[size=16]مقدمة
ذكرنا خروج الوفد المسلم من عند سعد بن أبي وقاص، وتحركه في اتجاه فارس حتى وصل إلى المدائن لمقابلة يزدجرد، وذكرنا أيضًا أن بعض الفرس الذين أسلموا بعد ذلك ذكروا لنا أنهم وقفوا يشاهدون هذا الوفد ويقولون: واللهِ ما رأينا أربعة عشر مثلهم قَطُّ يعادَلون بألف، وإن خيولهم لتضرب في الأرض وتنفث غضبًا؛ فوقع ذلك في قلوبنا وتشاءَمنا. وقد ذكرنا أن أهل فارس كانوا أهل تشاؤم؛ فيضعف ذلك من قوتهم، بينما كان أهل الإسلام أهل تفاؤل يستبشرون بالأحداث؛ لأن الرسول r نهى عن الطِّيَرَة والتَّطَيُّر، وأمر بالتفاؤل.
عندما شاهد أهل فارس هذا المنظر تشاءموا من القوة الإسلامية، وبدءوا ينتظرون ما سيفعله هؤلاء المسلمون الأربعة عشر، وهؤلاء المسلمون هم الذين أذاقوهم الويل، وفي خلال شهور معدودة استطاعوا أن يجتاحوا أرض فارس كلها، وعلم يزدجرد أن الوفد واقف على باب إيوان كسرى، وإيوان كسرى هذا عبارة عن مساحة ضخمة جدًّا من الأرض حولها سور عالٍ، وهذا السور لا يستطيع أحد خارجه أن يرى ما بداخل القصر؛ فالسور عالٍ وبداخله قصر، وحول القصر حديقة هائلة، فدخلوا بخيولهم حتى وصلوا إلى باب القصر المتواجد فيه كسرى، فنزلوا عن خيولهم، وتَرَجَّلوا حتى وصلوا إلى باب الغرفة الكبيرة المتواجد فيها كرسي العرش ليزدجرد كسرى فارس، ودخل الأربعة عشر فارسًا من المسلمين على كسرى فارس، وكان عطارد بن حاجب قد دخل هذا الإيوان من قبل على كسرى فارس، فأخذ يشرح لهم ما سيشاهدونه داخل الإيوان حتى لا يفاجئوا بالمنظر الذي سيرونه بالداخل، وبالفعل لم يظهر عليهم أي مفاجأة على عكس ما توقع أهل فارس. وهذه الحجرة عبارة عن حجرة فسيحة جدًّا، على أرضيتها سجادة هي أكبر سجادة في التاريخ، فمساحتها ضخمة جدًّا تُقدَّرُ بأكثر من ستين مترًا عرضًا، وأكثر من ثمانين مترًا طولاً، والسجادة نفسها بالإضافة إلى أنها مصنوعة من نوعيات فخمة جدًّا من النسيج إلا أنها مرصعة بالجواهر، وهذه السجادة هي التي غنمها المسلمون بعد موقعة المدائن، وأرسلوها لسيدنا عمر بن الخطاب في المدينة، فلم يستطع أن يتصرف فيها، فما الذي يفعله بسجادة مرصعة بالجواهر؟! فضلاً عن أن المسلمين لم يكونوا -وقتئذٍ- من أهل الاحتفاظ بهذه الأشياء، ولم يكن للدنيا عندهم وزن أو قيمة.
ولقد خشي سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا علي بن أبي طالب أن يأتي أحد أمراء المسلمين بعد قرونٍ أو أعوامٍ، فيطمع في مثل هذه السجادة فيأخذها لنفسه، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب أن يقطعها إلى أجزاء؛ فيقول علي بن أبي طالب: "فكان لي نصيب منها بِعْتُه بعشرين ألف درهم". فتخيل أنت ما حجم هذه السجادة؟! ثم رأوا بعد ذلك كرسي العرش الذي يجلس عليه يزدجرد وهو ضخم جدًّا عرضه أربعة أمتار، والتاج الذي على رأسه ضخم جدًّا يصل إلى أكثر من مترين، ووزنه تسعون كيلو جرامًا، وقد كان أهل فارس يعلقون هذا التاج في سلاسل ضخمة تصل إلى السقف، وحولها ستائر كبيرة تحجبها فلا تُرَى، ثم يأتي كسرى فيجلس تحت هذا التاج، فيظهر كأنه لابس هذا التاج ، وقد غنمه المسلمون أيضًا في موقعة المدائن بعد ذلك.[/size]