|
| أحكام القرآن للشافعي2 | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: أحكام القرآن للشافعي2 الجمعة أكتوبر 15, 2010 10:09 am | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْخُلْعِ وَالطَّلاقِ وَالرَّجْعَة
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَاصِمِيِّ :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِمِصْرَ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا , يَقُولُ : قَرَأَ عَلَيَّ يُونُسُ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّجُلِ : يَحْلِفُ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ , قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا قَالَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ذَكَر الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ . وَقَرَأَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } قَالَ الشَّيْخُ : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ ( أَيْضًا ) : بِهَذِهِ الْآيَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قَالَ : وَقُرِئَتْ : ( لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ) , وَهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَى وَرُوِيَ [ ذَلِكَ ] عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الْمَرْأَةِ : الْمَدْخُولِ بِهَا , الَّتِي تَحِيضُ أَنْ يُطَلِّقَهَا : طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , فِي الطُّهْرِ الَّذِي خَرَجَتْ [ إلَيْهِ ] مِنْ حَيْضَةٍ , أَوْ نِفَاسٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ . وَنَهَى عَنْ الضَّرَرِ . وَطَلَاقُ الْحَائِضِ : ضَرَرٌ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا : لَا زَوْجَةٌ , وَلَا فِي أَيَّامِ تَعْتَدُّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ : وَهِيَ تَحِيضُ . بَعْد جِمَاعٍ لَمْ تَدْرِ , وَلَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا : الْحَمْلُ , أَوْ الْحَيْضُ ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ ; لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتُقْصَرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّلَاقِ إذَا طَلَبَتْهُ .
( نا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : ذَكَر اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الطَّلَاقُ , فِي كِتَابِهِ , بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ : الطَّلَاقِ , وَالْفِرَاقِ , وَالسَّرَاحِ . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلُهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } , وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَزْوَاجِهِ : { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } . زَادَ أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَمَنْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ , فَأَفْرَدَ لَهَا اسْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ : لَزِمَهُ الطَّلَاقُ , وَلَمْ يُنَوَّ فِي الْحُكْمِ , وَنَوَّيْنَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( فِي آخَرِينَ ) , قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : ثَنَا مَالِكٌ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ , ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا : كَانَ ذَلِكَ لَهُ , وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَد رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا , ثُمَّ أَمْهَلَهَا ; حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا : ارْتَجَعَهَا ; ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا آوِيكَ إلَيَّ , وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ , أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : قَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ : كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ , وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ . فَلَمَّا وَضَعَ [ اللَّهُ ] عَنْهُ : سَقَطَتْ [ عَنْهُ ] أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ كُلِّهِ ; لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ : سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ , وَمَا يَكُونُ حُكْمَهُ : بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ [ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } يُقَالُ : إصْلَاحُ الطَّلَاقِ : بِالرَّجْعَةِ ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ , فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ : فَرَاجَعُوهُنَّ بِمَعْرُوفِ , [ أَوْ ] وَدَعَوْهُنَّ تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا : لِيَعْتَدُوا ; فَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ : ضِرَارًا زَادَ عَلَى هَذَا , فِي مَوْضِعِ آخَرَ هُوَ عِنْدِي بِالْإِجَازَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . [ وَالْعَرَبُ ] تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْته , وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ . فَقَوْلُهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذَا قَارَبْنَ [ بُلُوغَ ] أَجَلِهِنَّ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ , إلَّا : مَنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ . وَقَوْلُهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ; هَذَا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ . وَهَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ , وَالْآتِيَانِ يَدُلَّانِ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بَيِّنًا ; وَالْكَلَامُ فِيهِمَا مِثْلُ قَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا , فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ : يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا . [ قَالَ ] : فَلَا تَحِلُّ لَهُ : حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ; لِقَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالَ : فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ; [ وَ ] دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ : فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا , بِزَوْجٍ : صَحِيحِ النِّكَاحِ فَأَصَابَهَا , ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا : حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ : ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } . وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ ; فَأَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ ; لِأَنَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ . وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } إصْلَاحَ مَا أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامُ إلَى أَنْ قَالَ : فَأُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا , وَغَيْرِهِ مِنْ حُدُودِهِ . قَالَ الشَّيْخُ : قَوْلُهُ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } ; إنْ أَرَادَ [ بِهِ ] : الزَّوْجَ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِقَامَةُ الرَّجْعَةِ , مِثْلُ : أَنْ يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَكُونُ الْحُجَّةُ فِي رُجُوعِهَا إلَى الْأَوَّلِ : بِنِكَاحٍ مُبْتَدَإٍ تَعْلِيقَهُ التَّحْرِيمَ بِغَايَتِهِ . وَإِنْ أَرَادَ بِهِ : الزَّوْجَ الْأَوَّلَ ; فَالْمُرَادُ بِالتَّرَاجُعِ : النِّكَاحُ الَّذِي يَكُونُ بِتَرَاجُعِهِمَا وَبِرِضَاهُمَا جَمِيعًا , بَعْدَ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فَقَالَ الْأَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . عِنْدَنَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ : وُقِفَ الْمُولِي ; فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ , وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ . [ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ . عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ : انْقِضَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ] قَالَ : وَالظَّاهِرُ فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَنْظَرَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ . لِأَنَّهُ [ إنَّمَا ] جَعَلَ عَلَيْهِ : الْفَيْئَةَ أَوْ الطَّلَاقَ وَالْفَيْئَةُ : الْجِمَاعُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ . وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ; فَلَا يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ : وَقَدْ ذُكِرَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ لَهُ : افْدِهِ , أَوْ نَبِيعَهُ عَلَيْكَ بِلَا فَصْلٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ , وَبَيَانُ الِاعْتِبَارِ بِالْعَزْمِ . قَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَكَيْفَ يَكُونُ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَفِيءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ , فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , لَزِمَهُ الطَّلَاقُ : وَهُوَ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَتُرَى هَذَا قَوْلًا يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ [ لِأَحَدٍ ] ؟ , . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ لِي مَسْمُوعٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ : وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثَهُ مِنْ جِمَاعٍ , أَوْ فِي فَيْءٍ بِلِسَانٍ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ . وَأَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ هُوَ مُضِيّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا : شَيْءٌ يُحْدِثُهُ هُوَ بِلِسَانِ , وَلَا فِعْلٍ ؟ أَرَأَيْتَ الْإِيلَاءَ : طَلَاقٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا . قُلْنَا أَفَرَأَيْتَ كَلَامًا قَطُّ : لَيْسَ بِطَلَاقٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ فَجَعَلَتْهُ طَلَاقًا ؟ , وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ نَقَلْتُهُ إلَى ( الْمَبْسُوطِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } الْآيَة .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى : [ مِنْ ] أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ( كَانُوا ) يُطَلِّقُونَ بِثَلَاثٍ : الظِّهَارِ , وَالْإِيلَاءِ , وَالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الطَّلَاقَ : طَلَاقًا ; وَحَكَمَ فِي الْإِيلَاءِ بِأَنَّ أَمْهَلَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ : أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ , وَ [ أَنْ ] لَا يَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَفِظْتُ مِمَّا سَمِعْتُ فِي : { يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } . أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ حَرَّمَ [ مَسَّ ] امْرَأَتِهِ بِالظِّهَارِ ; فَإِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ , لَمْ يُحْرِمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ , وَلَا بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ أَنْ تَحْرُمَ [ عَلَيْهِ ] بِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ . كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ , فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ . قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مَعْنَى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا , وَلَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ : وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بِتَظَاهُرٍ آخَرَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالُ مَا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْآيَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَقْتٌ لِأَنَّ يُؤَدِّيَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ ; [ فِيهَا قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُمَاسَّةُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ ] فَذَهَبَ الْوَقْتُ : لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ , [ وَلَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِيهَا ] . . وَجَعَلَهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ; قَالَ : لَا [ يُجْزِيهِ ] تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ فِي الْقَتْلِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } . وَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ [ إذَا كَانَتْ ] كَفَّارَةً , كَالدَّلِيلِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى أَنْ لَا تُجْزِيَ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ , إلَّا مُؤْمِنَةٌ . كَمَا شَرَطَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ , فِي مَوْضِعَيْنِ , وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ . فَلَمَّا كَانَتْ شَهَادَةً كُلُّهَا : اكْتَفَيْنَا بِشَرْطِ اللَّهِ فِيمَا شَرَطَ فِيهِ ; وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَطْلَقَ مِنْ الشَّهَادَاتِ ; ( إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا شَرَطَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةُ . قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا : [ فِي ] أَنَّ ذَلِكَ إذَا طَلَبَتْ الْمَقْذُوفَةُ الْحَدَّ , وَلَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْحَدِّ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ } إلَى آخِرِهَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ قَذْفِ الْمَرْأَةِ ( يَعْنِي : بِاللِّعَانِ ) . كَمَا أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ : بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا , بِمَا قَذَفَهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَكَانَتْ فِي ذَلِكَ , دَلَالَةُ أَنْ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَ حَتَّى تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ حَدّهَا . وَقَاسَهَا ( أَيْضًا ) عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ . قَالَ : وَلِمَا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) اللِّعَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ مُطْلَقًا : كَانَ اللِّعَانُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ : جَازَ طَلَاقُهُ , وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ : وَعَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ : لَزِمَهَا الْفَرْضُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قَالَ : لَا أَلْتَعِنُ , وَطَلَبَتْ أَنْ يُحَدَّ لَهَا : حُدَّ . قَالَ : وَمَتَى الْتَعَنَ الزَّوْجُ : فَعَلَيْهَا أَنْ تَلْتَعِنَ فَإِنْ أَبَتْ : حُدَّتْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } الْآيَةُ وَالْعَذَابُ : الْحَدُّ .
( وَأَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلِمَا حَكَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ , شُهُودَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ حَدَاثَتِهِ , وَحَكَاهُ ابْنُ عُمَرَ : اسْتَدْلَلْنَا : [ عَلَى ] أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ طَائِفَةٍ : مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ اللَّهِ يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهَا أَرْبَعَة لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْهُمْ وَهَذَا : يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الزَّانِيَيْنِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَك } : الطَّائِفَةُ : ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ : لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِهِمْ : حُصُولُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ إقَامَةً : ثَلَاثَةٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا . وَذَكَرَ جِهَةَ اسْتِحْبَابِهِ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فِي الْحُدُودِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ , فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 10:03 pm | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْعِدّةِ وَفِي الرِّضاعِ وَفِي النَّفَقَاتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( قَرَأْتَ عَلَيْهِ ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } . قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) : الْأَقْرَاءُ : الْأَطْهَارُ ; [ فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ; فَقَدْ حَلَّتْ ] وَقَالَ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْلِهَا , زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . الْأَقْرَاءُ : الْحَيْضُ ; فَلَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ : حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حُجَّةَ الْقَوْلَيْنِ , وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ , وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ : { بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ : حَائِضًا أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَجْعَتِهَا وَحَبْسِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا : طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] : قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ; فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعِدَّةَ : الطُّهْرُ , دُونَ الْحَيْضِ وَاحْتَجَّ : بِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : ( ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) , وَلَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ : لِأَنَّ الْغُسْلَ رَابِعٌ . وَاحْتَجَّ : بِأَنَّ الْحَيْضَ , هُوَ أَنْ يُرْخِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ حَتَّى يَظْهَرَ وَالطُّهْرُ هُوَ أَنْ يَقْرِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ , فَلَا يَظْهَرُ . فَالْقُرْءُ : الْحَبْسُ لَا : الْإِرْسَالُ . فَالطُّهْرُ : إذَا كَانَ يَكُونَ وَقْتًا . أَوْلَى فِي اللِّسَانِ , بِمَعْنَى الْقُرْءِ ; لِأَنَّهُ : حَبْسُ الدَّمِ , وَأَطَالَ الْكَلَامُ فِي شَرْحِهِ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ بِالتَّنْزِيلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلَّقَةِ : أَنْ تَكْتُمَ مَا فِي رَحِمِهَا مِنْ الْمَحِيضِ , فَقَدْ يَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ خَوْفِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتُهَا رَأَى فِي نِكَاحِهَا أَوْ يَكُونُ طَلَاقُهُ إيَّاهَا : أَدَبًا [ لَهَا ] . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ : الْحَمْلَ مَعَ الْمَحِيضِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ مِمَّا خَلْقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ أَحَامِلٌ هِيَ ؟ أَوْ هَلْ حَاضَتْ ؟ : فَهِيَ عِنْدِي , لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَكْتُمَهُ وَلَا أَحَدًا رَأَتْ أَنْ يُعْلِمَهُ . [ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهَا وَلَا أَحَدٌ يُعْلِمُهُ إيَّاهُ ] فَأَحَبُّ إلَيَّ : لَوْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَلَوْ كَتَمَتْهُ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ , [ الْحَمْلَ وَالْأَقْرَاءَ ] حَتَّى خَلَتْ عِدَّتُهَا : كَانَتْ عِنْدِي , آثِمَةً بِالْكِتْمَانِ [ إذَا سُئِلَتْ وَكَتَمَتْ ] وَخِفْتُ عَلَيْهَا الْإِثْمَ إذَا كَتَمَتْ وَإِنْ لَمْ تُسْأَلْ . وَلَمْ يَكُنْ [ لَهُ . ] عَلَيْهَا رَجْعَةٌ : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا جَعَلَهَا لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ ( الْمَبْسُوطِ ) وَ ( الْمَعْرِفَةِ ) .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ الْعِدَدِ { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } ; فَلَمْ يَعْلَمُوا مَا عِدَّةُ الْمَرْأَةِ [ الَّتِي ] لَا قُرْءَ لَهَا ؟ وَهِيَ : الَّتِي لَا تَحِيضُ , وَالْحَامِلُ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنَّ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } ; فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُؤَيَّسَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ : [ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ . ] وَقَوْلُهُ { إنْ ارْتَبْتُمْ } فَلَمْ تَدْرُوا مَا تَعْتَدُّ غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ؟ وَقَالَ : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) يُشْبِهُ مَا قَالُوا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ , وَأَنَّ الْمَسِيسَ [ هُوَ ] الْإِصَابَةُ [ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا ] . وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ , ثُمَّ قَالَ : فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ , وَتَكُونُ الْوَفَاةُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ , وَأَنَّ الْمَسِيسَ [ هُوَ ] الْإِصَابَةُ [ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا ] . وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ , ثُمَّ قَالَ : فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ , وَتَكُونُ الْوَفَاةُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ . أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ , وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ . وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَذْهَبُ : إلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ , وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَرْأَةِ مَحْدُودَةٌ بِمَتَاعِ سَنَةٍ وَذَلِكَ : نَفَقَتُهَا , وَكِسْوَتُهَا , وَسَكَنُهَا . وَأَنْ قَدْ حُظِرَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا إخْرَاجُهَا , وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ قَالَ : وَكَانَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ وَالسُّكْنَى ; مَنْسُوخَةٌ يَعْنِي بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَ [ بَيِّنٌ ] : أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَثْبَت عَلَيْهَا عِدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ; لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا , وَلَا النِّكَاحُ قَبْلَهَا . إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ; فَيَكُونُ أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا : [ بَعُدَ أَوْ قَرُبَ . وَيَسْقُطُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا عِدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ . ] وَلَهُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَوْلٌ آخَرُ : أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسْكِنُوهَا , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ مَلَكُوا الْمَالَ دُونَهُ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ , وَرَوَاهُ [ الشَّافِعِيُّ عَنْ ] الشَّعْبِيِّ [ عَنْ عَلِيٍّ ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُطَلَّقَاتِ : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْفَاحِشَةُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا , فَيَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُخَافُ الشِّقَاقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ فَإِذَا فَعَلَتْ : حَلَّ لَهُمْ إخْرَاجُهَا , وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوهَا مَنْزِلًا غَيْرَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْأُمَّ وَالْأُخْتَ : مِنْ الرَّضَاعَةِ , وَاحْتَمَلَ تَحْرِيمُهُمَا مَعْنَيَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ , فَأَقَامَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ , مُقَامَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ . أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ كُلُّهَا , تَقُومُ مُقَامَ النَّسَبِ : فَمَا حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرَّضَاعَةِ مِثْلُهُ وَبِهَذَا نَقُولُ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقُرْآنِ . ( وَالْآخَرُ ) أَنْ يَحْرُمَ مِنْ الرَّضَاعِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ , وَلَا يَحْرُمَ سِوَاهُمَا . ثُمَّ ذَكَرَ دَلَالَةَ السُّنَّةِ , لِمَا اخْتَارَ مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ , يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ , وَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى كَمَالِ إرْضَاعِ الْحَوْلَيْنِ وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ رَضَاعٍ : وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ : رَضَاعٍ . وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : آيَةَ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ , وَآيَةَ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي وُقُوعِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ . وَاحْتَجَّ فِي الْحَوْلَيْنِ بِقَوْلِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَجَعَلَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) تَمَامَ الرَّضَاعَةِ : حَوْلَيْنِ [ كَامِلَيْنِ ] وَقَالَ : { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ إرْخَاصُهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : فِي فِصَالِ الْمَوْلُودِ عَنْ تَرَاضِيَ وَالِدَيْهِ وَتَشَاوُرِهِمَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ . عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فِصَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ . وَذَلِكَ لَا يَكُونُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ مِنْ وَالِدَيْهِ أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ : فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ خَيْرًا مِنْ إتْمَامِ الرَّضَاعِ لَهُ لِعِلَّةِ تَكُونُ بِهِ , أَوْ بِمُرْضِعِهِ : وَإِنَّهُ لَا يَقْبَل رَضَاعَ غَيْرَهَا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا . وَمَا جَعَلَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) لَهُ , غَايَةً فَالْحُكْمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ , فِيهِ : غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ : غَيْرَ حُكْمِهِنَّ فِيهَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } ; فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ , وَكَانَ فِي شَرْطِ الْقَصْرِ لَهُمْ بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ : غَيْرَ الْقَصْرِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( قِرَاءَةً عَلَيْهِ ) : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } قَالَ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } يَدُلُّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ , نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ . وَقَوْلُهُ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) ; أَيْ : لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُوا , إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ : وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ ( صَاحِبُ ثَعْلَبٍ ) فِي كِتَابِ : ( يَاقُوتَةِ الصِّرَاطِ ) ; فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) أَيْ أَنْ لَا تَجُورُوا , وَ ( تَعُولُوا ) : تَكْثُرُ عِيَالَكُمْ . وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( قِرَاءَةً عَلَيْهِ ) : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } قَالَ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } يَدُلُّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ , نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ . وَقَوْلُهُ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) ; أَيْ : لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُوا , إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ : وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ ( صَاحِبُ ثَعْلَبٍ ) فِي كِتَابِ : ( يَاقُوتَةِ الصِّرَاطِ ) ; فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) أَيْ أَنْ لَا تَجُورُوا , وَ ( تَعُولُوا ) : تَكْثُرُ عِيَالَكُمْ . وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَائْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفِ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَفِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَاتِ جَائِزَةٌ : عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ . إذْ قَالَ اللَّهُ : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } , وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا مِنْ صَبِيٍّ , وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا مِنْ امْرَأَةٍ , وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ . فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى هَذَا : لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ : مِنْ هَذَا وَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ : قِيَاسًا عَلَى هَذَا , وَتَجُوزُ فِي غَيْرِهِ : مِمَّا يَعْرِفُ النَّاسُ , قِيَاسًا عَلَى هَذَا قَالَ : وَبَيَانُ : أَنَّ عَلَى الْوَالِدِ : نَفَقَةَ الْوَلَدِ ; دُونَ أُمِّهِ مُتَزَوِّجَةً , أَوْ مُطَلَّقَةً . وَفِي هَذَا , دَلَالَةٌ : [ عَلَى ] أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ , وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ , دُونَهَا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } مِنْ أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لَا أَنَّ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي ( الْإِمْلَاءِ ) :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ رَضَاعُ وَلَدِهَا : كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا , أَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا إنْ شَاءَتْ وَسَوَاءٌ : كَانَتْ شَرِيفَةً , أَوْ دَنِيَّةً , أَوْ مُوسِرَةً , أَوْ مُعْسِرَةً . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } . وَزَادَ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَقَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الْإِجَارَةَ فِي كِتَابِهِ , وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } الْآيَةُ . فَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : أَنَّ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَجَرَ نَفْسَهُ : حِجَجًا مُسَمَّاةً , يَمْلِكُ بِهَا بُضْعَ امْرَأَةٍ . فَدَلَّ عَلَى تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ , وَعَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِهَا عَلَى الْحِجَجِ إذَا كَانَ عَلَى الْحِجَجِ اسْتَأْجَرَهُ . [ وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِ حِجَجٍ فَهُوَ تَجْوِيزُ الْإِجَارَةِ بِكُلِّ حَالٍ ] وَقَدْ قِيلَ : اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 10:05 pm | |
| قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } الْآيَةُ وَقَالَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } , وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا : خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ , وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ ذَلِكَ : مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ : دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } الْآيَةُ وَقَالَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } , وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا : خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ , وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ ذَلِكَ : مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ : دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ , وَبَلَغَنِي عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِ . أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : تُبَايِنُ فِي الْفَضْلِ , وَيَكُونُ بَيْنَهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ . وَكَانَ بَعْضُهَا يَعْرِفُ لِبَعْضٍ الْفَضْلَ فِي الدِّيَاتِ حَتَّى تَكُونُ دِيَةُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ أَضْعَافَ دِيَةِ الرَّجُلِ دُونَهُ فَأَخَذَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ بَيْنِ أَظْهُرِهَا مِنْ غَيْرِهَا . بِأَقْصَدَ مِمَّا كَانَتْ تَأْخُذُ بِهِ ; فَكَانَتْ دِيَةُ النَّضِيرِيِّ : ضِعْفُ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ . وَكَانَ الشَّرِيفُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا قُتِلَ يُجَاوَزُ قَاتِلُهُ إلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي قَتَلَهُ أَحَدُهَا وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِعَدَدٍ يَقْتُلُونَهُمْ . فَقَتَلَ بَعْضُ غَنِيٍّ شَأْسُ بْنَ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيَّ فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُ زُهَيْرُ بْنُ جَذِيمَةَ ; فَقَالُوا لَهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ نُدِبَ عَنْهُمْ : سَلْ فِي قَتْلِ شأس ; فَقَالَ إحْدَى ثَلَاثٍ لَا يُرْضِينِي غَيْرُهَا ; فَقَالُوا مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : تُحْيُونَ لِي شَأْسًا , أَوْ تَمْلَئُونَ رِدَائِي مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ , أَوْ تَدْفَعُونَ لِي غَنِيًّا بِأَسْرِهَا فَأَقْتُلُهَا , ثُمَّ لَا أَرَى أَنِّي أَخَذْتُ [ مِنْهُ ] عِوَضًا . وَقُتِلَ كُلَيْبُ وَائِلٍ فَاقْتَتَلُوا دَهْرًا طَوِيلًا , وَاعْتَزَلَهُمْ بَعْضُهُمْ فَأَصَابُوا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ : بُجَيْرٌ . فَأَتَاهُمْ , فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُمْ عُزْلَتِي , فَبُجَيْرٌ بِكُلَيْبٍ وَهُوَ أَعَزُّ الْعَرَبِ [ وَكُفُّوا عَنْ الْحَرْبِ ] . فَقَالُوا : بُجَيْرٌ بِشِسْعِ [ نَعْلِ ] كُلَيْبٍ , فَقَاتَلَهُمْ : وَكَانَ مُعْتَزِلًا قَالَ : وَقَالَ إنَّهُ نَزَلَ فِي ذَلِكَ [ وَغَيْرِهِ ] مِمَّا كَانُوا يَحْكُمُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي أَحْكِيهِ [ كُلَّهُ ] بَعْدَ هَذَا , وَحُكْمُ اللَّهُ بِالْعَدْلِ فَسَوَّى فِي الْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ : الشَّرِيفِ مِنْهُمْ , وَالْوَضِيعِ : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . فَقَالَ إنَّ الْإِسْلَامَ نَزَلَ : وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَطْلُبُ بَعْضًا بِدِمَاءٍ وَجِرَاحٍ ; فَنَزَلَ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } الْآيَةُ . قَالَ : وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ : اقْتَتَلُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ , وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ : فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ : لَيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ , وَبِالْعَبْدِ مِنْهُمْ الْحُرَّ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَضُوا وَسَلَّمُوا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا مِنْ هَذَا , بِمَا قَالُوا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَلْزَمَ كُلَّ مُذْنِبٍ ذَنْبَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ جُرْمَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ : فَقَالَ : ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) إذَا كَانَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) قَاتِلًا لَهُ ; ( وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) إذَا كَانَ قَاتِلًا لَهُ ; ( وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً لَهَا . لَا أَنْ يُقْتَلَ بِأَحَدٍ مِمَّنْ [ لَمْ ] يَقْتُلْهُ لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ . } وَمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا : فِي أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ . دَلِيلُ أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [ غَيْرَ ] خَاصَّةٍ كَمَا قَالَ مَنْ وَصَفْتُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ , لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } . فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ عَلَى الْبَالِغِينَ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ : لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ إذَا قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ . بِابْتِدَاءِ الْآيَةِ , وَقَوْلُهُ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } , وَقَطَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ : وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى مِثْلِ ظَاهِرِ الْآيَةِ . [
قَالَ الشَّافِعِيُّ ] : قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةُ . [ قَالَ وَلَا يَجُوزُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي حُكْمِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ ] أَنْ كَانَ حُكْمًا بَيِّنًا . إلَّا مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ : كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةِ الْقَتْلِ : فَعَلَى مَنْ قَتَلَهَا الْقَوَدُ . فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ , وَالْمُسْتَأْمَنِ , وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ : مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ; [ وَالرَّجُلِ بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ مُسْلِمًا كَانَ , أَوْ كَافِرًا ] , وَالرَّجُلُ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ . أَوْ يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) مِمَّنْ دَمُهُ مُكَافِئٌ دَمَ مَنْ قَتَلَهُ , وَكُلُّ نَفْسٍ : كَانَتْ تُقَادُ بِنَفْسٍ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ , أَوْ سُنَّةٍ , أَوْ إجْمَاعٍ . كَمَا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) : إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً خَاصَّةً لَا أَنْ ذَكَرًا [ لَا ] يُقْتَلُ بِأُنْثَى . وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ بِهِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلَائِلَ مِنْهَا : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } ; وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ الْمَرْءُ بِابْنِهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ : بِعَبْدِهِ , وَلَا بِمُسْتَأْمَنٍ : مِنْ أَهْلِ [ دَارِ ] الْحَرْبِ ; وَلَا بِامْرَأَةٍ : مِنْ أَهْل [ دَارِ الْحَرْبِ ] ; وَلَا صَبِيٍّ . قَالَ : وَكَذَلِكَ : وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ بِحَالٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ; قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى , عَنْ بُكَيْر بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ; قَالَ [ مُعَاذٌ ] : قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ نَفَرٍ حَفِظَ مُعَاذٌ مِنْهُمْ : مُجَاهِدًا , وَالْحَسَنَ , وَالضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ . فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ : قَالَ : كَانَ كُتِبَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ , حَقَّ أَنْ يُقَادَ بِهَا , وَلَا يُعْفَى عَنْهُ , وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَفُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يُقْتَلُ وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) إنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ , وَإِنْ شَاءَ عَفَى . فَذَلِكَ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } يَقُولُ : الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ , وَلَا يُقْتَلُ ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يَقُولُ : فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ : فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } . يَقُولُ : لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ , حَيَاةٌ يَنْتَهِي بِهَا بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ , أَنْ يُصِيبَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ . ( وَأَخْبَرَنَا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبُو زَكَرِيَّا ; قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ : كَانَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ ; فَقَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ; فَإِنَّ الْعَفْوَ أَنْ يُقْبَلَ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ ; { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ ; { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا , كَمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَكَذَلِكَ : قَالَ مُقَاتِلٌ وَتَقَصِّي مُقَاتِلٍ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَقَصِّي ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالتَّنْزِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ مُقَاتِلٌ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ ) , ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } . لَمْ يَجُزْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يُقَالَ إنْ عُفِيَ إنْ صُولِحَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ . لِأَنَّ الْعَفْوَ : تَرْكُ حَقٍّ بِلَا عِوَضٍ ; فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ عُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ ; فَإِذَا عُفِيَ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ , وَصَارَ لِعَافِي الْقَتْلِ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُوَ : دِيَةُ قَتِيلِهِ فَيَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ , وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ . وَإِنْ كَانَ إذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ , لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي أَنْ يَتْبَعَهُ , وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ : شَيْءٌ يُؤَدِّيه بِإِحْسَانٍ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مَعَ بَيَانِ الْقُرْآنِ : [ فِي ] مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ . فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) قَالَ : { مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا , فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا : قَتَلُوهُ , وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } , وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ : مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِيرَاثًا مِنْهُ .
( وَفِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) مَا فَرَضَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ , قَالَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } . قَالَ : وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ , كَمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : [ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ ] بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ . وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي النَّفْسِ , وَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ بِلَا تَلَفٍ يَخَافُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَوَدِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } . فَأَحْكَامَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي تَنْزِيلِ كِتَابِهِ : [ أَنَّ ] عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ , دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِهِ . وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : كَمْ الدِّيَةُ ؟ وَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; عَنْ عَدَدٍ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَضَى فِي دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَ هَذَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ , وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ [ وَبِهِ نَأْخُذُ ; فَفِي الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ فِي الدِّيَةِ إنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ . قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) { أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ : اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ : { وَمَا نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } } . قَالَ الشَّيْخُ : حَدِيثُ عِكْرِمَةَ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ : مَرَّةً مُرْسَلًا , وَمَرَّةً مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ . وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَمَرَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْمُعَاهَدِ : يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ; مَعَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى قَاتِلِ الْكَافِرِ , [ إلَّا ] بِدِيَةٍ , وَلَا أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا , إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ . وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ( رضي الله عنهما ) فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ , وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ ( رضي الله عنه ) فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَذَلِكَ : ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : تَقُومُ الدِّيَةُ : اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِي دِيَاتِهِمْ بِأَقَلِّ مِنْ هَذَا . وَقَدْ قِيلَ إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا . فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَنَاقَضَهُمْ : بِالْمُؤْمِنَةِ الْحُرَّةِ , وَالْجَنِينِ , وَبِالْعَبْدِ : وَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمِ يَجِبُ فِي قَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ , وَلَمْ يُسَوَّ بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } إلَى قَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَوْلُهُ مِنْ قَوْمٍ ] يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَفِي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عَنْ التَّأْوِيلِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إذْ حَكَمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى , فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ , وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ , فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ , وَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : ( مِنْ قَوْمٍ ) يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا , دَارُهُمْ : دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ , وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إذَا بَلَغَتْ النَّاسَ الدَّعْوَةُ , أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ غَارِّينَ كَانَ فِي ذَلِكَ , دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يُبِيحَ الْغَارَةَ عَلَى دَارٍ : وَفِيهَا مَنْ لَهُ إنْ قُتِلَ عَقْلٌ , أَوْ قَوَدٌ . وَكَانَ هَذَا : حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا . وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ : كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ ; وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ ; وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لَنَا . وَكَذَلِكَ : كَانُوا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ; وَقَبَائِلُهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ , ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ : تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ , وَلَا عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ : وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : وَكُلُّ قَاتِلِ عَمْدٍ عُفِيَ عَنْهُ , وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فَعَلَيْهِ : الْكَفَّارَةُ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إذْ جَعَلَهَا فِي الْخَطَإِ : الَّذِي وُضِعَ فِي الْإِثْمُ ; كَانَ الْعَمْدُ أَوْلَى . وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ : كِتَابُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : حَيْثُ قَالَ فِي الظِّهَارِ : { مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } , وَجَعَلَ فِيهِ كَفَّارَةً . وَمِنْ قَوْلِهِ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } ; ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ , وَذَكَرَهَا ( أَيْضًا ) فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ دُونَ الْعَفْوِ , وَأَخْذِ الدِّيَةِ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:25 pm | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ , وَالْمُرْتَدِّ
( وَفِيمَا أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) : أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنُهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } الْآيَةُ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى [ اقْتِتَالَ ] الطَّائِفَتَيْنِ , وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ : الْجَمَاعَتَانِ : كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ , وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : الْمُؤْمِنِينَ , وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا , وَأَرَادُوا الْقِتَالَ . أَنْ لَا يُقَاتِلُوا , حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الصُّلْحِ . قَالَ : وَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِقِتَالِ [ الْفِئَةِ ] الْبَاغِيَةِ : وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ : الْإِيمَانِ حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِذَا فَاءَتْ , لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَذِنَ فِي قِتَالِهَا فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ . وَالْفَيْءُ : الرَّجْعَةُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ , [ أَ ] و التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا . وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بِهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ . وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَى طَاعَتِهِ , وَالْكَفُّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ يُعَيِّرُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ : انْهَزَمُوا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ , فِي وَقْعَةٍ , فَقُتِلَ لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا يَوْمَ الْأُمَيْلِحِ لَا غَابُوا وَلَا جَرَحُوا عَقُّوا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ أَحَدٌ ثُمَّ اسْتَفَاءُوا فَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَرَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ ) , وَلَمْ يَذْكُرْ تَبَاعَةً فِي دَمٍ , وَلَا مَالٍ . وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الصُّلْحُ آخِرًا , كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا : قَبْل الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ . فَأَشْبَهَ هَذَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تَكُونَ التَّبَاعَاتُ فِي الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وَمَا فَاتَ . مِنْ الْأَمْوَالِ . سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ . وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قَدْ فَعَلُوا مَا فِيهِ حُكْمٌ . فَيُعْطَى بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ , مَا وَجَبَ لَهُ . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( بِالْعَدْلِ ) , وَالْعَدْلُ أَخْذُ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ [ مِنْ بَعْضٍ ] ثُمَّ اخْتَارَ الْأَوَّلَ , وَذَكَرَ حُجَّتَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لِرَسُولِ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } إلَى قَوْلِهِ { فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ } . فَبَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : مِنْ الْقَتْلِ . ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ : الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ; فَقَالَ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } بَعْدَ الْإِيمَانِ , كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عَنْهُ أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ ; وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ : وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ } ; فَأَخْبَرَ : بِكُفْرِهِمْ , وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ , وَكَذِبِ سَرَائِرِهِمْ بِجَحْدِهِمْ . وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ , وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ ; إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ : وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ . قَالَ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } . فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ , وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ , وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ , وَحَكَمَ فِيهِمْ [ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] فِي الدُّنْيَا أَنَّ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا [ بِهِ ] كَاذِبِينَ . لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ : وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ , الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ . وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي كِتَابِهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ : { قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } فَأَعْلَمَ أَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ , وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ , وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ : ( أَسْلَمْنَا ) أَسْلَمْنَا : مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا يَظْهَرُ ; بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَخْفُونَ : الشِّرْكَ وَالتَّعْطِيلَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ } . وَقَالَ فِي قوله تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } . [ فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ ] فَإِنَّ صَلَاتَهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صلى الله عليه وسلم مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ , وَأَرْجُو : أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ , وَقَضَى : أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمُقِيمٍ عَلَى شِرْكٍ . فَنَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَا يَغْفِرَ لَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا , وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا أَحَدًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ : [ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } مَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } . فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ , فَأُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ , وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ قَدْ أُكْرِهَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكُفْرِ , فَقَالَهُ ; ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , فَذَكَرَ لَهُ مَا عُذِّبَ بِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ , وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا عَلَى الْمُرْتَدِّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِخَلْقِهِ : أَنَّهُ تَوَلَّى الْحُكْمَ : فِيمَا أَثَابَهُمْ , وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهِ : عَلَى مَا عَلِمَ : مِنْ سَرَائِرِهِمْ : وَافَقَتْ سَرَائِرُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ , أَوْ خَالَفَتْهَا . فَإِنَّمَا جَزَاهُمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَحْبَطَ عَمَلَ [ كُلِّ ] مَنْ كَفَرَ بِهِ . ثُمَّ قَالَ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِيمَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } فَطَرَحَ عَنْهُمْ حُبُوطَ أَعْمَالِهِمْ , وَالْمَأْثَمَ بِالْكُفْرِ إذَا كَانُوا مُكْرَهِينَ ; وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ : بِالْإِيمَانٍ وَخِلَافِ الْكُفْرِ . وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ : حَتَّى يُؤْمِنُوا ; وَأَبَانَ ذَلِكَ [ جَلَّ وَعَزَّ : ] حَتَّى يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ . ثُمَّ أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقَيْنِ إذَا أَسَرُّوا الْكُفْرَ : نَارَ جَهَنَّمَ ; فَقَالَ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ } ; إلَى قوله تعالى : { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ الْقَتْلِ . فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ , وَلَمْ يُزِلْ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامَ الْإِيمَانِ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْهُ . وَأَوْجَبَ لَهُمْ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ ; بِعِلْمِهِ بِسَرَائِرِهِمْ , وَخِلَافِهَا : لِعَلَانِيَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ . وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ مَعَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ : [ مِنْ ] الْحُجَّةِ بِأَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ أَنَّ عِلْمَهُ بِالسَّرَائِرِ وَالْعَلَانِيَةِ , وَاحِدٌ . فَقَالَ : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ; مَعَ آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ . قَالَ : وَعَرَّفَ جَمِيعَ خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ : أَنْ لَا عِلْمَ لَهُمْ , لَا مَا عَلَّمَهُمْ . فَقَالَ : { وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وَقَالَ : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ } . ثُمَّ عَلَّمَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْعِلْمِ , وَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ , [ وَأَنْ إلَّا يَتَوَلَّوْا غَيْرَهُ إلَّا بِمَا عَلَّمَهُمْ ] . فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } الْآيَةُ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } . وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ : الَّتِي وَرَدَتْ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ , وَأَنَّهُ حَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عِلْمَ السَّاعَةِ . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَكَانَ مَنْ جَاوَزَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ , وَأَنْبِيَاءَهُ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ . أَقْصَرَ عِلْمًا , وَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَاطَوْا حُكْمًا عَلَى غَيْبِ أَحَدٍ : [ لَا ] بِدَلَالَةٍ , وَلَا ظَنٍّ . لِتَقْصِيرِ عِلْمِهِمْ عَنْ عِلْمِ أَنْبِيَائِهِ : الَّذِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُهُ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:26 pm | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْحُدُودِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا } . قَالَ : فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ عُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا ; ثُمَّ نُسِخَ هَذَا عَنْ الزُّنَاةِ كُلِّهِمْ : الْحُرِّ وَالْعَبْدِ , وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ . فَحَدَّ اللَّهُ الْبِكْرَيْنِ : الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ; فَقَالَ : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } . وَاحْتَجَّ : { بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } . قَالَ : كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا : الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ : جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ , وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ : جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ . } وَاحْتَجَّ فِي إثْبَاتِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ , وَنَسْخِ الْجَلْدِ عَنْهُ . بِحَدِيثِ عُمَرَ ( رضي الله عنه ) فِي الرَّجْمِ , وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ : { أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَهُ زَنَى بِامْرَأَةِ رَجُلٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ . فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا , وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا . فَاعْتَرَفَتْ : فَرَجَمَهَا . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ ابْنُهُ بِكْرًا , وَامْرَأَةُ الْآخَرِ : ثَيِّبًا . فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَدَّ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي الزِّنَا ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَ [ عُمَرُ ] مِنْ حَدِّ الثَّيِّبِ فِي الزِّنَا . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) : فَثَبَتَ جَلْدُ مِائَةٍ وَالنَّفْيُ عَلَى الْبِكْرَيْنِ الزَّانِيَيْنِ , وَالرَّجْمُ عَلَى الثَّيِّبَيْنِ الزَّانِيَيْنِ . فَإِنْ كَانَا مِمَّنْ أُرِيدَا بِالْجَلَدِ فَقَدْ نُسِخَ عَنْهُمَا الْجَلَدُ مَعَ الرَّجْمِ . وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أُرِيدَا بِالْجَلَدِ , وَأُرِيدَ بِهِ الْبِكْرَانِ فَهُمَا مُخَالِفَانِ لِلثَّيِّبَيْنِ , وَرَجْمُ الثَّيِّبَيْنِ بَعْدَ آيَةِ الْجَلْدِ : [ بِمَا ] رَوَى النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ , وَأَوْلَاهَا بِهِ عِنْدَنَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْمَمْلُوكَاتِ : { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } . قَالَ : وَالنِّصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَلْدِ الَّذِي يَتَبَعَّضُ فَأَمَّا الرَّجْمُ : الَّذِي هُوَ : قَتْلٌ فَلَا نِصْفَ لَهُ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَإِحْصَانُ الْأَمَةِ إسْلَامُهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا , اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ , وَإِجْمَاعِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : { إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ , فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا : فَلِيَجْلِدْهَا . } وَلَمْ يَقُلْ مُحْصَنَةً كَانَتْ , أَوْ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ . اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْإِمَاءِ : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) إذَا أَسْلَمْنَ لَا إذَا نُكِحْنَ فَأُصِبْنَ بِالنِّكَاحِ , وَلَا إذَا أُعْتِقْنَ وَ [ إنْ ] لَمْ يُصَبْنَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَجِمَاعُ الْإِحْصَانِ أَنْ يَكُونَ دُونَ الْمُحْصَنِ مَانِعٌ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ . وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ , وَكَذَلِكَ : الْحُرِّيَّةُ مَانِعَةٌ , وَكَذَلِكَ : الزَّوْجِيَّةُ , وَالْإِصَابَةُ مَانِعٌ , وَكَذَلِكَ : الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ مَانِعٌ , وَكُلُّ مَا مَنَعَ أَحْصَنَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ } ; وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ } ; أَيْ مَمْنُوعَةٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَآخِرُ الْكَلَامِ وَأَوَّلُهُ , يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَانِ الْمَذْكُورِ عَامٌّ فِي مَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ ; إذْ الْإِحْصَانُ هَهُنَا : الْإِسْلَامُ ; دُونَ : النِّكَاحِ , وَالْحُرِّيَّةِ , وَالتَّحَصُّنِ بِالْحَبْسِ وَالْعَفَافِ . وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ : الَّتِي يَجْمَعُهَا اسْمُ الْإِحْصَانِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةُ ( 24 4 ) الْمُحْصَنَاتُ هَهُنَا : الْبَوَالِغُ الْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ عَنْهُ , وَقَرَأْتُهُ فِي كِتَابِهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو بَكْرٍ , بِمِصْرَ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ النِّسَاءِ ; { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } , { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } عَفَائِفَ غَيْرَ خَبَائِثَ ; ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) قَالَ : فَإِذَا نُكِحْنَ ; { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ } غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } . وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ , وَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ . دُونَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ : إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ : قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا , وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ : قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا , وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا : قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ , وَإِذَا هَرَبُوا : طُلِبُوا حَتَّى يُوجَدُوا ; فَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ , وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ , وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا : نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَبِهَذَا نَقُولُ , وَهُوَ مُوَافِقٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . وَذَلِكَ : أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ ; فَأَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ فَلَا حُدُودَ لَهُمْ , إلَّا : الْقَتْلُ , وَالسَّبْيُ , وَالْجِزْيَةُ . وَاخْتِلَافُ حُدُودِهِمْ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } ; فَمَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ : سَقَطَ حَدُّ اللَّهِ [ عَنْهُ ] , وَأُخِذَ بِحُقُوقِ بَنِي آدَمَ . وَلَا يُقْطَعُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ , إلَّا : مَنْ أَخَذَ قِيمَةِ رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا . قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا , فَيُنْفَوْا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ . فَإِذَا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ أَيُّ هَذِهِ الْحُدُودِ كَانَ حَدَّهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ , عَفْوٌ : لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّهُمْ : بِالْقَتْلِ , أَوْ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ , أَوْ الْقَطْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَوْلِيَاءَ , كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْقِصَاصِ فِي الْآيَتَيْنِ فَقَالَ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } , وَقَالَ فِي الْخَطَإِ : { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } . وَذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى , ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فَذَكَرَ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ , وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الْمُحَارِبَةِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبَةِ , مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ ; قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حَتَّى جَاءَ إبْرَاهِيمُ ( صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ ) فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَاَلَّذِي سَمِعْتُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أَنْ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ , وَذَلِكَ فِي بَدَنِهِ , دُونَ مَالِهِ . فَإِنْ قَتَلَ , أَوْ كَانَ حَدًّا : لَمْ يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ , وَلَمْ يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . [ لِأَنَّ اللَّهَ ] جَزَى الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ , وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا . وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ : لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ , فِي مَالٍ , إلَّا : حَيْثُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ مِنْ الْحُرِّ عَلَى الْآدَمِيِّينَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا [ مَا ] سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هَذَا مِنْ ضِيَافَةٍ , وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَلَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْجِنَايَةِ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:32 pm | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي السِّيَرِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , [ قَالَ ] : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ : لِعِبَادَتِهِ ; ثُمَّ أَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ خِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ : أَنْبِيَاءَهُ ; فَقَالَ تَعَالَى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } ; فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ ) مِنْ أَصْفِيَائِهِ دُونَ عِبَادِهِ بِالْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ , وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ . ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ خَاصَّةِ صَفْوَتِهِ , فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } فَخَصَّ آدَمَ وَنُوحًا بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا . وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ ( عليه السلام ) , فَقَالَ : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } . وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ , فَقَالَ : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } . ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ , وَآلِ عِمْرَانَ فِي الْأُمَمِ ; فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . ثُمَّ اصْطَفَى مُحَمَّدًا ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ , وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ قَبْلَ إنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ , وَفَضِيلَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ ; فَقَالَ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ } الْآيَةَ : وَقَالَ لِأُمَّتِهِ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } الْآيَةَ فَفَضَّلَهُمْ بِكَيْنُونَتِهِمْ مِنْ أُمَّتِهِ , دُونَ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ . ثُمَّ أَخْبَرَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : [ أَنَّهُ ] جَعَلَهُ فَاتِحَ رَحْمَتِهِ , عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ ; فَقَالَ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَكَانَ فِي ذَلِكَ , مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى خَلْقِهِ : لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأُمِّيِّينَ : وَأَنَّهُ فَتَحَ [ بِهِ ] رَحْمَتَهُ . وَخَتَمَ [ بِهِ ] نُبُوَّتَهُ : قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } . وَقَضَى : أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ فَقَالَ { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } . مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ , وَالْفَرْضِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; ثُمَّ عَلَى النَّاسِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ; قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم : أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَرَائِضَهُ كَمَا شَاءَ : { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } ; ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا , فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ : فِي حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ . قَالَ : وَيُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ : مِنْ كِتَابِهِ : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ [ مَا ] لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ : [ بِأَنْ ] يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ . ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ( عليه السلام ) عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ , وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ . فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ; وَخَافَ : التَّكْذِيبَ , وَأَنْ يُتَنَاوَلَ . فَنَزَلَ عَلَيْهِ : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغَتْ رِسَالَتَهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ } فَقَالَ يَعْصِمُكَ مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوكَ حَتَّى تُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ . فَبَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ ; فَنَزَلَ عَلَيْهِ : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } قَالَ : وَأَعْلَمَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ; فَقَالَ : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا } إلَى قَوْلِهِ : { هَلْ كُنْتُ إلَّا بَشَرًا رَسُولًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله , وَأَنْزَلَ إلَيْهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ مِنْ أَذَاهُمْ { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } . فَفَرَضَ عَلَيْهِ إبْلَاغَهُمْ , وَعِبَادَتَهُ . وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ قِتَالَهُمْ , وَأَبَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } , وَقَوْلَهُ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } , وَقَوْلَهُ : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ } مَعَ أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي [ مِثْلِ ] هَذَا الْمَعْنَى . وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ ; فَقَالَ : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } الْآيَةَ مَعَ مَا يُشْبِهُهَا . ثُمَّ أَنْزَلَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بَعْدَ هَذَا فِي الْحَالِ الَّذِي فَرَضَ فِيهَا عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ ; فَقَالَ : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } . وَأَبَانَ لِمَنْ تَبِعَهُ , مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا [ فَرَضَ عَلَيْهِ ] ; قَالَ : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ } الْآيَةَ .
الْإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ , زَمَانًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِيهِ بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ; ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ , وَجَعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا . فَيُقَالُ : نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } . فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ [ بِالْهِجْرَةِ ] مَخْرَجًا ; قَالَ : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } الْآيَةَ وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا [ مِنْهُمْ ] طَائِفَةٌ . ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ [ فِي ] الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ : غَيْرَ مُحَرِّمٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ , تَرْكُ الْهِجْرَةِ . وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَهْلَ الْهِجْرَةِ , فَقَالَ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ } , وَقَالَ { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ } , وَقَالَ { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . قَالَ : ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ; فَهَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إلَى الْمَدِينَةِ . وَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هَذَا , عَلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ , الْمُقَامَ بِهَا : وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ . وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا . [ وَ ] لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ بِجِهَادٍ . ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَهُمْ بِالْجِهَادِ ; ثُمَّ فَرَضَ بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِمْ أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ , وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ .
مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَأُذِنَ لَهُمْ بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ ; قَبْلَ [ أَنْ ] يُؤْذَنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } , وَأَبَاحَ لَهُمْ الْقِتَالَ , بِمَعْنًى أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ ; فَقَالَ : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } إلَى : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) يُقَالُ : نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ : وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُقَالُ : نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ , وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتَلُوا , وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ , وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا .
فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ , عَلَى رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ; بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ; وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ; فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ , أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ . فَعَذَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ . فَقَالَ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } , وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا . وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ , الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ , وَلَا يُمْنَعُ . فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ : تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ , فَلَمْ يُهَاجِرْ { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ . وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ , فَقَالَ : { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } الْآيَةَ قَالَ : وَيُقَالُ : ( عَسَى ) مِنْ اللَّهِ : وَاجِبَةٌ . وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا , إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ , بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا . لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا , بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ : الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ . وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ , إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ . فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ , عَلَى رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ; بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ; وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ; فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ , أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ . فَعَذَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ . فَقَالَ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } , وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا . وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ , الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ , وَلَا يُمْنَعُ . فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ : تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ , فَلَمْ يُهَاجِرْ { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ . وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ , فَقَالَ : { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } الْآيَةَ قَالَ : وَيُقَالُ : ( عَسَى ) مِنْ اللَّهِ : وَاجِبَةٌ . وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا , إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ , بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا . لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا , بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ : الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ . وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ , إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ .
