3* باب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان) هذا لفظ رواية أبى داود من طريق يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الحديث، وسنبين ما بينها وبين لفظ حديث الباب من التفاوت.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا
الشرح:
قوله: (حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة.
(عن عامر) هو الشعبي، وزكريا مدلس ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة، لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا، والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعا لهم، صرح بذلك الإسماعيلي.
قوله: (فأهويت) أي مددت يدي، قال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومأت به.
وقال غيره: أهويت قصدت الهواء من القيام إلى القعود.
وقيل الإهواء الإمالة، قال ابن بطال: فيه خدمة العالم، وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من عادة مخدومه قبل أن يأمره.
وفيه الفهم عن الإشارة، ورد الجواب عما يفهم عنها لقوله " فقال دعهما " قوله: (فإني أدخلتهما) أي القدمين (طاهرتين) كذا للأكثر، وللكشميهني " وهما طاهرتان " ولأبي داود " فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان " وللحميدي في مسنده " قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان " ولابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا " قال ابن خزيمة ذكرته للمزني فقال لي: حدث به أصحابنا، فإنه أقوى حجة للشافعي.
انتهى.
وحديث صفوان وإن كان صحيحا لكنه ليس على شرط البخاري، لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس، وأشار المزني بما قال إلى الخلاف في المسألة، ومحصله أن الشافعي والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية في الوضوء، وخالفهم داود فقال: إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح، ولو تيمم ثم لبسهما لم يبح له عندهم لأن التيمم مبيح لا رافع، وخالفهم أصبغ.
ولو غسل رجليه بنية الوضوء ثم لبسهما ثم أكمل باقي الأعضاء لم يبح المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب، وكذا عند من لا يوجبه بناء على أن الطهارة لا تتبعض، لكن قال صاحب الهداية من الحنفية: شرط إباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة، قال: والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس، في هذه الصورة إذا كمل الوضوء ثم أحدث جاز له المسح، لأنه وقت الحدث كان على طهارة كاملة انتهى.
والحديث حجة عليه لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح، والمعلق بشرط لا يصح إلا بوجود ذلك الشرط، وقد سلم أن المراد بالطهارة الكاملة، ولو توضأ مرتبا وبقي غسل إحدى رجليه فلبس ثم غسل الثانية ولبس لم يبح له المسح عند الأكثر، وأجازه الثوري والكوفيون والمزني صاحب الشافعي ومطرف صاحب مالك وابن المنذر وغيرهم لصدق أنه أدخل كلا من رجليه الخفين وهي طاهرة، وتعقب بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة، واستضعفه ابن دقيق العيد لأن الاحتمال باق.
قال: لكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض اتجه.
(فائدة) : المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع.
(فائدة أخرى) : لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند أحمد وإسحاق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزني وأبي ثور، وكذا قال مالك والليث إلا إن تطاول.
وقال الحسن وابن أبي ليلي وجماعة: ليس عليه غسل قدميه، وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح، وفيه نظر.
(فائدة أخرى) : لم يخرج البخاري ما يدل على توقيت المسح.
وقال به الجمهور.
وخالف مالك في المشهور عنه فقال: يمسح ما لم يخلع، وروي مثله عن عمر.
وأخرج مسلم التوقيت من حديث علي كما تقدم من حديث صفوان بن عسال، وفي الباب عن أبي بكرة وصححه الشافعي وغيره.
*3* باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ حذف التشكيل
وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا
الشرح:
قوله: (باب من لم يتوضأ من لحم الشاة) نص على لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى، وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل لأن من خصه من عموم الجواز علله بشدة زهومته فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخا، وفيه حديثان عند مسلم وهو قول أحمد واختاره ابن خزيمة وغيره من محدث الشافعية.
قوله: (والسويق) قال ابن التين: ليس في أحاديث الباب ذكر السويق.
وأجيب بأنه دخل من باب الأولى لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فعدمه من السويق أولى، ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده.
