|
| أحكام القرآن للشافعي | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 1:34 am | |
| مُقَدِّمَةُ الْكِتَاب
( بسم الله الرحمن الرحيم )
وَبِهِ الْعَوْنُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ , الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ طِينٍ وَجَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ , ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَهُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ وَبَعَثَ فِيهِمْ الرُّسُلَ وَالْأَئِمَّةَ مُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمُنْذِرِينَ بِالنَّارِ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَخَصَّنَا بِالنَّبِيِّ الْمُصْطَفَى , وَالرَّسُولِ الْمُجْتَبَى , أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ صلى الله عليه وعلى آله , الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَاصْطَفَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ , أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ إلَى مَنْ جَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ مِنْ كَافَّةِ الْخَلْقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَأَنْزَلَ مَعَهُ كِتَابًا عَزِيزًا وَنُورًا مُبِينًا وَتَبْصِرَةً وَبَيَانًا وَحِكْمَةً وَبُرْهَانًا وَرَحْمَةً وَشِفَاءً وَمَوْعِظَةً وَذِكْرًا . فَنَقَلَ بِهِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ إلَى الرُّشْدِ , وَالْهِدَايَةِ وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَحَلَّ وَمَا حَرَّمَ وَمَا حَمِدَ وَمَا ذَمَّ وَمَا يَكُونُ عِبَادَةً وَمَا يَكُونُ مَعْصِيَةً نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ وَوَضَعَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عَنْهُ , وَحِينَ قَبَضَهُ اللَّهُ قَيَّضَ فِي أُمَّتِهِ جَمَاعَةً اجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَسَخُوا فِي الْعِلْمِ وَصَارُوا أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ وَيُبَيِّنُونَ مَا يُشْكِلُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ . وَقَدْ صَنَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيه وَإِعْرَابِهِ وَمَبَانِيه , وَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَحْكَامِهِ مَا بَلَغَهُ عِلْمُهُ وَرُبَّمَا يُوَافِقُ قَوْلُهُ قَوْلَنَا وَرُبَّمَا يُخَالِفُهُ , فَرَأَيْتُ مَنْ دَلَّتْ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ الْمُطَّلِبِيِّ ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ قَدْ أَتَى عَلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكَانَ ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي كُتُبِهِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْأَحْكَامِ , فَمَيَّزْتُهُ وَجَمَعْتُهُ فِي هَذِهِ الْأَجْزَاءِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُخْتَصَرِ , لِيَكُونَ طَلَبُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَيْسَرَ وَاقْتَصَرَتْ فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ الْمُرَادُ دُونَ الْإِطْنَابِ , وَنَقَلْتُ مِنْ كَلَامِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاسْتِشْهَادِهِ بِالْآيَاتِ الَّتِي احْتَاجَ إلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ , عَلَى غَايَةِ الِاخْتِصَارِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ . وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ أَنْ يَنْفَعَنِي وَالنَّاظِرِينَ فِيهِ بِمَا أَوْدَعْتُهُ وَأَنْ يَجْزِيَنَا جَزَاءَ مَنْ اقْتَدَيْنَا بِهِ فِيمَا نَقَلْتُهُ , فَقَدْ بَالَغَ فِي الشَّرْحِ وَالْبَيَانِ , وَأَدَّى النَّصِيحَةَ فِي التَّقْدِيرِ وَالْبَيَانِ وَنَبَّهَ عَلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَالْبُرْهَانِ ; حَتَّى أَصْبَحَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دِينِ رَبِّهِ وَيَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ مَذْهَبِهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَحَ صَدْرَنَا لِلرَّشَادِ , وَوَفَّقَنَا لِصِحَّةِ هَذَا الِاعْتِقَادِ وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ ( عَزَّتْ قُدْرَتُهُ ) فِي أَنْ يُجْرِي عَلَى أَيْدِينَا مُوجِبَ هَذَا الِاعْتِقَادِ وَمُقْتَضَاهُ , وَيُعِينَنَا عَلَى مَا فِيهِ إذْنُهُ وَرِضَاهُ وَإِلَيْهِ التَّضَرُّعُ فِي أَنْ يَتَغَمَّدَنَا بِرَحْمَتِهِ , وَيُنْجِيَنَا مِنْ عُقُوبَتِهِ , إنَّهُ الْغَفُورُ الْوَدُودُ , وَالْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ , قَالَ : كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى تَفْسِيرَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ , فَقَالَ لَنَا يُونُسُ : كُنْتُ أَوَّلًا أُجَالِسُ أَصْحَابَ التَّفْسِيرِ وَأُنَاظِرُ عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَخَذَ فِي التَّفْسِيرِ كَأَنَّهُ شَهِدَ التَّنْزِيلَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ حَمْدُونٌ قَالَ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ يَقُولُ : قَلَّمَا كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله إلَّا وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَتَبَّعُ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ .
فَصْلٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ رحمه الله أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ; أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ , فَقَالَ : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } , فَنَقَلَهُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْعَمَى إلَى الضِّيَاءِ وَالْهُدَى وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَحَلَّ لَنَا بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى خَلْقِهِ وَمَا حَرَّمَ لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ [ مِنْ ] حَضِّهِمْ عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى , وَابْتَلَى طَاعَتَهُمْ بِأَنْ تَعَبَّدَهُمْ بِقَوْلٍ وَعَمَلٍ , وَإِمْسَاكٍ عَنْ مَحَارِمَ وَحَمَاهُمُوهَا , وَأَثَابَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ مِنْ الْخُلُودِ فِي جَنَّتِهِ وَالنَّجَاةِ مِنْ نِقْمَتِهِ مَا عَظُمَتْ بِهِ نِعْمَتُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَعْلَمَهُمْ مَا أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ مِنْ خِلَافِ مَا أَوْجَبَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَوَعَظَهُمْ بِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَأَطْوَلَ أَعْمَارًا , وَأَحْمَدَ آثَارًا , فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فِي حَيَاةِ دُنْيَاهُمْ , فَأَذَاقَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ قَضَائِهِ مَنَايَاهُمْ دُونَ آمَالِهِمْ وَنَزَلَتْ بِهِمْ عُقُوبَتُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ ; لِيَعْتَبِرُوا فِي آنِفِ الْأَوَانِ , وَيَتَفَهَّمُوا بِجَلِيَّةِ التِّبْيَانِ , وَيَنْتَبِهُوا قَبْلَ رَيْنِ الْغَفْلَةِ وَيَعْمَلُوا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ , حِينَ لَا يُعْتَبُ مُذْنِبٌ , وَلَا تُؤْخَذُ فِدْيَةٌ وَ { تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } . وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) رَحْمَةً وَحُجَّةً ; عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ . قَالَ : وَالنَّاسُ فِي الْعِلْمِ طَبَقَاتٌ , مَوْقِعُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ , فَحَقَّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جُهْدِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ وَالصَّبْرُ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ خَيْرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ , فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ نَصًّا وَاسْتِدْلَالًا , وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِمَا عَلِمَ مِنْهُ فَازَ بِالْفَضِيلَةِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيَبُ وَنَوَّرَتْ فِي قَلْبِهِ الْحِكْمَةُ , وَاسْتَوْجَبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُبْتَدِئَ لَنَا بِنِعَمِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا , الْمُدِيمَ بِهَا عَلَيْنَا مَعَ تَقْصِيرِنَا فِي الْإِتْيَانِ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ شُكْرِهِ لَهَا , الْجَاعِلَنَا فِي خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلًا وَعَمَلًا يُؤَدِّي بِهِ عَنَّا حَقَّهُ , وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةَ مَزِيدِهِ . فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ نَازِلَةٌ إلَّا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سُبُلِ الْهُدَى فِيهَا . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَمَنْ جِمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعِلْمُ بِأَنَّ جَمِيعَ كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَالْمَعْرِفَةُ بِنَاسِخِ كِتَابِ اللَّهِ وَمَنْسُوخِهِ وَالْفَرْضِ فِي تَنْزِيلِهِ , وَالْأَدَبِ وَالْإِرْشَادِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالْوَضْعِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْإِبَانَةِ عَنْهُ فِيمَا أَحْكَمَ فَرْضَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرَادَ بِجَمِيعِ , فَرَائِضِهِ أَأَرَادَ كُلَّ خَلْقِهِ , أَمْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ ؟ وَمَا افْتَرَضَ عَلَى النَّاسِ مِنْ طَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِهِ , ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا ضَرَبَ فِيهَا مِنْ الْأَمْثَالِ الدَّوَالِّ عَلَى طَاعَتِهِ , الْمُبِينَةِ لِاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ , وَتَرْكُ الْغَفْلَةِ عَنْ الْحَظِّ وَالِازْدِيَادُ مِنْ نَوَافِلِ الْفَضْلِ . فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَالَمِينَ أَلَّا يَقُولُوا إلَّا مِنْ حَيْثُ عَلِمُوا . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ إلَّا بِلِسَانِ الْعَرَبِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } . فَأَقَامَ حُجَّتَهُ بِأَنَّ كِتَابَهُ عَرَبِيٌّ , ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ نَفَى عَنْهُ كُلَّ لِسَانٍ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ , فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } . وَقَالَ : وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ إنَّ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ خَاصًّا يَجْهَلُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ . وَلِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ مَذْهَبًا , وَأَكْثَرُهَا أَلْفَاظًا , وَلَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلْمِهِ إنْسَانٌ غَيْرُ نَبِيٍّ . وَلَكِنَّهُ لَا يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ , كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا جَمَعَهَا , فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَيْهِ فَإِذَا جُمِعَ عِلْمُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا أُتِيَ عَلَى السُّنَنِ . وَاَلَّذِي يَنْطِقُ الْعَجَمَ بِالشَّيْءِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ , فَلَا يُنْكَرُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ قِيلَ تَعَلُّمًا , أَوْ نُطِقَ بِهِ مَوْضُوعًا أَنْ يُوَافِقَ لِسَانَ الْعَجَمِ أَوْ بَعْضَهُ قَلِيلٌ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ فَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُوم
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى : { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } الْآيَةَ . فَهَذَا عَامٌّ لَا خَاصَّ فِيهِ , فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَذِي رُوحٍ , وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَاَللَّهُ خَالِقُهُ . وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } الْآيَةُ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَبَيَّنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَأَمَّا الْعُمُومُ مِنْهَا , فَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } فَكُلُّ نَفْسٍ خُوطِبَ بِهَذَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مَخْلُوقَةٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَكُلُّهَا شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ . وَالْخَاصُّ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } لِأَنَّ التَّقْوَى إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ الْبَالِغِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الدَّوَابِّ سِوَاهُمْ وَدُونَ الْمَغْلُوبِ عَلَى عُقُولِهِمْ مِنْهُمْ , وَالْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا عَقْلَ التَّقْوَى مِنْهُمْ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالتَّقْوَى وَخِلَافِهَا إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا , أَوْ خَالَفَهَا , فَكَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا . وَفِي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ , وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَهَكَذَا التَّنْزِيلُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِمَّنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ وَدُونَ الْحَيْضِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } الْآيَةُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَإِذَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسٌ غَيْرُ مَنْ جَمَعَ لَهُمْ مِنْ النَّاسِ , وَكَانَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ نَاسًا غَيْرَ مَنْ جَمَعَ لَهُمْ وَغَيْرَ مَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جُمِعَ عَلَيْهِ مَعَهُ وَكَانَ الْجَامِعُونَ لَهُمْ نَاسًا فَالدَّلَالَةُ بَيِّنَةٌ . لِمَا وَصَفَتْ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا جَمَعَ لَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ , وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنْ لَمْ يَجْمَعْ لَهُمْ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا هُمْ النَّاسَ كُلَّهُمْ . وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْمُ النَّاسِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَعَلَى مَنْ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ وَثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ كَانَ صَحِيحًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ , أَنْ يُقَالَ : ( قَالَ لَهُمْ النَّاسُ ) . قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ ; إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ , يَعْنُونَ الْمُنْصَرِفِينَ مِنْ أُحُدٍ وَإِنَّمَا هُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ كَثِيرِينَ مِنْ النَّاسِ , جَامِعُونَ مِنْهُمْ غَيْرَ الْمَجْمُوعِ لَهُمْ وَالْمُخْبِرُونَ لِلْمَجْمُوعِ لَهُمْ غَيْرُ الطَّائِفَتَيْنِ , وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ النَّاسِ فِي بُلْدَانِهِمْ غَيْرُ الْجَامِعِينَ وَالْمَجْمُوعُ لَهُمْ وَلَا الْمُخْبِرِينَ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } , فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا وَقُودُهَا بَعْضُ النَّاسِ ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ . ثُمَّ قَالَ : فَأَبَانَ أَنَّ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَزْوَاجِ مِمَّا سُمِّيَ فِي الْحَالَاتِ , وَكَانَ عَامَّ الْمَخْرَجِ . فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا بَعْضُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ , وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دِينُ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِ وَالزَّوْجَيْنِ وَاحِدًا , وَلَا يَكُونُ الْوَارِثُ مِنْهُمَا قَاتِلًا وَلَا مَمْلُوكًا .
وَقَالَ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } الْآيَةُ . فَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْوَصَايَا يُقْتَصَرُ بِهَا عَلَى الثُّلُثِ وَلِأَهْلِ الْمِيرَاثِ الثُّلُثَانِ وَأَبَانَ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ وَلَا مِيرَاثَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ . وَلَوْلَا دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ إجْمَاعُ النَّاسِ لَمْ يَكُنْ مِيرَاثٌ إلَّا بَعْدَ وَصِيَّةٍ أَوْ دَيْنٍ وَلَمْ تَعْدُو الْوَصِيَّةُ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ , أَوْ تَكُونَ وَالدَّيْنُ سَوَاءً , وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَةِ آيَةَ الْوُضُوءِ وَوُرُودَ السُّنَّةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَآيَةَ السَّرِقَةِ وَوُرُودَ السُّنَّةِ بِأَنْ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ ; لِكَوْنِهِمَا غَيْرَ مُحْرَزَيْنِ وَأَنْ لَا يُقْطَعَ إلَّا مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ . وَآيَةَ الْجَلْدِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْبِكْرَانِ دُونَ الثَّيِّبَيْنِ , وَآيَةَ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّهُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ سَائِرِ الْقُرْبَى وَآيَةَ الْغَنِيمَةِ وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّ السَّلَبَ مِنْهَا لِلْقَاتِلِ . وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ لِلْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ , وَلَوْلَا الِاسْتِدْلَال بِالسُّنَّةِ كَانَ الطُّهْرُ فِي الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفَّيْنِ , وَقَطَعْنَا كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَارِقٍ , وَضَرَبْنَا مِائَةً كُلَّ مَنْ زَنَى وَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا , وَأَعْطَيْنَا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَرَابَةٌ وَخَمَّسْنَا السَّلَبَ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 1:35 am | |
| فَصْلٌ فِي فَرْضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَعَالَى : وَضَعَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ دِينِهِ وَفَرْضِهِ وَكِتَابِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا لِدِينِهِ بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ وَحَرَّمَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَبَانَ , فَضِيلَتَهُ بِمَا قَرَّرَ مِنْ الْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } . فَجَعَلَ دَلِيلَ ابْتِدَاءِ الْإِيمَانِ الَّذِي مَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ , ثُمَّ بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَلَوْ آمَنَ بِهِ عَبْدٌ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ كَمَالِ الْإِيمَانِ أَبَدًا , حَتَّى يُؤْمِنَ بِرَسُولِهِ عليه السلام مَعَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ وَحْيِهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ فِي كِتَابِهِ : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } وَذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي مَعْنَاهَا . قَالَ : فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْكِتَابَ , وَهُوَ الْقُرْآنُ , وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ , فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ : الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُكِرَ وَأَتْبَعَتْهُ الْحِكْمَةُ , وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . فَلَمْ يَجُزْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تُعَدَّ الْحِكْمَةُ هَا هُنَا إلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ , وَأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَتَّمَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِقَوْلٍ فَرْضٌ إلَّا لِكِتَابِ اللَّهِ , ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنَةً عَنْ اللَّهِ مَا أَرَادَ دَلِيلًا عَلَى خَاصِّهِ وَعَامِّهِ ; ثُمَّ قَرَنَ الْحِكْمَةَ بِكِتَابِهِ فَأَتْبَعَهَا إيَّاهُ وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي فَرْضِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) طَاعَةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . مِنْهَا : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } , فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أُولُو الْأَمْرِ أُمَرَاءُ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَهَكَذَا أَخْبَرَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ إمَارَةً , وَكَانَتْ تَأْنَفُ أَنْ تُعْطِيَ بَعْضُهَا بَعْضًا طَاعَةَ الْإِمَارَةِ ; فَلَمَّا دَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالطَّاعَةِ , لَمْ تَكُنْ تَرَى ذَلِكَ يَصْلُحُ لِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُمِرُوا أَنْ يُطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا طَاعَةً مُطْلَقَةً , بَلْ طَاعَةٌ يُسْتَثْنَى فِيهَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ . قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ } يَعْنِي إنْ اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ , كَمَا قَالَ فِي أُولِي الْأَمْرِ . لِأَنَّهُ يَقُولُ : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) هُمْ وَأُمَرَاؤُهُمْ الَّذِينَ أُمِرُوا بِطَاعَتِهِمْ . { فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إلَى مَا قَالَ اللَّهُ وَالرَّسُولُ إنْ عَرَفْتُمُوهُ , وَإِنْ لَمْ تَعْرِفُوهُ سَأَلْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ إذَا وَصَلْتُمْ إلَيْهِ , أَوْ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ . لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَرْضَ الَّذِي لَا مُنَازَعَةَ لَكُمْ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } . وَمَنْ تَنَازَعَ مِمَّنْ بَعُدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ الْأَمْرَ إلَى قَضَاءِ اللَّهِ ; ثُمَّ إلَى قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ قَضَاءٌ نَصًّا فِيهِمَا وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّوهُ قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الْآيَةُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَا بَلَغَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي رَجُلٍ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رضي الله عنه فِي أَرْضٍ , فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَا لِلزُّبَيْرِ رضي الله عنه وَهَذَا الْقَضَاءُ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا حُكْمٌ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا . فَأَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ دُعَاءَهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ دُعَاءٌ إلَى حُكْمِ اللَّهِ وَإِذَا سَلَّمُوا لِحُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا سَلَّمُوا لِفَرْضٍ اللَّهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه : وَشَهِدَ لَهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بِاسْتِمْسَاكِهِ بِأَمْرِهِ بِهِ وَالْهُدَى فِي نَفْسِهِ وَهِدَايَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ . فَقَالَ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } وَذَكَرَ مَعَهَا غَيْرَهَا ثُمَّ قَالَ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ إنَّهُ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ . وَفِيمَا وَصَفْتُ مِنْ فَرْضِ طَاعَتِهِ مَا أَقَامَ اللَّهُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ , فَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ حُكْمٌ فَحُكْمُ اللَّهِ سُنَّتُهُ . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الِاسْتِدْلَالَ بِسُنَّتِهِ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرَائِضَ الْمَنْصُوصَةَ الَّتِي بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا , ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرَائِضَ الْجُمَلَ الَّتِي أَبَان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَيْفَ هِيَ وَمَوَاقِيتُهَا ; ثُمَّ ذَكَرَ الْعَامَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَالْعَامَّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ ; ثُمَّ ذَكَرَ سُنَّتَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ . وَإِيرَادُ جَمِيعِ ذَلِكَ هَا هُنَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ , وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى مَا لَمْ نَذْكُرْهُ .