فَصْلٌ فِي أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ ; أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ , بِاتِّبَاعِهِ : حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا , مَعَ عَوْنِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , قُوَّةٌ : بِالْعَدَدِ ; لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا . فَفَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِمْ , الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كَانَ إبَاحَةً لَا فَرْضًا . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } الْآيَةَ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } الْآيَةَ , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } , وَقَالَ : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } . وَقَالَ تَعَالَى { مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ } إلَى : { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } الْآيَةَ , وَقَالَ تَعَالَى { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا : تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ . فَقَالَ : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ } الْآيَةَ فَأَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ ; مَعَ إبَانَتِهِ ذَلِكَ فِي [ غَيْرِ ] مَكَان : فِي قَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } إلَى : { أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَنُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ , مَا حَضَرَنَا عَلَى وَجْهِهِ ; إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } إلَى : { لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } , وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } , وَقَالَ : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ فَرْضَ الْجِهَادِ , وَأَوْجَبَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:42 pm | |
| فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ : دَلَّ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ لَيْسَ يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى مَمْلُوكٍ , أَوْ أُنْثَى بَالِغٍ ; وَلَا حُرٍّ لَمْ يَبْلُغْ . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ; فَكَانَ حَكَمَ . أَنْ لَا مَالَ لِلْمُلُوكِ , وَلَمْ يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا : وَعَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ , مُؤْنَةٌ مِنْ الْمَالِ ; وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ . وَقَالَ ( تَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ : الذُّكُورَ , دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ : الْمُؤْمِنَاتُ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } , وَقَالَ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } , وَكُلُّ هـ ذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ [ بِهِ ] : الذُّكُورَ , دُونَ الْإِنَاثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } ; فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ , إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ; فَلَمْ يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا : تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْعَمَلِ , إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ . وَدَلَّتْ السُّنَّةُ , ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْتُ . وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي الْجِهَادِ : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ; إلَى : { وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقِيلَ الْأَعْرَجُ : الْمُقْعَدُ . وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْعَرَجَ فِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَقِيلَ : نَزَلَتْ [ فِي ] أَنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قَالُوا , وَغَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ غَيْرَهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي حَدِّ الضُّعَفَاءِ , وَغَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ , وَلَا الصَّلَاةِ , وَلَا الصَّوْمِ , وَلَا الْحُدُودِ . فَلَا يَحْتَمِلُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ , إلَّا : وَضْعُ الْحَرَجِ فِي الْجِهَادِ ; دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ . وَقَالَ فِيمَا بَعُدَ غَزْوُهُ عَنْ الْمَغَازِي وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى اللَّيْلَتَيْنِ فَصَاعِدًا . إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ : إذَا لَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً , وَيَدَعُ لِمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , قُوتَهُ إلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ فِي غَزْوِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } . ( أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ) , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ) : غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَغَزَا مَعَهُ بَعْضُ مَنْ يُعْرَفُ نِفَاقُهُ فَانْخَزَلَ عَنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ . ثُمَّ شَهِدُوا مَعَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ قَوْلِهِمْ : { مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } . ثُمَّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ , فَشَهِدَهَا مَعَهُ مِنْهُمْ , عَدَدٌ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ قَوْلِهِمْ : { لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَكَى اللَّهُ مِنْ نِفَاقِهِمْ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ , فَشَهِدَهَا مَعَهُ مِنْهُمْ , قَوْمٌ : نَفَرُوا بِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ : لِيَقْتُلُوهُ ; فَوَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهُمْ . وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مِنْهُمْ فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ , فِي غَزَاةِ تَبُوكَ , أَوْ مُنْصَرَفِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تَبُوكَ قِتَالٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ ; فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ } ; قَرَأَ إلَى قَوْلِهِ : { وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } . فَأَظْهَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِرَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَسْرَارَهُمْ , وَخَبَرَ السَّمَّاعِينَ لَهُمْ , وَابْتِغَاءَهُمْ أَنْ يَفْتِنُوا مَنْ مَعَهُ بِالْكَذِبِ وَالْإِرْجَافِ , وَالتَّخْذِيلِ لَهُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ , [ فَثَبَّطَهُمْ ] إذْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ , فَكَانَ فِيهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمَرَ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ عُرِفَ بِمَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ : لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ زَادَ فِي تَأْكِيدِ بَيَانِ ذَلِكَ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } ( صلى الله عليه وسلم ) [ قَرَأَ ] إلَى قوله تعالى : { فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ } . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ } . فَفَرَضَ اللَّهُ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ أَبَانَ مَنْ الَّذِينَ نَبْدَأُ بِجِهَادِهِمْ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي فَرْضِ جِهَادِهِمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُجَاهَدَ أَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارًا لِأَنَّهُمْ إذَا قَوُوا عَلَى جِهَادِهِمْ وَجِهَادِ غَيْرِهِمْ : كَانُوا عَلَى جِهَادِ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ أَقْوَى وَكَانَ مَنْ قَرُبَ , أَوْلَى أَنْ يُجَاهَدَ : لِقُرْبِهِ مِنْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ نِكَايَةَ مَنْ قَرُبَ أَكْثَرُ مِنْ نِكَايَةِ مَنْ بَعُدَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : فَرَضَ اللَّهُ ( تَعَالَى الْجِهَادَ فِي كِتَابِهِ ) , وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) . ثُمَّ أَكَّدَ النَّفِيرَ مِنْ الْجِهَادِ فَقَالَ { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } وَقَالَ : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } الْآيَةَ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ . وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } الْحَدِيثَ . ثُمَّ قَالَ : [ وَقَالَ ] اللَّهُ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } الْآيَةَ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْآيَةَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَاحْتَمَلَتْ الْآيَاتُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ كُلُّهُ , وَالنَّفِيرُ خَاصَّةً مِنْهُ : [ عَلَى ] كُلِّ مُطِيقٍ [ لَهُ ] لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْهُ . كَمَا كَانَتْ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ فَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ : وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضٌ [ مِنْهَا ] . أَنْ يُؤَدِّيَ غَيْرُهُ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ ; لِأَنَّ عَمَلَ أَحَدٍ فِي هَذَا , لَا يُكْتَبُ لِغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَرْضِهَا , غَيْرَ مَعْنَى فَرْضِ الصَّلَاةِ . وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قُصِدَ بِالْفَرْضِ فِيهَا : قَصْدَ الْكِفَايَةِ ; فَيَكُونُ مَنْ قَامَ بِالْكِفَايَةِ فِي جِهَادِ مَنْ جُوهِدَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُدْرِكًا تَأْدِيَةَ الْفَرْضِ وَنَافِلَةَ الْفَضْلِ وَمُخْرِجًا مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمَأْثَمِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَوَعَدَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَادِ : الْحُسْنَى عَلَى الْإِيمَانِ , وَأَبَانَ فَضِيلَةَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ . وَلَوْ كَانُوا آثِمِينَ بِالتَّخَلُّفِ : إذَا غَزَا غَيْرُهُمْ . كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْإِثْمِ إنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ [ عَنْهُمْ ] أَوْلَى بِهِمْ مِنْ الْحُسْنَى .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ; قَالَ : { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا } ; فَأَخْبَرَ أَنَّ النَّفِيرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ [ وَ ] أَنَّ التَّفَقُّهَ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَغَزَا مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ , وَخَلَّفَ آخَرِينَ : حَتَّى خَلَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ( رضي الله عنه ) فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ , وَالدَّفْنَ : وَرَدَّ السَّلَامِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ; ( قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ : ) أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } ; [ إلَى ] : { إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ; فَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ , لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ . وَإِنَّمَا نَزَلَتْ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } ; بَعْدَ بَدْرٍ . وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) كُلَّ غَنِيمَةٍ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ يَرْفَعُ خُمُسَهَا ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا : وَافِرًا عَلَى مَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا : السَّلَبَ ; فَإِنَّهُ سُنَّ : لِلْقَاتِلِ [ فِي الْإِقْبَالِ ] فَكَانَ السَّلَبُ خَارِجًا مِنْهُ . وَإِلَّا : الصَّفِيَّ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) يَأْخُذُهُ : خَارِجًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَقِيلَ : كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ سَهْمِهِ مِنْ الْخُمُسِ . وَإِلَّا : الْبَالِغِينَ مِنْ السَّبْيِ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَنَّ فِيهِمْ سُنَنًا : فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ , وَفَادَى بِبَعْضِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَمَّا وَقْعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ , وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ , وَقَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ( يَعْنِي فِي الْغَنِيمَةِ ) . وَكَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ; فَتَوَقَّفُوا فِيمَا صَنَعُوا [ حَتَّى نَزَلَتْ ] : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } الْآيَةَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } ; فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } ; فَخَفَّفَ عَنْهُمْ , وَكَتَبَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا : كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُسْتَغْنًى فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنْ التَّأْوِيلِ . لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ : أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ ; فَكَانَ هَكَذَا : الْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ . ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَيَّرَ الْأَمْرَ إلَى أَنْ لَا يَفِرَّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ . أَنْ لَا يَفِرَّ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ : فَلَمْ يَفِرَّ , وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ : فَقَدْ فَرَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَلَّ : مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ يَمِينًا , وَشِمَالًا , وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ : [ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ] : قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ , كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مَبِينَةً عَنْهُ : فَسَوَاءٌ ; إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ , أَوْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِنْ [ كَانَ ] اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا تَحَرَّفَ : لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ , أَوْ تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَخَطِهِ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ . وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ خِفْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ [ عَنْهُ ] . قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ , وَلَا يَسْتَوْجِبُونَ السَّخَطَ عِنْدِي مِنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ عَلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ , أَوْ التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ . لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إنَّمَا يُوجِبُ سَخَطَهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَرْضَهُ , وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ , إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي بَنِي النَّضِيرِ حِينَ حَارَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ } إلَى : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } فَوَصَفَ إخْرَابَهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَيْدِهِمْ , وَإِخْرَابَ الْمُؤْمِنِينَ بُيُوتَهُمْ وَوَصْفُهُ إيَّاهُ [ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] : كَالرِّضَا بِهِ . وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِقَطْعِ نَخْلٍ مِنْ أَلْوَانِ نَخْلِهِمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) : رِضًا بِمَا صَنَعُوا . { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } فَرَضِيَ الْقَطْعَ , وَأَبَاحَ التَّرْكَ . وَالْقَطْعُ وَالتَّرْكُ مَوْجُودَانِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَذَلِكَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَرَكَ , وَقَطَعَ نَخْلَ غَيْرِهِمْ وَتَرَكَ , وَمِمَّنْ غَزَا : مَنْ لَمْ يَقْطَعْ نَخْلَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَرْبِيِّ : إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ قَدْ نَالَ مُسْلِمًا , أَوْ مُعَاهَدًا , [ أَوْ مُسْتَأْمَنًا ] : بِقَتْلٍ , أَوْ جَرْحٍ , أَوْ مَالٍ . لَمْ يَضْمَنْ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا سَلَفَ مَا تَقَضَّى وَذَهَبَ . وَقَالَ : { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا } , وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا مَضَى : [ مِنْهُ ] وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ : وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِحُكْمِ اللَّهِ كُلَّ رِبًا : أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ , وَلَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا قَبَضَ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَرُدَّهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( فِي آخَرِينَ ) ; قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ , قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا ( رضي الله عنه ) , يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ . فَقَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ; فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَهَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَهَا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ , أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ; فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ : بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَقَالَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ؟ فَقَالَ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ , وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا , وَكَانَ [ مَنْ ] مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قِرْبَاتِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا , وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إنَّهُ قَدْ صَدَقَ . فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . فَقَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا , وَمَا يُدْرِيكَ : لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ; فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ . وَنَزَلَتْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ }
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ : طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ , كَمَا قَالَ : مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ شَكًّا فِي الْإِسْلَامِ , وَأَنَّهُ فَعَلَهُ : لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا : رَغْبَةً عَنْ الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا احْتَمَلَ فِعْلُهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) دِينَهُ : الَّذِي بَعَثَ بِهِ ] رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ , وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ : دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ . فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْأُمِّيِّينَ : حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا , وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَسَبَى : حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ , وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ : صَاغِرِينَ , وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ ( صلى الله عليه وسلم ) وَهَذَا : ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ يُقَالُ : لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ اللَّهُ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } . قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : فَقِيلَ [ فِيهِ ] : ( فِتْنَةٌ ) : شِرْكٌ , ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ) : وَاحِدًا ( لِلَّهِ ) . وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . وَذَكَرَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ , وَقَوْلَهُ : { فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ; فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ , وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ } . ثُمَّ قَالَ : وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى , وَلَا وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ , وَلَا مُخَالِفًا لَهُ . وَلَكِنَّ إحْدَى الْآيَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي مَخْرَجُهُ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ , وَمِنْ الْجُمَلِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمُفَسِّرُ . فَأَمْرُ اللَّهِ ( تَعَالَى ) : بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ; ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَمْرُهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ] ; دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَفَرْضُ اللَّهِ : قِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ : [ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً ] فَالْفَرْضُ فِيمَنْ دَانَ وَآبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . أَنْ يُقَاتَلُوا إذْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ ; حَتَّى يُسْلِمُوا وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ ; [ بِكِتَابِ اللَّهِ , وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ] . وَالْفَرْضُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ دَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ [ كُلِّهِ ] دِينَهُمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ , أَوْ يُسْلِمُوا وَسَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا , أَوْ عَجَمًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) كُتُبٌ : نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ; [ الْمَعْرُوفُ ] مِنْهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ : التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ أَنْزَلَ غَيْرَهُمَا ; فَقَالَ : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } . وَلَيْسَ يُعْرَفُ تِلَاوَةُ كِتَابِ إبْرَاهِيمَ وَذِكْرُ زَبُورَ دَاوُد ; فَقَالَ : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } . قَالَ : وَالْمَجُوسُ : أَهْلُ كِتَابٍ : غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ; وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَدَانَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ . دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ بَعْضِهِمْ , الْجِزْيَةَ وَسَمَّى مِنْهُمْ [ فِي مَوْضِعٍ ] آخَرَ : أُكَيْدِرَ دُومَةَ , وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ كِنْدَةَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : حَكَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُشْرِكِينَ , حُكْمَيْنِ . فَحَكَمَ أَنْ يُقَاتَلَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ : حَتَّى يُسْلِمُوا ; وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ : إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَحَلَّ اللَّهُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ : طَعَامُهُمْ : ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ : كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَكُلَّ مَنْ دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ . وَكَانَتْ دَلَالَةُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , ثُمَّ [ مَا ] لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَفَرَّقَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ , وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ . بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ . فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ; وَمَا آتَاهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِمْ . فَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ . قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ إلَّا : لِمَعْنًى ; لَا أَهْلَ كِتَابٍ مُطْلَقٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ , وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ , وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ : كَالْمَجُوسِ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَحَلَّ لَنَا ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ وَذَكَرَ الرِّوَايَةَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ ; وَأَنَّهُ تَلَا : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } فَهُوَ لَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ الْمَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ( رضي الله عنهما ) أَوْلَى , وَمَعَهُ الْمَعْقُولُ . فَأَمَّا : { مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ; فَمَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ حُكْمِهِمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِنْ كَانَ الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ : مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ , وَدَانُوا دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : نُكِحَتْ نِسَاؤُهُمْ , وَأُكِلَتْ ذَبَائِحُهُمْ : وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي فَرْعٍ مِنْ دِينِهِمْ . لِأَنَّهُمْ [ فُرُوعٌ ] قَدْ يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي أَصْلِ الدَّيْنُونَةِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ , وَلَمْ تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:44 pm | |
| أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } ; فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا عَنْ يَدٍ صَاغِرًا . قَالَ : وَسَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ . وَمَا أَشْبَهَ , مَا قَالُوا , بِمَا قَالُوا : لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ ; فَإِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الَّذِينَ فُرِضَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ : الَّذِينَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالْبُلُوغِ : فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , وَأَقَامُوا عَلَى مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ عَلَيْهَا : الَّذِينَ فِيهِمْ الْقِتَالُ , وَهُمْ : الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ . ثُمَّ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِثْلَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : فَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمُحْتَلِمِينَ , دُونَ مَنْ دُونَهُمْ وَدُونَ النِّسَاءِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } الْآيَةَ فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ , يَقُولُ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ : الْحَرَمُ وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي رِسَالَةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ , بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا . }
