيل جرائدها وإغلاق مدارسها, وملاحقة معلميها وعلمائها ومنعتهم من دخول المساجد الرسمية وإلقاء دروس الوعظ بها, والانتهاء إلى حل الجمعية خاصة بعد وفاة الإمام الجليل الشيخ ابن باديس سنة 1940, وانتقل المشعل إلى رفيقه الشيخ البشير الإبراهيمي الذي حافظة على الأمانة وأدى الواجب الموكل إليه وقد ساهم رفقة العديد من العلماء في أوقات صعبة على الثبات ونصر قضية الوطنية خاصة مع اندلاع الثور التحريرية الكبرى, والدور الفاعل التي لعبته الجمعية بصورة مباشرة وغير مباشر, ما أعلن عنه وما خفيا في دعم الثورة والهدف هو نيل الحرية. ومع بزوغ شمس الحرية واصلت الجمعية نشاطها في عهد جديد إلى أن وفاة البشير الإبراهيمي سنة 1965 والعديد من العلماء والمناضلين المؤسسين قلص من نشاط الجمعية مع ظهور مؤسسات وطنية حكومية للجزائر الاستقلال تمثل في وزارة الشؤون الدينية, وبناء المدارس والجامعات من دور الجمعية الأول المتمثل في التعليم, فاختفت عن الأنظار وتلاشت دون أن يعلم السبب.
إلا أن الأمل لم يفقد فقد جاء نور وصدق الرجال النابغ من إرث الإمام الجليل ابن باديس وخيرة الصفوة من العلماء والمناضلين, من تلميذه وتلميذ زملائه لتظهر من جديد في مطلع القرن الواحد والعشرين لتلعب دورا في الحياة العامة للشعب الجزائري في عز الحرية والاستقلال, وهي اليوم برئاسة عبد الرحمان شيبان وهي تنشط ضمن نظام الجمعيات المبين بالقانون الجزائري رقم 90/31 المؤرخ بتاريخ 17/05/1411 هـ الموافق لـ 04/12/1990م وهي جمعية وطنية دينية علمية تهذيبية وقد فتح لها عدة فروع في جل ولاية الوطن.
أما ميدان نشاط الجمعية كل مكان يوجد فيه المسلمون, وغايتها نشر الدين الإسلامي على وجهه الصحيح, البعيد عن كل بدعة, ومحاربة كل ما يحرمه صريح الشرع : كالخمر, والميسر, والآفات الاجتماعية الأخرى, ومحاربة الجهل والبطالة والإسراف, وكل منهي عنه بطبيعة من قبل الدين والأخلاق الفاضلة.
ولكي تصل الجمعية إلى أهدافها النبيلة, تعتمد إلى اتخاذ الوسائل التالية :.
- إلقاء محاضرات للرجال والنساء.
- إلقاء محاضرات دينية في المساجد.
- نشر الجرائد والمجلات.
- تأسيس النوادي لتثقيف الشباب.
- نشر التعليم القرآني والديني.
- ربط أواصر الصلات العلمية والثقافية مع مثيلاتها من الجمعيات داخل الوطن وخارجه.
- تنظيم ملتقيات علمية وندوات ثقافية لدراسة القضايا التي تهم المجتمع المسلم. [b]