عمليات 20 أوت 1955 بمنطقة الميلية
لقد تضمن 20 أوت في الشمال القسنطيني 39 عملية شملت معظم مدن و قرى المنطقة، و لكنها تفاوتت من حيث تحقيق أهدافها و من حيث رد فعل السلطات الفرنسية عليها. وإن كان هجوم 20 أوت قد حقق نجاحا كبيرا في منطقة سكيكدة و ضواحيها، إلا أن الخسائر البشرية كانت كبيرة للغاية، بحيث غطت كل الانتصارات العسكرية للمجاهدين، فمجزرة سكيكدة و ضواحيها تقارب ما حصل في 8 ماي 1945 من حيث طرق و أساليب الإبادة المتوحشة التي اتبعها الفرنسيون.
اختلف سير عمليات 20 أوت بمنطقة الميلية عن مثيلاته في منطقة سكيكدة، و ذلك لاختلاف التكتيك الذي اتبع. فقد كانت هذه المنطقة الممتدة من عين قشرة حتى وادي إيرجانة تقع تحت قيادة “مسعود بوعلي” و هو مساعد للأخضر بن طوبال.
لقد قام مسعود بوعلي بتنظيم المجاهدين و المسبلين و تحضيرهم للهجوم على الأهداف المحددة، مراعيا في ذلك أن يكون الاعتماد في تنفيذها على المجاهدين بالدرجة الأولى، و يكون المسبلون و الشعب خلفهم. و ذلك على عكس ما حصل في المناطق الأخرى حيث كان إقحام الشعب وسط المجاهدين سببا في وقوع ضحايا كثيرة، هذا ما جعل العمليات تكلل بالنجاح دون حصول خسائر تذكر في صفوف الشعب، و من أبرز العمليات التي نفذت في هذه المنطقة و دامت ثلاثة أيام متتالية (20 ، 21 و 22 أوت) نصب كمين لحاكم الميلية على الطرق الرابط بين الميلية و قسنطينة على بعد 5 كلم من الميلية، إنه الحاكم “رينوا” الذي وقع في الكمين و تم قتله و سقط سلاحه من السيارة –مدفع رشاش- فاغتنمه المجاهدون بينما هرب سائقه به و هو ميت حتى دخل به إلى الميلية.
إضافة إلى ذلك تم نصب عدة أماكن منها كمين زقار، الذي قتل فيه عدد من جنود العدو، و غنم المجاهدون قطعة رشاش من عيار 24،29 ، حيث كانت أحسن قطعة سلاح تملكها فرنسا في ذلك الوقت، كذلك كمين “حزوزاين” و قتل فيه شرطي فرنسي و غنم مسدسه، و تم تحطيم عدة جسور، و قطع أسلاك الكهرباء و الهاتف، و حرق شاحنات المعمرين، بالإضافة إلى تطويق مدينة الميلية من جميع الجهات و عزلها عن العالم الخارجي، بحيث التزم الجنود الفرنسيون ثكناتهم، و اتخذوا موقف الدفاع و الحذر، كما توج المجاهدون هجوماتهم باحتلال قرية “أراغو” (برج علي حاليا) التي كان يسكنها المعمرون، حيث تم تحريرها تماما و رفع العلم الجزائري فوقها.
لم يتجاوز عدد الشهداء الذين سقطوا خلال الثلاثة أيام التي دارت فيها العمليات سوى بضعة شهداء منهم: قليل زيدان، بوزردوم علي، زرطال عبد الحميد، بغيجة بوخميس و لقرون يوسف. و يجدر الذكر أن الشهيدين زرطال عبد الحميد و بغيجة بوخميس شاركا في هجوم 20 أوت يوم 22 منه، بدون سلاح، فانقضا على جنديين فرنسيين بالسلاح الأبيض فقتلاهما و استوليا على سلاحيهما فواصلا القتال حتى استشهدا.
تقييم عملية 20 أوت:
عقدت قيادة و مجاهدوا المنطقة الثانية، الشمال القسنطيني، اجتماعا في منطقة “تايراو” شرق قرية سطارة في شهر نوفمبر 1955 لتقييم حصيلة عام من الثورة، بالاضافة الى تقييم عملية 20 أوت، و كان الشهيد زيغوت يوسف رحمه الله مسرورا جدا بنتائج هجوم 20 أوت، و قال من يقوده لابد أن يكون عظيما و إلا كانت الكارثة، و بعد استعراض تفاصيل العملية من جميع الجهات قال الشهيد زيغوت يوسف رحمه الله “إذا كنا قد خسرنا عسكريا و نجحنا سياسيا في شمال شرق قسنطينة –يعني بذلك سكيكدة و ضواحيها- فإننا قد ربحنا سياسيا و عسكريا في شمال غرب قسنطينة –يعني دائرة الميلية-”. و بهذه المناسبة قدم الشهيد زيغوت يوسف قائد المنطقة جائزة لمسعود بوعلي عبارة عن مصحف للقرآن الكريم و ذلك للنجاح الكبير الذي حققه هو و رفاقه في المعارك التي لم يسقط فيها أي شهيد من ابناء الشعب.
صادفت هذه الليلة هروب الشهيد مصطفى بن بولعيد و رفاقه منهم الطاهر الزبيري من سجن الكدية بقسنطينة. الذي وصل إلى المكان المجتمع فيه قرب سطارة، و كانت ليلتها كلمة السر هي: “ليلة سعيدة و الصديق معنا” و ذلك تعبيرا عن السعادة بنجاح عملية 20 أوت و هروب بن بولعيد و رفاقه من السجن. و وصل في نفس الوقت الشهيد عمارة رشيد و المجاهد إبراهيم مزهودي قادمين من الجزائر العاصمة للتباحث في قضية إمكان عقد اجتماع يضم قادة المناطق الجزائرية نتيجة للاقتراح الذي تقدم به الشهيد زيغود يوسف بعد عملية 20 أوت 1955. كذلك استعداده لإيواء و احتضان هذا اللقاء في المنطقة التي يقودها (الشمال القسنطيني)، و كان ذلك تمهيدا لانعقاد مؤتمر الصومام فيما بعد.