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا , وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَقَالَ : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } . فَبِذَا فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَطَاقُوهُ ; فَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُ فَإِنَّمَا كُلِّفُوا مِنْهُ مَا أَطَاقُوهُ ; فَلَا بَأْسَ : أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : فَهَادَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ( يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ) فَكَانَتْ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ , وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ فِي أَمْرِهِمْ : { إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَذَكَرَ : دُخُولَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ : حِينَ أَمِنُوا . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي مُهَادَنَةِ مَنْ يَقْوَى عَلَى قِتَالِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ : عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَمَّا قَوِيَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : فَقِيلَ : كَانَ الَّذِينَ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ) : قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ; ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) كَذَلِكَ . وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُ , وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خِيَانَةً مِنْهُمْ نَبَذَ إلَيْهِ . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَأْنَفَ مُدَّةٌ , بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ : وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ . إلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَنْ جَاءَ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ ; فَحَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ : حَتَّى يَتْلُوَ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , وَيَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ . لِقَوْلِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ , أَوْ حَيْثُ مَا يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ . قَالَ : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } ; [ يَعْنِي ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِكَ ; [ أَوْ ] مِمَّنْ يُطِيعُكَ لَا أَمَانَهُ [ مِنْ ] غَيْرِكَ مِنْ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِ : الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ , وَلَا يُطِيعُكَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ , وَالْعَهْدِ : كَانَ بِيَمِينٍ , أَوْ غَيْرِهَا . فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } , وَفِي وقوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ : بِالْأَيْمَانِ ; فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ ; [ مِنْهَا ] : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ } ; ثُمَّ : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } إلَى قَوْلِهِ : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } ; مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ , فَظَاهِرُهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ . وَيُشْبِهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) أَرَادَ : [ أَنْ ] يُوفُوا بِكُلِّ عَقْدٍ : كَانَ بِيَمِينٍ , أَوْ غَيْرِ يَمِينٍ . وَكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ إذَا كَانَ فِي الْعَقْدَيْنِ لِلَّهِ طَاعَةٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ . وَاحْتَجَّ : بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ مِنْهُمْ مُسْلِمَةً ; ( سَمَّاهَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ : أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ) . : { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلَى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ : { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا } فَفَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا النِّسَاءَ , وَقَدْ أَعْطَوْهُمْ : رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ , وَهُنَّ مِنْهُمْ فَحَبَسَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي صُلْحِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ , وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ صُلْحُهُ لَهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ ; إمَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِمَا صَنَعَ ; نَصًّا , وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ [ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى ; ثُمَّ أَنْزَلَ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ فَصَارُوا إلَى قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] , وَنَسَخَ [ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ] فِعْلَهُ , بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ . وَكُلٌّ كَانَ : طَاعَةً لِلَّهِ فِي وَقْتِهِ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ : مَنْعُ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ , مِنْ أَنْ يَرْدُدْنِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ , وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ . بَيْنَهُنَّ , وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ . وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْعِصْمَةِ : إذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ وَلَمْ يُسْلِمْ أَزْوَاجُهُنَّ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتُهُمْ , وَمَعْقُولٌ فِيهَا أَنَّ نَفَقَاتِهِمْ الَّتِي تُرَدُّ : نَفَقَاتُ اللَّاتِي مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ , وَهِيَ : الْمُهُورُ ; إذَا كَانُوا قَدْ أَعْطَوْهُنَّ إيَّاهَا . وَبَيِّنٌ أَنَّ الْأَزْوَاجَ : الَّذِينَ يُعْطَوْنَ النَّفَقَاتِ : لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ . وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ : الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ . لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ; إنَّمَا كَانَ الْإِشْكَالُ فِي نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ; حَتَّى قَطَعَ اللَّهُ عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ , وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤَدِّي أَحَدٌ نَفَقَةً فِي امْرَأَةٍ فَاتَتْ , إلَّا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِلْمُسْلِمِينَ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَأَبَانَهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ . وَكَانَ الْحُكْمُ فِي إسْلَامِ الزَّوْجِ , الْحُكْمَ فِي إسْلَامِ الْمَرْأَةِ : لَا يَخْتَلِفَانِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ; { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا } . يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ : مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; إذَا مَنَعَهُنَّ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِنَّ : بِالْإِسْلَامِ أَدَّوْا مَا دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ مِنْ الْمُهُورِ ; كَمَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ مَا دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْمُهُورِ . وَجَعَلَهُ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) حُكْمًا بَيْنَهُمْ . ثُمَّ حَكَمَ [ لَهُمْ ] فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا ; فَقَالَ : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ } كَأَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) يُرِيدُ فَلَمْ تَعْفُوا عَنْهُمْ إذَا لَمْ يَعْفُوا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ ; { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } . كَأَنَّهُ يَعْنِي مِنْ مُهُورِهِمْ ; إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ : أَتَتْنَا مُسْلِمَةً ; قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً فِي مَهْرِهَا ; وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ , قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ , بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ . فَقِيلَ : تِلْكَ الْعُقُوبَةُ . قَالَ : وَيُكْتَبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ : [ حَتَّى ] يُعْطَى الْمُشْرِكُ مَا قَصَصْنَاهُ مِنْ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ : لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى [ هَذَا ] الْقَوْلِ فِي مَوْضُوعِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي صُلْحِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالْحُدَيْبِيَةِ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَإِنَّمَا ذَهَبْتُ إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ; بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ فِي الصُّلْحِ لَمْ يُعْطَ أَزْوَاجُهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } . نَزَلَتْ فِي أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْهُمْ , شَيْءٌ : اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خِيَانَتِهِمْ فَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوفِ أَهْلُ الْهُدْنَةِ , بِجَمِيعِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ . وَمَنْ قُلْتَ : لَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ ; فَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ; ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهُ ; كَمَا يُحَارِبُ مَنْ لَا هُدْنَةَ لَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَهْلِ الْكِتَابِ : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ , بَيَانٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْخِيَارَ : فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ , أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِ إنْ حَكَمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ . وَالْقِسْطُ : حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمَحْضُ الصَّادِقُ , أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ عَهْدًا بِاَللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الْآيَةَ . قَالَ : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ , مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَهُ , بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَ : وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } إنْ حَكَمْت لَا عَزْمًا أَنْ تَحْكُمَ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ , إلَى أَنْ قَالَ : أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ : وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ ؟ , أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَدَّلُوا , وَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ , فَقَالُوا : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } ؟ , أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ ؟ , وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ . هَذَا : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ , وَبِمَعْنَاهُ أَجَابَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَقَالَ فِيهِ : فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ , يَقُولُ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } إنْ حَكَمْتَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَتِلْكَ مُفَسِّرَةٌ , وَهَذِهِ : جُمْلَةٌ . وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } ; دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا : لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ . وَلَوْ كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } ; إلْزَامًا مِنْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ : أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَوَلَّوْنَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ ; فَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتُوا ; فَلَا يُقَالُ لَهُمْ : تَوَلَّوْا . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ : وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ ; [ وَ ] أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } ; إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الْمُوَادَعِينَ : الَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا جِزْيَةً , وَلَمْ يُقِرُّوا بِأَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا . قَالَ : وَاَلَّذِي قَالُوا , يُشْبِهُ مَا قَالُوا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ } وَقَالَ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ حُكْمِكَ [ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ] فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَتَاكَ : غَيْرَ مَقْهُورٍ عَلَى الْحُكْمِ . وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي امْرَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَجُلٍ : زَنَيَا مُوَادَعُونَ ; فَكَانَ فِي التَّوْرَاةِ : الرَّجْمُ , وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَجَاءُوا بِهِمَا : فَرَجْمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا : مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ : أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ ; ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ : بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ , أَوْ يَدَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ : حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ : حَارَبَهُمْ . قَالَ : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ : [ مِنْ ] الْمُعَاهَدِينَ : الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ . إذَا جَاءُوهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ . قَالَ : وَإِذَا أَبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ , مَا فِيهِ [ لَهُ ] حَقٌّ عَلَيْهِ ; فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ , يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَحْكُمَ [ لَهُ ] عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ : مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ : رَاضِيًا بِحُكْمِهِ , وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخَطَ لِحُكْمِهِ . لِمَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . فَكَانَ الصَّغَارُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ وَكَأَنَّهُ وَقَفَ حِينَ صَنَّفَ كِتَابَ الْجِزْيَةِ أَنَّ آيَةَ الْخِيَارِ وَرَدَتْ فِي الْمُوَادِعِينَ ; فَرَجَعَ عَمَّا قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْمُعَاهَدِينَ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:46 pm | |
| قَرَأْتُ فِي كِتَابِ : ( السُّنَنِ ) رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : إذَا أَذِنَ فِي أَكْلِ مَا أَمْسَكَ الْجَوَارِحُ أَنَّهُمْ إنَّمَا اتَّخَذُوا الْجَوَارِحَ , لِمَا لَمْ يَنَالُوهُ إلَّا بِالْجَوَارِحِ : وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } . قَالَ : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمْرَهُ بِالذَّبْحِ , وَقَالَ : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } : كَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ فِيمَا فِيهِ الذَّبْحُ وَالذَّكَاةُ ; وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَمَّا كَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , مَا وَصَفْتُ : انْبَغَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي , أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا حَلَّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ [ مِنْهُ ] مِثْلُ الذَّبْحِ , أَوْ النَّحْرِ ; وَذَكَاةُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يُقْتَلُ بِهِ : جَارِحٌ , أَوْ سِلَاحٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ : الَّذِي إذَا أُشْلِيَ : اسْتَشْلَى , وَإِذَا أَخَذَ : حَبَسَ , وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ : كَانَ مُعَلَّمًا , يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ : لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ; فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ : الَّذِي إذَا أُشْلِيَ : اسْتَشْلَى , وَإِذَا أَخَذَ : حَبَسَ , وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ : كَانَ مُعَلَّمًا , يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ : لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ; فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَحَلَّ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ : مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ; فَهِيَ : حَلَالٌ . وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ; مِثْلَ : اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ [ وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا . ]
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا : وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ , دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ : إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ : أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ , وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ : وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِشِرْكٍ كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ ; أَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لُحُومَ الْبُدْنِ مُطْلَقَةً ; فَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا } , وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ , يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ , وَلَا جَزَاءُ صَيْدٍ وَلَا فِدْيَةٌ . فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ , وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا أَنَّهَا بِخِلَافِ الْقُرْآن وَلَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ; لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهَكَذَا : ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ مُشْبِهَةٌ لِمَا قُلْنَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاجِبُ مَنْ أَهْدَى نَافِلَةً أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } , وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } . وَالْقَانِعُ هُوَ : السَّائِلُ ; وَالْمُعْتَرُّ هُوَ : الزَّائِرُ , وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ فَإِذَا أَطْعَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدًا : كَانَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مَا أَكْثَرَ أَنْ يُطْعِمَ ثُلُثًا , وَأَنْ يُهْدِيَ ثُلُثًا , وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا : يَهْبِطُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ . قَالَ : وَالضَّحَايَا فِي هَذِهِ السَّبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : وَالْقَانِعُ : الْفَقِيرُ ; وَالْمُعْتَرُّ : الزَّائِرُ وَقَدْ قِيلَ : الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ مِنْهُمَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ , أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [ مِنْهُ ] مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ . فَإِنَّ الْعَرَبَ : قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ , وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا . وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ , أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [ مِنْهُ ] مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ . فَإِنَّ الْعَرَبَ : قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ , وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا . وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . فَكَانَ شَيْئَانِ حَلَالَانِ ; فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ : صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَكُلُّ مَا قَذَفَهُ : [ وَهُوَ ] حَيٌّ ; مَتَاعًا لَهُمْ يَسْتَمْتِعُونَ بِأَكْلِهِ . وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم . يَعْنِي فِي حَالِ الْإِحْرَامِ . قَالَ : وَهُوَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ [ فِيمَا حُرِّمَ , وَلَمْ يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ ] : { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ } الْآيَةَ , , وَقَالَ فِي ذِكْرِ مَا حُرِّمَ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَيَحِلُّ مَا حُرِّمَ : مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ; وَكُلُّ مَا حُرِّمَ : مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ : مِنْ الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ . وَالْمُضْطَرُّ : الرَّجُلُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ : لَا طَعَامَ مَعَهُ فِيهِ , وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ مِنْ لَبَنٍ , وَمَا أَشْبَهَهُ . وَيُبَلِّغُهُ الْجُوعُ مَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ , أَوْ الْمَرَضَ : وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ أَوْ يُضْعِفُهُ , أَوْ يَضُرُّهُ أَوْ يَعْتَلُّ أَوْ يَكُونُ مَاشِيًا : فَيَضْعُفُ عَنْ بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أَوْ رَاكِبًا فَيَضْعُفُ عَنْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ ; أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ . فَأَيُّ هَذَا نَالَهُ : فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ , وَكَذَلِكَ يَشْرَبُ مِنْ الْمُحَرَّمِ : غَيْرِ الْمُسْكِرِ ; مِثْلِ : الْمَاءِ : [ تَقَعُ ] فِيهِ الْمَيْتَةُ , وَمَا أَشْبَهَهُ . وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ إنْ أَكَلَ , وَشَارِبُهُ إنْ شَرِبَ أَوْ جَمَعَهُمَا : فَعَلَى مَا يَقْطَعُ عَنْهُ الْخَوْفَ , وَيَبْلُغُ [ بِهِ ] بَعْضَ الْقُوَّةِ . وَلَا يَبِينُ : أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْبَعَ وَيَرْوَى , وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ : لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ . وَإِذَا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ ; لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ : حِينَئِذٍ إلَى الضَّرَرِ , أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى النَّفْعِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَمَنْ خَرَجَ سَفَرًا : عَاصِيًا لِلَّهِ ; لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ : مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ . بِحَالٍ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إنَّمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ , بِالضَّرُورَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ : غَيْرَ بَاغٍ , وَلَا عَادٍ , وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ . وَلَوْ خَرَجَ : عَاصِيًا ; ثُمَّ تَابَ , فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ : رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ . وَلَوْ خَرَجَ : غَيْرَ عَاصٍ ; ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ; ثُمَّ أَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ : وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ خَشِيتُ أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ ; لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لَا فِي حَالٍ تَقَدَّمَتْهَا , وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ , يَحْرُمُ : بِمَالِكِهِ ; حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ . ( يَعْنِي : وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ) أَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) قَالَ : { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } , وَقَالَ : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } , وَقَالَ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } الْآيَةَ . مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ حُظِرَ فِيهَا أَمْوَالُ النَّاسِ , إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا : بِمَا فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ سَنَّهُ نَبِيُّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ .
قَالَ : وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ , فَخَافَ الْمَوْتَ ; ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَرُدُّ مِنْ جُوعِهِ , وَيَغْرَمُ لَهُ ثَمَنَهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إنَّ مِنْ الضَّرُورَةِ : أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ , الْمَرَضَ : يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ يَكُونُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ : قَلَّمَا يَبْرَأُ مَنْ كَانَ بِهِ مِثْلُ هَذَا , إلَّا : أَنْ يَأْكُلَ كَذَا , أَوْ يَشْرَبَهُ أَوْ يُقَالُ [ لَهُ ] إنَّ أَعْجَلَ مَا يُبْرِيكَ أَكْلُ كَذَا , أَوْ شُرْبُ كَذَا . فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ مِنْهَا أَسْكَرَتْهُ . أَوْ شَيْئًا يُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا ; فَإِنَّ إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ . وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا , وَإِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي شُرْبِهَا , لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } الْآيَةَ , وَقَالَ : { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : طَيِّبَاتٍ : كَانَتْ أُحِلَّتْ لَهُمْ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : الْحَوَايَا مَا حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ , فِي الْبَطْنِ . فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى بَنِي إسْرَائِيلٍ : الْيَهُودِ خَاصَّةً , وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً . مُحَرَّمًا مِنْ حِينَ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) مُحَمَّدًا ( صلى الله عليه وسلم ) فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ , وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَطَاعَةِ أَمْرِهِ : وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ : الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ : وَجَعَلَ مَنْ أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فَلَمْ يَتْبَعْهُ . كَافِرًا بِهِ فَقَالَ : { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } . وَأَنْزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا } الْآيَةَ إلَى : { مُسْلِمُونَ } , وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا , وَأَنْزَلَ فِيهِمْ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } الْآيَةَ . فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَوْزَارَهُمْ , وَمَا مُنِعُوا بِمَا أَحْدَثُوا . قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كِتَابِيٌّ , وَلَا وَثَنِيٌّ , وَلَا حَيٌّ بِرُوحٍ مِنْ جِنٍّ , وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ دِينِهِ , وَكَانَ مُؤْمِنًا : بِاتِّبَاعِهِ , وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ . وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ : آمَنَ بِهِ , أَوْ كَفَرَ . تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ . وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) : كَانَ حَرَامًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ ; [ أَوْ غَيْرَ حَرَامٍ ] وَأَحَلَّ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَقَدْ وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا . فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ , وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ : مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ) . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ . وَكَذَلِكَ : لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ , وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ مِنْهَا , شَيْءٌ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ . لِأَحَدٍ , حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَبَاحَ مَا ذُكِرَ عَامَّةً لَا خَاصَّةً .
وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ , مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ [ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ] : مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدْ قِيلَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا . وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرِّمًا عَلَيْهِمْ وَقَدْ نُسِخَ مَا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) بِدِينِهِ . كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ حَلَالًا لَهُمْ , إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ إذْ حُرِّمَتْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ : مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : أَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وَذَلِكَ مِثْلُ : الْبَحِيرَةِ , وَالسَّائِبَةِ , وَالْوَصِيلَةِ , وَالْحَامِ كَانُوا : يَتْرُكُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ : كَالْعِتْقِ ; فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا , وَلُحُومَهَا , وَمِلْكَهَا . وَقَدْ فَسَّرْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ }
وَقَالَ تَعَالَى : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَهُوَ يَذْكُرُ مَا حَرَّمُوا : { وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } , وَقَالَ : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } , وَالْآيَةَ بَعْدَهَا . [ فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ بِمَا حَرَّمُوا . قَالَ : وَيُقَالُ : نَزَلَ فِيهِمْ : { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ } . فَرَدَّ إلَيْهِمْ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْبَحِيرَةِ , وَالسَّائِبَةِ , وَالْوَصِيلَةِ , وَالْحَامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمُوا : بِتَحْرِيمِهِمْ .
