[size=16]بهمن جاذويه يقود الجيوش
بعد أن انتصر المسلمون في معركة النمارق، انتصروا أيضًا في موقعة السقاطية على (نورسي)، وكان قد ثار في تلك المنطقة وهو من الفرس أيضًا، وكان رستم قد أرسله، ولكن أبا عبيد لم يمهله وتوجه إليه وانتصر عليه في 12 من شعبان سنة 13 هـ، وبعدها بخمسة أيام تقدم أبو عبيد إلى "باقسياثا" بالقرب من بابل وانتصر على الجيوش الفارسية بقيادة الجالينوس وهو من كبار قادة الفرس، وكان رستم قد أرسله بعد هزيمة الفرس في النمارق والسقاطية فانتصر عليه أيضًا أبو عبيد في موقعة باقسياثا، ثم انسحب أبو عبيد بن مسعود الثقفي بجيشه إلى الحيرة، وأخذ يدبر الأمر ويوزع الحاميات، واتخذ الحيرة مركزًا له.
تعجب رستم كثيرًا وأصابته الحيرة والدهشة مما يحدث، إذ كيف ينتصر هؤلاء بعد غياب خالد بن الوليد ومعه نصف الجيش؟! ينتصرون على الفرس في ثلاث مواقع متتالية في تسعة أيام؛ فقال رستم: مَنْ أشدُّ الفُرْسِ على العرب؟
فقالوا له: بهمن جاذويه. وكان أحد كبار قادة الفرس، ولم يشترك في الحروب مع المسلمين حتى هذه اللحظة.
فقال رستم: إذن فهو القائد.
وبذلك أعطى رستم إمرة الجيوش الفارسية لـ "بهمن جاذويه" وأخرجه مع جيش كبير يزيد على سبعين ألف فارسي، وأرسل مع هذا الجيش أكثر من عشرة أفيال. ونحن نعرف ما كان يثيره فيل واحد في صفوف المسلمين من فزع وهلع؛ لأن الخيول لا تجرؤ على مواجهة الأفيال، فكانت تحدث ارتباكًا داخل صفوف الجيش المسلم، فما بالنا بعشرة أفيال؟ وأعطى رستم لـ "بهمن جاذويه" أيضًا راية الفرس العظمى وكانت تُسمى "دارفن كابيان"، وكانت هذه الراية لا تخرج إلا مع الملوك، ولكنه أخرجها معه تشريفًا لهذا الجيش وتشجيعًا له على حرب المسلمين، وكان كسرى فارس في هذه اللحظة "بوران بنت كسرى" وكانت من أحكم سيدات فارس، ولم يكن عندهم حينئذ رجل من آل ساسان يُوكِلون إليه مُلك فارس، وكان "شيرويه" قد قتل كل رجال آل ساسان ليستأثر هو بالحكم، ولكنه قُتِل أيضًا، وآل المُلك إلى تلك المرأة بعد ذلك.
توجّه الجيش الفارسي بهذه الجموع الجرارة لقتال المسلمين، وعلم أبو عبيد بذلك فتوجه بجيشه إلى منطقة في شمال الحيرة تسمى "قِسّ النَّاطِف"، وعسكر بجيشه في هذه المنطقة انتظارًا لقدوم جيش الفرس. وقَدِمَ الفُرسُ، ووقفوا على الجانب الآخر من نهر الفرات، فالمسلمون على الناحية الغربية، والفرس على الناحية الشرقية بقيادة بهمن جاذويه، وكان بين الشاطئين جسرٌ عائم أقامه الفرس في هذه الآونة للحرب -وكان الفرس مهرة في بناء هذه الجسور- وأرسل بهمن جاذويه رسولاً إلى الجيش الإسلامي يقول له: إما أن نعبر إليكم، وإما أن تعبروا إلينا.[/size]