فَصْلٌ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْكِتَابِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَوْحَيْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } . وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَقَامَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) حُجَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أَنْبِيَائِهِ بِالْأَعْلَامِ الَّتِي بَايَنُوا بِهَا خَلْقَهُ سِوَاهُمْ , وَكَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ أُمُورَ الْأَنْبِيَاءِ دَلَائِلُهُمْ الَّتِي بَايَنُوا بِهَا غَيْرَهُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَكَانَ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ سَوَاءً تَقُومُ الْحُجَّةُ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمْ قِيَامَهَا بِالْأَكْثَرِ . قَالَ تَعَالَى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } . قَالَ : فَظَاهِرُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِاثْنَيْنِ , ثُمَّ ثَالِثٍ وَكَذَا أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى الْأُمَمِ بِوَاحِدٍ , وَلَيْسَ الزِّيَادَةُ فِي التَّأْكِيدِ مَانِعَةً مِنْ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِالْوَاحِدِ إذَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يُبَايِنُ بِهِ الْخَلْقَ غَيْرَ النَّبِيِّينَ . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي فَرْضِ اللَّهِ طَاعَةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاحِدًا وَاحِدًا , فِي أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ طَاعَتَهُ , وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَابَ عَنْ رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ ) إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 1:38 am | |
| فَصْلٌ فِي النَّسْخِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : إنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّاسَ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِمَّا أَرَادَ بِخَلْقِهِمْ وَبِهِمْ , { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ ( عَلَيْهِمْ ) { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ وَ ] فَرَضَ [ فِيهِ ] فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا وَأُخْرَى نَسَخَهَا , رَحْمَةً لِخَلْقِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَبِالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ . زِيَادَةً فِيمَا ابْتَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ , وَأَثَابَهُمْ عَلَى الِانْتِهَاءِ إلَى مَا أَثْبَتَ عَلَيْهِمْ : جَنَّتَهُ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ فَعَمَّتْهُمْ رَحْمَتُهُ فِيمَا أَثْبَتَ وَنَسَخَ , فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ . وَأَبَانَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَأَنَّ السُّنَّةَ [ لَا نَاسِخَةً لِلْكِتَابِ ] وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ بِمِثْلِ مَا نَزَلَ نَصًّا وَمُفَسِّرَةً مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهُ جَمْلًا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ اتِّبَاعَ مَا يُوحَى إلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَبْدِيلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَفِي [ قَوْلِهِ ] : { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } بَيَانُ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ , كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ لِفَرْضِهِ فَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثَبِّتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ قَالَ : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قِيلَ يَمْحُو فَرْضَ مَا يَشَاءُ [ وَيُثْبِتُ فَرْضَ مَا يَشَاءُ ] وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي كِتَابِ اللَّهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } . فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ وَتَأْخِيرَ إنْزَالِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ . وَقَالَ : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قوله تعالى : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِهِ فِيمَا لَمْ يُنْزِلْ بِهِ كِتَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ : أَنَا الرَّبِيعُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الصَّلَاةِ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } { , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْمَوَاقِيتَ , وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ لِوَقْتِهَا , فَحُوصِرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ , فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا , فَأَخَّرَهَا لِلْعُذْرِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } قَالَ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا , فَأَمَرَهُ , فَأَقَامَ الظُّهْرَ , فَصَلَّاهَا , فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا , كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ; ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ , فَصَلَّاهَا هَكَذَا ; ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ; ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ , فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ : { فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَبَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ [ اللَّهُ ] عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْآيَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ [ وَهِيَ ] قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةُ
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } الْآيَةُ . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله حَدِيثَ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ [ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ] . ثُمَّ قَالَ : وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَنَّ سُنَّةً , فَأَحْدَثَ اللَّهُ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ نَسْخَهَا أَوْ مَخْرَجًا إلَى سَعَةٍ مِنْهَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّةً تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ بِهَا حَتَّى يَكُونُوا إنَّمَا صَارُوا مِنْ سُنَّتِهِ إلَى سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا . قَالَ : فَنَسَخَ اللَّهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فِي الْخَوْفِ إلَى أَنْ يُصَلُّوهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ [ فِي وَقْتِهَا ] وَنَسَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّتَهُ فِي تَأْخِيرِهَا بِفَرْضِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ بِسُنَّتِهِ , فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا , كَمَا وَصَفْنَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ , عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ , فَقَالَ : إنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا , مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا } قَالَ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْمَكْتُوبَةِ عَلَى فَرْضِهَا أَبَدًا , إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ وَالْهَرَبِ , وَمَا كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ [ إلَيْهَا ] وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ فِي هَذَا أَنْ لَا تُتْرَكَ [ الصَّلَاةُ ] فِي وَقْتِهَا كَيْفَ مَا أَمْكَنَتْ الْمُصَلِّي .
فَصْلٌ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) قَالَ : حُكْمُ اللَّهِ , ثُمَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَنْ اسْتَأْهَلَ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا أَنْ يَحْكُمَ وَلَا أَنْ يُفْتِيَ إلَّا مِنْ جِهَةِ خَبَرٍ لَازِمٍ وَذَلِكَ الْكِتَابُ , ثُمَّ السُّنَّةُ أَوْ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ , أَوْ قِيَاسٌ عَلَى بَعْضِ هَذَا . وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَلَا يُفْتِيَ بِالِاسْتِحْسَانِ ; إذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِحْسَانُ وَاجِبًا وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي . وَذَكَرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } [ قَالَ ] فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ ( السُّدَى ) الَّذِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى . وَمَنْ أَفْتَى أَوْ حَكَمَ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ , فَقَدْ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعَانِي السُّدَى وَقَدْ أَعْلَمَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَمْ يُتْرَكْ سُدًى وَرَأَى أَنْ قَالَ أَقُولُ مَا شِئْتُ , وَادَّعَى مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ . قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ } , ثُمَّ { جَاءَهُ قَوْمٌ , فَسَأَلُوهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهِمْ : فَقَالَ أُعْلِمُكُمْ غَدًا يَعْنِي أَسْأَلُ جِبْرِيلَ عليه السلام , ثُمَّ أُعْلِمُكُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } } . { وَجَاءَتْهُ امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ تَشْكُو إلَيْهِ أَوْسًا , فَلَمْ يُجِبْهَا حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ : } { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } { وَجَاءَهُ الْعَجْلَانِيُّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ , فَقَالَ : لَمْ يُنْزَلْ فِيكُمَا وَانْتَظِرَا الْوَحْيَ , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ : دَعَاهُمَا , وَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا , كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ , فِي رَدِّ الْحُكْمِ بِمَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِنْسَانُ دُونَ الْقِيَاسِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
فَصْلٌ فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِير وَالْمَعَانِي في آياتٍ مُتَفَرِّقة
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ يَعْنِي : وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَمَا تَأَخَّرَ أَنْ يَعْصِمَهُ , فَلَا يُذْنِبُ , يَعْلَمُ [ اللَّهُ ] مَا يُفْعَلُ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ . وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَانَ الْكَرْمَانِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيَّ بِبُخَارَاءَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الْمِصْرِيَّ بِمَكَّةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْمُزَنِيّ يَقُولُ : سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ } قَالَ : مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِ أَبِيكَ آدَمَ وَهَبْتُهُ لَكَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ أُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِكَ . قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله : وَهَذَا قَوْلٌ مُسْتَظْرَفٌ وَاَلَّذِي وَضَعَهُ الشَّافِعِيُّ فِي تَصْنِيفِهِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُتَكَلِّمَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ السَّامَاقِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ , يَقُولُ : سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ أَيُّ آيَةٍ أَرْجَى ؟ قَالَ : قوله تعالى { يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكَيْنَا ذَا مَتْرَبَةٍ } .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُتَكَلِّمُ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبُسْتِيُّ , حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ حَرْبٍ الْبَغْدَادِيُّ : أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله سُئِلَ بِمَكَّةَ فِي الطَّوَافِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك } قَالَ : إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وَتُؤَخِّرْ فِي آجَالِهِمْ فَتَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ الْخَلَّاطِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ } قَالَ : الْخَوْفُ : خَوْفُ الْعَدُوِّ وَالْجُوعُ : جُوعُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَنَقْصٌ مِنْ الْأَمْوَالِ : الزَّكَوَاتُ وَالْأَنْفُسُ : الْأَمْرَاضُ , وَالثَّمَرَاتُ : الصَّدَقَاتُ , وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ عَلَى أَدَائِهَا .
( أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ) أَخْبَرَنِي , أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ الإستراباذي قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَقِيلٍ الْفِرْيَابِيَّ , يَقُولُ : قَالَ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ : كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ , إذْ جَاءَ شَيْخٌ , فَقَالَ لَهُ أَسْأَلُ ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ : سَلْ . قَالَ أَيْشٍ الْحُجَّةُ فِي دِينِ اللَّهِ ؟ فَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كِتَابُ اللَّهِ قَالَ : وَمَاذَا ؟ قَالَ : سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : وَمَاذَا ؟ قَالَ : اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ . قَالَ : وَمِنْ أَيْنَ قُلْتَ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ؟ , فَتَدَبَّرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) سَاعَةً . فَقَالَ الشَّيْخُ أَجَّلْتُكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَتَغَيَّرَ لَوْنُ الشَّافِعِيِّ , ثُمَّ إنَّهُ ذَهَبَ , فَلَمْ يَخْرُجْ أَيَّامًا . قَالَ : فَخَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ [ فِي ] الْيَوْمِ الثَّالِثِ , لَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ فَسَلَّمَ , فَجَلَسَ , فَقَالَ : حَاجَتِي ؟ فَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : نَعَمْ , أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } لَا يُصْلِيهِ جَهَنَّمَ عَلَى خِلَافِ [ سَبِيلِ ] الْمُؤْمِنِينَ , إلَّا وَهُوَ فَرْضٌ قَالَ : فَقَالَ : صَدَقْتَ وَقَامَ وَذَهَبَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ أَبْسَطُ مِنْ هَذِهِ نَقَلْتُهَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ ( الْمَعْرُوفَ بِابْنِ بَحْرٍ ) يَقُولُ : سَمِعْتُ إسْمَاعِيلَ بْنَ يَحْيَى الْمُزَنِيّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ هَرَمٍ الْقُرَشِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { كَلًّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } قَالَ : فَلَمَّا حَجَبَهُمْ فِي السَّخَطِ : كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْقَاضِي أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ : قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ ( أَوْ فِيمَا أَجَازَ لِي مُشَافَهَةً ) قَالَ : ثَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْمَشِيئَةُ لَهُ دُونَ خَلْقِهِ وَالْمَشِيئَةُ إرَادَةُ اللَّهِ . يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } فَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْظَلِيُّ نَا , أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لَيْلَةً لِلْحُمَيْدِيِّ : مَا يُحَجُّ عَلَيْهِمْ ( يَعْنِي عَلَى أَهْلِ الْإِرْجَاءِ ) بِآيَةٍ أَحَجُّ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي فِيمَا أَخْبَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ النَّضْرِ أَنَا ابْنُ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } . قَالَ : مَعْنَاهُ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِبْرَةِ عِنْدَكُمْ لَمَّا كَانَ يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ , فَيَخْرُجُ مُفَصَّلًا بِعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَسَمْعِهِ وَمَفَاصِلِهِ , وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْعُرُوقِ فَهَذَا فِي الْعِبْرَةِ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَقُولَ لِشَيْءٍ قَدْ كَانَ : عُدْ إلَى مَا كُنْتَ قَالَ : فَهُوَ إنَّمَا هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِبْرَةِ عِنْدَكُمْ , لَيْسَ أَنَّ شَيْئًا يَعْظُمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { : أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا , فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { بِهَا كَافِرِينَ } قَالَ : كَانَتْ الْمَسَائِلُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ إذَا كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ مَكْرُوهَةً لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ . وَمَعْنَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنْ يَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ فَإِنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ , أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حُرِّمَ أَبَدًا , إلَّا أَنْ يَنْسَخَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ فِي كِتَابِهِ , أَوْ يُنْسَخَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ سُنَّةً بِسُنَّةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَنْجَوَيْهِ بِالدَّامِغَانِ نا الْفَضْلُ بْنُ الْفَضْلِ الْكِنْدِيُّ , ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ ( أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ابْنَ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ ) يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : قوله تعالى : { إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } ; قَالَ عَلَى دِينٍ . وقوله تعالى : { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } , قَالَ : بَعْدَ زَمَانٍ وقوله تعالى : { إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ } ; قَالَ مُعَلِّمًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الْفَارِسِيُّ الْمُفَسِّرُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْحَسَنِ الْبُسْتَانِيُّ بِشِيرَازَ نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ : قَالَ عِكْرِمَةُ لَابْنِ عَبَّاسٍ : إنَّ ابْنَ عُمَرَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } , فَبَكَى , ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّهُ لَئِنْ أَخَذَنَا اللَّهُ بِهَا لَنَهْلِكَنَّ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ; قَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ نَزَلَتْ مَا وَجَدَ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; فَنَزَلَتْ : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } الْآيَةُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 9:47 am | |
| فَصْلٌ فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِير والْمَعانِي في الطَّهَاراتِ والصَّلَوات
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ غُسْلَهُمْ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَاءِ [ ثُمَّ ] أَبَانَ اللَّهُ فِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ . وَكَانَ مَعْقُولًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ : [ أَنَّ الْمَاءَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ ] وَذَكَرَ الْمَاءَ عَامًّا ; فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْقُلَّاتِ وَالْبِحَارِ الْعَذْبُ مِنْ جَمِيعِهِ , وَالْأُجَاجُ سَوَاءٌ : فِي أَنَّهُ يُطَهِّرُ مَنْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِهِ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ . وَقَالَ : وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَفِي قوله تعالى : { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } ; قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا [ فِي ] أَنَّ الْمَرَافِقَ فِيمَا يُغْسَلُ . كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى [ أَنَّ ] مَعْنَاهَا : فَاغْسِلُوا أَيْدِيكُمْ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ . وَفِي قوله تعالى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } ; قَالَ : وَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا , فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا وَهُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ قَالَ : فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحُ رَأْسِهِ كُلِّهِ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ , فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ . وَفِي قوله تعالى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَحْنُ نَقْرَؤُهَا ( وَأَرْجُلَكُمْ ) عَلَى مَعْنَى : اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ قَالَ : وَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حَتَّى تَغْسِلُوا الْكَعْبَيْنِ . وَقَالَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْكَعْبُ إنَّمَا سُمِّيَ كَعْبًا لِنُتُوئِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَمَّا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُجْتَمِعِ مِنْ السِّمَنِ , كَعْبٌ سَمِنَ وَلِلْوَجْهِ فِيهِ نُتُوءٌ وَجْهٌ كَعَبَ وَالثَّدْيُ إذَا تَنَاهَدَ كَعَبَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ : { حَتَّى تَغْتَسِلُوا } فَهَذَا مُغْتَسَلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ ; فَلَا أَحْسَبُهُ يَجُوزُ إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ إلَّا مِثْلُ هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ . فَأَشْبَهَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي الْوُضُوءِ شَيْئَانِ [ أَنْ ] يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ , ثُمَّ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بِهِ مِنْهُ وَيَأْتِي عَلَى إكْمَالِ مَا أَمَرَ بِهِ وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } . { فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفَا وَقَالَ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَذَكَرَ اللَّهُ الْيَدَيْنِ مَعًا وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا , فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى , فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ . وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي خَاصٍّ , فَسَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ بِالْقُرْآنِ يَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ , وَأَحْسَبُ مَا قَالَ , كَمَا قَالَ . لِأَنَّ [ فِي ] السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ مَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَكَانَ الْوُضُوءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْدِثْ غَائِطًا وَلَا بَوْلًا دُونَ مَنْ أَحْدَثَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا لِأَنَّهُمَا نَجَسَانِ يَمَاسَّانِ بَعْضَ الْبَدَنِ . يَعْنِي , فَيَكُونُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ فَيَسْتَنْجِي بِالْحِجَارَةِ أَوْ الْمَاءِ ; قَالَ وَلَوْ جَمَعَهُ رَجُلٌ , ثُمَّ غَسَلَ بِالْمَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ . وَيُقَالُ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَنْجَوْا بِالْمَاءِ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَعْقُولٌ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَائِطَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغَائِطَ التَّخَلِّي ; فَمَنْ تَخَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ . ثُمَّ ذَكَرَ الْحُجَّةَ مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِ , فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالرِّيحِ وَالْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ وَفِي قوله تعالى : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ مِنْ مَضْجَعِ النَّوْمِ . وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ , ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } . فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَوْجَبَهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَوْصُولَةً بِالْغَائِطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَنَابَةِ , فَأَشْبَهَتْ الْمُلَامَسَةُ أَنْ تَكُونَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَالْقُبَلَ غَيْرَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِآثَارٍ ذَكَرَهَا . قَالَ الرَّبِيعُ : اللَّمْسُ بِالْكَفِّ ; أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ . وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ , فَلَا يَقْلِبُهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ : فَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي فَلَا أَنَا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغِنَى أَفَدْتُ وَأَعْدَانِي فَبَدَّدْتُ مَا عِنْدِي هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا : الْحُسَيْنُ بْنُ رَشِيقٍ الْمِصْرِيُّ إجَازَةً أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرِيرٍ النَّحْوِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : فَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } فَأَوْجَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجَنَابَةَ : الْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجِمَاعِ مَاءٌ دَافِقٌ . وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَا , وَإِيجَابِ الْمَهْرِ , وَغَيْرِهِ وَكُلُّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلَانًا أَجْنَبَ مِنْ فُلَانَةَ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَرِفًا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ فَرْضُ اللَّهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ , فَإِذَا جَاءَ الْمُغْتَسِلُ [ بِالْغُسْلِ ] أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَمَا جَاءَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَا وَقْتَ فِي الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ , إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , انْحَلَّ عِقْدٌ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَقَامَ النَّاسُ عَلَى الْتِمَاسِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) آيَةَ التَّيَمُّمِ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَدَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي وَغَيْرُهُمْ . [ ثُمَّ ] رَوَى فِيهِ حَدِيثَ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } قَالَ : وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ , فَهُوَ : صَعِيدٌ طَيِّبٌ يُتَيَمَّمُ بِهِ وَلَا يَقَعُ اسْمُ صَعِيدٍ إلَّا عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ ; فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } الْآيَةُ وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } , فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي حَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا : السَّفَرُ وَالْإِعْوَازُ مِنْ الْمَاءِ وَالْآخَرُ الْمَرَضُ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ سَفَرٍ . وَدَلَّ [ ذَلِكَ ] عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبَ الْمَاءِ , لِقَوْلِهِ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَكَانَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ مُجْتَازًا مِنْ بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ , يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ قَصُرَ السَّفَرُ أَوْ طَالَ . وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ بَعْضٍ , فَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا يَتَيَمَّمُ قَالَ : وَإِذَا كَانَ مَرِيضًا بَعْضَ الْمَرَضِ : تَيَمَّمَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ , وَاجِدًا لِلْمَاءِ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ لَهُ وَالْمَرَضُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ لِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ , فَاَلَّذِي سَمِعْتُ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِيهِ الْجِرَاحُ وَالْقُرْحُ دُونَ الْغَوْرِ كُلِّهِ مِثْلُ الْجِرَاحِ ; لِأَنَّهُ يُخَافُ فِي كُلِّهِ إذَا مَا مَسَّهُ الْمَاءُ أَنْ يَنْطِفَ , فَيَكُونَ مِنْ النَّطْفِ التَّلَفُ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ [ إنْ مَسَّهُ الْمَاءُ ] التَّلَفَ , أَوْ شِدَّةَ الضَّنَى . وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : فَخَافَ , إنْ أَصَابَهُ الْمَاءُ , أَنْ يَمُوتَ , أَوْ يَتَرَاقَى عَلَيْهِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا ; تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمَ وَقِيلَ : ذَلِكَ الْمَرَضُ : الْجِرَاحُ وَالْجُدَرِيُّ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْمَرَضِ عِنْدِي مِثْلَهُمَا وَلَيْسَ الْحُمَّى وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الرَّمَدِ وَغَيْرِهِ عِنْدِي , مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِنَا : جَعَلَ اللَّهُ الْمَوَاقِيتَ لِلصَّلَاةِ , فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَالْإِعْوَازِ مِنْ الْمَاءِ . فَمَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَطَلَبَ الْمَاءَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ .
أَخْبَرَنَا , أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِنَّمَا قُلْتُ : لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) يَقُولُ { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } , فَكَانَ مَعْقُولًا . أَنَّ الْوَجْهَ لَا يَكُونُ مَغْسُولًا إلَّا بِأَنْ يَبْتَدِئَ لَهُ بِمَاءٍ فَيُغْسَلَ بِهِ , ثُمَّ عَلَيْهِ فِي الْيَدَيْنِ عِنْدِي مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ [ مِنْ ] أَنْ يَبْتَدِئَ لَهَا مَاءً , فَيَغْسِلَهُمَا بِهِ . فَلَوْ أَعَادَ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ الَّذِي غَسَلَ بِهِ الْوَجْهَ كَانَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَجْهِهِ وَلَا يَكُونُ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَ لَهُمَا الْمَاءَ , كَمَا ابْتَدَأَ لِلْوَجْهِ { وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِكُلِّ عُضْوٍ مَاءً جَدِيدًا } وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } إلَى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) بِغُسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ , وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ . فَدَلَّ مَسْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهَا عَلَى مَنْ لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ [ إذَا هُوَ ] لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ طَهَارَةٍ . كَمَا دَلَّ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مِمَّنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , عَلَى بَعْضِ الْقَائِمِينَ دُونَ بَعْضٍ , لَا أَنَّ الْمَسْحَ خِلَافٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا الْوُضُوءَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ . زَادَ فِي رِوَايَتِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ : إنَّمَا يُقَالُ : الْغُسْلُ كَمَالٌ وَالْمَسْحُ رُخْصَةُ كَمَالٍ وَأَيَّهمَا شَاءَ فَعَلَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } الْآيَةُ , وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى [ أَنَّ ] الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } الْآيَةُ . فَكَانَ الْوُضُوءُ عَامًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ الْأَحْدَاثِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ الْجُنُبَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ , دَلِيلًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ غُسْلٌ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ إلَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى غُسْلٍ وَاجِبٍ فَنُوجِبُهُ بِالسُّنَّةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي الْأَخْذِ بِهَا وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنْ يَجِبَ غُسْلٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ الْوُجُوبَ الَّذِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ . وَقَدْ رُوِيَ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ , فَذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى غَيْرِ مَا قُلْنَا وَلِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ . ثُمَّ ذَكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ وَذَكَرَ تَأْوِيلَهُ وَذَكَرَ السُّنَّةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَ [ فِي ] النَّظَافَةِ , وَنَفَى تَغَيُّرَ الرِّيحِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ , وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 9:49 am | |
| وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ( رحمه الله تَعَالَى ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } الْآيَةُ . فَأَبَانَ أَنَّهَا حَائِضٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَقْرَبَ حَائِضًا حَتَّى تَطْهُرَ وَلَا إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ وَتَكُونُ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ . وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي فِي مَوَاضِعِ الْحَيْضِ . وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِمَا قَالَ , وَمُحْتَمِلَةً أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ : اعْتِزَالُ جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى اعْتِزَالِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا وَإِبَاحَةِ مَا فَوْقَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مُبَيَّنًا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ : } أَنَّهُنَّ حُيَّضٌ فِي غَيْرِ حَالِ الطَّهَارَةِ وَقَضَى اللَّهُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ , فَكَانَ مُبَيِّنًا أَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلَ وَلَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْحَائِضِ إلَّا ذَهَابَ الْحَيْضِ , ثُمَّ الْغُسْلَ : لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ } وَذَلِكَ : انْقِضَاءُ الْحَيْضِ : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْغُسْلِ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ : الْغُسْلُ وَدَلَّتْ عَلَى بَيَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ أَنْ لَا تُصَلِّيَ الْحَائِضُ . فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ رضي الله عنها , ثُمَّ قَالَ : { وَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي } يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تُصَلِّيَ حَائِضًا ; لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ مَا كَانَ الْحَيْضُ قَائِمًا وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } الْآيَتَيْنِ . فَلَمَّا لَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ فِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْمُصَلِّي , كَمَا أَمْكَنَتْهُ رِجَالًا وَرُكْبَانًا , وَقَالَ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَكَانَ مَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الْبَالِغِينَ , عَاصِيًا بِتَرْكِهَا إذَا جَاءَ وَقْتُهَا وَذِكْرُهَا , [ وَكَانَ غَيْرَ نَاسٍ لَهَا ] , وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً , ذَاكِرَةً لِلصَّلَاةِ مُطِيقَةً لَهَا وَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ إذَا حَرَّمَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ , حَرَّمَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ : كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ [ عَلَى ] أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عَنْهَا , فَإِذَا زَالَ عَنْهَا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ عَاقِلَةٌ مُطِيقَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ . وَكَيْفَ تَقْضِي مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهَا بِزَوَالِ , فَرْضِهِ عَنْهَا ؟ , وَهَذَا مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( رحمه الله ) نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمِمَّا نَقَلَ بَعْضُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } ثُمَّ نَسَخَ هَذَا فِي السُّورَةِ مَعَهُ , فَقَالَ : { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَك } ; قَرَأَ إلَى : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بَعْدَ أَمْرِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ : نِصْفَهُ إلَّا قَلِيلًا , أَوْ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : { أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ } , فَخَفَّفَ , فَقَالَ : { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ وَالنُّقْصَانُ مِنْ النِّصْفِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } . ثُمَّ احْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } , مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ , فَرْضًا ثَابِتًا ; لِأَنَّهُ أُزِيلَ بِهِ , فَرْضٌ غَيْرُهُ . ( وَالْآخَرُ ) أَنْ يَكُونَ , فَرْضًا مَنْسُوخًا أُزِيلَ بِغَيْرِهِ , كَمَا أُزِيلَ بِهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } الْآيَةُ وَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } أَنْ يَتَهَجَّدَ بِغَيْرِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْهُ فَكَانَ الْوَاجِبُ طَلَبَ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ , فَوَجَدْنَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا وَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا الْخَمْسَ , فَصِرْنَا إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْخَمْسُ وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ وَاجِبٍ مِنْ صَلَاةٍ , قَبْلَهَا مَنْسُوخٌ بِهَا , اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } فَإِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ , وَثُلُثِهِ وَمَا تَيَسَّرَ . وَلَسْنَا نُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ , أَنْ يَتَهَجَّدَ بِمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ , مُصَلِّيًا [ بِهِ ] وَكَيْفَمَا أَكْثَرَ , فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله . فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا بِلَفْظٍ آخَرَ , ثُمَّ قَالَ : وَيُقَالُ : نُسِخَ مَا وَصَفَتْ الْمُزَّمِّلُ , بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَدُلُوكُ الشَّمْسِ : زَوَالُهَا ; { إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } الْعَتَمَةُ , { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } الصُّبْحُ , { إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَأَنَّ الْفَرَائِضَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُقَالُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الصُّبْحُ { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا } الْعَصْرُ { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } الظُّهْرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ مِنْ هَذَا , بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَبِهِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَحْكَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِكِتَابِهِ : أَنَّ مَا فَرَضَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَوْقُوتٌ وَالْمَوْقُوتُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الْوَقْتُ الَّذِي نُصَلِّي فِيهِ , وَعَدَدُهَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ [ قَالَ ] :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ . } قَالَ يُقَالُ : نَزَلَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ . وَأَيُّمَا كَانَ نُزُولُهَا : قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَوْ بَعْدَ [ هـ ] فَمَنْ صَلَّى سَكْرَانَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ; لِنَهْيِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إيَّاهُ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ وَإِنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الصَّلَاةَ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَإِمْسَاكٌ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا يُؤَدِّي هَذَا كَمَا أَمَرَ بِهِ , إلَّا مَنْ عَقَلَهُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا } وَقَالَ : { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } , فَذَكَرَ اللَّهُ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ وَذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . فَكَانَ بَيِّنًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّهُ أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ بِالْآيَتَيْنِ مَعًا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْأَذَانَ لِلْمَكْتُوبَاتِ [ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَذَانِ لِغَيْرِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك } قَالَ : لَا أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرْتَ مَعِي : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : ذِكْرُهُ عِنْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْأَذَانِ , وَيُحْتَمَلُ : ذِكْرُهُ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ وَالْوُقُوفِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ .
وَاحْتَجَّ فِي فَضْلِ التَّعْجِيلِ بِالصَّلَوَاتِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } وَدُلُوكُهَا مَيْلُهَا . وَبِقَوْلِهِ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } وَبِقَوْلِهِ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } , وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الشَّيْءِ : تَعْجِيلُهُ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَمَنْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , كَانَ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مِمَّنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ { وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ [ وَكَانَ أَقَلُّ مَا فِي الصُّبْحِ ] إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ أَنْ تَكُونَ مِمَّا أُمِرْنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ وَحَرْمَلَةَ حَدِيثَ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ { رضي الله عنها أَنَّهَا أَمْلَتْ عَلَيْهِ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَتْ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى لَيْسَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ . قَالَ : وَاخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ , وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا الصُّبْحُ , وَإِلَى هَذَا نَذْهَبُ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : الظُّهْرُ وَعَنْ غَيْرِهِ : الْعَصْرُ وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قَالَ الشَّيْخُ : الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْهُمَا فِيمَا بَلَغَهُ ; وَرَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَطَاوُوسٍ , وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ , عَنْ { عَلِيٍّ رضي الله عنه , قَالَ : كُنَّا نَرَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَقُولُ : شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى , صَلَاةِ الْعَصْرِ ; حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ , مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ نَارًا } وَرِوَايَتُهُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَحِيحَةٌ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ وَعَنْ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ . وَبِهِ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو , وَ [ هُوَ ] فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم . وَقَرَأْتُ [ فِي ] كِتَاب حَرْمَلَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } , فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَشْهُودًا غَيْرُهُ وَالصَّلَوَاتُ مَشْهُودَاتٌ , فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَشْهُودًا بِأَكْثَرَ مِمَّا تُشْهَدُ بِهِ الصَّلَوَاتُ , أَوْ أَفْضَلُ , أَوْ مَشْهُودًا بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ , يُرِيدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 9:51 am | |
| أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَرَضَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) الصَّلَوَاتِ وَأَبَانَ رَسُول اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَدَدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَوَقْتَهَا وَمَا يُعْمَلُ فِيهِنَّ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ . وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ مِنْهُنَّ نَافِلَةً وَفَرْضًا , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } الْآيَةُ , ثُمَّ أَبَانَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) , فَكَانَ بَيِّنًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إذَا كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ نَافِلَةٌ وَفَرْضٌ وَكَانَ الْفَرْضُ مِنْهَا مُؤَقَّتًا أَنْ لَا تَجْزِي عَنْهُ صَلَاةٌ , إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهَا مُصَلِّيًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ , فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ حِينَ يَفْتَتِحُ [ قَبْلَ أُمِّ ] الْقُرْآنِ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَيُّ كَلَامٍ اسْتَعَاذَ بِهِ , أَجْزَأَهُ . وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ : ثُمَّ يَبْتَدِئُ , فَيَتَعَوَّذُ , وَيَقُولُ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ أَوْ يَقُولُ أَعُوذ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ ( مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) أَوْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ يَحْضُرُونِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ } وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ أَوَّلُهَا : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي [ عَنْ ] سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [ فِي قَوْلِهِ ] : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ } , [ قَالَ ] : هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ . قَالَ أَبِي : وَقَرَأَهَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى خَتَمَهَا , ثُمَّ قَالَ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الْآيَةُ السَّابِعَةُ . قَالَ سَعِيدٌ : وَقَرَأَهَا عَلَى ابْنِ الْعَبَّاسِ , كَمَا قَرَأْتُهَا عَلَيْكَ , ثُمَّ قَالَ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الْآيَةُ السَّابِعَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَذَخَرَهَا اللَّهُ لَكُمْ , فَمَا أَخْرَجَهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ : وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَفْعَلُهُ ( يَعْنِي يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ بسم الله الرحمن الرحيم ) وَيَقُولُ : انْتَزَعَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ خَيْرَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَكَانَ يَقُولُ : كَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) لَا يَعْرِفُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ [ قَالَ ] قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } , فَأَقَلُّ التَّرْتِيلِ : تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ الْإِبَانَةِ , وَكُلَّمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْإِبَانَةِ .
فِي الْقُرْآنِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِيهِ تَمْطِيطًا قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) أَنَّهُ قَالَ , { أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم , فَرْضَ الْقِبْلَةِ بِمَكَّةَ , فَكَانَ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةٍ يَسْتَقْبِلُ مِنْهَا الْبَيْتَ الْحَرَامَ , وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ , فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ , اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ , مُوَلِّيًا عَنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ; سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ يُحِبُّ : لَوْ قَضَى اللَّهُ إلَيْهِ بِاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ فِيهِ مَقَامُ أَبِيهِ إبْرَاهِيمَ , وَإِسْمَاعِيلَ وَهُوَ : الْمَثَابَةُ لِلنَّاسِ وَالْأَمْنُ , وَإِلَيْهِ الْحَجُّ , وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يُطَهَّرَ لِلطَّائِفِينَ , وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ مَعَ كَرَاهِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا , وَافَقَ الْيَهُودَ , فَقَالَ لِجِبْرِيلَ عليه السلام : لَوَدِدْتُ أَنَّ رَبِّي صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إلَى غَيْرِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَا مُحَمَّدُ أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ مِثْلُكَ , لَا أَمْلِكُ شَيْئًا , فَسَلْ اللَّهَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَصَعِدَ جِبْرِيلُ عليه السلام إلَى السَّمَاءِ ; فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدِيمُ طَرَفَهُ إلَى السَّمَاءِ : رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِمَا سَأَلَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِك فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } إلَى قَوْلِهِ : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } } . فِي قَوْلِهِ : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } يُقَالُ يَجِدُونَ فِيمَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عليهم السلام يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ , وَتَعُودُ قِبْلَتُهُ وَصَلَاتُهُ مَخْرَجَهُ . يَعْنِي : الْحَرَمَ . وَفِي قوله تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } قِيلَ فِي ذَلِكَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لَا تَسْتَقْبِلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ الْمَدِينَةِ , إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْتَدْبِرُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِنْ جِئْتُمْ مِنْ جِهَةِ نَجْدٍ الْيَمَنِ فَكُنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ , وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ اسْتَقْبَلْتُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَا أَنَّ إرَادَتَكُمْ : بَيْتَ الْمَقْدِسِ , وَإِنْ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [ وَ ] لَأَنْتُمْ كَذَلِكَ : تَسْتَقْبِلُونَ مَا دُونَهُ [ وَ ] وَرَاءَهُ لَا إرَادَة أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً , وَلَكِنَّهُ جِهَةَ قِبْلَةٍ . وَقِيلَ : { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } فِي اسْتِقْبَالِ قِبْلَةِ غَيْرِكُمْ . وَقِيلَ : فِي تَحْوِيلِكُمْ عَنْ قِبْلَتِكُمْ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا إلَى غَيْرِهَا . وَهَذَا أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } إلَى قوله تعالى : { مُسْتَقِيمٍ } . فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي التَّحْوِيلِ يَعْنِي : لَا يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ بِشَيْءٍ , يُرِيدُ الْحُجَّةَ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ . لَا أَنَّ لَهُمْ حُجَّةً ; لِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْ قِبْلَتِهِمْ إلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا وَفِي قوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } ; لِقَوْلِهِ إلَّا لِنَعْلَمَ أَنْ قَدْ عَلِمَهُمْ مَنْ يَتَّبِعْ الرَّسُولَ وَعِلْمُ اللَّهِ كَانَ قَبْلَ اتِّبَاعِهِمْ وَبَعْدَهُ سَوَاءً . وَقَدْ قَالَ الْمُسْلِمُونَ فَكَيْفَ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِنَا وَمَنْ مَضَى مِنَّا ؟ , فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ صَلَاتَهُمْ إيمَانٌ , فَقَالَ : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ } الْآيَةُ . وَيُقَالُ إنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ : الْبِرُّ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَغْرِبِ وَقَالَتْ النَّصَارَى : الْبِرُّ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ بِكُلِّ حَالٍ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِيهِمْ : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : وَأَنْتُمْ مُشْرِكُونَ ; لِأَنَّ الْبِرَّ لَا يُكْتَبُ لِمُشْرِكٍ . فَلَمَّا حَوَّلَ اللَّهُ رَسُولَهُ ( صلى الله عليه وسلم ) إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَكْثَرَ صَلَاتِهِ , مِمَّا يَلِي الْبَابَ مِنْ وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ صَلَّى مِنْ وَرَائِهَا وَالنَّاسُ مَعَهُ مُطِيفِينَ بِالْكَعْبَةِ , مُسْتَقْبِلِيهَا كُلَّهَا , مُسْتَدْبِرِينَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . قَالَ : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } , فَشَطْرُهُ وَتِلْقَاؤُهُ وَجِهَتُهُ وَاحِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } فَفَرَضَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ مَا كَانُوا أَنْ يُوَلُّوا وُجُوهَهُمْ شَطْرَهُ . وَشَطْرُهُ : جِهَتُهُ ; فِي كَلَامِ الْعَرَبِ . إذَا قُلْتَ : أَقْصِدُ شَطْرَ كَذَا مَعْرُوفٌ أَنَّكَ تَقُولُ : أَقْصِدُ قَصْدَ عَيْنِ كَذَا يَعْنِي : قَصْدَ نَفْسِ كَذَا وَكَذَلِكَ : تِلْقَاءَهُ وَجِهَتَهُ أَيْ أَسْتَقْبِلُ تِلْقَاءَهُ وَجِهَتَهُ . وَكُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ : وَإِنْ كَانَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ خُفَافُ بْنُ نُدْبَةَ أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرًا رَسُولًا وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو وَقَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤْبَةَ : أَقُولُ لِأُمِّ زِنْبَاعٍ أَقِيمِي صُدُورَ الْعِيسِ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ وَقَالَ لَقِيطٌ الْإِيَادِيُّ : وَقَدْ أَظَلَّكُمْ مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمْ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمْ قِطَعًا وَقَالَ الشَّاعِر : إنَّ الْعَسِيبَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ الْعَيْنَيْنِ مَسْحُورُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) يُرِيدُ [ تِلْقَاءَهَا ] بَصَرُ الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوَهَا تِلْقَاءَ جِهَتِهَا . وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَشْعَارِهِمْ يُبَيِّنُ : أَنَّ شَطْرَ الشَّيْءِ : قَصْدُ عَيْنِ الشَّيْءِ إذَا كَانَ مُعَايَنًا فَبِالصَّوَابِ وَإِنْ كَانَ مُغَيَّبًا : فَبِالِاجْتِهَادِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ , وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } فَخَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ الْعَلَامَاتِ وَنَصَبَ لَهُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ . وَإِنَّمَا تَوَجُّهُهُمْ إلَيْهِ بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ وَالْعُقُولِ الَّتِي رَكَّبَهَا فِيهِمْ : الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَلَامَاتِ وَكُلُّ هَذَا بَيَانٌ وَنِعْمَةٌ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَوَجَّهَ اللَّهُ رَسُولَهُ ( صلى الله عليه وسلم ) إلَى الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , فَكَانَتْ الْقِبْلَةُ الَّتِي لَا يَحِلُّ قَبْلَ نَسْخِهَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِهَا . ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ [ وَ ] وَجَّهَهُ إلَى الْبَيْتِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَبَدًا لِمَكْتُوبَةٍ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ غَيْرَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَكُلٌّ كَانَ حَقًّا فِي وَقْتِهِ , وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ : أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ اللَّهِ : إذَا كَانَ سَاجِدًا أَلَمْ تَرَ إلَى قَوْلِهِ : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } يَعْنِي : افْعَلْ وَاقْرُبْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيُشْبِهُ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مَا قَالَ . فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ فِي قوله تعالى : { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاحْتَمَلَ السُّجُودَ أَنْ يَخِرَّ وَذَقَنُهُ إذَا خَرَّ تَلِيَ الْأَرْضَ , ثُمَّ يَكُونُ سُجُودُ [ هـ ] عَلَى غَيْرِ الذَّقَنِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرَضَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . فَلَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ , أَوْلَى مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) , بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَذَكَرَ حَدِيثَيْنِ : ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ ( الْمَعْرِفَةِ ) . ( وَأَنَا ) أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ ( رحمه الله ) , أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ; قَالَ : أَنَا مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ هُوَ : الَّذِي [ كَانَ ] أُرِيَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَخْبَرَهُ , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ , أَنَّهُ قَالَ { أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ , فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ; فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ , فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتُ عَلَى إبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتُ عَلَى إبْرَاهِيمَ , فِي الْعَالَمِينَ , إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } . رَوَاهُ الْمُزَنِيّ وَحَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَزَادَ فِيهِ : وَالسَّلَامُ , كَمَا [ قَدْ ] عَلِمْتُمْ وَفِي هَذَا : إشَارَةٌ إلَى السَّلَامِ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا ( عليه السلام ) أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ : وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا : حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) . وَإِنَّمَا ذَهَبْتُ إلَيْهِ : لِأَنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ذَكَرَ ابْتِدَاءَ صَلَاتِهِ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا , فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَذَكَرَ صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ , فَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ أَنْبِيَاؤُهُ , ثُمَّ ذَكَرَ صَفْوَتَهُ مِنْ آلِهِمْ , فَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ أَنْبِيَائِهِ , فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } وَكَانَ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُود أَنَّ ذِكْرَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . يُشْبِهُ عِنْدَنَا لِمَعْنَى الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ آلِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ ; حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَتَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ : آلُ مُحَمَّدٍ أَهْلُ دِينِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ , أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنُوحٍ : { احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَك } وَحَكَى [ فَقَالَ ] { إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } الْآيَةُ [ فَأَخْرَجَهُ بِالشِّرْكِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ نُوحٍ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ فِي مَعْنَى [ هَذِهِ ] الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } يَعْنِي الَّذِينَ أَمَرْنَا [ ك ] بِحَمْلِهِمْ مَعَكَ ( فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ) : وَمَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْتُ ؟ ( قِيلَ ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَهْلَكَ إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } ; فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْمِلَ مِنْ أَهْلِهِ , مَنْ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أَنَّهُ أَهْلُ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ , فَقَالَ : { إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ قَائِلٌ : آلُ مُحَمَّدٍ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقَالُ لَهُ أَلَكَ أَهْلٌ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَإِنَّمَا يَعْنِي : لَيْسَتْ لِي زَوْجَةٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ , وَلَكِنَّهُ مَعْنَى كَلَامٍ لَا يُعْرَفُ , إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبُ كَلَامٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ . وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ : تَزَوَّجْتَ ؟ فَيَقُولُ مَا تَأَهَّلْتُ ; فَيُعْرَفُ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ أَنَّهُ أَرَادَ : تَزَوَّجْتَ أَوْ يَقُولُ الرَّجُلُ أَجْنَبْتُ مِنْ أَهْلِي , فَيُعْرَفُ أَنَّ الْجَنَابَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الزَّوْجَةِ . فَأَمَّا أَنْ يَبْدَأَ الرَّجُلُ , فَيَقُولُ أَهْلِي بِبَلَدِ كَذَا , أَوْ أَنَا أَزُورُ أَهْلِي وَأَنَا عَزِيزُ الْأَهْلِ , وَأَنَا كَرِيمُ الْأَهْلِ فَإِنَّمَا يَذْهَبُ النَّاسُ فِي هَذَا إلَى أَهْلِ الْبَيْتِ . وَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) : قَرَابَةُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) : الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا ; دُونَ غَيْرِهَا مِنْ قَرَابَتِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِذَا عُدَّ [ مِنْ ] آلِ الرَّجُلِ : وَلَدُهُ الَّذِينَ إلَيْهِ نَسَبُهُمْ وَمَنْ يَأْوِيه بَيْتُهُ مِنْ زَوْجِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ مَوْلًى أَوْ أَحَدٍ ضَمَّهُ عِيَالُهُ وَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , دُونَ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَكَانَ يَجْمَعُهُ قَرَابَةٌ فِي بَعْضِ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , دُونَ بَعْضٍ . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ هَذَا , ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةَ وَعَوَّضَنَا مِنْهَا الْخُمْسَ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ : الَّذِينَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَعَوَّضَهُمْ مِنْهَا الْخُمْسَ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } . فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ { صلى الله عليه وسلم : إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ } وَكَانَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُوجَدَ أَمْرٌ يَقْطَعُ الْعَنَتَ وَيَلْزَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إلَّا الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , فَلَمَّا , فَرَضَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : أَنْ يُؤْتِيَ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى , فَأَعْطَى سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى , فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ : دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْخُمْسَ , هُمْ : الْ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مَعَهُ وَاَلَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ مِنْ خَلْقِهِ , بَعْد نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَإِنَّهُ يَقُولُ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } , فَاعْلَمْ : أَنَّهُ اصْطَفَى الْأَنْبِيَاءَ ( صلوات الله عليهم ) [ وَآلِهِمْ ] .
قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ ( رِوَايَةَ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } فَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي تُسْمَعُ خَاصَّةً ؟ فَكَيْفَ يُنْصَتُ لِمَا لَا يُسْمَعُ ؟ , . وَهَذَا : قَوْلٌ كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ , ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَقَالَ : يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وَبَيْنَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ; بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَرَأَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَرْفَعْ بِهَا صَوْتَهُ لَمْ تَمْنَعْهُ قِرَاءَتُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ . فَإِنَّمَا أُمِرْنَا : بِالْإِنْصَاتِ عَنْ الْكَلَامِ وَمَا لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِدَلَائِلِهِ , فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ ( رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ , عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله ) : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ خُوطِبَ بِالْقُنُوتِ مُطْلَقًا , ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ : قِيَامٌ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُنُوتَ : قِيَامٌ لِمَعْنَى طَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَوْضِعُ كَفٍّ عَنْ قِرَاءَةٍ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا , أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ قِيَامًا فِي صَلَاةٍ لِدُعَاءٍ , لَا قِرَاءَةٍ فَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه وَعَلَيْهِ دَلَالَةُ السُّنَّةِ , وَهُوَ أَوْلَى الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ بِهِ , عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقُنُوتُ : الْقِيَامَ كُلَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : قِيلَ أَيُّ الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : طُولُ الْقُنُوتِ . وَقَالَ طَاوُوسٌ الْقُنُوتُ , طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَمَا وَصَفْتُ مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ . أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ الْقُنُوتُ بَعْضَ الْقِيَامِ , دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ إلَّا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ الْقُنُوتِ لِلدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ . قَالَ : وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } قَانِتِينَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا , وَفِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ . فَلَمَّا { قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ , ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي بَعْضِهَا وَحُفِظَ عَنْهُ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِخَاصَّةٍ } : دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ اللَّهُ أَرَادَ بِالْقُنُوتِ : الْقُنُوتَ فِي الصَّلَاةِ , فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ خَاصًّا , وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَوَاتِ , فِي النَّازِلَةِ , وَاحْتَمَلَ طُولُ الْقُنُوتِ : طُولَ الْقِيَامِ , وَاحْتَمَلَ الْقُنُوتُ : طَاعَةَ اللَّهِ , وَاحْتَمَلَ السُّكَاتَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ , قَالَ : لِأَنَّهُ إنْ كَانَ اخْتِيَارًا مِنْ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : لَمْ أُرَخِّصْ فِي تَرْكِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا : كَانَ مِمَّا لَا يَتَبَيَّنُ تَرْكُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ تَارِكٌ : كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ; كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ : لَوْ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي شَيْءٍ . قَالَ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ : احْتَمَلَ السُّكَاتَ أَرَادَ : السُّكُوتَ عَنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ : فَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ . وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى بِنَا ابْنُ عَبَّاسٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ , فَقَنَتَ , رَفَعَ يَدَيْهِ : حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَيْنَ يَدَيْهِ لَرَأَى بَيَاضَ إبْطَيْهِ , فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ , فَقَالَ : هَذِهِ الصَّلَاةُ : الَّتِي ذَكَرهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي كِتَابِهِ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ , أَنَّ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارَ نا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ السَّمْحِ , ثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامٍ , أَبُو الْأَشْهَبِ , وَمُسْلِمُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ , فَذَكَرَهُ وَقَالَ : قَبْلَ الرُّكُوعِ
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 9:52 am | |
| أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } . فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : قَانِتِينَ مُطِيعِينَ , وَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالصَّلَاةِ قَائِمًا وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ أَطَاقَهَا , فَإِذَا لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ : صَلَّى قَاعِدًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قِيلَ : صَلِّ فِي ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَمَرَ أَنْ يُغْسَلَ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ يَعْنِي : الصَّلَاةَ . قَالَ الشَّيْخُ : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي عُمَرَ صَاحِبِ ثَعْلَبٍ , قَالَ : قَالَ ثَعْلَبٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَثِيَابَك فَطَهِّرْ ) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الثِّيَابُ هَا هُنَا : السَّاتِرُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الثِّيَابُ هَا هُنَا : الْقَلْبُ .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَشْرَانَ عَنْ أَبِي عُمَرَ , فَذَكَرَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ , أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : بَدَأَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) خَلْقَ آدَمَ ( عليه السلام ) مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ وَجَعَلَهُمَا مَعًا طَهَارَةً وَبَدَأَ خَلْقَ وَلَدِهِ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . فَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِ آدَمَ مِنْ الطَّاهِرَيْنِ : اللَّذَيْنِ هُمَا الطَّهَارَةُ دَلَالَةٌ لِابْتِدَاءِ خَلْقِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مِنْ مَاءٍ طَاهِرٍ لَا نَجَسٌ .