قوله: (وأكل أبو بكر.
الخ) سقط قوله " لحما " من رواية أبي ذر إلا عن الكشميهني، وقد وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال " رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا " ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
الشرح:
قوله: (أكل كتف شاة) أي لحمه.
وللمصنف في الأطعمة " تعرق " أي أكل ما على العرق - بفتح المهملة وسكون الراء - وهو العظم، ويقال له العراق بالضم أيضا.
وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها وهي خالة ابن عباس، كما أن ضباعة بنت عمه.
وبين النسائي من حديث أم سلمة أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَى السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
الشرح:
قوله: (يحتز) بالمهملة والزاي أي يقطع، زاد في الأطعمة من طرق معمر عن الزهري " يأكل منها " وفي البيهقي من طريق صالح عن الزهري " يأكل ذراعا يحتز منها".
قوله: (فألقى السكين) زاد في الأطعمة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري " فألقاها والسكين"، وزاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر الحديث: قال الزهري: فذهبت تلك - أي القصة - في الناس، ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " توضئوا مما مست النار " قال فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي، وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة.
وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وارتضى النووي هذا في شرح المهذب.
وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة، قال النووي: كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل.
وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، والله أعلم.
واستدل البخاري في الصلاة بهذا الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب، وعلى جواز قطع اللحم بالسكين، وفي النهي عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف، وفيه أن الشهادة على النفي - إذا كان محصورا - تقبل.
(فائدة) : ليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري إلا هذا الحديث والذي مضى في المسح فقط.
*3* باب مَنْ مَضْمَضَ مِنْ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من مضمض من السويق) قال الداودي: هو دقيق الشعير أو السلت المقلي.
وقال غيره: ويكون من القمح.
وقد وصفه أعرابي فقال: عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
الشرح:
قوله: (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري، والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري.
وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرا، ويسار بالتحتانية والمهملة.
قوله: (بالصهباء) بفتح المهملة والمد.
قوله: (وهي أدنى خيبر) أي طرفها مما يلي المدينة.
وللمصنف في الأطعمة وهي على روحة من خيبر.
وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان: هي على بريد وبين البخاري في موضع آخر من الأطعمة من حديث ابن عيينة أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيد أدرجت، وسيأتي الحديث قريبا بدون الزيادة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى.
قوله: (ثم دعا بالأزواد) فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر، وإن كان بعضهم أكثر أكلا.
وفيه حمل الأزواد في الأسفار وأن ذلك لا يقدح في التوكل، واستنبط منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمـع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه.
قوله: (فثرى) بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها، أي بل بالماء لما لحقه من اليبس.
قوله: (وأكلنا) زاد في رواية سليمان " وشربنا".
وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب " فلكنا وأكلنا وشربنا".
قوله: (ثم قام إلى المغرب فمضمض) أي قبل الدخول في الصلاة، وفائدة المضمضة من السويق وإن كان لا دسم له أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة.
قوله: (ولم يتوضأ) أي بسبب أكل السويق.
وقال الخطابي: فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم وخيبر كانت سنة سبع.
قلت: لا دلالة فيه، لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتى به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد، وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام.
الحديث:
و حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
الشرح:
قوله: (أخبرني عمرو) هو ابن الحارث، وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج، ومباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله.
ونصف الإسناد الأول مصريون ونصفه الأعلى مدنيون، ولعمرو بن الحارث فيه إسناد آخر إلى ميمونة ذكره الإسماعيلي مقرونا بالإسناد الأول، وليس في حديث ميمونة ذكر المضمضمة التي ترجم بها فقيل: أشار بذلك إلى أنها غير واجبة بدليل تركها في هذا الحديث، مع أن المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه فتركها لبيان الجواز، وأفاد الكرماني أن في نسخة الفربري التي بخطه تقديم حديث ميمونة هذا إلى الباب الذي قبله، فعلى هذا هو من تصرف النساخ.