وَقَالَ تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } ; [ يَعْنِي ] ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ الْمَيْتَةِ . وَيُقَالُ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } . وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ يَعْنِي : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ } مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ . مُحَرَّمًا , إلَّا مَيْتَةً , أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا مِنْهَا : وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ ذَبِيحَةَ [ كَافِرٍ ] , وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخِنْزِيرِ مَعَهَا وَقَدْ قِيلَ مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } . وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ : الذَّبَائِحَ , وَمَا سِوَاهَا مِنْ طَعَامِهِمْ الَّذِي لَمْ نَعْتَقِدْهُ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا . فَآنِيَتُهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي النَّفْسِ مِنْهَا , شَيْءٌ إذَا غُسِلَتْ . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ : فِي إبَاحَةِ طَعَامِهِمْ الَّذِي يَغِيبُونَ عَلَى صَنْعَتِهِ إذَا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَرَامًا , وَكَذَلِكَ الْآنِيَةُ إذَا لَمْ نَعْلَمْ نَجَاسَةً ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا , وَفِي مُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِ : يَكْتَسِبُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ ; وَالْأَسْوَاقِ : يَدْخُلُهَا ثَمَنُ الْحَرَامِ وَلَوْ تَنَزَّهَ امْرُؤٌ عَنْ هَذَا , وَتَوَقَّاهُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَانَ حَسَنًا . لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَا لَا يَشُكُّ فِي حَلَالِهِ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَيَكُونُ جَهْلًا بِالسُّنَّةِ أَوْ رَغْبَةً عَنْهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ( يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ ) ; أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى , يَقُولُ : قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } . قَالَ : لَا يَكُونُ فِي هَذَا الْمَعْنَى , إلَّا : هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَحْكَامُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ : الْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ ; عَلَى الْمَرْءِ فِي مَالِهِ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَا يَنْبَغِي لَهُ [ التَّصَرُّفُ ] فِيهِ ; وَشَيْءٌ يُعْطِيهِ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ وَمِنْ الْبَاطِلِ , أَنْ يَقُولَ : اُحْرُزْ مَا فِي يَدِي , وَهُوَ لَكَ . وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ , حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ , قَالَ : الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : جِمَاعُ مَا يَحِلُّ : أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ; ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا ) مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُهُ مِنْ جِنَايَاتِهِمْ , وَجِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ . وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِالزَّكَاةِ , وَالنُّذُورِ , وَالْكَفَّارَاتِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَ [ ثَانِيهَا ] مَا أَوْجَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ : مِنْ الْبُيُوعِ , وَالْإِجَارَاتِ , وَالْهِبَاتِ : لِلثَّوَابِ , وَمَا فِي مَعْنَاهَا . وَ [ ثَالِثُهَا ] مَا أَعْطَوْا مُتَطَوِّعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الْتِمَاسَ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ ( وَالْآخَرُ ) : طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ إلَى مَنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ . وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ حَسَنٌ , وَنَحْنُ نَرْجُو عَلَيْهِ : الثَّوَابَ ; إنْ شَاءَ اللَّهُ . ثُمَّ مَا أَعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ , وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَاحِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : حَقٌّ ; ( وَالْآخَرُ ) بَاطِلٌ فَمَا أَعْطَوْهُ مِنْ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ , وَلَا لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } . فَالْحَقُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ : الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْتُ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ ; وَعَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا خَالَفَهُ . وَأَصْلُ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْآثَارِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا نَدَبَ بِهِ أَهْلَ دِينِهِ : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ; فَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ [ بِالتَّفْسِيرِ ] أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ : الرَّمْيُ . وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ , ثُمَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي السَّبْقِ وَذَكَرَ مَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:48 pm | |
| رَجُلٍ حَلَفَ : أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ : أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا ; فَأَمَرَهُ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يَنْفَعَهُ . قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رضي الله عنه ) : حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا لِمَا كَانَ مِنْهُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قُلْت لِلشَّافِعِيِّ مَا لَغْوُ الْيَمِينِ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ ; أَمَّا الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ فَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) ; أَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) أَنَّهَا قَالَتْ : لَغْوُ الْيَمِينِ : قَوْلُ الْإِنْسَانِ : لَا وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : اللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَلْبُهُ ; وَجِمَاعُ اللَّغْوِ يَكُونُ فِي الْخَطَإِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : قَوْلُ الرَّجُلِ : لَا وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ . وَذَلِكَ إذَا كَانَ : اللَّجَاجُ , وَالْغَضَبُ , وَالْعَجَلَةُ لَا يَعْقِدُ عَلَى مَا حَلَفَ [ عَلَيْهِ ] وَعَقْدُ الْيَمِينِ : أَنْ يَعْنِيَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ ; فَيَفْعَلُهُ أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ ; فَلَا يَفْعَلُهُ أَوْ لَقَدْ كَانَ , وَمَا كَانَ . فَهَذَا : آثِمٌ ; وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ [ أَنَّ ] اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَدْ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ فِي عَمْدِ الْمَأْثَمِ . قَالَ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } , وَقَالَ { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى قَوْلِهِ : { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } . وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } ; ثُمَّ أَمَرَ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيُجْزِي : بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ : وَمَا يَقْتَاتُ أَهْلُ الْبُلْدَانِ مِنْ شَيْءٍ . أَجْزَأَهُمْ مِنْهُ مُدٌّ . [ قَالَ ] : وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي : مِنْ الْكِسْوَةِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ مِنْ عِمَامَةٍ , أَوْ سَرَاوِيلَ , أَوْ إزَارٍ أَوْ مِقْنَعَةٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ : لِلرَّجُلِ , وَالْمَرْأَةِ , وَالصَّبِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَطْلَقَهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ . [ قَالَ ] : وَلَيْسَ لَهُ إذَا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ بِالْكِسْوَةِ أَنْ يَكْسُوَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ [ قَالَ ] وَإِذَا أَعْتَقَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ ; وَيُجْزِي كُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يُضِرُّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ : مَغْفُورًا لَهُمْ , مَرْفُوعًا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَانَ الْمَعْنَى الَّذِي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ , كَمَا لَمْ يَقُلْ : فِي الْحُكْمِ , وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ . فَإِذَا تَلِفَ مَا حَلَفَ : لَيَفْعَلَنَّ فِيهِ شَيْئًا ; فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ . وَهَذَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ . وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْقَوْلَ فِيهِ , وَاخْتَارَ : أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ : غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَلَيْهِ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ [ وَالسُّنَّةِ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَ [ هُوَ ] قَوْلُ عَطَاءٍ إنَّهُ يُطْرَحُ عَنْ النَّاسِ , الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ; فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا , أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا : فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ , وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَحْنَثُ . لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ , غَيْرُ الْكَلَامِ : وَإِنْ كَانَ يَكُونُ كَلَامًا فِي حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } . وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ , فِي الْمُنَافِقِينَ : { قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ; وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ ( عليه السلام ) عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَيُخْبِرُهُمْ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ قَالَ : لَا يَحْنَثُ ; قَالَ : لِأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ : بِالْمُوَاجَهَةِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كَانَتْ الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ , أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ : وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ هِجْرَتِهِ : الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ : لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ ; فَجَمَعَهَا , فَضَرَبَهُ بِهَا : فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا , مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُغَيَّبًا , [ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً ] لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ , وَيَحْنَثْ فِي الْوَرَعِ . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } , وَذَكَرَ خَبَرَ الْمُقْعَدِ الَّذِي ضُرِبَ فِي الزِّنَا بِإِثْكَالِ النَّخْلِ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْقَضَايَا وَالشَّهَادَاتِ
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } , وَقَالَ : { إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَمَرَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) مَنْ يُمْضِي أَمْرَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ : أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْبِتًا قَبْلَ أَنْ يُمْضِيَهُ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } , { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ , لَغَنِيًّا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ أَمْرٌ : يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ; أَوْ مُشْكِلٌ : انْبَغَى لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( قِرَاءَةً عَلَيْهِ ) نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } ; الْآيَةَ وَقَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الْآيَةَ , وَقَالَ : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) : أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ , وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُ , وَالنَّاسِ : إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ , وَالْعَدْلُ : اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنْزَلِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } . يَحْتَمِلُ تَسَاهُلَهُمْ فِي أَحْكَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ مَا يَهْوَوْنَ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا , وَلَكِنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) : حَمِدَ هَذَا بِصَوَابِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِاجْتِهَادِهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ ( السُّدَى ) هُوَ : الَّذِي لَا يُؤْمَرُ , وَلَا يُنْهَى .
وَمِمَّا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } . فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ ; أَمْرَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ ; وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا . لَا : حَتْمًا يَكُونُ مَنْ تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ . ( وَاحْتَمَلَ ) أَنْ يَكُونَ حَتْمًا مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ . وَاَلَّذِي أَخْتَارُ : أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ , وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لَمْ يَبْقَ فِي أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ , وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فِيهَا . قَالَ : وَكُلُّ مَا نَدَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إلَيْهِ مِنْ فَرْضٍ , أَوْ دَلَالَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ , إذَا كَانَ دَلَالَةً : كَانَ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ , أَوْ أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا : قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ; فَيُمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ . وَإِنْ كَانَ تَارِكًا : لَا يُمْنَعُ مِنْهُ . وَلَوْ نَسِيَ , أَوْ وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ مِنْ الْمَأْثَمِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ , وَكَذَلِكَ : وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا ؟ , أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُمَا , أَوْ أَحَدَهُمَا : لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا : أَنْ يَبِيعَ ; فَبَاعَ هُوَ رَجُلًا , وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ : وَلَمْ يُعْرَفْ : أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ ؟ : لَمْ يُعْطَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ ; بِقَوْلِ الْبَائِعِ . وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ , فَأَثْبَتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ ؟ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ ؟ , فَالشَّهَادَةُ : سَبَبُ قَطْعِ الْمَظَالِمِ , وَتَثْبِيتِ الْحُقُوقِ . وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْخَيْرُ الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ ; دَلَالَةً لَا : حَتْمًا لَهُ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ; فَذَكَرَ أَنَّ الْبَيْعَ حَلَالٌ , وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ بَيِّنَةً . وَقَالَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ } , وَالدَّيْنُ : تَبَايُعٌ , وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ ; فَبَيَّنَ الْمَعْنَى : الَّذِي أَمَرَ لَهُ بِهِ . فَدَلَّ مَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي الدَّيْنِ , عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَالِاخْتِيَارِ لَا عَلَى الْحَتْمِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ; ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } ; فَلَمَّا أَمَرَ إذَا لَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا بِالرَّهْنِ ; ثُمَّ أَبَاحَ : تَرْكَ الرَّهْنِ ; وَقَالَ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي } فَدَلَّ عَلَى [ أَنَّ ] الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَظِّ لَا فَرْضٌ مِنْهُ , يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْخَبَرِ , وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } . فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَيَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ . وَهُوَ مِثْلُ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ أَنْ [ يَكُونَ الْأَمْرُ ] بِالْإِشْهَادِ : دَلَالَةً لَا : حَتْمًا . وَفِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } ; كَالدَّلِيلِ عَلَى الْإِرْخَاصِ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } ; أَيْ إنْ لَمْ يُشْهِدُوا , ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) . ( وَالْمَعْنَى الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ : الْمَأْمُورُ : بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالُهُ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ : إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ , وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَلَى الدَّلَالَةِ وَقَدْ يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ . وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْوَكِيلِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَى مَنْ أَمْرِهِ الْمُوَكِّلُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ; لَمْ يَقْبَلْ [ مِنْهُ ] إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ ; لَيْسَ هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَى الْمَالِ ; كَمَا أَنَّ الْيَتَامَى لَيْسُوا الَّذِينَ ائْتَمَنُوهُ عَلَى الْمَالِ فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ . وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُ , وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ : قَدْ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ ; فَيَقْبَلُ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ . وَذَكَرَ ( أَيْضًا ) فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بِمَعْنَاهُ .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } . فَسَمَّى اللَّهُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْفَاحِشَةِ هَا هُنَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الزِّنَا أَرْبَعَةَ شُهُودٍ . فَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ , لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الشُّهَدَاءِ : الرِّجَالُ خَاصَّةً ; دُونَ النِّسَاءِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الْحُجَّةِ عَلَى هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ بِالشَّهَادَةِ , وَسَمَّى فِيهَا عَدَدَ الشَّهَادَةِ ; فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَمَالَ الشَّهَادَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ : شَاهِدَانِ لَا نِسَاءَ فِيهِمَا ; لِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ بِحَالٍ , أَنْ يَكُونَا إلَّا رَجُلَيْنِ . وَدَلَّ أَنِّي لَمْ أَلْقَ مُخَالِفًا : حَفِظْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَرَامًا أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : دَلَالَةُ اخْتِيَارٍ . وَاحْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّجْعَةِ مِنْ هَذَا . مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقُ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَالِاخْتِيَارُ فِي هَذَا , وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ فِيهِ [ بِالشَّهَادَةِ ] : الْإِشْهَادُ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا : , وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُهُودَ الزِّنَا , وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ , وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ يَعْنِي : [ فِي ] قوله تعالى : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } . فَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمْ امْرَأَةً . فَوَجَدْنَا شُهُودَ الزِّنَا عَلَى حَدٍّ , لَا مَالٍ : وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ , وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ أَنَّهُ وَصِيٌّ . ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزِّنَا إلَّا الرِّجَالُ . وَعَلِمْتُ أَكْثَرَهُمْ قَالَ : وَلَا فِي طَلَاقٍ وَلَا رَجْعَةٍ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ , وَقَالُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ . فَكَانَ مَا حَكَيْتُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ . دَلَالَةً عَلَى مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ , وَيُصَارَ إلَيْهِ . وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُهُودَ الدَّيْنِ فَذَكَرَ فِيهِمْ النِّسَاءَ , وَكَانَ الدَّيْنُ أَخْذَ مَالٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ . فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فَرَّقَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بَيْنَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْظَرَ : كُلُّ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ , فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ , وَكَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهَا حَقٌّ غَيْرِ مَالٍ أَوْ شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ : كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ ; إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ الْوَصِيَّةِ , وَالْوَكَالَةِ , وَالْقِصَاصِ , وَالْحُدُودِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ . وَيُنْظَرُ : كُلُّ مَا شُهِدَ بِهِ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ , مَالًا فَتُجَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فِيهِ فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْقَوْلُ , وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِضَرْبِهِ , وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ ; وَسَمَّاهُ فَاسِقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى [ لَهُ ] إلَّا أَنْ يَتُوبَ . وَالثُّنْيَا فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ ; فِي جَمِيعِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرٌ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ قَبُولَ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ : إذَا تَابَ ; عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ( رضي الله عنه ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( رضي الله عنه ) ; ثُمَّ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ . قَالَ : وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَقَالَ : يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:49 pm | |
| أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } , وَحُكِيَ أَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ ( عليهم السلام ) وَصَفُوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ كَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ; فَحُكِيَ أَنَّ كَبِيرَهُمْ قَالَ : { ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا يَسَعُ شَاهِدًا , أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا عَلِمَ . وَالْعِلْمُ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : ( مِنْهَا ) مَا عَايَنَهَا الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ بِالْمُعَايَنَةِ ( وَمِنْهَا ) مَا سَمِعَهُ ; فَيَشْهَدُ أَثْبَتَ سَمْعًا مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ . ( وَمِنْهَا ) مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ : مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِي أَكْثَرِ الْعِيَانِ . وَثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَجْهِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ : مِنْ الْقِيَامِ بِشَهَادَتِهِ ; إذَا شَهِدَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ } الْآيَة . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } الْآيَةَ وَقَالَ { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } , وَقَالَ : { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الَّذِي أَحْفَظُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُ فِي الشَّاهِدِ : قَدْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ , وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ , وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ , وَلِلْبَغِيضِ : [ الْبَعِيدِ ] وَالْقَرِيبِ , وَلَا يَكْتُمَ عَنْ أَحَدٍ , وَلَا يُحَابِيَ بِهَا , وَلَا يَمْنَعَهَا أَحَدًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) ; قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ } : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا عَلَى مَنْ دُعِيَ لِكِتَابٍ ; فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ : كَانَ عَاصِيًا . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ [ عَلَى ] مَنْ حَضَرَ مِنْ الْكُتَّابِ أَنْ لَا يُعَطِّلُوا كِتَابَ حَقٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ; فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ . كَمَا حُقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْجَنَائِزِ وَيَدْفِنُوهَا ; فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِيهَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنْ الْمَأْثَمِ . وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } يَحْتَمِلُ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَا يَأْبَى كُلُّ شَاهِدٍ : اُبْتُدِئَ , فَيُدْعَى : لِيَشْهَدَ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى مَنْ حَضَرَ أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلشَّهَادَةِ ; فَإِذَا شَهِدُوا أَخْرَجُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الْمَأْثَمِ , وَإِنْ تَرَكَ مَنْ حَضَرَ الشَّهَادَةَ : خِفْتُ حَرَجَهُمْ ; بَلْ لَا شَكَّ فِيهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ [ بِهِ ] , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ فَأَمَّا مَنْ سَبَقَتْ شَهَادَتُهُ : بِأَنْ شَهِدَ ; أَوْ عَلِمَ حَقًّا : لِمُسْلِمٍ , أَوْ مُعَاهِدٍ فَلَا يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ عَنْ تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ مَتَى طُلِبَ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ مَقْطَعِ الْحَقِّ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تَعَالَى ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } . فَكَانَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا , أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ : الْأَحْرَارُ , الْمَرْضِيُّونَ , الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِبَلِ : أَنَّ رِجَالَنَا وَمَنْ نَرْضَى مِنْ أَهْلِ دِينِنَا لَا : الْمُشْرِكُونَ ; لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَرِجَالُنَا أَحْرَارُنَا لَا : مَمَالِيكُنَا الَّذِينَ يَغْلِبُهُمْ مَنْ تَمَلَّكَهُمْ , عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ : وَأَنَّا لَا نَرْضَى أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَّا , وَأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْعُدُولِ مِنَّا , وَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ : الْبَالِغُونَ ; دُونَ : مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } إلَى : { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } , وقوله تعالى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ; دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا عَنَى : الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ , فَأَعْدَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ بِاَللَّهِ شِرْكًا : أَسْجَدُهُمْ لِلصَّلِيبِ , وَأَلْزَمُهُمْ لِلْكَنِيسَةِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ فَقَدْ ] سَمِعْت مَنْ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ , عَلَى مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالتَّنْزِيلُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ } , وَالصَّلَاةُ الْمُوَقَّتَةُ : لِلْمُسْلِمِينَ . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } وَإِنَّمَا الْقَرَابَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : مِنْ الْعَرَبِ أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ . لَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَقَوْلُ [ اللَّهِ ] : { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } ; فَإِنَّمَا يَتَأَثَّمُ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ [ لِلْمُسْلِمِينَ ] : الْمُسْلِمُونَ لَا أَهْلُ الذِّمَّةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ جَرَى فِي سِيَاقِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) أَنَّهُ قَالَ : قُلْت لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ ; أَفَتُجِيزُهَا فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ أَوْ تُحَلِّفُهُمْ إذَا شَهِدُوا ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ : وَلِمَ وَقَدْ تَأَوَّلْت أَنَّهَا فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ ؟ , قَالَ : لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْتُ فَإِنْ نُسِخَتْ فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ فَلِمَ تُثْبِتُهَا فِيمَا لَمْ تُنْزَلْ فِيهِ ؟ , وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) عَنْ الْآيَةِ بِجَوَابٍ آخَرَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ , وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ . وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , قَالَ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ . أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ مُعَاذُ بْنُ مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ عَنْ بُكَيْر بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ( قَالَ بُكَيْر : قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ , وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } الْآيَةَ . أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارِينَ ; أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ ; وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ ; ( وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ دَارِينَ أَحَدُهُمَا . تَمِيمٌ , وَالْآخَرُ : عَدِيٌّ ) . : صَحِبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَةٍ , فَرَكِبُوا الْبَحْرَ : وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ , قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ بَيْنِ آنِيَةٍ وَبَزٍّ وَرِقَةٍ وَغَيْرِهَا فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ فَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ إلَى الدَّارِيَيْنِ ; فَمَاتَ , وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ : فَدَفَعَاهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ , وَجَاءَا بِبَعْضِ مَالِهِ فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ , فَقَالُوا لِلدَّاريِّينَ إنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ : وَمَعَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا أَتَيْتُمُونَا بِهِ ; فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا , أَوْ اشْتَرَى [ شَيْئًا ] فَوَضَعَ فِيهِ أَوْ هَلْ طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ؟ قَالَا : لَا قَالُوا فَإِنَّكُمَا خُنْتُمُونَا فَقَبَضُوا الْمَالَ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ . فَلَمَّا نَزَلَتْ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ } أَمَرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) الدَّارِيَيْنِ ; فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنْ الْمَالِ , إلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ , وَإِنَّا لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ الدُّنْيَا { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } . فَلَمَّا حَلَفَا : خَلَّى سَبِيلَهُمَا . ثُمَّ إنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ إنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْمَيِّتِ ; فَأَخَذَ الدَّارِيَانِ , فَقَالَا : اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ , وَكَذَبَا ; فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا . فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ عُثِرَ } يَقُولُ : فَإِنْ اُطُّلِعَ { عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا } يَعْنِي : الدَّارِيَيْنِ ; [ أَيْ ] : كَتَمَا حَقًّا ; { فَآخَرَانِ } مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ ; { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا , وَإِنَّ الَّذِي نَطْلُبُ قِبَلَ الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ ; { وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } . فَهَذَا : قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا } يَعْنِي : الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاسَ ; [ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ ] . [ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ الدَّارِيَيْنِ ] مِنْ النَّاسِ . وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى : غَيْرَ جُمْلَةِ مَا قَالَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } أَيْمَانُ بَيْنِكُمْ ; كَمَا سُمِّيَتْ أَيْمَانُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ شَهَادَةً , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ إلَى أَنْ قَالَ : وَلَيْسَ فِي هَذَا رَدُّ الْيَمِينِ , إنَّمَا كَانَتْ يَمِينُ الدَّارِيَيْنِ عَلَى مَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ مِنْ الْخِيَانَةِ , وَيَمِينُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ادَّعَى الدَّارِيَانِ أَنَّهُ صَارَ لَهُمَا مِنْ قِبَلِهِ . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } , فَذَلِكَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الْأَيْمَانَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بِدَعْوَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ اخْتَانُوا ; ثُمَّ صَارَ الْوَرَثَةُ حَالِفِينَ : بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ هَذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ , وَادِّعَائِهِمْ شِرَاءَهُ مِنْهُ . فَجَازَ أَنْ يُقَالَ : { أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } [ تُثَنَّى عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ . بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إنْ صَارَتْ لَهُمْ الْأَيْمَانُ ; كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَهُمْ ] . وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } فَيَحْلِفَانِ كَمَا أُحْلِفَا . وَإِذَا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْتُ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً , وَلَا مَنْسُوخَةً . قَالَ الشَّيْخُ : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , مَا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ } : الشَّهَادَةَ نَفْسَهَا . وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . يَشْهَدَانِ لَهُمْ بِمَا ادَّعُوا عَلَى الدَّارِيَيْنِ مِنْ الْخِيَانَةِ . ثُمَّ قَالَ : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِينَ مِنْكُمْ ; بَيِّنَةٌ فَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يَعْنِي : فَالدَّارِيَّانِ اللَّذَانِ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا يُحْبَسَانِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ . { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } يَعْنِي يَحْلِفَانِ عَلَى إنْكَارِ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا حَكَاهُ مُقَاتِلٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْتُ : مِنْ أَنْ يَسْتَحْلِفَ النَّاسُ : فِيمَا بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ , وَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } , وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : [ هِيَ ] صَلَاةُ الْعَصْرِ , ثُمَّ ذَكَرَ شَهَادَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ , وَغَيْرَهَا .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ , أَنَّهُ قَالَ : زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } : مَا جَعَلَ لِرَجُلٍ : مِنْ أَبَوَيْنِ ; فِي الْإِسْلَامِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْتَدَلَّ بِسِيَاقِ الْآيَةِ : قوله تعالى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } . قَالَ الشَّيْخُ : قَدْ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ , وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 السبت أكتوبر 16, 2010 11:51 pm | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْقُرْعَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ } . فَأَصْلُ الْقُرْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فِي قِصَّةِ الْمُقْتَرِعِينَ [ عَلَى مَرْيَمَ ] , وَالْمُقَارِعِينَ يُونُسَ ( عليه السلام ) مُجْتَمِعَةٌ وَلَا تَكُونُ الْقُرْعَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) . إلَّا بَيْنَ الْقَوْمِ مُسْتَوِينَ فِي الْحُجَّةِ . وَلَا يَعْدُو ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) الْمُقْتَرِعُونَ عَلَى مَرْيَمَ ( عليها السلام ) , أَنْ يَكُونُوا : كَانُوا سَوَاءً فِي كَفَالَتِهَا ; فَتَنَافَسُوهَا لَمَّا كَانَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ وَاحِدٍ , أَرْفَقَ بِهَا . لِأَنَّهَا لَوْ صُيِّرَتْ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ , وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلِ ذَلِكَ : أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَضَرَّ بِهَا ; مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْكَافِلَ إذَا كَانَ وَاحِدًا : كَانَ أَعَطَفَ لَهُ عَلَيْهَا , وَأَعْلَمَ لَهُ ] بِمَا فِيهِ مُصْلِحَتُهَا : لِلْعِلْمِ : بِأَخْلَاقِهَا , وَمَا تَقْبَلُ , وَمَا تَرُدُّ , وَ [ مَا ] يَحْسُنُ [ بِهِ ] اغْتِذَاؤُهَا . وَكُلُّ مَنْ اعْتَنَفَ كَفَالَتَهَا , كَفَلَهَا : غَيْرَ خَابِرٍ بِمَا يُصْلِحُهَا , وَلَعَلَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى صَلَاحِهَا : حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ ; فَيَعْتَنِفُ مِنْ كَفَالَتِهَا ; [ مَا اعْتَنَفَ ] غَيْرُهُ . وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ يَصِحُّ , وَذَلِكَ أَنَّ وِلَايَةَ وَاحِدٍ إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً غَيْرَ مُمْتَنِعَةٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ مَنْ عَقَلَ يَسْتُرُ مَا يَنْبَغِي سِتْرُهُ كَانَ أَكْرَمَ لَهَا , وَأَسْتَرَ عَلَيْهَا أَنْ يَكْفُلَهَا وَاحِدٌ , دُونَ الْجَمَاعَةِ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كَافِلٍ , وَيَغْرَمُ مَنْ بَقِيَ مُؤْنَتَهَا : بِالْحِصَصِ كَمَا تَكُونُ الصَّبِيَّةُ عِنْدَ خَالَتِهَا , وَعِنْدَ أُمِّهَا : وَمُؤْنَتُهَا : عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا . قَالَ : وَلَا يَعْدُو الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام أَنْ يَكُونُوا تَشَاحُّوا عَلَى كَفَالَتِهَا فَهُوَ : أَشْبَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ يَكُونُوا تَدَافَعُوا كَفَالَتَهَا ; فَاقْتَرَعُوا : أَيُّهُمْ تَلْزَمُهُ ؟ فَإِذَا رَضِيَ مَنْ شَحَّ عَلَى كَفَالَتِهَا , أَنْ يَمُونَهَا لَمْ يُكَلِّفْ غَيْرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا ; . شَيْئًا . بِرِضَاهُ بِالتَّطَوُّعِ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ قَالَ : وَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ فَالْقُرْعَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُمْ مَا يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ تُخَلِّصُ لَهُ مَا تَرْغَبُ فِيهِ نَفْسُهُ , وَتَقْطَعُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ . وَهَكَذَا [ مَعْنَى ] قُرْعَةِ يُونُسَ ( عليه السلام ) لَمَّا وَقَفَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ , فَقَالُوا مَا يَمْنَعُهَا أَنْ تَجْرِيَ إلَّا عِلَّةٌ بِهَا , وَمَا عِلَّتُهَا إلَّا : ذُو ذَنْبٍ فِيهَا ; فَتَعَالَوْا : نَقْتَرِعُ . فَاقْتَرَعُوا فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ ( عليه السلام ) فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا , وَأَقَامُوا فِيهَا . وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى الْقُرْعَةِ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام ; لِأَنَّ حَالَةَ الرُّكْبَانِ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُكْمٌ يُلْزِمُ أَحَدَهُمْ فِي مَالِهِ , شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ , وَيُزِيلُ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا : كَانَ يَلْزَمُهُ فَهُوَ يَثْبُتُ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ , وَيُبَيِّنُ فِي بَعْضٍ : أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ كَمَا كَانَ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام : غُرْمٌ , وَسُقُوطُ غُرْمٍ . قَالَ : وَقُرْعَةُ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقْرَعَ فِيهِ : [ فِي ] مِثْلِ مَعْنَى الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام , سَوَاءً : لَا يُخَالِفُهُ . وَذَلِكَ : أَنَّهُ ( عليه السلام ) أَقْرَعَ بَيْنَ مَمَالِيكَ أُعْتِقُوا مَعًا فَجَعَلَ الْعِتْقَ : تَامًّا لِثُلُثِهِمْ , وَأَسْقَطَ عَنْ ثُلُثَيْهِمْ بِالْقُرْعَةِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتِقَ فِي مَرَضِهِ أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ فَجَازَ عِتْقُهُ فِي مَالِهِ . وَلَمْ يَجُزْ فِي مَالِ غَيْرِهِ . فَجَمَعَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) الْعِتْقَ فِي ثَلَاثَةٍ , وَلَمْ يُبَعِّضْهُ كَمَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ , وَلَا يُبَعِّضُ عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِكَ : كَانَ إقْرَاعُهُ لِنِسَائِهِ أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْحَضَرِ ; فَلَمَّا كَانَ فِي السَّفَرِ : كَانَ مَنْزِلَةً يَضِيقُ فِيهَا الْخُرُوجُ بِكُلِّهِنَّ ; فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا : خَرَجَ بِهَا , وَسَقَطَ حَقُّ غَيْرِهَا فِي غِيبَتِهِ بِهَا ; فَإِذَا حَضَرَ عَادَ لِلْقَسْمِ لِغَيْرِهَا , وَلَمْ يَحْسِبْ عَلَيْهَا أَيَّامَ سَفَرِهَا وَكَذَلِكَ : قَسَمَ خَيْبَرَ : [ فَكَانَ ] أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ ; ثُمَّ أَقْرَعَ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى جُزْءٍ مُجْتَمِعٍ : كَانَ لَهُ بِكَمَالِهِ , وَانْقَطَعَ مِنْهُ حَقُّ غَيْرِهِ , وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْ غَيْرِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا } الْآيَةَ , وَقَالَ : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ } ; فَنَسَبَ إبْرَاهِيمَ عليه السلام ) إلَى أَبِيهِ : وَأَبُوهُ كَافِرٌ , وَنَسَبَ [ ابْنَ ] نُوحٍ إلَى أَبِيهِ : وَابْنُهُ كَافِرٌ . وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } ; فَنَسَبَ الْمَوَالِيَ إلَى نَسَبَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) إلَى الْآبَاءِ ; ( وَالْآخَرُ ) إلَى الْوَلَاءِ . وَجَعَلَ الْوَلَاءَ بِالنِّعْمَةِ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) { : إنَّمَا الْوَلَاءُ : لِمَنْ أَعْتَقَ } فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ : لِمُتَقَدِّمِ فِعْلٍ مِنْ الْمُعْتِقِ ; كَمَا يَكُونُ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ وِلَادٍ [ مِنْ الْأَبِ ] . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي امْتِنَاعِهِمْ مِنْ تَحْوِيلِ الْوَلَاءِ عَنْ الْمُعْتِقِ , إلَى غَيْرِهِ : بِالشَّرْطِ : كَمَا يَمْتَنِعُ تَحْوِيلُ النَّسَبِ بِالِانْتِسَابِ إلَى غَيْرِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ النَّسَبُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ } ; دَلَالَةٌ : عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ : أَنْ يُكَاتَبَ مَنْ يَعْقِلُ ; مَا يَطْلُبُ لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ أَنْ يَبْتَغِيَ الْكِتَابَةَ مِنْ صَبِيٍّ , وَلَا : مَعْتُوهٍ أَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ مَا الْخَيْرُ ؟ الْمَالُ ؟ أَوْ الصَّلَاحُ ؟ أَمْ كُلُّ ذَلِكَ ؟ قَالَ مَا نَرَاهُ إلَّا الْمَالَ ; قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ : وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ ؟ قَالَ مَا أَحْسَبُ مَا خَيْرًا إلَّا : ذَلِكَ الْمَالَ لَا : الصَّلَاحَ . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِدٌ { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } الْمَالَ ; كَائِنَةً أَخْلَاقُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ مَا كَانَتْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْخَيْرُ كَلِمَةٌ يُعْرَفُ مَا أُرِيدَ بِهَا , بِالْمُخَاطَبَةِ بِهَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } ; فَعَقَلْنَا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ : بِالْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ لَا بِالْمَالِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } ; فَعَقَلْنَا أَنَّ الْخَيْرَ : الْمَنْفَعَةُ بِالْأَجْرِ لَا أَنَّ فِي الْبُدْنِ لَهُمْ مَالًا . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا } ; فَعَقَلْنَا أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مَالًا ; لِأَنَّ الْمَالَ : الْمَتْرُوكُ , وَلِقَوْلِهِ : { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } . فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } كَانَ أَظْهَرَ مَعَانِيهَا بِدَلَالَةِ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ مِنْ الْكِتَابِ . قُوَّةً عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ , وَأَمَانَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ : قَوِيًّا فَيَكْسِبُ ; فَلَا يُؤَدِّي إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا أَمَانَةٍ . وَأَمِينًا , فَلَا يَكُونُ قَوِيًّا عَلَى الْكَسْبِ فَلَا يُؤَدِّي . وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي قوله تعالى : { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } . إلَّا هَذَا . وَلَيْسَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ إنْ عَلِمْت فِي عَبْدِك مَالًا ; لِمَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ فِيهِ ; إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ لَا فِيهِ . وَلَكِنْ يَكُونُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ : الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَالَ . ( وَالثَّانِي ) أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ : فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ ؟ , إنَّمَا يُكَاتِبُهُ بِمَا يُفِيدُ الْعَبْدَ : بَعْدَ الْكِتَابَةِ . لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ , يُمْنَعُ مَا [ أَفَادَ ] الْعَبْدُ : لِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ . وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْخَيْرَ : الْمَالُ ; [ أَرَادَ ] أَنَّهُ أَفَادَ بِكَسْبِهِ مَالًا لِلسَّيِّدِ فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ مَالًا يُعْتِقُ بِهِ ; كَمَا أَفَادَ أَوَّلًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا جَمَعَ الْقُوَّةَ عَلَى الِاكْتِسَابِ , وَالْأَمَانَةَ : فَأَحَبُّ إلَيَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ . وَلَا يُبَيِّنُ لِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ يَكُونَ إرْشَادًا , أَوْ إبَاحَةً ; [ لَا : حَتْمًا ] . وَقَدْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ , عَدَدٌ : مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَاحْتَجَّ فِي جُمْلَةِ مَا ذَكَرَ : بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ . وَاجِبًا : لَكَانَ مَحْدُودًا بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِتَابَةِ أَوْ لِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ : أَنَا الثِّقَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا ; وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلَافٍ . أَحْسِبُهُ قَالَ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا عِنْدِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } . فَيُجْبَرُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ . شَيْئًا ; [ وَإِذَا وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا ] مَا كَانَ : [ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ ] . وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ كُلَّهَا , فَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا , وَيُعْطِيَهُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ : لِأَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } ; يُشْبِهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : آتَاكُمْ مِنْهُمْ ; فَإِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
