مراكز التموين بالسلاح على التراب المغربي
أنشأت »إدارة الاتصالات« عدة مراكز للتموين بالسلاح على التراب المغربي، ومنها:
- مركز الناضور، وهو مخصص للأسلحة والتموين؛
- مركز وجدة: تخزين الأسلحة وذخيرتها الحربية؛
- مركز فكَيكَ: تخزين الأسلحة وذخيرتها الحربية؛
- مركز بركان: تخزين الأسلحة؛
- مركز القنيطرة: تخزين الذخيرة الحربية؛
- مركز الرباط: التموين العامّ بالذخيرة الحربية؛
- مركز الدار البيضاء: استقبال الأسلحة وذخيرتها الحربية وتخزينها ونقلها للحدود الجزائرية؛
- مركز طنجة: استقبال الأسلحة وذخيرتها الحربية وتخزينها ونقلها للحدود الجزائرية؛
- مركز تطوان: تخزين الذخيرة الحربية([12]).
ردود الفعل الفرنسية
نظراً للخطر القادم من الحدود المغربية، أسرعت فرنسا إلى محاولة عزل الجزائر عن العالم الخارجي، وبخاصة عن المغرب الأقصى الذي كان الممون الرئيس للثورة الجزائرية بالأسلحة والذخيرة، سواء تعلق الأمر بتلك القادمة من الخارج، والتي تم إفراغ معظمها في الموانئ المغربية، أو تلك التي كانت تصنع فوق التراب المغربي، وتنقل إلى الجزائر عن طريق الحدود التي كانت همزة الوصل التي ربطت البلدين والشعبين إلى الأبد، وذلك من خلال الإجراءات التالية:
أ. إقامة الأسلاك الشائكة المكهربة والملغمة على طول الحدود الجزائرية المغربية من ميناء ساي [Port Say] (مرسى بن مهيدي حالياً) الواقع شمال الحدود المغربية الجزائرية إلى مدينة بشار جنوباً على مسافة طولها 750 كلم. وقد شرع في إنجاز هذا الخط بداية من سنة 1956 م من أجل تحقيق هدفين أساسيَّين هما:
1 - مراقبة تحركات المجاهدين وعمليات تهريب السلاح، والقيام بكل ما يمكن فعله لمنع ذلك؛
2 - حماية الخط الحديدي المحاذي للحدود، والذي يسمح بنقل المعادن ومعدات الحرب. ويتعلق الأمر هنا بخط السكة الحديدية الذي يربط وهران ببشار مروراً بمدينة المشرية. وقد انتهت أشغال هذا الخط المكهرب في سنة 1959 م([13])؛
ب. ضرب حصار بحري وجوي على السواحل المغربية الجزائرية بصفة خاصة، وعلى الجزء الغربي من البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة. والهدف من ذلك هو مراقبة وتفتيش كل البواخر والسفن التجارية المتجهة إلى الجزائر أو المغرب، وذلك خوفاً من تسرب الأسلحة وذخيرتها الحربية إلى المجاهدين في الجزائر عن طريق المغرب.
ومن أجل تطبيق كل هذه الإجراءات، أصدرت السلطات الفرنسية تشريعات جديدة لتسهيل مهمة التفتيش البحري، ومنها:
1 - الأمر الصادر للأسطول الفرنسي بكامله من مجلس الوزراء الفرنسي في 21/ 10/ 1956 بأن يقوم بدوريات منتظمة للحيلولة دون وصول أيِّ شحنة من الأسلحة للجزائر؛
2 - يستند هذا الأمر إلى مرسوم نص على ما يلي:
- المادة الرابعة: خلافاً لأحكام المادة 44 من قانون الجمارك، يزداد حدّ منطقة التفتيش الجمركي على سواحل الجزائر للسفن التي تقل حمولتها عن 100 طن، بحيث يشمل 50 كلم بعد أن كان 20 كلم سابقاً.
- المادة الخامسة: إن سلطات تفتيش المراكب التي تقل حمولتها عن 100 طن، وهي المخولة بموجب القوانين النافذة لضباط وبحارة السفن البحرية الحربية تصبح فيما يتعلق بالمنطقة المعينة بالمادة الرابعة من صلاحيات ضباط وملاحي طائرات الهليكوبتر وغيرها من الطائرات البرمائية العسكرية، وكذلك تحول إلى كل جهاز من أجهزة البحرية الحربية يحتمل أن يعين لهذا الغرض([14]).
بعد إصدار هذه التشريعات، عمدت فرنسا إلى مطاردة الكثير من السفن وإيقافها. وقد أوردت "المجلة الفرنسية الحربية"، وهي مجلة شبه رسمية تصدر بباريس بمساعدة وزارة الحربية الفرنسية، بيانات تتضمن كل شهر لائحة بالعمليات التي تمت في هذا المجال. ومن ذلك قولها:
قامت قطعنا البحرية وطائراتنا خلال شهر أكتوبر 1956 م بالتحقق من هوية 600 مركب، وأوقفت 285، وزارت 69. وفي ما بين 3/ 12/ 1957 م
و10/ 01/ 1958 م، أمكن معرفة 300 باخرة، وأوقفت 40، وزيارة 30 تم اقتياد 10 منها إلى أحد الموانئ([15]).
ولم تكتف فرنسا بعمليات المراقبة والتفتيش فقط، بل وصلت إلى أبعد من ذلك. ويتذكر العالم ممن عاش أحداث ثورة التحرير الجزائرية الأعمال المثيرة التي قامت بها السلطات الاستعمارية، ومنها على وجه الخصوص:
ـ إيقاف الباخرة المصرية آثوس [Athos] في 16 أكتوبر 1956 م، وهي محملة بـ100 طن من الأسلحة والذخيرة (2500 بندقية، 39 رشاشاً، 50 بندقية رشاشة، 250 مسدساً رشاشاً، 72 مدفعاً، 5000 قنبلة، وأكثر من مليون خرطوشة) ([16])، وهي الباخرة الرابعة التي أرسلها الوفد الخارجي للجبهة من مصر بعد أن تمكنت البواخر الثلاث الأولى من الوصول إلى المغرب، وإنزال كميات هامة من الأسلحة التي نقلت بعد ذلك إلى داخل الجزائر. وهذه البواخر هي »اليخت دينا«، و»اليخت الانتصار«، و»اليخت فاروق«([17])؛
ـ حجز الباخرة اليوغسلافية »سلوفينيا« محملة بالأسلحة وهي في طريقها إلى إنزال حمولتها قرب وادي ملوية (18/ 01/ 1958 م)؛
ـ حجز الباخرة الدانماركية »قرانيتا« بمرفإِ سي (Port Say) قرب السعيدية (23/ 12/ 1958 م)؛
ـ حجز الباخرة الشكسلوفاكية »ليدسي«، وهي في طريقها إلى ميناء كبدانة المغربية (07/ 04/ 1959 م)؛
ـ حجز الباخرة البولندية »مونتي كاسينو« في جويليه 1959 م؛
ـ حجز الباخرة الألمانية »بيليا« قرب السواحل المغربية (05/ 11/ 1959 م)؛
ـ حجز الباخرة الهولندية بسواحل المنطقة الإسبانية قرب الناضور (12/12/1959 م)؛
ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »سلوفينيا« للمرة الثانية (29/ 03/ 1960 م)؛
ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »وجيا«، وهي في طريقها إلى مرفإ كبدانة المغربية (13/ 04/ 1960 م)؛
ـ حجز الباخرة الألمانية »لاس بالماس« في 9 جوان 1960 م؛
ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »صربيا« في 5 جوان 1960 م([18]).
ـ وفي ديسمبر 1960 م، تم توقيف 17 مركباً ألمانياً في عرض البحر الأبيض المتوسط، مما أثار أزمة حادة في العلاقات الألمانية الفرنسية. ولقد تم إيقاف معظم هذه البواخر في عرض البحر، أو في المياه الإقليمية للمغرب([19])، وهو ما يؤكد الدور المغربي في تموين الثورة بالسلاح.