وَقَالَ فِي ( الْإِمْلَاءِ ) بِهَذَا الْإِسْنَادِ : الْمَنِيُّ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَبْتَدِئَ خَلْقَ مَنْ كَرَّمَهُمْ وَجَعَلَ مِنْهُمْ : النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلَ جَنَّتِهِ . مِنْ نَجَسٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ } { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } . وَلَوْ لَمْ [ يَكُنْ ] فِي هَذَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُقُولُ تَعْلَمُ : أَنَّ اللَّهَ لَا يَبْتَدِئُ خَلْقَ مَنْ كَرَّمَهُ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ مِنْ نَجَسٍ . [ فَكَيْفَ ] مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ : قَدْ أَصَابَهُ الْمَنِيُّ , فَلَا يَغْسِلُهُ إنَّمَا يَمْسَحُ رَطْبًا , أَوْ يَحُتُّ يَابِسًا عَلَى مَعْنَى التَّنْظِيفِ . مَعَ أَنَّ هَذَا : قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } : لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ . قَالَ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ , إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ : الْمَسْجِدُ . فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلَا يُقِيمُ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ , فَإِنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } فَلَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِحَالٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ [ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ] , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الْأَذَانَ بِالصَّلَاةِ , فَقَالَ : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } , فَأَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : إتْيَانَ الْجُمُعَةِ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْأَذَانَ لِلصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ . فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ إتْيَانَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَمَا أَمَرَنَا بِإِتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ . وَاحْتَمَلَ : أَنْ يَكُونَ أَذِنَ بِهَا : لِتُصَلَّى لِوَقْتِهَا وَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مُسَافِرًا وَمُقِيمًا , خَائِفًا وَغَيْرَ خَائِفٍ . وَقَالَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } الْآيَةُ , وَاَلَّتِي بَعْدَهَا . وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مَنْ جَاءَ الصَّلَاةَ أَنْ يَأْتِيَهَا وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَرَخَّصَ فِي تَرْكِ إتْيَانِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ , فِي الْعُذْرِ بِمَا سَأَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ فَأَشْبَهَ مَا وَصَفْتُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . أَنْ لَا يَحِلَّ تَرْكُ أَنْ تُصَلَّى كُلُّ مَكْتُوبَةٍ فِي جَمَاعَةٍ ; حَتَّى لَا تَخْلُوَ جَمَاعَةٌ مُقِيمُونَ وَلَا مُسَافِرُونَ مِنْ أَنْ تُصَلَّى فِيهِمْ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } , وَقَالَ : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فَلَمْ يَذْكُرْ الرُّشْدَ : الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ أَنْ نَدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ النِّكَاحِ . قَالَ : وَفَرَضَ اللَّهُ الْجِهَادَ , { , فَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَلَى مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِأَنْ أَجَازَ ابْنُ عُمَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ : ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَرَدَّهُ عَامَ أُحُدٍ : ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً . } قَالَ : فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ الْحُلُمَ , وَالْجَارِيَةُ الْمَحِيضَ : غَيْرَ مَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمَا : وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالْفَرَائِضُ كُلُّهَا : وَإِنْ كَانَا ابْنَيْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّلَاةِ : إذَا عَقَلَهَا وَإِذَا لَمْ يَفْعَلَا لَمْ يَكُونَا كَمَنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأُدِّبَا عَلَى تَرْكِهَا أَدَبًا خَفِيفًا . قَالَ : وَمَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِعَارِضٍ أَوْ مَرَضٍ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ : ارْتَفَعَ عَنْهُ الْفَرْضُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } وَقَوْلِهِ : { إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ } وَإِنْ كَانَ مَعْقُولًا : أَنْ لَا يُخَاطَبَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إلَّا مَنْ عَقَلَهُمَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ذُكُورٍ فَصَلَاةُ النِّسَاءِ مُجْزِئَةٌ وَصَلَاةُ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ الذُّكُورِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ , وَقَصَرهنَّ عَنْ أَنْ يَكُنَّ أَوْلِيَاءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ إمَامَ رَجُلٍ فِي صَلَاةٍ بِحَالٍ أَبَدًا وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ هَا هُنَا وَفِي كِتَابِ الْقَدِيمِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ) : التَّقْصِيرُ لِمَنْ خَرَجَ غَازِيًا خَائِفًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا } قَالَ : وَالْقَصْرُ لِمَنْ خَرَجَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فِي السُّنَّةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ : بَاغِيًا عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ مُعَاهِدًا ; أَوْ يَقْطَعُ طَرِيقًا , أَوْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعَبْدُ يَخْرُجُ : آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ الرَّجُلُ : هَارِبًا لِيَمْنَعَ دَمًا لَزِمَهُ , أَوْ مَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ غَيْرِهِ : مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ [ فَإِنْ قَصَرَ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا ] . لِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الرُّخْصَةُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } قَالَ : [ وَ ] هَكَذَا : لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَلَا يَجْمَعُ الصَّلَاةَ مُسَافِرٌ فِي مَعْصِيَةٍ وَهَكَذَا : لَا يُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ نَافِلَةً وَلَا تَخْفِيفَ عَمَّنْ كَانَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْقَصْرِ , وَأَنْهَى عَنْهُ إذَا كَانَ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ فِيهِ يَعْنِي لِمَنْ خَرَجَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ عَنْهُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قوله تعالى : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } قَالَ : [ نَزَلَ بِعُسْفَانَ ] مَوْضِعٍ بِخَيْبَرَ , فَلَمَّا ثَبَتَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) لَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ مَخْرَجَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ كَانَتْ السُّنَّةُ فِي التَّقْصِيرِ فَلَوْ أَتَمَّ رَجُلٌ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْطِئَ مِنْ قَصْرٍ ; لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَمَّا إنْ أَتَمَّ مُتَعَمِّدًا مُنْكِرًا لِلتَّقْصِيرِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ . وَقَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ : يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْبَلَ صَدَقَةَ اللَّهِ وَيَقْصُرَ , فَإِنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ : عَنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ عَنْ قَبُولِ رُخْصَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ; كَمَا يَكُونُ إذَا صَامَ فِي السَّفَرِ : لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَكَمَا تَكُونُ الرُّخْصَةُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } الْآيَةُ . فَلَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ وَالْفِدْيَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَأْسٌ إذَا لَمْ يَدَعْهُ رَغْبَةً عَنْ رُخْصَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) قَالَ : قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } الْآيَةُ . قَالَ : فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْخَوْفِ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ خَلْقِهِ لَا أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْصُرُوا . كَمَا كَانَ قَوْلُهُ : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } ; [ رُخْصَةً ] لَا أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ . وَكَمَا كَانَ قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } يُرِيدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تَتَّجِرُوا فِي الْحَجِّ لَا أَنَّ حَتْمًا أَنْ تَتَّجِرُوا . وَكَمَا كَانَ قَوْلُهُ : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ ) لَا : أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ وَلَا بُيُوتِ غَيْرِهِمْ . وَكَمَا كَانَ قَوْلُهُ : { وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } فَلَوْ لَبِسْنَ ثِيَابَهُنَّ وَلَمْ يَضَعْنَهَا مَا أَثِمْنَ . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } يُقَالُ : نَزَلَتْ ( لَيْسَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ بِتَرْكِ الْغَزْوِ , وَلَوْ غَزَوْا مَا حَرِجُوا ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } [
قَالَ الشَّافِعِيُّ ] أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : شَاهِدٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ , وَمَشْهُودٌ يَوْمُ عَرَفَةَ . } وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } وَالْأَذَانُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ , فَرْضُ الْجُمُعَةِ : أَنْ يَذَرَ عِنْدَهُ الْبَيْعَ الْأَذَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَلِكَ : الْأَذَانُ الثَّانِي بَعْدَ الزَّوَالِ , وَجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ , وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَعْقُولٌ أَنَّ السَّعْيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : الْعَمَلُ لَا : السَّعْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وَقَالَ : { وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } وَقَالَ : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا } . وَقَالَ زُهَيْرٌ : سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَيْ يُدْرِكُوهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ يُلَامُوا وَلَمْ يَأْلُوا وَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ وَهَلْ يَحْمِلُ الْخَطِّيَّ إلَّا وَشِيجُهُ وَتُغْرَسُ إلَّا فِي مَنَابِتِهَا النَّخْلُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } قَالَ : وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ . قَالَ الشَّيْخُ : فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا , فَانْفَتَلَ النَّاسُ إلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا , فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ } وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ فِي خُطْبَتِهِ قَائِمًا قَالَ : وَفِي حَدِيثِ حُصَيْنٍ : بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالصَّلَاةِ عَنْ الْخُطْبَةِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَمَرَهُمْ : خَائِفِينَ مَحْرُوسِينَ . بِالصَّلَاةِ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ : لِلْجِهَةِ الَّتِي وُجُوهُهُمْ لَهَا مِنْ الْقِبْلَةِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا . } فَدَلَّ إرْخَاصُهُ فِي أَنْ يُصَلُّوا رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا عَلَى أَنَّ الْحَالَ الَّتِي أَجَازَ لَهُمْ فِيهَا أَنْ يُصَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا مِنْ الْخَوْفِ ; غَيْرُ الْحَالِ الْأُولَى الَّتِي أَمَرَهُمْ فِيهَا بِأَنْ يَحْرُسَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَعِلْمنَا أَنَّ الْخَوْفَيْنِ مُخْتَلِفَانِ وَأَنَّ الْخَوْفَ الْآخَرَ : الَّذِي أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ أَنْ يُصَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا لَا يَكُونُ إلَّا أَشَدَّ [ مِنْ ] الْخَوْفِ الْأَوَّلِ . وَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا حَيْثُ تَوَجَّهُوا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ , وَقُعُودًا عَلَى الدَّوَابِّ , وَقِيَامًا عَلَى الْأَقْدَامِ وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ فَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } قَالَ : فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونُوا إذَا سَجَدُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ السُّجُودِ كُلِّهِ ; كَانُوا مِنْ وَرَائِهِمْ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى مَا احْتَمَلَ الْقُرْآنُ مِنْ هَذَا , فَكَانَ أُولَى مَعَانِيهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قَالَ : فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ . يَقُولُ : { لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ; { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ } عِنْدَ إكْمَالِهِ ; { عَلَى مَا هَدَاكُمْ ; } وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ , وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قَالَ : فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ . يَقُولُ : { لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ; { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ } عِنْدَ إكْمَالِهِ ; { عَلَى مَا هَدَاكُمْ ; } وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ , وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ [ أَنَا الرَّبِيعُ ] أَنَا الشَّافِعِيُّ , [ قَالَ ] : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ } الْآيَةُ وَقَالَ : { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ } الْآيَةُ مَعَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ الْآيَاتِ فِي كِتَابِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : , فَذَكَرَ اللَّهُ الْآيَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا سُجُودًا إلَّا مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ , وَأَمَرَ بِأَنْ لَا يُسْجَدَ لَهُمَا , وَأَمَرَ بِأَنْ يُسْجَدَ لَهُ فَاحْتَمَلَ [ أَمْرُهُ ] أَنْ يُسْجَدَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَنْ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ حَادِثٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ . وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَهَى عَنْ السُّجُودِ لَهُمَا كَمَا نَهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ يُصَلَّى لِلَّهِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يُصَلَّى عِنْدَ كُسُوفِهَا [ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِكَ ] وَ [ ثَانِيهِمَا ] أَنْ لَا يُؤْمَرَ عِنْدَ آيَةٍ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا بِالصَّلَاةِ , كَمَا أُمِرَ بِهَا عِنْدَهُمَا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ صَلَاةً وَالصَّلَاةُ فِي كُلِّ حَالٍ طَاعَةٌ [ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ] , وَغِبْطَةٌ لِمَنْ صَلَّاهَا ; فَيُصَلَّى عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ غَيْرِهِمَا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا الثِّقَةُ : أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ : الرَّعْدُ : مَلَكٌ وَالْبَرْقُ : أَجْنِحَةُ الْمَلَكِ يَسُقْنَ السَّحَابَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَشْبَهَ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا الثِّقَةُ عَنْ مُجَاهِدٍ : أَنَّهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ ذَهَبَ الْبَرْقُ بِبَصَرِهِ . كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قوله تعالى : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } قَالَ : وَبَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ : وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ تُصِيبُهُ الصَّوَاعِقُ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ } وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ : الصَّوَاعِقُ رُبَّمَا قَتَلَتْ وَأَحْرَقَتْ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ : أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مَنْ لَا أُتَّهَمُ نا الْعَلَاءُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنْ ابْنِ الْعَبَّاسِ , قَالَ { مَا هَبَّتْ رِيحٌ قَطُّ إلَّا جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ : اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ : اجْعَلْهَا رِيَاحًا , وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا } . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا } وَ { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ } وَقَالَ : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 9:55 am | |
| فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الزَّكاةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هِيَ : الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } , فَأَبَانَ أَنَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَكَاةً . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ; [ يَعْنِي ] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي سَبِيلِهِ الَّتِي , فَرَضَ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا . فَأَمَّا دَفْنُ الْمَالِ : فَضَرْبٌ [ مِنْ ] إحْرَازِهِ , وَإِذَا حَلَّ إحْرَازُهُ بِشَيْءٍ : حَلَّ بِالدَّفْنِ وَغَيْرِهِ . وَاحْتَجَّ فِيهِ : بِابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : النَّاسُ عَبِيدُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , فَمَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . } فَكَانَ فِيمَا آتَاهُمْ , أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَكُلٌّ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ , ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) . وَكَانَ فِيمَا , فَرَضَ عَلَيْهِمْ , فِيمَا مَلَّكَهُمْ : زَكَاةٌ ; أَبَانَ : [ أَنَّ ] فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ فِي وَقْتٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) . , فَكَانَ حَلَالًا لَهُمْ مِلْكُ الْأَمْوَالِ , وَحَرَامًا عَلَيْهِمْ حَبْسُ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا غَيْرَهُمْ فِي وَقْتٍ , كَمَا مَلَّكَهُمْ أَمْوَالَهُمْ , دُونَ غَيْرِهِمْ فَكَانَ بَيِّنًا فِيمَا وَصَفْتُ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } أَنَّ كُلَّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ حُرٍّ لَهُ مَالٌ فِيهِ زَكَاةٌ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ , فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ . وَإِنَّمَا قَصَدَ : إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ حِنْطَةٍ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ : الدُّعَاءُ لَهُمْ عَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحُقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُو لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ : آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهَا لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو ; قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ مِمَّنْ لَكُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ , فَلَا تُنْفِقُوا مِمَّا لَمْ تَأْخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي [ لَا ] تُعْطُوا مَا خَبُثَ عَلَيْكُمْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : وَعِنْدَكُمْ الطَّيِّبُ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الصِّيَامِِ
قَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } , ثُمَّ أَبَانَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ : شَهْرُ رَمَضَانَ ; بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ; إلَى قوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] لَا يَجِبُ صَوْمٌ إلَّا صَوْمَ رَمَضَانَ وَكَانَ عِلْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ وَزَادَ ; قَالَ : فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ , فَرْضَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ : شَهْرُ رَمَضَانَ وَكَانَتْ الْأَعَاجِمُ : تَعُدُّ الشُّهُورَ بِالْأَيَّامِ , لَا بِالْأَهِلَّةِ وَتَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْحِسَابَ إذَا عُدَّتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ يَخْتَلِفُ . فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ : الْمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ , وَذَكَرَ الشُّهُورَ , فَقَالَ : { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّهُورَ لِلْأَهِلَّةِ إذْ جَعَلَهَا الْمَوَاقِيتَ لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْأَعَاجِمُ مِنْ الْعَدَدِ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ذَلِكَ , عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ : تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ , فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَهِلَّةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا الْعَبَّاس أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) فِي فَرْضِ الصَّوْمِ : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } إلَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ , فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا مَرْضَى وَمُسَافِرِينَ , وَيُحْصُوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ . وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ , وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا إذَا مَضَى السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ( وَيَحْتَمِلُ ) أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا ; لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ , وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً , لَا مُفَرَّقَةً . وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفَرَّقَتَيْنِ , فَأَمَّا آيَةٌ فَلَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ , [ يَسْتَأْنِفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ ] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ عِلْمنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرٍ : قَضَاهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ , أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } , فَقِيلَ : { يُطِيقُونَهُ } كَانُوا يُطِيقُونَهُ , ثُمَّ عَجَزُوا , فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ : طَعَامُ مِسْكِينٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ ( وَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ . ) قَالَ : ( وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ ) : أَنْ يُجْهِدَهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ . وَكَذَلِكَ : الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ : [ إنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً : أَفْطَرَ , وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ . وَالْحَامِلُ ] إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا : [ أَفْطَرَتْ ] وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ : إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( [ رِوَايَةُ ] الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا , مَنْ نَقَلُوا إذَا سُئِلَ [ عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ] : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فَكَأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ الْفِدْيَةُ .
