دوافع تفجير الثورة
من خلال نداء أول نوفمبر تظهر الدوافع الحقيقية و المباشرة لتفجير الثورة . و يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
لقد اعتبرت المجموعة التي أتخذت ذلك القرار الشجاع و الحاسم أن الهدف من كل حركة وطنية أصيلة هو الوصول إلى تحرير الوطن و أن الحركة الوطنية في الجزائر بلغت مستوى من النضج يجعل الشعب الجزائري يلتف حول قضية الاستقلال الوطني و يمكن الاعتماد عليه من أجل احتضان الثورة.
لقد ظهر جليا بعد سنوات من النضال السياسي أن فرنسا لا يمكن أن تمنح الاستقلال للجزائر بطرق سلمية، فمجازر 8 ماي 1945 و التزوير في الانتخابات لمنع القوى الوطنية من إيصال مطلب الاستقلال بشكل سلمي أكد عل سوء نية السلطات الفرنسية و تشبثها الأعمى بالنظام الاستعماري في الجزائر
إن تفجير الثورة كان السبيل الوحيد لتجاوز أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية، هذه الأزمة التي حولت مسار الصراع من صراع ضد المستعمر إلى صراع بين الأشخاص (مصاليين و مركزيين ) و أصبحت تهدد وحدة الشعب و الحركة الوطنية . فالثورة كانت السبيل لوضع الجميع أمام وضع سياسي جديد إما يختارون الالتحاق بها أو يظهروا كعملاء للنظام الاستعماري.
إن تطور الوضع على المستوى الخارجي، كان في آن واحد يشجع على انطلاق الثورة من جهة و يفرض التعجيل بذلك من جهة أخرى. فالنضال ضد النظام الاستعماري الفرنسي الذي أحتد في تونس و المغرب و الذي أوشك أن يصل إلى نهايته في الفياتنام أظهر هشاشة هذا النظام و فرض على الوطنيين النزهاء الانضمام إلى هذه الحركة العالمية لدعمها والاستفادة منها في آن واحد. لقد فهمت المجموعة التي فجرت الثورة أن التماطل في العمل الثوري سيعرض الحركة الوطنية للخطر، لأن فرنسا كانت مستعدة لتحرير تونس و المغرب من أجل الحفاظ على الجزائر نظرا للعدد الكبير من الأوروبيين المتواجدين بها و للمصالح الإسترراتيجية التي كانت لفرنسا في هذا البلد. إن تطور الأحداث بعد اندلاع الثورة قد بين صحة هذا التحليل.
فعلى المستوى المغاربي كانت الحركة الوطنية منذ نشأتها تطالب بحريرالمغرب العربي و تسعى من أجل توحيد النضال ضد المستعمر الفرنسي ويعتبر تفجير الثورة في فترة كانت حاسمة بالنسبة لتونس و المغرب امتدادا للتوجه المغاربي الإستراتيجي.
لقد أعتبر قادة الحركة الثورية في نوفمبر 1954 أن التأخر في تفجير الثورة كان يمثل خطرا على عملية الاستقلال، فقد أدركت القيادة أن فرنسا ستتخلى عن مستعمراتها الأخرى آجلا أو عاجلا مع الحفاظ على علاقات متميزة معها و ستركز كل قواتها على الجزائر نظرا لعدد المعمرين بها و قوتهم السياسية و لموقع الجزائر الإستراتيجي وخيراتها.
كما تحصلت قيادات الثورة على ضمانات لدعمها من طرف بلدان العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة من طرف مصر التي خرجت منتصرة من ثورتها ضد النظام الملكي بقيادة جمال عبد الناصر.
و أخيرا الوضع العالمي الذي كان يتميز بالحرب الباردة بين المعسكر الشرقي و الغربي كان يسمح بالتحرك على المستوى الديبلوماسسي من أجل تدويل القضية.