على الرغم من هذه الإجراءات المشددة التي فرضتها السلطات الاستعمارية على الحدود البرية والبحرية للجزائر، فإن تدفق الأسلحة بقي مستمراً. وما يؤكد ذلك هو التقرير الذي خرجت به اللجنة البرلمانية الفرنسية التي أوفدت للتحقيق في الجزائر بتاريخ 22 جويليه 1957 م. ومما جاء في التقرير ما يلي:
بينما يظهر الثوار الوطنيون، وهم أكثر تنظيماً، وأقوى مما كانوا عليه في العام الماضي، فإن الموقف العسكري للقوات الفرنسية هو أسوأ مما كان عليه... وتبلغ القوة القتالية الحالية للثوار 25 ألف رجل، ولديهم من الأسلحة ما يكفي لتجهيز 15 ألف منهم فقط. وقد تحسنت أسلحة الثوار كثيراً بالمقارنة مع ما كانت عليه في السنة الماضية. ويتلقى الثوار ما بين 700 و800 قطعة سلاح حديثة في الشهر، منها حوالي 500 من تونس، والباقي من المغرب([20]).
ويؤكد الجنرال سالان (Salan) الرأي نفسه حين يصرح في ندوة صحفية:
أن 1500 قطعة سلاح تدخل سرّاً إلى الجزائر منذ سنة 1957 في كل شهر، وأن ثلاثة أرباع هذا السلاح يأتي عن طريق تونس، والباقي من المغرب، ولا يتمكن الجيش الفرنسي إلا من استرجاع ثلث الأسلحة المهربة من الحدود([21]).
موقف الثورة الجزائرية من الإجراءات الفرنسية
أصبحت الأمور أكثر تعقيداً في عام 1958 م بسبب تكثيف الحواجز الاستعمارية وتدعيمها. ومع ذلك، كانت الأسلحة تدخل إلى أرض الوطن، وتصل إلى المجاهدين، ولكن بكميات غير كافية. ولقد عبرت لجنة التنسيق والتنفيذ عن ذلك في التقرير الذي أعدته حول وضعية الثورة في سبتمبر 1958م. فعند الكلام عن قضية التموين بالسلاح، قالت: »إن هذه العملية كانت دائماً دون الحاجة الملحة حتى في الوقت الذي كان فيه الطريق مفتوحاً«. لكنها لاحظت أن توقف عملية إدخال الأسلحة في المدة الأخيرة جعل الأمور أكثر خطورة، وبخاصة في المناطق الغربية، والذي نتج عنه النقص الواضح في العمليات العسكرية للمجاهدين.
وإزاء هذه الأوضاع، قررت اللجنة ما يلي:
بخصوص الحدود المغربية:
1 - محاولة إيجاد عملاء جدد، وبخاصة في إسبانيا؛
2 - استعمال كل الوسائل من أجل الحصول على الأسلحة والذخيرة، وذلك بالاعتماد على مخازن السلاح التابعة للفرنسيين والأمريكيين، والموجودة فوق التراب المغربي([22]).
تنفيذاً لهذه القرارات، تم إنجاز مصانع للأسلحة فوق التراب المغربي، وكانت موجودة في الأماكن التالية:
1 - تطوان (1958 م): صناعة القنابل من النوع الإنكَليزي والمتفجرات؛
2 - بوزنيقة (1959 م): صناعة قنابل من النوع الأمريكي والبنقالور والسلاح الأبيض؛
3 - تمارة (1960 م): صناعة الرشاشات الخفيفة 49 mat والسلاح الأبيض.
4 - الصخيرات (1960م): صناعة مدافع الهاون - عيار 45 والمتفجرات؛
5 - المحمدية (1960 م): صناعة مدافع الهاون عيار 60-80 والبنقالور والألغام؛
6 - الدار البيضاء (1960 م): صناعة البازوكَات والرشاشات 49 mat - المتفجرات - والألغام والسلاح الأبيض.
إضافة إلى هذه المصانع التي أنشأتها قيادة الثورة في المغرب الأقصى، شرع منذ سنة 1960 م في جلب الأسلحة نصف الثقيلة والثقيلة بمختلف أنواعها وذخيرتها الحربية من الخارج، ومن مختلف الدول الشرقية والغربية، ومنها خاصة مدافع الهاون والبازوكَات والمدافع المضادة للطائرات. وكانت هذه الأسلحة تأتي عن طريق المغرب، وفي غالب الأحيان باسم الحكومة المغربية([23]).