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ : جِمَاعُ الْعُكُوفِ مَا لَزِمَهُ الْمَرْءُ , فَحَبَسَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ , بِرًّا كَانَ أَوْ مَأْثَمًا , فَهُوَ عَاكِفٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } , وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى [ حِكَايَةً ] عَمَّنْ رَضِيَ قَوْلَهُ : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } قِيلَ : فَهَلْ لِلِاعْتِكَافِ الْمُتَبَرَّرِ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } , وَالْعُكُوفُ فِي الْمَسَاجِدِ : [ صَبْرُ الْأَنْفُسِ فِيهَا وَحَبْسُهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ ] .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْحَجِّ
وَفِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ , فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ , هِيَ : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةُ . قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : حُجُّوا ; فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ , بِمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ : وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : كُفْرٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا . كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ , يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ . قَالَ : وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَانَ كَافِرًا . وَهَذَا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } . وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ . أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ , فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ . أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ , أَطَاعَهُ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ : الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ . فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ : خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى , مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ( الرِّسَالَةِ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ : تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ , بِأَدَائِهَا : نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [ بِهَا ] . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ : النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا , أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ , لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا , إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه , مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ . وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ] . وَتَوْفِيقُهُ : نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ : الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ , وَعَطَاؤُهُ : الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ : الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ .
وَفِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ , فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ , هِيَ : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةُ . قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : حُجُّوا ; فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ , بِمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ : وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : كُفْرٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا . كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ , يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ . قَالَ : وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَانَ كَافِرًا . وَهَذَا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } . وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ . أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ , فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ . أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ , أَطَاعَهُ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ : الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ . فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ : خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى , مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ( الرِّسَالَةِ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ : تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ , بِأَدَائِهَا : نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [ بِهَا ] . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ : النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا , أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ , لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا , إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه , مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ . وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ] . وَتَوْفِيقُهُ : نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ : الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ , وَعَطَاؤُهُ : الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ : الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } . قَالَ : أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ . وَلَا يُفْرَضُ الْحَجُّ [ إلَّا ] فِي شَوَّالِ كُلِّهِ وَذِي الْقَعْدَةِ كُلِّهِ , وَتِسْعٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ . وَلَا يُفْرَضُ إذَا خَلَتْ عَشْرَةُ ذِي الْحِجَّةِ , فَهُوَ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ , وَالْحَجُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ .
وَقَالَ فِي قوله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فَحَاضِرُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُوَ : كُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ دُونِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ , دُونَ لَيْلَتَيْنِ ( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } . قَالَ : أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ .
( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَلَا يَجِبُ دَمُ الْمُتْعَةِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) يَقُولُ : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ : التَّمَتُّعُ بِالْإِهْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَكْمَلَ التَّمَتُّعَ وَمَضَى التَّمَتُّعُ , وَإِذَا مَضَى بِكَمَالِهِ : فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُهُ . وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَحْنُ نَقُولُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ ( وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ) , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ , فَإِذَا لَمْ يَصُمْ : صَامَ بَعْدَ مِنَى : بِمَكَّةَ أَوْ فِي سَفَرِهِ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَسَبْعَةً فِي الْمَرْجِعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ نا هِشَامٌ عَنْ طَاوُوسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ : الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } , وَقَدْ { طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : سَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ , نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } أَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ بِحِلَاقِ الشَّعْرِ : لِلْمَرَضِ , وَالْأَذَى فِي الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي الْحَجِّ فِي أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا : وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ فَرْضُهُ : إنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ , أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ , وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ . فَقَالَ : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } . فَكَمَا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِيِّ بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ : وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى . ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } إلَى [ قَوْلِهِ ] : { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمَثَابَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْمَوْضِعُ يَثُوبُ النَّاسُ إلَيْهِ وَيَئُوبُونَ يَعُودُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ . وَقَدْ يُقَالُ : ثَابَ إلَيْهِ : اجْتَمَعَ إلَيْهِ , فَالْمَثَابَةُ تَجْمَعُ الِاجْتِمَاعَ وَيَئُوبُونَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ : رَاجِعِينَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ , وَمُبْتَدَئِينَ . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ , يَذْكُرُ الْبَيْتَ : مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا تَخُبُّ إلَيْهِ الْيَعْمُلَاتُ الذَّوَابِلُ وَقَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّصْرِيُّ فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أَوَّلُونَ فَآخِرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : [ آمِنًا ] مَنْ صَارَ إلَيْهِ : لَا يُتَخَطَّفُ اخْتِطَافَ مَنْ حَوْلَهُمْ . وَقَالَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : سَمِعْتُ [ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى ] مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَمَّا أَمَرَ بِهَذَا , إبْرَاهِيمَ ( عليه السلام ) : وَقَفَ عَلَى الْمَقَامِ وَصَاحَ صَيْحَةً عِبَادَ اللَّهِ ; أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ . فَاسْتَجَابَ لَهُ حَتَّى مَنْ [ فِي ] أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ . فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ بَعْدَ دَعْوَتِهِ , فَهُوَ : مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُ وَوَافَاهُ مَنْ وَافَاهُ , يَقُولُ : لَبَّيْكَ دَاعِيَ رَبِّنَا لَبَّيْكَ . وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ : وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ إجَازَةً وَمَا قَبْلَهُ قِرَاءَةً .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْئًا وَهُوَ مُحْرِمٌ , فَقَالَ : مَنْ قَتَلَ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ , شَيْئًا : جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَوَابِّ الصَّيْدِ . فَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَا مِثْلَ لَهُ وَمِثْلُهُ : قِيمَتُهُ . إلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ : اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ : شَاةٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ وَاحِدٌ لَا أَمْثَالٌ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قُتِلُوا صَيْدًا : جَزَوْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالٍ ؟ , وَجَرَى فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ : فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَقَّتَةٌ , وَالْمِثْلُ : غَيْرُ مُوَقَّتٍ , فَهُوَ بِالدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَشْبَهُ . وَاحْتَجَّ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ فَفِي جَزَاءِ دَوَابِّ الصَّيْدِ , دُونَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ; [ فَقَالَ ] : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } , وَ [ قَدْ ] حَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَعُثْمَانُ [ وَعَلِيٌّ ] وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ ( رضي الله عنهم ) فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ , وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ , وَالنَّعَامَةُ لَا لَا تُسَاوِي بَدَنَةً وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي بَقَرَةً , وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْهَا أَضْعَافًا وَمِثْلَهَا وَدُونَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفَرَةٍ , وَهُمَا لَا يُسَاوَيَانِ عَنَاقًا وَلَا جَفَرَةً . فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَّرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ . شَبَهًا بِالْبَدَنِ [ مِنْ النَّعَمِ ] لَا بِالْقِيمَةِ . وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ : لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ ; لِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ مَا يُقْتَلُ فِي الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ [ فِي ] قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قُلْتُ [ لَهُ ] مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ . قَالَ : وَأَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : رَأَيْتُ النَّاسَ يَغْرَمُونَ فِي الْخَطَإِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ عُمَرَ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما ) : فِي رَجُلَيْنِ أَجْرَيَا فَرَسَيْهِمَا , فَأَصَابَا ظَبْيًا : وَهُمَا مُحْرِمَانِ , فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ وَقَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } . وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَالْمَنْعُ عَنْ قَتْلِهَا عَامٌّ , وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْغُرْمِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ النَّاسِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : أَصْلُ الصَّيْدِ : الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يُسَمَّى صَيْدًا . أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْسِلُونَهَا عَلَى مَا يُؤْكَلُ . أَوَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وَقَوْلُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ؟ , فَدَلَّ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِحْرَامِ : [ مِنْ ] صَيْدِ الْبَرِّ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ : [ أَنْ ] يَأْكُلُوهُ زَادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لِأَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَ فِي الْإِحْرَامِ خَاصَّةً , إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ . فَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الْحَلَالِ : فَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ كَافٍ مِنْهُ . قَالَ وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْعَقْرَبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ . وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ قَتْلَ مَا أَضَرَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمٌ : عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَا يُفِيدُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ , إلَّا : [ مَا ] يُؤْكَلُ لَحْمُهُ .
( وَفِيمَا أَنْبَأَ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ الْعَبَّاسَ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ [ فِي ] قَوْلِ اللَّهِ : { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } ; قَالَ عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قُلْتُ : وَقَوْلُهُ : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } [ قَالَ : وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ] وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ . وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي ذَلِكَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ وَالزِّنَا وَمَا فِيهِمَا وَفِي الْكُفْرِ : مِنْ الْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } . وَمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحُدُودِ فِي الدُّنْيَا [ قَالَ ] : [ فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ ] : دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النِّقْمَةَ فِي الْآخِرَةِ , لَا تُسْقِطُ حُكْمًا غَيْرَهَا فِي الدُّنْيَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ نَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ أَوْ ; لَهُ أَيَّةٌ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إلَّا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } , فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ , فِي الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ . وَرَوَاهُ ( أَيْضًا ) سَعِيدٌ [ عَنْ ] ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاءٍ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ : أَوْ أَوْ يَخْتَارُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفِدْيَةِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ( وَأَنَا ) أَبُو زَكَرِيَّا نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ [ قَالَ ] : قُلْتُ لِعَطَاءٍ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } ؟ قَالَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَمٍ ( يُرِيدُ : الْبَيْتَ ) كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ . فَأَمَّا الصَّوْمُ ( فَأَخْبَرَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ جَزَاهُ بِالصَّوْمِ : [ صَامَ ] حَيْثُ شَاءَ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ , فِي صِيَامِهِ . وَاحْتَجَّ [ فِي الصَّوْمِ ] فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاس عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ , فَقَالَ : أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ . وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَكَانَ عَلَى بَدَنِ الرَّجُلِ فَكَانَ عَمَلًا بِغَيْرِ وَقْتٍ فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَ [ هـ ] اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْقُرْآنِ , فَقَالَ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } نَزَلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) [ بِعَدُوٍّ ] فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ , مَرَضٌ حَابِسٌ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ . لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحَائِلِ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ , مَعْنَاهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي الْحِلِّ وَقَدْ قِيلَ : نَحَرَ فِي الْحَرَمِ . وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ : وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ : { وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } , وَالْحَرَمُ : كُلُّهُ مَحِلُّهُ ; عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ . فَحَيْثُ مَا أُحْصِرَ [ الرَّجُلُ : قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ; بِعَدُوٍّ حَائِلٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَدْ أَحْرَمَ ] : ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ; فَيَحُجُّهَا . مِنْ قِبَلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وَقَالَ : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ صَيْدٌ فِي بِئْرٍ كَانَ أَوْ فِي مَاءِ مُسْتَنْقِعٍ , أَوْ عَيْنٍ وَعَذْبٍ وَمَالِحٍ , فَهُوَ بَحْرٌ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ ; مِنْ حُوتٍ أَوْ ضَرْبِهِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ [ أَكْثَرَ ] عَيْشِهِ فَلِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يُصِيبَهُ وَيَأْكُلَ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّهُ يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فِيهِ [ فَهُوَ ] م | |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 9:57 am | |
| جَائِزا الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ . عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } . فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعٍ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ : جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ . عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا . وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه . ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ . فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي أَحْكَمَ اللَّهُ , فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ , وَبَيَّنَ : كَيْفَ هِيَ ؟ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مَا أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ مِنْهُ , وَمَا حَرَّمَ أَوْ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا . أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَبَاحَهُ , إلَّا مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ , كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ : لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ لَبِسَهُمَا عَلَى , كَمَالِ الطَّهَارَةِ . وَأَيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ فَقَدْ أَلْزَمهُ اللَّهُ خَلْقَهُ , بِمَا , فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ بُيُوعٍ : تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ مِنْ الْبُيُوعِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ دُونَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِهِ ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } , وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } . قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الرَّهْنَ : إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِيهَا : أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ : احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ . لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ } ; يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً . وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ : قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } , وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } . قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الرَّهْنَ : إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِيهَا : أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ : احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ . لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ } ; يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً . وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ : قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . قَالَ فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ : الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ . فَالْبُلُوغُ : اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ] . إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ , أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ : قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , فَيَكُونُ ذَلِكَ : الْبُلُوغُ . قَالَ : وَالرُّشْدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ : حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ . [ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ ] بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَمَرَ اللَّهُ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ . وَقَالَ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا [ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ : أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ الرِّجَالِ مَا وَجَبَ لَهُمْ ] , وَأَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُو عَنْ مَالِهَا . وَنَدَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى . وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , مَا وَجَبَ لَهُ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } . فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ : إيتَاءَهُنَّ مَا فُرِضَ لَهُنَّ وَأُحِلَّ لِلرِّجَالِ : كُلُّ مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا وَاحْتَجَّ ( أَيْضًا ) بِآيَةِ الْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ وَبِآيَةِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ : وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا : كَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَتْ , بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَثْبَتَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ [ هُوَ ] وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَقَامَهُ . قَالَ : وَقَدْ قِيلَ : الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يُحْتَمَلُ : [ أَنْ يَكُونَ ] الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ . وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) وَلَا يُؤْجَرُ الْحُرُّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ }
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } . فَهَذِهِ : الْحُبُسُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونَهَا , فَأَبْطَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُرُوطَهُمْ فِيهَا , وَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبْطَالِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إيَّاهَا وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ إذَا نُتِجَ , فَحْلُ إبِلِي , ثُمَّ أَلْقَحَ , فَأُنْتِجَ مِنْهُ فَهُوَ : حَامٍ . أَيْ : قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ , فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ . وَيُجْعَلُ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْعِتْقِ لَهُ وَيَقُولُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ عَلَى مَعْنًى يُوَافِقُ بَعْضَ هَذَا . وَيَقُولُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ : لَا يَكُونُ لِي وَلَاؤُكَ , وَلَا عَلَيَّ عَقْلُكَ وَقِيلَ أَنَّهُ ( أَيْضًا ) فِي الْبَهَائِمِ : قَدْ سَيَّبْتُك . فَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالِحَامِ إلَى مَالِكِهِ : وَأَثْبَتَ الْعِتْقَ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ : لِمَنْ أَعْتَقَ [ السَّائِبَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِمِثْلِ حُكْمِ النَّسَبِ . ] وَذَكَرَ فِي كِتَابِ : ( الْبَحِيرَةِ ) . فِي تَفْسِيرِ الْبَحِيرَةِ : أَنَّهَا : النَّاقَةُ تُنْتَجُ بُطُونًا , فَيَشُقُّ مَالِكُهَا أُذُنَهَا , وَيُخْلِي سَبِيلَهَا , [ وَيَحْلُبُ لَبَنَهَا فِي الْبَطْحَاءِ ] , وَلَا يَسْتَجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِلَبَنِهَا . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ تِلْكَ خَمْسَةَ بُطُونٍ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْبُطُونُ كُلُّهَا إنَاثًا قَالَ وَالْوَصِيلَةُ : الشَّاةُ تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ , فَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الْأَبْطُنِ الَّتِي وَقَّتُوا لَهَا قِيلَ : وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ الْخَمْسَةَ عَنَاقَيْنِ عَنَاقَيْنِ فِي كُلِّ بَطْنٍ ; فَيُقَالُ : هَذَا وَصِيلَةٌ يَصِلُ كُلَّ ذِي بَطْنٍ بِأَخٍ لَهُ مَعَهُ . وَزَادَ بَعْضُهُمْ , فَقَالَ : وَقَدْ يُوصِلُونَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ وَفِي خَمْسَةٍ وَفِي سَبْعَةٍ . قَالَ : وَالِحَامُ : الْفَحْلُ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ سِنِينَ , فَيُخْلَى , وَيُقَالُ : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ , فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ . قَالَ : وَزَادَ بَعْضُهُمْ , فَقَالَ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ , أَوْ مَا أُنْتِجَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ; فَيُقَالُ : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ . وَقَالَ فِي السَّائِبَةِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ ; [ ثُمَّ قَالَ ] : وَكَانُوا يَرْجُونَ [ بِأَدَائِهِ ] الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً فِي الْأَخْلَاقِ , مَعَ التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فِيهِ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ الْوُلَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } . نَزَلَتْ بِأَنَّ النَّاسَ تَوَارَثُوا : بِالْحِلْفِ [ وَالنُّصْرَةِ ] ; ثُمَّ تَوَارَثُوا : بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ . وَكَانَ الْمُهَاجِرُ يَرِثُ الْمُهَاجِرَ وَلَا يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُهَاجِرًا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ . فَنَزَلَتْ : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } عَلَى مَا فُرِضَ لَهُمْ , [ لَا مُطْلَقًا ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ , نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } نُسِخَ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْفَرَائِضِ . وَقَالَ لِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } الْآيَةُ . قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ , فَلْيَتَّقِ اللَّهَ مَنْ حَضَرَ , وَلْيَحْضُرْ بِخَيْرٍ , وَلْيَخَفْ أَنْ يَحْضُرَ حِينَ يُخْلِفُ هُوَ أَيْضًا بِمَا حَضَرَ غَيْرُهُ . ( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ : الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ , [ مَنْ ] مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ . مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ . وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ مَنْ جَاءَكَ وَلَا تُضِيفُ مَنْ لَا يَقْصِدُ قَصْدَكَ : [ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا ] إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ . وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : تَخْصِيصَ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالْإِجْلَاسِ مَعَهُ , أَوْ تَرْوِيغِهِ لُقْمَةً مِنْ وَلِيَ الطَّعَامَ مِنْ مَمَالِيكِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي ( يَعْنِي فِي الْآيَةِ ) قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ . فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ : [ أَنْ ] يُعْطَوْا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلَا يُوَقَّتُ وَلَا يُحْرَمُونَ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 10:00 am | |
| مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } . قَالَ فَكَانَ فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ . وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ بِالْقُرْآنِ ] أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ : غَيْرِ الْوَارِثِينَ ; فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ حَفِظْتُ [ عَنْهُ ] . قَالَ : الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا , فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ : كَانَتْ تَطَوُّعًا وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كُلُّهُ كَمَا قَالُوا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) [ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ] بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ قَوْلِهِ : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ . } وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ : لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ , فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ , فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . } [ ثُمَّ قَالَ ] : وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ , وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ : تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ . فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ : إذَا قَالَ : دَفَعْتهَا إلَيْكَ , فَالْقَوْلُ : قَوْلُهُ . وَلَوْ قَالَ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ , فَدَفَعْتُهَا ; فَالْقَوْلُ : قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وَقَالَ فِي الْيَتَامَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } . وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ : وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ [ وَصِيٌّ ] وَصَّاهُ الْحَاكِمُ : لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ . وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ : غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ; إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ . [ وَ ] كَذَلِكَ : الْوَصِيُّ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ [ أَبَا الْعَبَّاسِ ] حَدَّثَهُمْ : أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وَقَالَ : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } إلَى قوله تعالى : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا [ مَعًا ] الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِهِمَا , لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ [ لَهُ ] فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ . ثُمَّ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ : الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب . : لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ . وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي قُرَى : عُرَيْنَةَ ; الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ . أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا حَدِيثَ { عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ , فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا , دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ , فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : هَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ; إنَّمَا يَعْنِي عُمَرَ ( رضي الله عنه ) [ بِقَوْلِهِ ] : لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَالِصًا مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ . فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ : [ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ ] . وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْحَشْرِ : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَ , فَإِنَّ الْخُمُسَ إذَا كَانَ لَهُمْ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَلَّمَهُ لَهُمْ . وَاسْتَدْلَلْنَا : إذْ كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } , فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ , لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ . أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ : الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَوَجَدْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) حَكَمَ فِي الْخُمُسِ بِأَنَّهُ عَلَى خَمْسَةٍ ; لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( لِلَّهِ ) مِفْتَاحُ كَلَامٍ : لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ , وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ , وَمِنْ بَعْدُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ ] . فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ : لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ : [ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ ] وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ : حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَيُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى , بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ : شَيْءٌ وَاحِدٌ } . وَهُوَ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ , فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْرِفَةِ , وَالسُّنَنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمَنَّ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُمْ أَوْ يَقْتُلَ , أَوْ يُفَادِيَ , أَوْ يَسْبِيَ . وَسَبِيلُ مَا سَبَى وَمَا أَخَذَ مِمَّا , فَادَى : سَبِيلُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ . وَاحْتَجَّ فِي الْقَدِيمِ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } وَذَلِكَ فِي بَيَانِ اللُّغَةِ : قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أُسَارَى بَدْرٍ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَفْدَاهُمْ : وَالْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَائِمَةٌ . وَعَرَضَ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ : وَهُوَ ( يَوْمئِذٍ ) وَقَوْمُهُ أَهْلُ الْيَمَامَةِ ; حَرْبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ } الْآيَةُ . فَأَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ أَكَّدَهَا [ وَشَدَّدَهَا ] , فَقَالَ : { فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ } . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَيْهِ ] وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وُجِدَ : كَقَوْلِهِ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } الْآيَةُ وَكَقَوْلِهِ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } , وَكَقَوْلِهِ : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } . فَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] فَرَضَ هَذَا : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ . وَكَانَ مَعْقُولًا [ عَنْهُ ] أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ . فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ : قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ مِنْ أَهْلِ [ هَذِهِ ] السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ [ إلَى أَحَدٍ ] : حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا . ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) , قَالَ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تَعَالَى ) فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَا لَهُمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ , [ وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ ] يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَاتُهَا . فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ : الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ , وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ : الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ , وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ . وَالْمَسَاكِينُ : السُّؤَالُ , وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي ( كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ ) الْفَقِيرُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ : تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا ; زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ , سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا . وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ , أَوْ حِرْفَةٌ : [ لَا ] تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ : سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا : الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا : مِنْ السَّعَادَةِ , وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعُونَتِهِ سَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ , أَوْ فُقَرَاءَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : مَنْ وَلَّاهُ الْوَلِيُّ : قَبَضَهَا وَقَسَمَهَا . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ , [ بِقَدْرِ ] غَنَائِهِ : لَا يُزَادُ عَلَيْهِ [ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ . ] . وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ : سَهْمٌ . وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ : أَنْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رضي الله عنه ) أَحْسَبُهُ قَالَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ , فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ ( رضي الله عنه ) مِنْهَا : ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ , بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا . قَالَ : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ؟ غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا , مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ . فَإِمَّا زَادَهُ : لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا صَنَعَ , وَإِمَّا أَعْطَاهُ : لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَا يَثِقُ مِنْهُ , بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ النَّازِلَةِ قَالَ : وَالرِّقَابُ : الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ . قَالَ : وَالْغَارِمُونَ : صِنْفَانِ : ( صِنْفٌ ) : دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ , أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ , ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ : فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي غُرْمِهِمْ : لِعَجْزِهِمْ . ( وَصِنْفٌ ) : دَانُوا فِي حِمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ , وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ : تَحْمِلُ حَمَالَاتِهِمْ أَوْ عَامَّتَهَا وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ : [ مَا يُوَفِّرُ عُرُوضَهُمْ , كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ ] حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ قَالَ : وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ : يُعْطَى مِنْهُ , مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ , فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا قَالَ وَابْنُ السَّبِيلِ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ , فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ , إلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ : لِمَنْ مَرَّ بِمَوْضِعِ الْمُصَّدِّقِ مِمَّنْ يَعْجِزُ عَنْ بُلُوغٍ حَيْثُ يُرِيدُ , إلَّا بِمَعُونَةٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ فِي غَيْرِ رِوَايَتِنَا إنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) قَوْلُهُ : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } . وَقَالَ تَعَالَى :{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } , فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ , وَلَيْسَ هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } فَأَبَانَهُنَّ بِهِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . وَقَوْلُهُ : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ; مِثْلُ مَا وَصَفْتُ مِنْ اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْتُ : مِنْ [ أَنَّ ] اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا مِنْ , فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنَّ شَرَائِعَ وَاخْتِلَافَهَا , عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَقَوْلُهُ : { أُمَّهَاتُهُمْ } ; يَعْنِي : فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ , وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتٍ : لَوْ كُنَّ لَهُنَّ ; كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ : اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ , [ أَ ] و أَرْضَعْنَهُمْ . وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي هَذَا , ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ فِي النَّازِلَةِ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ ; كَالْعَامَّةِ فِي الظَّاهِرِ : وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ مَا سِوَاهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ : تَرُبُّ أَمْرَهُمْ . أُمُّنَا وَأُمُّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ كَذَلِكَ لِلرَّجُلِ : [ يَتَوَلَّى ] أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمُّ الْعِيَالِ ; بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ الَّتِي تَرُبُّ [ أَمْرَ ] الْعِيَالِ . قَالَ : تَأَبَّطَ شَرًّا وَهُوَ يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا : وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ وَأُمُّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْت تَقُوتُهُمْ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْبَيْتِ , وَبَيْتَيْنِ أَخَوَيْنِ مَعَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قُلْتُ : الرَّجُلُ يُسَمَّى أُمًّا , وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّاقَةِ , وَالْبَقَرَةِ , وَالشَّاةِ وَالْأَرْضِ : هَذِهِ أُمُّ عِيَالِنَا ; عَلَى مَعْنَى : الَّتِي تَقُوتُ عِيَالَنَا . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ } . يَعْنِي أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ ; الْوَارِثَاتُ [ وَ ] الْمَوْرُوثَاتُ , الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ : اللَّائِي لَمْ يَكُنَّ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ . لَيْسَ : اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ , فِيكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ [ وَقَدْ كُنَّ قَبْلَ إرْضَاعِهِ , غَيْرَ أُمَّهَاتٍ لَهُ ] , وَلَا أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ [ عَامَّةً : يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أَوْ يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أَوْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ] حَرُمْنَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ , ثُمَّ قَالَ : وَفِي هَذَا : دَلَالَةٌ عَلَى أَشْبَاهٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ , جَهِلَهَا مَنْ قَصُرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ , فَقَالَ : { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } . وَالْحَصُورُ : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ , [ وَلَمْ يَنْدُبْهُ إلَى النِّكَاحِ ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَتْمٌ لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى , وَالْحَرَائِرُ : الْبَوَالِغُ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ , وَدُعُوا إلَى رَضِيٍّ مِنْ الْأَزْوَاجِ . أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنَّ مُبْتَدَأَ الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ . فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ : [ عَلَى ] أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضَلِ الْأَوْلِيَاءَ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ , فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا , فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لَا سَبِيلَ وَلَا شِرْكَ لَهُ [ فِي أَنْ يَعْضُلَهَا ] فِي بَعْضِهَا ؟ , . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ يَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } الْآيَةُ . يَعْنِي إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ ; لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا , أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهَا أَنْ تَنْكِحَ , لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } , فَلَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ ; مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ . إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا , مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ [ مِنْ ] مَنْعِهَا . قَالَ : وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا , فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا , ثُمَّ : طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ , فَقَالَ : زَوَّجْتُكَ دُونَ غَيْرِكَ أُخْتِي , ثُمَّ : طَلَّقْتهَا , لَا أُنْكِحُكَ أَبَدًا . فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } . قَالَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا وَفِيهَا : دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الْمُزَوَّجِ وَالْمُزَوَّجَةِ قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : هَذَا الَّذِي نَقَلْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى هَا هُنَا . بَعْضُهُ فِي مَسْمُوعٍ لِي : قِرَاءَةً عَلَى شَيْخِنَا وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ فِي النَّقْلِ فَرَوَيْت الْجَمِيعَ بِالْإِجَازَةِ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَاحْتَجَّ ( أَيْضًا ) فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } وَبِقَوْلِهِ ( تَعَالَى ) فِي الْإِمَاءِ : { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } قَالَ : وَدَلَّتْ أَحْكَامُ اللَّهِ , ثُمَّ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ لَا مِلْكَ لِلْأَوْلِيَاءِ [ آبَاءً كَانُوا أَوْ غَيْرُهُمْ ; ] عَلَى أَيَامَاهُمْ وَأَيَامَاهُمْ : الثَّيِّبَاتُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وَقَالَ ( تَعَالَى ) فِي الْمُعْتَدَّاتِ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } الْآيَةُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا , وَإِذْنُهَا : صُمَاتُهَا } [ مَعَ مَا ] سِوَى ذَلِكَ وَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَمَالِيكَ لِمَنْ مَلَكَهُمْ , [ وَأَنَّهُمْ ] لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ شَيْئًا ] . وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا عَلَى إيجَابِ [ إنْكَاحِ ] صَالِحِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ , كَمَا وَجَدْتُ الدَّلَالَةَ عَلَى إنْكَاحِ الْحَرَائِرِ إلَّا مُطْلَقًا . فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْكَحَ [ مَنْ بَلَغَ ] مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ , ثُمَّ صَالِحُوهُمْ خَاصَّةً وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ أُرِيدَ بِهَا : الدَّلَالَةُ لَا الْإِيجَابُ . وَذَهَبَ فِي الْقَدِيمِ : إلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ : إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } ; بِأَنْ قَالَ : إنَّمَا هَذَا عِنْدَنَا عَبْدٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا ; فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقَدْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ ( مِنْهَا ) مَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ : مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تُتْلِفُهُ [ أَ ] و تَنْقُصُهُ . ( وَمِنْهَا ) مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ : جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِقْرَارُهُ فَإِنْ اعْتَلَّ بِالْإِذْنِ فَالشِّرَى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَمْلِكُ بِأَحَدٍ الْإِذْنَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ بِالْآخَرِ ؟ , . ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا , فِي الْجَدِيدِ , وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَذَكَرَ قوله تعالى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَى ] أَنَّ مَا أَبَاحَ مِنْ الْفُرُوجِ فَإِنَّمَا أَبَاحَهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : النِّكَاحُ أَوْ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ , فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَالِكًا بِحَالٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالُوا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ; نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } ; فَهِيَ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : فَهَذَا : كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ دَلَائِلُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) سَائِرَ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي ( الْمَبْسُوطِ ) , وَفِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرو نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا : الْأَحْرَارُ . لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ لِأَنَّهُ ] لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَحْرَارَ . وقوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } , فَإِنَّمَا يَعُولُ مَنْ لَهُ الْمَالُ وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلَا الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ [ ثُمَّ ] قَالَ : فَأَسْمَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) النِّكَاحَ , اسْمَيْنِ : النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ . وَذَكَرَ آيَةَ الْهِبَةِ وَقَالَ : فَأَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الْهِبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) دُونَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَالْهِبَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) تُجْمَعُ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ [ عَلَيْهَا ] عُقْدَةُ النِّكَاحِ ; بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ , إلَّا بِاسْمِ : النِّكَاحِ , [ أَ ] و التَّزْوِيجِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ . وَاحْتَجَّ [ فِي ] كُلٍّ بِمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) ; ثُمَّ قَالَ : وَحَرَّمْنَا بِالرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ : قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّهُ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ . } وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } . كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ . فَنَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَحَدٌ : يَجْمَعُ فِي عُمْرِهِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ , أَوْ يَنْكِحَ مَا نَكَحَ أَبَاهُ ; إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ . لَيْسَ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ , مَا كَانُوا قَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ . [ كَمَا أَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ : الَّذِي لَا يَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ بِحَالٍ ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً , فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ , أَوْ طَلَّقَهَا [ فَأَبَانَهَا ] فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ نِكَاحِ أُمِّهَا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } . زَادَ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ : لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ ; إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . بِأَنَّ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ : مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ , [ حَتَّى يُفَارِقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ أَوْ , فَسْخِ نِكَاحٍ . ] إلَّا السَّبَايَا : [ فَإِنَّهُنَّ مُفَارِقَاتٌ لَهُنَّ بِالْكِتَابِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْإِجْمَاعِ . ] . وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِحَدِيثِ { أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : أَصَبْنَا سَبَايَا : لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الشِّرْكِ , فَكَرِهْنَا أَنْ نَطَأَهُنَّ , فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ ; فَنَزَلَ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } } احْتَجَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة أكتوبر 15, 2010 10:05 am | |
| أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانُ , فَإِنْ قَبِلْنَ , وَأَقْرَرْنَ [ بِهِ ] : فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ . وَكَذَلِكَ عِلْمُ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرُ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } يَعْنِي : بِسَرَائِرِهِنَّ فِي إيمَانِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرَةٍ [ مِنْ ] أَهْلِ مَكَّةَ , فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ : ابْنَةَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ : أَهْلُ أَوْثَانٍ . وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ; قَدْ نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرِ أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ .
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ : الَّذِينَ هُمْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ; فَحَرَّمَ : نِكَاحَ نِسَائِهِمْ , كَمَا حَرَّمَ أَنْ يَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ . وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ [ بَعْدَهَا ] : فِي إحْلَالِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً , كَمَا جَاءَتْ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قَالَ : فَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أُبِيحَ [ فِيهِ ] نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقَالَ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } [ إلَى قَوْلِهِ ] : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } الْآيَةُ قَالَ فَفِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا : الْأَحْرَارُ ; دُونَ الْمَمَالِيكِ ; لِأَنَّهُمْ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ , الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ . وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ , طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ , وَالْعَنَتُ : الزِّنَا . قَالَ : وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى مَا شَرَطَ : لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ . دَلَالَةٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا : لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ , مَعَ إيمَانِهِنَّ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي الْحُجَّةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ . يَعْنِي : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } , فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ : لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ . عَلِمْتُهُ . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّهُ [ اللَّهُ ] لَنَا مِنْ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي كِتَابِهِ لَا أَنَّهُ أَبَاحَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ بُلُوغُ الْكِتَابِ أَجَلَهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ . قَالَ : وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ : فِي الْعِدَّةِ , فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَظَرَ التَّصْرِيحَ فِيهَا . قَالَ تَعَالَى : { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) جِمَاعًا ; { إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } حَسَنًا لَا فُحْشَ فِيهِ . وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : رَضِيتُك ; إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا يُرْضِي مَنْ جُومِعَهُ . وَكَانَ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيضًا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ : لِقُبْحِهِ وَمَا عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا تَفْهَمُ الْمَرْأَةُ بِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا . فَجَائِزٌ لَهُ , وَكَذَلِكَ : التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ [ لَهُ ] , جَائِزٌ لَهَا . قَالَ : وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِيهَا : الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةِ الزَّوْجِ وَلَا يَبِينُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ : الَّذِي لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ , الرَّجْعَةَ وَاحْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ السِّرَّ : الْجِمَاعُ . بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ [ ثُمَّ قَالَ ] : فَإِذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ : وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ , جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى : الْجِمَاعُ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِيَ عَلَى الْمَرْءِ عِرْسَهُ وَأَمْنَعُ عِرْسِي أَنْ يُزَنَّ بِهَا الْخَالِي وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ : كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا خُزِنَ الْحَدِيثُ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ , فَخَزْنُ الْحَدِيثِ : [ أَنْ ] لَا يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً فَإِذَا وَصَفَهَا بِهَذَا : فَلَا مَعْنَى لِلْعَفَافِ غَيْرَ الْأَسْرَارِ ; [ وَ ] الْأَسْرَارُ : الْجِمَاعُ . وَهَذَا : فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ , فَذَكَرَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } . يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) الطَّهَارَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ لَهَا : [ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) وَتَحْرِيمُ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ لِأَذَى الْحَيْضِ . كَالدَّلَالَةِ عَلَى : [ أَنَّ ] إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ : وَبَيَّنَ أَنَّ مَوْضِعَ الْحَرْثِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ , وَأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَبَاحَ الْإِتْيَانَ فِيهِ , إلَّا فِي وَقْتِ الْحَيْضِ . وَ { أَنَّى شِئْتُمْ } مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ . قَالَ : وَإِبَاحَةُ الْإِتْيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ , يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ : تَحْرِيمَ إتْيَانٍ [ فِي ] غَيْرِهِ وَالْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ : حَتَّى يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الْإِتْيَانِ فِي الْقُبُلِ مُحَرَّمٌ : بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ , ثُمَّ السُّنَّةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إجَازَةً عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } . فَكَانَ بَيِّنًا فِي ذِكْرِ حِفْظِهِمْ لِفُرُوجِهِمْ , إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ , أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ تَحْرِيمُ مَا سِوَى الْأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ ; دُونَ الْبَهَائِمِ . ثُمَّ أَكَّدَهَا , فَقَالَ : { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } فَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ , إلَّا فِي زَوْجَةٍ , أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَ [ قَالَ ] فِي قَوْلِهِ : { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } مَعْنَاهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لِيَصْبِرُوا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ . وَهُوَ : كَقَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي مَالِ الْيَتِيمِ : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } لِيَكُفَّ عَنْ أَكْلِهِ بِسَلَفٍ , أَوْ غَيْرِهِ . قَالَ : وَكَانَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } . بَيَانُ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا : الرِّجَالُ لَا : النِّسَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ [ لِلْمَرْأَةِ ] : أَنْ تَكُونَ مُتَسَرِّيَةً بِمَا مَلَكَتْ يَمِينُهَا ; لِأَنَّهَا مُتَسَرَّاةٌ أَوْ مَنْكُوحَةٌ لَا نَاكِحَةٌ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وَقَالَ : { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } . وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الصَّدَاقِ , ثُمَّ قَالَ : فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) الْأَزْوَاجَ بِأَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ [ هُوَ ] : الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هُوَ : الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ : تُسَمَّى بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِصَدَاقٍ , مَنْ فَرَضَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ : دَخَلَ , أَوْ لَمْ يَدْخُلْ . لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ , فَلَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْهُ , إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ [ لَهُ ] وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ : وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَيَحْتَمِلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَا يَلْزَمُ أَبَدًا , إلَّا بِأَنْ يُلْزِمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ , أَوْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ : وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا . فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَ , كَانَ أَوْلَاهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ كِتَابٍ , أَوْ سُنَّةٍ , أَوْ إجْمَاعٍ . فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } . أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ [ يَصِحُّ ] بِغَيْرِ , فَرِيضَةِ صَدَاقٍ , وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ عَقَدَ نِكَاحَهُ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ عَلَى النَّاكِحِ الْوَاطِئِ , صَدَاقًا بِفَرْضِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْإِمَاءِ أَنْ يُنْكَحْنَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَيُؤْتَيْنَ أُجُورَهُنَّ وَالْأَجْرُ : الصَّدَاقُ . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [ خَالِصَةً بِهِبَةٍ وَلَا مَهْرَ , فَأَعْلَمَ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) دُونَ الْمُؤْمِنِينَ . ] . وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُرِيدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) النِّكَاحَ وَالْمَسِيسَ بِغَيْرِ مَهْرٍ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) أَنْ يَنْكِحَ , فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مَعَ دَلَالَةِ الْآيِ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } يَعْنِي : النِّسَاءُ . [ وَفِي قَوْلِهِ ] : { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } يَعْنِي : الزَّوْجُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو مَنْ لَهُ مَا يَعْفُوهُ . وَرَوَاهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( رضي الله عنه ) وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ : وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى , يَقُولُ : الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ : الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ , وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ , فَعَفَوْهُ جَائِزٌ .
( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } الْآيَةُ . فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِنَا : الْمُتْعَةُ [ هِيَ ] : لِلَّتِي [ لَمْ ] يُدْخَلْ بِهَا [ قَطُّ ] وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ , وَطَلُقَتْ وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا : الْمَفْرُوضِ لَهَا ; بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ . وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ ) : فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا , وَلَا مُتْعَةَ [ لَهَا ] فِي قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَا مُتْعَةَ لِلَّتِي فُرِضَ لَهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ وَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَرُوِيَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا إسْنَادَهُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) وَحَمَلَ الْمَسِيسَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } عَلَى الْوَطْءِ . وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَهُوَ بِتَمَامِهِ , مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) ( وَالْمَبْسُوطِ ) ; مَعَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ : وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إتْيَانُ ذَلِكَ بِمَا يَحْسُنُ لَكَ ثَوَابُهُ وَكَفُّ الْمَكْرُوهِ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( فِيمَا هُوَ لِي بِالْإِجَازَةِ ; عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ) : وَفَرَضَ اللَّهُ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ , وَأَدَاؤُهُ إلَيْهِ بِطِيبِ النَّفْسِ لَا بِضَرُورَتِهِ إلَى طَلَبِهِ وَلَا : تَأْدِيَتِهِ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَأْدِيَتِهِ وَأَيُّهُمَا تَرَكَ فَظُلْمٌ ; لِأَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ , وَمَطْلُهُ تَأْخِيرُ الْحَقِّ . قَالَ : وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [ أَيْ ] : فَمَا لَهُنَّ مِثْلُ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ . وَفِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ : وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ : كَفُّ الْمَكْرُوهِ وَإِعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ , لَا بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ فِي تَأْدِيَتِهِ فَأَيُّهُمَا مَطَلَ بِتَأْخِيرِهِ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ . وَهَذَا مِمَّا كَتَبَ إلَيَّ أَبُو نُعَيْمٍ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ , فَذَكَرَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } .
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ , كَانَتْ عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا ; إمَّا كِبْرًا أَوْ غَيْرُهُ فَأَرَادَ طَلَاقَهَا , فَقَالَتْ : لَا تُطَلِّقْنِي , وَأَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } الْآيَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أَنْ تَعْدِلُوا بِمَا فِي الْقُلُوبِ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَمْلِكُونَ مَا فِي الْقُلُوبِ : حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوِيًا . وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : كَمَا قَالُوا وَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ , عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ تَقُلْ أَوْ تَعْمَلْ وَجَعَلَ الْمَأْثَمَ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ . وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { , فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } إنْ تُجُوِّزَ لَكُمْ عَمَّا فِي الْقُلُوبُ فَتَتَّبِعُوا أَهْوَاءَهَا , فَتَخْرُجُوا إلَى الْأَثَرَةِ بِالْفِعْلِ : { فَتَذْرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } . وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدِي كَمَا قَالُوا . وَعَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : , فَقَالَ : { فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَيَصِيرَ الْمَيْلُ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ لَكُمْ : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } . وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا عِنْدِي بِمَا قَالُوا ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) تَجَاوَزَ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْأَفْعَالَ وَالْأَقَاوِيلَ وَإِذَا مَالَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ ( مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ ) حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } إلَى قَوْلِهِ { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَوْلُهُ ] : { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } يَحْتَمِلُ إذَا رَأَى الدَّلَالَاتِ فِي أَفْعَالِ الْمَرْأَةِ وَأَقَاوِيلِهَا عَلَى النُّشُوزِ وَكَانَ لِلْخَوْفِ مَوْضِعٌ أَنْ يَعِظَهَا , فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا , فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَهَا وَذَلِكَ : أَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ إذَا رُئِيَتْ أَسْبَابُهُ وَأَنْ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا عَلَيْهَا تَضُرُّ بِهَا وَإِنَّ الْعِظَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ [ مِنْ الْمَرْءِ ] لِأَخِيهِ فَكَيْفَ لِامْرَأَتِهِ ؟ , . وَالْهَجْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ ; لِأَنَّ الْهَجْرَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ , فَوْقَ ثَلَاثٍ . وَالضَّرْبُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَيَانِ الْفِعْلِ [ فَالْآيَةُ فِي الْعِظَةِ , وَالْهَجْرَةِ وَالضَّرْبِ عَلَى بَيَانِ الْفِعْلِ ] : تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَالَاتِ الْمَرْأَةِ فِي اخْتِلَافِ مَا تُعَاتَبُ فِيهِ وَتُعَاقَبُ مِنْ الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا اخْتَلَفَ ; فَلَا يُشْبِهُ مَعْنَاهَا إلَّا مَا وَصَفْت . وَقَدْ يَحْتَمِلُ قوله تعالى : { تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } إذَا نَشَزْنَ , فَخِفْتُمْ لَجَاجَتَهُنَّ فِي النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ , وَالْهَجْرَةِ وَالضَّرْبِ . وَبِإِسْنَادِهِ , قَالَ [ قَالَ ] : الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } الْآيَةُ . اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ خَوْفِ الشِّقَاقِ الَّذِي إذَا بَلَغَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَاَلَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرَ الْآيَةِ , فَمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ [ مَعًا حَتَّى يَشْتَبِهَ فِيهِ حَالَاهُمَا مِنْ الْإِبَايَةِ . ] [ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَذِنَ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ ] بِأَنْ يَصْطَلِحَا , وَأَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ [ اللَّهِ ] بِالْخُلْعِ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : فَلَمَّا أَمَرَ فِيمَنْ خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُ بِالْحَكَمَيْنِ ; دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا [ غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا ] أَنْ يَشْتَبِهَ حَالَاهُمَا فِي الشِّقَاقِ , فَلَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ : الصُّلْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَيَصِيرَانِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ . إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَيَتَمَادَيَانِ فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا , فَلَا يُعْطِيَانِ حَقًّا وَلَا يَتَطَوَّعَانِ [ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا , بِأَمْرٍ يَصِيرَانِ بِهِ فِي مَعْنَى الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا ] فَإِذَا كَانَ هَكَذَا بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا . وَلَا يَبْعَثُهُمَا إلَّا مَأْمُونِينَ , وَبِرِضَا الزَّوْجَيْنِ . وَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ بِأَنْ يُجَمِّعَا , أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ , ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ : وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : يُجْبِرُهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى الْحَكَمَيْنِ ; كَانَ مَذْهَبًا .
وَبِإِسْنَادِهِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } يُقَالُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَكْرَهُ الْمَرْأَةَ , فَيَمْنَعُهَا : كَرَاهِيَةً لَهَا حَقَّ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَحْبِسُهَا مَانِعًا حَقَّهَا لِيَرِثَهَا ; عَنْ [ غَيْرِ ] طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا , بِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا عَلَى الْمَنْعِ فَحَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحَرَّمَ عَلَى الْأَزْوَاجِ : أَنْ يَعْضُلُوا النِّسَاءَ لِيَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا أُوتِينَ وَاسْتَثْنَى : { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } [ وَإِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ] وَهِيَ : الزِّنَا . فَأَعْطَيْنَ بَعْضَ مَا أُوتِينَ : لِيُفَارِقْنَ حَلَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَلَمْ يَكُنْ مَعْصِيَتُهُنَّ الزَّوْجَ فِيمَا يَجِبُ لَهُ بِغَيْرِ , فَاحِشَةٍ : أَوْلَى أَنْ يُحِلَّ مَا أَعْطَيْنَ مِنْ أَنْ يَعْصِينَ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَالزَّوْجَ , بِالزِّنَا . قَالَ : وَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي اللَّائِي : يَكْرَهُهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ , وَلَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ أَنْ يُعَاشَرْنَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ : تَأْدِيَةُ الْحَقِّ وَإِجْمَالُ الْعِشْرَةِ
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } فَأَبَاحَ عِشْرَتَهُنَّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ بِالْمَعْرُوفِ , وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَدْ يَجْعَلُ فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا . وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ : الْأَجْرُ فِي الصَّبْرِ وَتَأْدِيَةُ الْحَقِّ إلَى مَنْ يَكْرَهُ , أَوْ التَّطَوُّلُ عَلَيْهِ وَقَدْ يَغْتَبِطُ : وَهُوَ كَارِهٌ لَهَا بِأَخْلَاقِهَا وَدِينِهَا , وَكَفَاءَتِهَا وَبَذْلِهَا وَمِيرَاثٍ إنْ كَانَ لَهَا وَتُصْرَفُ حَالَاتُهُ إلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا , بَعْدَ الْغِبْطَةِ [ بِهَا ] . وَذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ : لِي مَسْمُوعٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ فِيهِ : وَقِيلَ : إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَفِي مَعْنَى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } نُسِخَتْ بِآيَةِ الْحُدُودِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى امْرَأَةٍ , حَبْسٌ يُمْنَعُ [ بِهِ ] حَقُّ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَكَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ : نَسْخَ الْحَبْسِ عَلَى مَنْعِ حَقِّهَا إذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَكَانَ فِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ إبَاحَةُ أَكْلِهِ إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ . [ قَدْ ] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي [ كَتَبْنَا ] قَبْلَهَا . فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا : لِتُعْطِيهِ فِدْيَةً مِنْهُ , وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } . فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الرَّجُلَ : حَتَّى تَخَافَ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ أَوْ أَكْثَرِهِ إلَيْهِ . وَيَكُونُ الزَّوْجُ غَيْرَ مَانِعٍ لَهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا : حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَا مَعًا مُقِيمِينَ حُدُودَ اللَّهِ . وَقِيلَ : وَ [ هَكَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ . ] } إذَا حَلَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ [ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَرْأَةِ ] , وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ حَالٍ : [ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا . وَإِذَا حَلَّ لَهُ ] وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ , ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ , فَتَخَافُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إذَا مَنَعَتْهُ حَقًّا فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ : الْمَانِعَةُ لِبَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ , الْمُفْتَدِيَةُ : تَحَرُّجًا مِنْ أَنْ لَا تُؤَدِّيَ حَقَّهُ , أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا : حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ .
| |
| | | | أحكام القرآن للشافعي | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |