[size=16]مقدمة
تحركت جيوش رستم من النجف حتى وصلت إلى منطقة تسمى (سَيْلَحِين)، وعسكر فيها رستم وعسكرت المقدمة في منطقة تسمى (ناباذ)، وعاد طليحة بن خويلد الأسدي -كما ذكرنا من قبل- إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره بأن الجيوش الفارسية على مقربة منه؛ حيث إن منطقة ناباذ هذه بالنسبة لمنطقة القادسية على مسافة نحو خمسة إلى ستة أميال، أي أن المسافة بين الجيشين أصبحت قريبة جدًّا، والجيوش على الأبواب.
وقد أرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص سرية صغيرة من مائة فارس من الطلائع، والطلائع -دائمًا- يكونون من أفضل المجاهدين في المسلمين، وجعل على رأس هذه السرية رجلاً يُسمَّى قيس بن هبيرة. وقيس هذا هو الذي قام منذ قليل على رأس مائة لينقذ عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد الأسدي عندما قاموا بالغارة الاستكشافية، واستأخرهم سعد بن أبي وقاص، ونذكر أيضًا ما قاله عمرو لقيس: واللهِ إن زمنًا تكون فيه أميرًا عليَّ لزمنُ سوء. وهو عمرو بن معديكرب صاحب أكبر سيف شُهِرَ في العرب، سيف الصمصامة، وأقوى يدٍ ضربت في العرب، فهو يأنف أن يكون قيس بن هبيرة هذا أميرًا عليه، وفي هذه السرية -أيضًا- يُخْرج سعد بن أبي وقاص قيس بن هبيرة أميرًا عليه، ويجعل في جنده عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد الأسدي، وهذا نوع من أنواع التربية، فليس تحقيق النصر هو الهدف الأول والأخير في المعركة، ولكن الهدف هو إرضاء الله I، فسيدنا سعد بن أبي وقاص يأخذ هذا الطريق ليربي جنوده على كسر الشهوات، وعلى كسر حبِّ النفس، وحب الأثرة، وما إلى ذلك، فيخرج عمرو بن معديكرب -الذي قال هذه الكلمة في حق قيس- تحت إمرته مرة أخرى، كما يخرج طليحة بن خويلد الأسدي الذي قام بهذه الغارة الاستكشافية الرائعة، والذي قام بما لم يقم به غيره تحت إمرته أيضًا، وتخرج هذه السرية فتقاتل فرقة من فرق الاستطلاع الفارسية، وتبلي بلاءً حسنًا، وتنتصر على هذه الطليعة الفارسية انتصارًا عظيمًا، وتعود مرة أخرى إلى سعد بن أبي وقاص؛ فينادي على عمرو بن معديكرب وعلى طليحة بن خويلد الأسدي، فيأخذهما إلى خيمته ويكلمهما في جانب من جوانبها، فيقول لهم: كيف وجدتما أميركما؟ فيقول له طليحة بن خويلد الأسدي: وجدناه أكمانا. أي: وجدناه أشجعنا على القتال؛ فطليحة اعترف أن الأمير كان أفضل مقاتل في السرية، ثم أشار إلى عمرو بن معديكرب وقال له: كيف وجدته؟ فقال: الأمير (يقصد سعد بن أبي وقاص) أعلم منا بالرجال. فقد اكتشف عمرو أيضًا أن قيس بن هبيرة له من الأحقية ما يجعله الأمير، ثم قال لهما سعد: إن الله تعالى أحيانَا بالإسلام، وأحيَا به قلوبًا ميتة، وإني أحذركما أن تُؤْثِرا أمر الجاهلية على أمر الإسلام، والزما الطاعة فإن فيها العزَّ، وإن في غيرها الذل، وإن الله I لا يرضى عن قوم لم يطيعوا أميرهم. وهذا أول درس لهما من أميرهما؛ يربيهما التربية الصحيحة، وجيش رستم يتقدم حتى يصل إلى غرب نهر العتيق مباشرة، وهذه المنطقة تسمى القادسية، ولا يفصل بينه وبين جيش المسلمين سوى قنطرة صغيرة على نهر العتيق، ويعسكر جيش رستم هناك.[/size]