خاتمة
واجهت الثورة الجزائرية مشكلة حادة، تتمثل في قلة السلاح. ولذلك بذل قادة الثورة مجهودات جبارة من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة، لأنهم كانوا يعتقدون أن إيجاد الحل لها يعني الوصول إلى تحقيق الهدف المنشود، ألا وهو تحقيق الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية. ولم يكن ذلك ممكناً لولا وقوف الدول الشقيقة والصديقة إلى جانب الثورة الجزائرية، وإمدادها بما تحتاج إليه، إضافة إلى قيام دول أخرى بتسهيل عملية نقل السلاح والذخيرة إلى داخل التراب الجزائري حتى يتمكن المجاهدون من الحصول على السلاح، وبالتالي مواجهة العدو وتحقيق أهداف الثورة.
وفي هذا الإطار، فإن الدور الذي أدَّاه المغرب الأقصى في عهد محمد الخامس كان حاسماً؛ إذ مكن الثوار من الحصول على الأسلحة والذخيرة التي كانوا في أمس الحاجة إليها، وبخاصة في الوقت الذي ازداد فيه عدد المنخرطين في صفوف جيش التحرير الوطني بداية من نهاية عام 1955 م.
إن المغرب الأقصى، بحكم موقعه الجغرافي من جهة، وعراقة العلاقة الأخوية التي تربطه بشقيقه الشعب الجزائري، كان في الموعد، وقدم ما كان المجاهدون بحاجة إليه، وبالتالي ساهم في دحر المستعمر الفرنسي، وإخراجه من التراب الجزائري.
([1]) عمار قليل، ملحمة الجزائر الجديدة، دار البعث، قسنطينة، ط. 1، 1412 هـ/ 1991 م، ج 1، ص. 234.
([2]) بسام العسلي، جيش التحرير الوطني الجزائري، دار النفائس، بيروت، ط. 2، 1406 هـ/ 1986 م، ص. 71.
([3]) عمار قليل، المرجع السابق، ج 1، ص. 259.
([4]) المرجع نفسه.
([5]) محمد صديقي، الطرق والوسائل السرية لإمداد الثوار الجزائريين بالسلاح، تعر يب أحمد الخطيب، دار الشهاب، باتنة، 1986، صص. 34-35.
([6]) بسام العسلي، المرجع السابق، ص. 71.
([7]) محمد صديقي، المرجع السابق، ص. 50.
([8]) المرجع نفسه، ص. 65.
([9]) المرجع نفسه، صص. 68-69.
([10]) عمار قليل، المرجع نفسه، ج 1، ص. 260.
([11]) محمد قنطاري، الثورة الجزائرية ونظمها السياسية والإدارية والعسكرية من 1954 إلى 1958 م، بحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة، معهد العلوم الاجتماعية، جامعة وهران، 1983، صص. 44-45.
([12]) المرجع نفسه؛ »الثورة الجزائرية وقواعدها الخلفية بالجبهة الغربية«، مجلة الذاكرة، المتحف الوطني للمجاهد، السنة الثانية، العدد الثالث، خريف 1415 هـ/ 1995 م، صص. 131-132.
([13]) Mohamed Teguia, L’Algérie en guerre, O.P.U, Alger 2ème, 1988, pp. 265-266.
([14]) مصطفى طلاس وبسام العسلي، الثورة الجزائرية، دار الشورى، بيروت، ط. 1، 1402 هـ/ 1982م، ص. 172.
([15]) المرجع نفسه، ص. 170.
([16]) M. Teguia, op. cit., p. 320.
([17]) Yves Courrière, La guerre d’Algérie, T. 2, Le temps des léopards, Librairie Arthème Fayard, 1969, pp. 458-460.
([18]) محمد قنطاري، مجلة الذاكرة، نفس العدد، صص. 124-125.
([19]) العماد طلاس، المرجع نفسه، ص. 171.
([20]) بسام العسلي، جيش التحرير الوطني الجزائري، ص. 99.
([21]) M. Teguia, op. cit., p. 322.
([22]) «Document CCE 1958. Rapport sur la situation actuelle», in Actualité de l’Emigration.Spécial, n° 187 du 26 oct. au 9 nov. 1989, pp. 42-43.
([23]) محمد قنطاري، مجلة الذاكرة، المرجع السابق، ص. 126.