أيّها المسلمون هذه هي الاستطاعة بالمال، أمّا الاستطاعة بالبدن فأن يكون الإنسان قادراً على الوصول بنفسه إلى البيت بدون مشقة، فإن كان لا يستطيع الوصول إلى البيت أو يستطيع الوصول بمشقةٍ شديدة كالمريض والكبير فإنه في هذه الحال إذا كان مرضه لا يرجى برئه يقيم من يحج ويعتمر عنه من أقاربه أو غيرهم، فإن مات قبل أن يوكل حج عنه من ترك. وإذا لم يكن للمرأة محرم فليس عليها حج لأنّها لا تستطيع السبيل إلى الحج، فإنّ المرأة ممنوعةٌ شرعاً من السفر بدون محرم قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلاّ ومعه ذو محرم ولا تسافر امرأةٌ إلاّ مع ذي محرم» فقام رجلٌ فقال يا رسول إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق فحج مع امرأتك» فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزو وأن يذهب يحج مع امرأته، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت امرأته شابة أو كان معها نساء أو ليست كذلك وهو دليل على أنّ المرأة يحرم عليها السفر بكل حال إذا كان بدون محرم سواءٌ كانت على طائرة أو سيارة. والمحرم زوجها وكل من يحرم عليه نكاحها تحريماً مؤبداً كالأب والجد وإن علا، والابن وابن الابن وإن نزل، والأخ وابن الأخ وإن نزل، وابن الأخت وإن نزل، والعم والخال سواءٌ كان عماً للإنسان نفسه أو عماً لأبيه أو أمه، وسواءٌ كان خالاً للإنسان نفسه أو خالاً لأبيه أو أمه. فخال الإنسان خالٌ له ولذريته إلى يوم القيامة وعم الإنسان عمٌ له ولذريته إلى يوم القيامة، سواءٌ كان ذلك من نسبٍِ أو رضاع. ومن المحارم أيضا المحارم بالصهر كأب الزوج وإن علا وابنه وإن نزل، وزوج البنت وإن نزلت وزوج الأم وإن علت إذا كان قد دخل بها. ولا بد أن يكون المحرم بالغاً عاقلاً فمن كان دون البلوغ فإنّه لا يكفي أن يكون محرماً لأنّ المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها وهيبتها وذلك لا يحصل بالصغير.
أيّها المسلمون من رأى من نفسه أنّه قد استكمل شروط وجوب الحج فليبادر به ولا يتأخر فإنّ أوامر الله ورسوله على الفور بدون تأخير قال ابن القيم رحمه وهو من أكبر كلامه بشيخ الإسلام ابن تيميه: "من ترك الحج عمداً مع القدرة عليه حتى مات أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات". فإنّ مقتضى الدليل وقواعد الشرع إن فعلهما بعد موته لا يبرء ذمته، ولا يقبل منه قال والحق أحق أن يتبع والإنسان أيّها المسلمون لا يدري ما يحصل في المستقبل، وقد يسر الله ولله الحمد في هذه البلاد يسر لنا ما لم يسره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت وأداء المناسك فقابلوا هذه النعمة بشكرها، وأدوا فريضة الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيندم حين لا ينفع الموت واسمعوا قول الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54]، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55]، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56]، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57]، {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:58]، ومن حج على الوجه الشرعي مخلصاً لله متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تم حجه سواءٌ كان قد تمم له أو لم يتمم له. وأمّا ما يعتقده بعض العوام أنّ من لم يتمم له فلا حج له فهذا غير صحيح ولا علاقة بين التميمة والحج. وكذلك يجوز الحج ولو كان على الإنسان أيّامٌ من رمضان لم يقضها لأنّه لا علاقة بين الحج وقضاء الصوم.
ووفقني الله وإيّاكم للقيام بفرائضه والتزام حدوده، وزودنا من فضله وكرمه وحسن عبادته ما تكمل به فرائضنا وتزداد به حسناتنا ويكمل به إيماننا ويرسخ به ثباتنا إنه جوادٌ كريم برٌّ رحيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..