| |
| | | Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي2 الأحد أكتوبر 17, 2010 1:20 am | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي التَّفْسِيرِ فِي آيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ سِوَى مَا مَضَى
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ : الْمُسْتَدْرَكِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ( مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ) أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ : دَخَلْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ , وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْت مَا يَبْكِيك يَا أَبَا عَبَّاسٍ ؟ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك . فَقَالَ : هَلْ تَعْرِفُ ( أَيْلَةَ ) ؟ قُلْت : وَمَا ( أَيْلَةُ ) ؟ قَالَ : قَرْيَةٌ كَانَ بِهَا نَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ ; فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحِيتَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ; فَكَانَتْ حِيتَانُهُمْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ : شُرَّعًا بِيضٌ سِمَانٌ : كَأَمْثَالِ الْمَخَاضِ بِأَفْنِيَاتِهِمْ وَأَبْنِيَاتِهِمْ ; فَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ السَّبْتِ لَمْ يَجِدُوهَا , وَلَمْ يُدْرِكُوهَا إلَّا فِي مَشَقَّةٍ وَمُؤْنَةٍ شَدِيدَةٍ ; فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : لَعَلَّنَا : لَوْ أَخَذْنَاهَا يَوْمَ السَّبْتِ , وَأَكَلْنَاهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ السَّبْتِ ؟ , فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْهُمْ فَأَخَذُوا فَشَوَوْا فَوَجَدَ جِيرَانُهُمْ رِيحَ الشَّوِيِّ , فَقَالُوا : وَاَللَّهِ مَا نُرَى إلَّا أَصَابَ بَنِي فُلَانٍ شَيْءٌ . فَأَخَذَهَا آخَرُونَ : حَتَّى فَشَا ذَلِكَ فِيهِمْ فَكَثُرَ ; فَافْتَرَقُوا فِرَقًا ثَلَاثًا فِرْقَةً أَكَلَتْ ; وَفِرْقَةً : نَهَتْ , وَفِرْقَةً قَالَتْ ; { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فَقَالَتْ الْفِرْقَةُ الَّتِي نَهَتْ إنَّا نُحَذِّرُكُمْ غَضَبَ اللَّهِ , وَعِقَابَهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ : بِخَسْفٍ , أَوْ قَذْفٍ أَوْ بِبَعْضِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَذَابِ , وَاَللَّهِ : لَا نُبَايِتُكُمْ فِي مَكَان : وَأَنْتُمْ فِيهِ . ( قَالَ ) فَخَرَجُوا مِنْ الْبُيُوتِ ; فَغَدَوْا عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَدِ فَضَرَبُوا بَابَ الْبُيُوتِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ أَحَدٌ ; فَأَتَوْا بِسُلَّمٍ : فَأَسْنَدُوهُ إلَى الْبُيُوتِ ; ثُمَّ رَقَى مِنْهُمْ رَاقٍ عَلَى السُّوَرِ , فَقَالَ يَا عِبَادَ اللَّهِ ; قِرَدَةٌ ( وَاَللَّهِ ) : لَهَا أَذْنَابٌ , تَعَاوَى ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) . ثُمَّ نَزَلَ مِنْ السُّوَرِ فَفَتَحَ الْبُيُوتَ ; فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ فَعَرَفَتْ الْقُرُودُ أَنْسَابَهَا مِنْ الْإِنْسِ , وَلَمْ يَعْرِفْ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا مِنْ الْقُرُودِ . ( قَالَ ) فَيَأْتِي الْقِرْدُ إلَى نَسِيبِهِ وَقَرِيبِهِ مِنْ الْإِنْسِ ; فَيَحْتَكُّ بِهِ وَيَلْصَقُ , وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَنْتَ فُلَانٌ ؟ فَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ أَيْ : نَعَمْ . وَيَبْكِي . وَتَأْتِي الْقِرْدَةُ إلَى نَسِيبِهَا وَقَرِيبِهَا مِنْ الْإِنْسِ ; فَيَقُولُ لَهَا الْإِنْسَانُ أَنْتِ فُلَانَةُ ؟ فَتُشِيرُ بِرَأْسِهَا أَيْ : نَعَمْ : وَتَبْكِي فَيَقُولُ لَهَا الْإِنْسَانُ : إنَّا حَذَّرْنَاكُمْ غَضَبَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ بِخَسْفٍ , أَوْ مَسْخٍ أَوْ بِبَعْضِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَذَابِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَاسْمَعْ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } فَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَتْ الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ مُنْكِرٍ ; فَلَمْ نَنْهَ عَنْهُ . قَالَ عِكْرِمَةُ : أَلَا تَرَى ( جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك ) أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وَكَرِهُوا ; حِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فَأَعْجَبَهُ قَوْلِي ذَلِكَ وَأَمَرَ لِي بِبُرْدَيْنِ غَلِيظَيْنِ ; فَكَسَانِيهِمَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ : ( فِي آخَرِينَ ) ; قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ ; قَالَ : لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : يَسْأَلُ عَنْ السَّاعَةِ ; حَتَّى أَنْزَلَ عَلَيْهِ : { فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا } ; فَانْتَهَى .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطُّوسِيُّ ) نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ , قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ } . قَالَ : يُقَالُ : هُوَ الْغِنَاءُ ; بِالْحِمْيَرِيَّةِ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : غِضَابٌ مُبَرْطِمُونَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ مِنْ ] السُّمُودِ [ وَ ] كُلُّ مَا يُحَدَّثُ الرَّجُلُ [ بِهِ ] : فَلَهَى عَنْهُ , وَلَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِ فَهُوَ : السُّمُودُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مُقَسِّمٍ ( بِبَغْدَادَ ) , يَقُولُ : سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارَ , يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : الْفَصَاحَةُ إذَا اسْتَعْمَلْتهَا فِي الطَّاعَةِ . أَشْفَى وَأَكْفَى فِي الْبَيَانِ وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْذَارِ . لِذَلِكَ : [ دَعَا ] مُوسَى رَبَّهُ , فَقَالَ : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } , وَقَالَ : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } لِمَا عَلِمَ أَنَّ الْفَصَاحَةَ أَبْلَغُ فِي الْبَيَانِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَمْرٍو الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْت عَبْدَ الْمُنْعِمِ بْنَ عُمَرَ الْأَصْفَهَانِيَّ , [ يَقُولُ ] : نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ , وَالزَّعْفَرَانِيّ , وَأَبُو ثَوْرٍ ; كُلُّهُمْ قَالُوا : سَمِعْنَا مُحَمَّدَ بْنَ إدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ : نَزَّهَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) نَبِيَّهُ , وَرَفَعَ قَدْرَهُ وَعِلْمَهُ وَأَدَبَهُ , وَقَالَ : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } . وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْوَالٍ شَتَّى : مُتَوَكِّلٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ أَوْ عَلَى زَرْعِهِ أَوْ عَلَى سُلْطَانٍ أَوْ عَلَى عَطِيَّةِ النَّاسِ . وَكُلُّ مُسْتَنِدٍ إلَى حَيٍّ يَمُوتُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ يَفْنَى يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ . فَنَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) ; وَأَمَرَهُ : أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْتَنْبَطْت الْبَارِحَةَ آيَتَيْنِ فَمَا أَشْتَهِي , بِاسْتَنْباطِهِمَا , الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلَّا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ } , وَفِي كِتَابِ اللَّهِ هَذَا كَثِيرٌ : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } ; فَتَعَطَّلَ الشُّفَعَاءُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ . وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ عليه السلام : { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ; فَوَعَدَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ تَابَ : مُسْتَغْفِرًا التَّمَتُّعَ إلَى الْمَوْتِ ; ثُمَّ قَالَ : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أَيْ : فِي الْآخِرَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَلَسْنَا نَحْنُ تَائِبِينَ عَلَى حَقِيقَةٍ , وَلَكِنْ عِلْمٌ عَلِمَهُ اللَّهُ مَا حَقِيقَةُ التَّائِبِينَ : وَقَدْ مُتِّعْنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَتُّعًا حَسَنًا ؟ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْتَنْبَطْت الْبَارِحَةَ آيَتَيْنِ فَمَا أَشْتَهِي , بِاسْتَنْباطِهِمَا , الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلَّا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ } , وَفِي كِتَابِ اللَّهِ هَذَا كَثِيرٌ : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } ; فَتَعَطَّلَ الشُّفَعَاءُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ . وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ عليه السلام : { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ; فَوَعَدَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ تَابَ : مُسْتَغْفِرًا التَّمَتُّعَ إلَى الْمَوْتِ ; ثُمَّ قَالَ : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أَيْ : فِي الْآخِرَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَلَسْنَا نَحْنُ تَائِبِينَ عَلَى حَقِيقَةٍ , وَلَكِنْ عِلْمٌ عَلِمَهُ اللَّهُ مَا حَقِيقَةُ التَّائِبِينَ : وَقَدْ مُتِّعْنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَتُّعًا حَسَنًا ؟ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْت عَنْهُ , وَقَرَأْتُهُ فِي كِتَابِهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ : وَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ : مَا بَعْدَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَتْ فِي أُحُدٍ فِي أَمْرِهَا , وَسُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ , وَسُورَةُ الْأَحْزَابِ نَزَلَتْ فِي الْخَنْدَقِ , وَهِيَ : الْأَحْزَابُ , وَسُورَةُ الْحَشْرِ نَزَلَتْ فِي النَّضِيرِ . قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ لَمْ تُخَمَّسْ أَلْبَتَّةَ , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ آيَةُ الْخُمُسِ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ , وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قوله تعالى : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ } يَعْنِي : لَا تَسْتَحِلُّوهَا , [ وَهِيَ ] : كُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : مِنْ الْهَدْيِ وَغَيْرِهِ .
[ وَفِي قَوْلِهِ ] : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } : مَنْ أَتَاهُ : تَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { شَنَآنُ قَوْمٍ } عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ .
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَاةِ مِنْ هَذَا فَهُوَ ذَكِيٌّ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْأَزْلَامُ لَيْسَ لَهَا مَعْنًى إلَّا : الْقِدَاحُ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } إنَّهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لَا تُمَلِّكْهُمْ مَا أَعْطَيْتُك مِنْ ذَلِكَ وَكُنْ أَنْتَ النَّاظِرَ لَهُمْ فِيهِ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } الْحَرَائِرُ : مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ . { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } : عَفَائِفَ غَيْرَ فَوَاسِقَ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَةَ قَالَ : إذَا اتَّقَوْا لَمْ يَقْرُبُوا مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } قَالَ : هَذَا مِثْلُ قوله تعالى { لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ } , وَمِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَلْفَاظٍ .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } قَالَ : هَذَا مِثْلُ قوله تعالى { لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ } , وَمِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَلْفَاظٍ .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ } ذَكَرُوا فِيهَا مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ مَنْ عَصَى فَقَدْ جَهِلَ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ . ( وَالْآخَرُ ) أَنَّهُ لَا يَتُوبُ أَبَدًا : حَتَّى يَعْلَمَهُ , وَحَتَّى يَعْمَلَهُ : وَهُوَ لَا يَرَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , [ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } . مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ إلَّا خَطَأً .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ } الْآيَةَ قَوْلُ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) , أَثْبَتُ شَيْءٍ فِيهِ . وَذَكَرَ لِي فِي قَوْلِهَا : حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ .
قَالَ : وَقَالَ [ الشَّافِعِيُّ ] فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلُ عَائِشَةَ : حَلِفُ الرَّجُلِ عَلَى الشَّيْءِ : يَسْتَيْقِنُهُ , ثُمَّ يَجِدُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ . قُلْت : وَهَذَا بِخِلَافِ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ . وَرِوَايَةِ الرَّبِيعِ أَصَحُّ فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ إنَّمَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ . وَعُمَرَ بْنِ قَيْسٍ ضَعِيفٌ . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ : كَالْمُنْقَطِعِ . وَالصَّحِيحُ عَنْ عَطَاءٍ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَا رَوَاهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ ; وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا مَا أَجَازَهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ .
( قَرَأْت ) فِي كِتَابِ : ( السُّنَنِ ) رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } وَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ : { فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } فَقِيلَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ . وَقَالَ : { مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } ; فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : نُطْفَةُ الرَّجُلِ مُخْتَلِطَةٌ بِنُطْفَةِ الْمَرْأَةِ . ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) : وَمَا اخْتَلَطَ سَمَّتْهُ الْعَرَبُ أَمْشَاجًا . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } ; الْآيَةَ فَأَخْبَرَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ كُلَّ آدَمِيٍّ مَخْلُوقٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى , وَسَمَّى الذَّكَرَ أَبًا وَالْأُنْثَى أُمًّا . وَنَبَّهَ أَنَّ مَا نُسِبَ : مِنْ الْوَلَدِ . إلَى أَبِيهِ : نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِهِ ; فَقَالَ : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } , وَقَالَ : { يَا زَكَرِيَّا إنَّا نُبَشِّرُك بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ كَانَ بَيِّنًا فِي أَحْكَامِهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ نِعْمَتَهُ لَا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ مَعْصِيَتِهِ ; فَأَحَلَّ النِّكَاحَ , فَقَالَ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . وَحَرَّمَ الزِّنَا , فَقَالَ : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } ; مَعَ مَا ذَكَرَهُ : فِي كِتَابِهِ . فَكَانَ مَعْقُولًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى أَبِيهِ : الزَّانِي بِأُمِّهِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ نِعْمَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ طَاعَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ مَعْصِيَتِهِ . ثُمَّ أَبَانَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ( بِبَغْدَادَ ) : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ ; حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ : حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ; قَالَ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : نَظَرْت بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ : فَعَرَفْت مُرَادَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي جَمِيعِ مَا فِيهِ , إلَّا حَرْفَيْنِ : ( ذَكَرَهُمَا , وَأُنْسِيت أَحَدَهُمَا ) ; وَالْآخَرُ : قوله تعالى { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } , فَلَمْ أَجِدْهُ : فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; فَقَرَأْت لِمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا : لُغَةُ السُّودَانِ , وَأَنَّ ( دَسَّاهَا ) أَغْوَاهَا . قَوْلُهُ : فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; أَرَادَ : لُغَتَهُ أَوْ أَرَادَ فِيمَا بَلَغَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ . وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مُقَاتِلٌ : لُغَةَ السُّودَانِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَرَأْت فِي كِتَابِ ( السُّنَنِ ) رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } , الْآيَتَيْنِ . قَالَ يُقَالُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَأْثَمُ مِنْ صِلَةِ الْمُشْرِكِينَ أَحْسَبُ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ فَرْضُ جِهَادِهِمْ , وَقَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ , وَنَزَلَ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ فَلَمَّا خَافُوا أَنْ تَكُونَ [ الْمَوَدَّةُ ] : الصِّلَةَ بِالْمَالِ , أَنْزَلَ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَكَانَتْ الصِّلَةُ بِالْمَالِ , وَالْبِرُّ وَالْإِقْسَاطُ وَلِينُ الْكَلَامِ , وَالْمُرَاسَلَةُ بِحُكْمِ اللَّهِ غَيْرَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ الْوِلَايَةِ لِمَنْ نُهُوا عَنْ وِلَايَتِهِ : مَعَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ : أَنَّهُ أَبَاحَ بِرَّ مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْهِمْ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَالْإِقْسَاطُ إلَيْهِمْ , وَلَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ إلَى مَنْ أَظْهَرَ عَلَيْهِمْ ; بَلْ : ذَكَرَ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَيْهِمْ , فَنَهَاهُمْ عَنْ وِلَايَتِهِمْ وَكَانَ الْوِلَايَةُ : غَيْرَ الْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ . وَكَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَادَى بَعْضَ أَسَارَى بَدْرٍ , وَقَدْ كَانَ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ : وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِ , وَالتَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ . وَمَنَّ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ : وَكَانَ مَعْرُوفًا : بِعَدَاوَتِهِ , وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ; ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ إسَارِهِ . وَأَسْلَمَ ثُمَامَةُ , وَحَبَسَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ : فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَمِيرَهُمْ ; فَأَذِنَ لَهُ فَمَارَهُمْ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } , وَالْأَسْرَى يَكُونُونَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ( إجَازَةً ) , قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَهْدِيُّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ ( رحمه الله ) , يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ : مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْتُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَبِي عَمْرٍو قَالَ : ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; [ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ : الْمُحَرَّمُ . ] [ وَإِنَّمَا كَرِهْت أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; مِنْ قِبَلِ : أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ] كَانُوا يَعُدُّونَ , فَيَقُولُونَ : صَفِرَانِ ; لِلْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ ; وَيَنْسَئُونَ : فَيَحُجُّونَ عَامًا فِي شَهْرٍ , وَعَامًا فِي غَيْرِهِ . وَيَقُولُونَ : إنْ أَخْطَأْنَا مَوْضِعَ الْمُحَرَّمِ , فِي عَامٍ أَصَبْنَاهُ فِي غَيْرِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } الْآيَةَ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ; مِنْهَا أَرْبَعٌ حُرُمٌ : ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَا شَهْرَ يُنْسَأُ , وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُحَرَّمَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
| |
| | | | أحكام القرآن للشافعي2 | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |