أنها تهبنا من المعرفة ما لا يقدر على هبته أي نوع أدبي سواها وتبسط أمامنا الحياة في سعة وامتداد وعمق وتنوع ) حيث أن القرآن الكريم اهتم بالقصة اهتماما كبيرا وظهرت المعجزة بالتحدث عن الغيب وعن أخبار الأمم السابقة التي بادت وزالت 0
والقصة : لغة : جاءت من كلمة / قص / وهذه الكلمة اصلها اللغوي تدل على التتبع لامر ما ومنه قوله تعالى ( فارتدا على أثارهما قصصا ) ومنه القص : بمعنى ذكر الحوادث والوقائع السابقة لان القاص يتتبعها في الحديث 0
يقول تعالى في سورة الكهف ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق انهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى ) ومن استعمال هذه المادة قوله تعالى على لسان يعقوب : ( يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدا ) 0
تعريف القصة : القصة كما عرفها الأدباء أن القصة حكاية تروي نثرا وجها من وجوه النشاط والحركة في حياة الإنسان وتقسم القصة إلى عدة أقسام فهناك القصة الواقعية والقصة التاريخية والسياسية والقصة الأسطورية 0
فالقصة في القرآن الكريم من نوع القصص الواقعية لان الله تعالى اخبرنا فيها ما حصل من أحداث واقعة جرت مع الأنبياء والرسل وغيرهم من الأمم السابقة مثل قصة ( آدم ويوسف وأهل الكهف وصالح ... الخ ) كما أن القصة في القرآن الكريم افضل القصص على الإطلاق واقواها من حيث البداية والنهاية والحدث والعقدة والحبكة والحل ودليل ذلك قوله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ( نحن نقص عليك احسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين ) 0
أهداف القصة في القرآن كما حددها الدكتور نور الدين عتر : الهدف الأكبر والأعظم هو إعجاز القرآن واثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم 0
بيان انتصار الأنبياء والصالحين وغيرهم من أهل الحق على أهل الضلالة والباطل وما حدث من أمور سابقة لتثبيت قلب النبي لكي يطمئن ومن معه من المؤمنين 0
يقول الله تعالى ( إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) 0
بث المعاني الدينية الواضحة وترسيخ قواعد الدين: وذلك لما في طبيعة القصص القرآنية من التشويق والإثارة وهذا ما جاء في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الملك إذ قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت قال: أنا احيي وأميت : قال إبراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ) 0
منهج القصة في القرآن الكريم :
يقول الدكتور نور الدين عتر : لما كانت القصة في القرآن تهدف إلى مقاصد دينية وايمانية كانت طريقة القص في القرآن متميزة عن المألوف في هذا الفن لكي يتلاءم أسلوب القصة مع الوفاء بحق الغرض الذي سيقت لاجله ومن ابرز سمات المنهج القرآني ما يلي :
القصة في القرآن لا تأتي بتمامها دفعة واحدة بل تأتي حسب الغرض والهدف الذي تسرد من اجله القصة 0
استخراج التوجيهات والعظات والدروس التي تأتي بها القصة كما جاء في قصة لقمان مثلا ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) 0
التكرار : إن منهج القصة في القرآن يختلف تماما عن منهج القصة العادية فهناك خصائص معينة تلتزمها القصة في القرآن ومنها التكرار ويقسم إلى قسمين :
- تكرار القصة : أي أن تأتي قصة نبي من الأنبياء في اكثر من مكان وهذا التكرار ليس في هيكل القصة وانما يكون تكرارا ملائما للغرض الذي اقتضى الاستشهاد فيه مثلا قصة إبراهيم عليه السلام وردت في القرآن في عشرين موضعا ولكل موضع عبر ودروس وكذلك قصة موسى مع فرعون وردت في كثير من سور القرآن الكريم 0
- تكرار العبارات والجمل : وهذا أسلوب تميز فيه القرآن الكريم وهو إن دل على شيء فهو يدل على عظمة هذا الخالق وإعجاز القرآن الذي بهر العرب على الرغم من قوة بلاغتهم كما أن التكرار لم يأت هكذا وانما دلالته وإعجازه وبلاغته مثل قوله تعالى في سورة الأنعام ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) هنا حرم الله قتل الأولاد الذي يدفع إليه الفقر النازل بالآباء فناسب لذلك تقديم ذكر الآباء لانهم هم من يعانون الفقر لذلك قال ( من إملاق ) وقال تعالى في سورة الإسراء ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) هنا حرم تعالى قتل الأولاد الذي يدفع إليه الخوف من الفقر في المستقبل بسبب تضاعف مسؤوليات النفقة بسبب الأولاد لذلك قدم ذكر الأبناء ( نحن نرزقهم وإياكم ) 0
أما الخصائص الفنية كما حددها الدكتور عتر :
أولا : تنوع طريقة العرض يوجد في القرآن أربع طرائق لعرض القصة :
1. ذكر ملخص ثم القصة ثم الدخول في التفاصيل يسرد القصة من أولها إلى آخرها كما جاء في قصة أهل الكهف 0
2. ذكر عاقبة القصة ومغزاها ثم الدخول والابتداء بالقصة مثل قصة يوسف عليه السلام بدأت بالرؤية ثم تبدأ القصة بعد ذلك حتى النهاية 0
3. ذكر القصة مباشرة وبدون مقدمة أو تلخيص ومثال ذلك قصة مريم عند مولد عيسى عليه السلام وقصة سليمان مع النمل والهدهد وبلقيس 0
4. تحويل القصة إلى تمثيلية تبدا بالعرض ثم يدع القصة تتحدث عن نفسها بواسطة أبطالها ومثال ذلك قصة إبراهيم وإسماعيل في بنائهما للكعبة قال تعالى ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) 0
ثانيا : تنوع طرق المفاجأة :
1. فالقصة تكتم سر المفاجأة عن البطل والقارئ حتى تكشف لهم معاً في آن واحد مثال ذلك قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح في سورة الكهف 0
2. ومرة تكشف السر للقارئ وتترك أبطال القصة في عماية وغالبا ما يكون هذا في موضع السخرية يقول تعالى في قصة أصحاب الجنة ( إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليـهـا طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم )0
3. ومرة تكشف السر للقارئ فهو خاف على البطل في موضع وخاف على القارئ والبطل في موضع آخر من القصة الواحدة مثال ذلك قصة عرش بلقيس الذي احضر في غمضة عين حيث عرفنا نحن انه بين يدي سليمان على حين ظلت بلقيس تجهل ما نعلم ولكن مفاجأة الصرح الممرد من قوارير ظلت خافية علينا وعليها حتى فوجئنا بسرها معا 0
4. وقد لا يكون هناك سر بل تواجه المفاجأة البطل والقارئ في آن واحد مثل قصة المخاض لمريم العذراء 0
وهكذا نرى انه من يقرا القرآن لابد وان يتذوق حلاوته وان يستمتع بأسلوبه المعجز الذي اذهل العرب فلو اجتمع كتاب القصة من المشرق إلى المغرب لما استطاعوا أن يأتوا بما جاء به القرآن الكريم من رسم للشخصيات واحداث لذلك بقي القرآن منذ نزوله وحتى الآن مصدر لإلهام الكثير من الكتاب والشعراء 0