foughala
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 829894
ادارة المنتدي فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 103798


foughala
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 829894
ادارة المنتدي فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 103798


foughala
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
foughala

اهلا بكم في منتدى الجزائريين ونحن نرحب بسكان الصحراء
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
الى كل من يريد ان يترك بصمة في هذا المنتدى ان يشاركنا في اثرائه بمختلف المواضيع وله منا جزيل الشكر والعرفان هيئة المنتدى                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

مرحبا بكم في احلى منتدى نتمنى ان تجدوا ماتريدونه                      مدير المنتدى

اعلان : لكل الاعضاء  لقد تم صنع شعار لمنتدانا يجب استعماله في كل المواضيع  ارجوا التقيد بالقانون https://foughala-star.7olm.org/montada-f37/topic-t1867.htm#2710

 

 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Empty
مُساهمةموضوع: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Icon_minitimeالأحد ديسمبر 12, 2010 11:13 pm

*3* باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ حذف التشكيل

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِب الْقَبْرِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في غسل البول‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القبر‏)‏ أي عن صاحب القبر‏.‏

وقاله الكرماني‏:‏ اللام بمعنى لأجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لا يستتر من بوله‏)‏ أشير إلى لفظ الحديث الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكر سوى بول الناس‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب ‏"‏ كان لا يستتر من البول ‏"‏ بول الناس لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان، وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال‏:‏ فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها‏.‏

ومحصل الرد أن العموم في رواية ‏"‏ من البول ‏"‏ أريد به الخصوص لقوله ‏"‏ من بوله ‏"‏ والألف واللام بدل من الضمير، لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق، قال‏:‏ وكذا غير المأكول، وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله، ولمن قال بطهارته حجج أخرى‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ قوله ‏"‏ من البول ‏"‏ اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ هو الدورقي قال ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ وللأكثر ‏"‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‏"‏ وهو المعروف بابن علية، وليس هو أخا يعقوب‏.‏

وروح بن القاسم بفتح الراء على المشهور، ونقل ابن التين والقابسي أنه قرئ بضمها وهو معاذ مردود، وقد تقدمت مباحث المتن في باب الاستنجاء بالماء، والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا تكرار فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيغتسل به‏)‏ كذا لأبي ذر - بوزن يفتعل - ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر السين، وحذف مفعوله للعلم به، أو للحياء من ذكره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثْلَهُ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏محمد بن خازم‏)‏ بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغرز‏)‏ وفي رواية وكيع في الأدب ‏"‏ فغرس ‏"‏ وهما بمعنى، وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر‏.‏

وقال‏:‏ إنه ثبت بإسناد صحيح، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند ابن حبان وقد قدمنا لفظه، ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث ابن عباس صريحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم فعلت‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ هذا ‏"‏ من رواية المستملي والسرخسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن المثنى‏:‏ وحدثنا وكيع‏)‏ هو معطوف على الأول، وثبتت أداة العطف فيه للأصيلي ولهذا ظن بعضهم أنه معلق، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى هذا عن وكيع وأبي معاوية جميعا عن الأعمش، والحكمة في إفراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر‏.‏

وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله‏.‏

*3* باب تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ الْأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي‏)‏ اللام فيه للعهد الذهبي، وقد تقدم أن الأعرابي واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما، وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين‏:‏ إما أن يقطعه فيتضرر، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏همام‏)‏ هو ابن يحيى، وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ ولمسلم ‏"‏ حدثني أنس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأى أعرابيا‏)‏ حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي، وقيل غيره كما سيأتي قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في المسجد‏)‏ أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله ‏(‏فقال دعوه‏)‏ كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى‏)‏ أي فتركوه حتى فرغ من بوله، فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير ‏(‏فصبه‏)‏ أي فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحا‏.‏

وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة ابن عمار عن إسحاق فساقه مطولا بنحو مما شرحناه، وزاد فيه‏:‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له ‏"‏ إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن ‏"‏ وسنذكر فوائده في الباب الآتي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عبيد الله‏)‏ كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان ابن عيينة عنه ‏"‏ عن سعيد بن المسيب ‏"‏ بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين، فالظاهر أن الروايتين صحيحتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قام أعرابي‏)‏ زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله ‏"‏ أنه صلى ثم قال‏:‏ اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا‏.‏

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد تحجرت واسعا‏.‏

فلم يلبث أن بال في المسجد ‏"‏ وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏

وقد روى ابن ماجه وابن حبان الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه ابن ماجه أيضا من حديث واثلة بن الأسقع، وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال ‏"‏ اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا ‏"‏ فذكره تاما بمعناه وزيادة، وهو مرسل، وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء، وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي أحمد بن خالد الذهبي عنه، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند، لكن قال في أوله ‏"‏ اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيا ‏"‏ والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رءوس الخوارج، وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني، لكن له أصل أصيل، واستفيد منه تسمية الأعرابي، وقد تقدم قول التاريخي إنه الأقرع، ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن، والعلم عند الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتناوله الناس‏)‏ أي بألسنتهم، وللمصنف في الأدب ‏"‏ فثار إليه الناس ‏"‏ وله في رواية عن أنس ‏"‏ فقاموا إليه ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ فأراد أصحابه أن يمنعوه‏"‏‏.‏

وفي رواية أنس في هذا الباب ‏"‏ فزجره الناس ‏"‏ وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ ‏"‏ فصاح الناس به ‏"‏ وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك‏.‏

فظهر أن تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي‏.‏

ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس ‏"‏ فقال الصحابة مه مه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهريقوا‏)‏ ، وللمصنف في الأدب ‏"‏ وأهريقوا ‏"‏ وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجلا‏)‏ بفتح المهملة وسكون الجيم، قال أبو حاتم السجستاني‏:‏ هو الدلو ملأي، ولا يقال لها ذلك وهي فارغة‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ السجل دلو واسعة‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ الدلو الضخمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ذنوبا‏)‏ قال الخليل‏:‏ الدلو ملأي ماء‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ الدلو العظيمة‏.‏

وقال ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب‏.‏

انتهى‏.‏

فعلى الترادف ‏"‏ أو ‏"‏ للشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير، والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب‏.‏

وقال في الحديث ‏"‏ من ماء ‏"‏ مع أن الذنوب من شأنها ذلك، لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما بعثتم‏)‏ إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، إذ هم مبعوثون من قبله بذلك، أي مأمورون‏.‏

وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول‏:‏ ‏"‏ يسروا ولا تعسروا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا خالد‏)‏ سقطت الواو من رواية كريمة، والعطف فيه على قوله ‏"‏ حدثنا عبدان ‏"‏ وسليمان هو ابن بلال، وبان لي المتن على لفظ روايته، لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقة كما أشرنا إليه أنه عند البيهقي‏.‏

قوله ‏(‏في طائفة المسجد‏)‏ أي ناحيته، والطائفة القطعة من الشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنهاهم‏)‏ في رواية عبدان ‏"‏ فقال اتركوه فتركوه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فهريق عليه‏)‏ كذا لأبي ذر وللباقين ‏"‏ فأهريق عليه‏"‏، ويجوز إسكان الهاء وفتحها كما تقدم، وضبطه ابن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا‏.‏

وف هذا الحديث من الفوائد‏:‏ أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه، ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، قال ابن دقيق العيد‏:‏ والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك، لأن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص، ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الأعرابي‏؟‏ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهو دفع أعظم المفسدين باحتمال أيسرهما‏.‏

وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما‏.‏

وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء‏.‏

وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو‏.‏

وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة، لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق، ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف‏.‏

وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق‏.‏

قال الموفق في المغني بعد أن حكى الخلاف‏:‏ الأولى الحكم بالطهارة مطلقا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئا‏.‏

وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه‏.‏

وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، قال ابن ماجه وابن حبان في حديث أبي هريرة ‏"‏ فقال الأعرابي - بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم -‏:‏ بأبي أنت وأمي، فلم يؤنب ولم يسب‏"‏‏.‏

وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم‏.‏

وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها، خلافا للحنفية حيث قالوا‏:‏ لا تطهر إلا بحفرها، كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها، واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق‏:‏ أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره، والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل ابن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات، وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا، وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمي لا يسمى إلا ثقة، وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم‏.‏

وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏
.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Icon_minitimeالأحد ديسمبر 12, 2010 11:14 pm

*3* باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بول الصبيان‏)‏ بكسر الصاد ويجوز ضمها جمح صبي، أي ما حكمه وهل يلتحق به بول الصبايا - جمع صبية - أم لا، وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف‏:‏ منها حديث علي مرفوعا في بول الرضيع، ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه، قال قتادة‏:‏ هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح‏.‏

ورواه سعيد عن قتادة فوقفه، وليس ذلك بعلة قادحة‏.‏

ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعا ‏"‏ إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر ‏"‏ أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره‏.‏

ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ ‏"‏ يرش ‏"‏ رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بصبي‏)‏ يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت ‏"‏ بال الحسن - أو الحسين - على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه‏"‏‏.‏

ولأحمد عن أبي ليلى نحوه‏.‏

ورواه الطحاوي من طريقه قال ‏"‏ فجيء بالحسن ‏"‏ ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة‏.‏

وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه‏"‏، وفي قصته أنه بال على ثوبه، وأما قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني ‏"‏ أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فبال ‏"‏ فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتبعه‏)‏ بإسكان المثناة أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه، زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ‏"‏ فأتبعه ولم يغسله‏"‏‏.‏

ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام ‏"‏ فصب عليه الماء ‏"‏ وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام ‏"‏ فنصحه عليه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم قيس‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة‏.‏

وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، وكانت من المهاجرات الأول، كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث، وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب، وفي كل منهما قصة لابنها، ومات ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي، ولم أقف على تسميته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يأكل الطعام‏)‏ لمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعطل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب، وأطلق في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن‏.‏

وقال في نكت التنبيه‏:‏ المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه‏.‏

وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله ‏"‏ لم يأكل ‏"‏ على ظاهره فقال‏:‏ معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه‏.‏

والأول أظهر، وبه جزم الموفق بن قدامه وغيره‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع‏.‏

ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه، ويؤيد ما تقدم أنه للمصنف في العقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأجلسه‏)‏ أي وضعه إن قلنا إنه كان لما ولد‏.‏

ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ثوبه‏)‏ أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال‏:‏ المراد به ثوب الصبي، والصواب الأول‏.‏

قوله ‏(‏فنضحه‏)‏ ، ولمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب ‏"‏ فلم يزد على أن نضح بالماء ‏"‏ وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب ‏"‏ فرشه ‏"‏ زاد أبو عوانة في صحيحه ‏"‏ عليه‏"‏‏.‏

ولا تخالف بين الروايتين - أي بين نضح ورش - لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء، وانتهى إلى النضح وهو صب الماء‏.‏

ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام ‏"‏ فدعا بماء فصبه عليه ‏"‏ ولأبي عوانة ‏"‏ فصبه على البول يتبعه إياه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يغسله‏)‏ ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله ‏"‏ فنضحه ‏"‏ قال‏:‏ وكذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال ‏"‏ فرشه ‏"‏ لم يزد على ذلك انتهى‏.‏

وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ‏"‏ ولم يغسله ‏"‏ وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده‏.‏

نعم زاد معمر في روايته قال ‏"‏ قال ابن شهاب‏:‏ فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية ‏"‏ فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها فلا إدراج‏.‏

وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد‏:‏ الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع، والرفق بالصغار، وتحنيك المولود، والتبرك بأهل الفضل، وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها، وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية‏:‏ أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك‏.‏

وقال أصحابه هي رواية شاذة‏.‏

والثاني يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلا‏.‏

والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية، قال ابن دقيق العيد‏:‏ اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها ‏"‏ ولم يغسله ‏"‏ أي غسلا مبالغا فيه، وهو خلاف الظاهر، ويبعده ما ورد في الأحاديث الأخر - يعني التي قدمناها - من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما، قال‏:‏ وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه‏:‏ منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة‏.‏

واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل‏.‏

قلت‏:‏ وهو مشكل عليهم، لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الخطابي‏:‏ ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته‏.‏

انتهى‏.‏

وأثبت الطحاوي الخلاف فقال‏:‏ قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما، ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة‏.‏

وقال النووي‏:‏ هذه حكاية باطلة انتهى‏.‏

وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3* باب الْبَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب البول قائما وقاعدا‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى، لأنه إذا جاز قائما فقاعدا أجوز‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه ‏"‏ بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرأة ‏"‏ وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال‏:‏ كان من شأن العرب البول قائما، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة ‏"‏ قعد يبول كما تبول المرأة ‏"‏ وقال في حديث حذيفة ‏"‏ فقام كما يقوم أحدكم‏"‏، ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة قالت ‏"‏ ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن ‏"‏ رواه أبو عوانه في صحيحه والحاكم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي وائل‏)‏ ، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش أنه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سباطة قوم‏)‏ بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة، وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار ففيه إضرار، أو نقول‏:‏ إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبي عوانة في صحيحه، وقيل‏:‏ يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره، أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم دعا بماء‏)‏ زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش ‏"‏ فتنحيت فقال‏:‏ ادن، فدنوت حتى قمت عند عقبيه ‏"‏ وفي رواية أحمد عن يحيى القطان ‏"‏ أتى سباطة قوم فتباعدت منه، فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه ‏"‏ وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين، وهو ثابت أيضا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش، وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش، أن ذلك كان بالمدينة أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به، وليس كذلك، فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك، وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكره بعد‏.‏

واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر، ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ‏"‏ قال عاصم‏:‏ وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه، يعني أن روايته هي الصواب‏.‏

قال شعبة‏:‏ فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش، لكن لم يذكر فيه المسح، فقد وافق منصور الأعمش على قوله عن حذيفة دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال الترمذي‏:‏ حديث أبي وائل عن حذيفة أصح، يعني حديثه عن المغيرة، وهو كما قال، وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا، لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال‏.‏

*3* باب الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب البول عند صاحبه‏)‏ أي صاحب البائل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد، ومنصور وهو ابن المعتمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيتني‏)‏ بضم المثناة من فوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانتبذت‏)‏ بالنون والذال المعجمة أي تنحيت، يقال جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إلى‏)‏ يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه‏.‏

وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين‏:‏ عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره‏.‏

وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم ‏"‏ إدنه ‏"‏ كان بالإشارة لا باللفظ، وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد - عند قضاء الحاجة - عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة، فقد قيل فيه إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس أحتاج إلى البول، فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستورا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز‏.‏

ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، ولما يقترن به من الرائحة‏.‏

والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر‏.‏

وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال ‏"‏ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عقبه استدبره، وطهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر، ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين، وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Icon_minitimeالأحد ديسمبر 12, 2010 11:17 pm

*3* باب الْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب البول عند سباطة قوم‏)‏ كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، بين ابن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ‏"‏ أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقال‏:‏ ويحك أفلا قاعدا ‏"‏ ثم ذكر قصة بني إسرائيل‏.‏

وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ وَيَقُولُ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لَيْتَهُ أَمْسَكَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا

الشرح‏:‏

كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، بين ابن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ‏"‏ أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقال‏:‏ ويحك أفلا قاعدا ‏"‏ ثم ذكر قصة بني إسرائيل‏.‏

وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثوب أحدهم‏)‏ وقع في مسلم ‏"‏ جلد أحدهم ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها، وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الإصر الذي حملوه، ويؤيده رواية أبي داود ففيها ‏"‏ كان إذا أصاب جسد أحدهم ‏"‏ لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قرضه‏)‏ أي قطعه‏.‏

زاد الإسماعيلي بالمقراض‏.‏

وهو يدفع حمل من حمل القرض على الغسل بالماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليته أمسك‏)‏ للإسماعيلي ‏"‏ لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد‏"‏، وإنما احتج حذيفة بهذا الحديث لأن البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش، ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة، واستدل به لمالك في الرخصة في مثل رءوس الإبر من البول، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شيء، وإلى هذا أشار ابن حبان في ذكر السبب في قيامه قال‏:‏ لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود، فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله‏.‏

وقيل لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شيء‏.‏

وقيل إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار‏.‏

ويؤيده ما رواه عبد الرازق عن عمر رضي الله عنه قال ‏"‏ البول قائما أحصن للدبر‏"‏‏.‏

وقيل السبب في ذلك ما روي عن الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بذلك، فلعله كان به‏.‏

وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال ‏"‏ إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه ‏"‏ والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة، فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود، ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي، والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود والله أعلم‏.‏

وسلك أبو عوانة في صحيحة وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ‏"‏ ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن ‏"‏ وبحديثها أيضا ‏"‏ من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا ‏"‏ والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة إلى مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة، وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن‏.‏

وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم‏.‏

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء كما بينته في أوائل شرح الترمذي‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3* باب غَسْلِ الدَّمِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الدم‏)‏ بفتح الغين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ

الشرح‏:‏

يحيى هو ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة، وفاطمة هي زوجته بنت عمه المنذر، وأسماء هي جدتهما لأبويهما بنت أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة‏)‏ وقع في رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هي السائلة، وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة لها، ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحيض في الثوب‏)‏ أي يصل دم الحيض إلى الثوب، وللمصنف من طريق مالك عن هشام ‏"‏ إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحته‏)‏ بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة الفوقانية أي تحكه، وكذا رواه ابن خزيمة، والمراد بذلك إزالة عينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تقرصه‏)‏ بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين، كذا في روايتنا‏.‏

وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة، أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتنضحه‏)‏ بفتح الضاد المعجمة وضم الحاء أي تغسله، قاله الخطابي‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه بالماء، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا فالضمير في قوله تنضحه يعود على الثوب، بخلاف ‏"‏ تحته ‏"‏ فإنه يعود على الدم، فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل‏.‏

ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه إن كان طاهرا فلا حاجة إليه، وإن كان متنجسا لم يطهر بذلك، فالأحسن ما قاله الخطابي، قال الخطابي‏:‏ في هذا الحديث دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا، وهو قول الجمهور، أي يتعين الماء لإزالة النجاسة‏.‏

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر، ومن حجتهم حديث عائشة ‏"‏ ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصته بظفرها ‏"‏ ولأبي داود ‏"‏ بلته بريقها‏"‏، وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزاد النجاسة‏.‏

وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك كما سيأتي تقريره في كتاب الحيض في باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ تعقب استدلال من استدل على تعيين إزالة النجاسة بالماء من هذا الحديث بأنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الأكثر، ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط‏.‏

وأجيب بأن الخبر نص على الماء، فإلحاق غيره به بالقياس، وشرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة، وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه فلا يلحق به، وسيأتي باقي فوائده في باب غسل دم الحيض إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي قَالَ وَقَالَ أَبِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، وللأصيلي‏:‏ ابن سلام، ولأبي ذر‏:‏ هو ابن سلام، وأبو معاوية هو الضرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ زاد الأصيلي ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاطمة بنت أبي حبيش‏)‏ بالحاء المهملة والموحدة والشين المعجمة بصيغة التصغير، اسمه قيس ابن المطلب بن أسد، وهي غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاثا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أستحاض‏)‏ بضم الهمزة وفتح المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا‏)‏ أي لا تدعي الصلاة‏.‏

قوله ‏(‏عرق‏)‏ بكسر العين هو المسمى بالعاذل بالذال المعجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حيضتك‏)‏ بفتح الحاء ويجوز كسرها‏.‏

والمراد بالإقبال والإدبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعى الصلاة‏)‏ يتضمن نهي الحائض عن الصلاة، وهو للتحريم ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاغتسلي عنك الدم‏)‏ أي واغتسلي، والأمر بالاغتسال مستفاد من أدلة أخرى كما سيأتي بسطها في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي هشام بن عروة ‏(‏وقال أبي‏)‏ بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أي عروة بن الزبير، وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته‏.‏

وادعى آخر أن قوله ‏"‏ ثم توضئ ‏"‏ من كلام عروة موقوفا عليه، وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله ‏"‏ فاغسلي‏"‏‏.‏

وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Icon_minitimeالأحد ديسمبر 12, 2010 11:18 pm

*3* باب غَسْلِ الْمَنِيِّ وَفَرْكِهِ وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل المني وفركه‏)‏ لم يخرج البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته، لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره‏.‏

وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا، وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا، لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك، ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة ‏"‏ كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه ‏"‏ فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين، وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال‏:‏ إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة ‏"‏ لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري ‏"‏ وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت ‏"‏ لم أفسد علينا ثوبنا‏؟‏ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي‏"‏‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة‏.‏

وهو مردود أيضا بما في إحدى روايات مسلم من حديثها أيضا ‏"‏ لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه ‏"‏ وهذا التعقيب بالفاء بنفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة‏.‏

وأصرح منه رواية ابن خزيمة ‏"‏ أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ‏"‏ وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني لأن غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده، والله أعلم‏.‏

وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته‏.‏

والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع فيخالط مني المرأة، فلو كان منيها نجسا لم يكتف فيه بالفرك، وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها قال‏:‏ ومن قال إن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يصب لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغسل ما يصيب‏)‏ أي الثوب وغيره من المرأة، وفي هذه المسألة حديث صريح ذكره المصنف بعد في آخر كتاب الغسل من حديث عثمان، ولم يذكره هنا، وكأنه استنبطه مما أشرنا إليه من أن المني الحاصل في الثوب لا يخلو غالبا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمرو بن ميمون الجزري‏)‏ كذا للجمهور، وهو الصواب، وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء، منسوب إلى الجزيرة، وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده‏.‏

ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي بواو ساكنة بعدها زاي وهو غلط منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أغسل الجنابة‏)‏ أي أثر الجنابة فيكون على حذف مضاف، أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقع‏)‏ بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة، قال أهل اللغة‏:‏ البقع اختلاف اللونين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله في الإسناد ‏(‏حدثنا يزيد‏)‏ قال أبو مسعود الدمشقي‏:‏ كذا هو غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر، ويقال إنه ابن هارون وليس بابن زريع وجميعا قد رويا - يعني عن عمرو بن ميمون - ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري ‏"‏ حدثنا يزيد، يعني ابن زريع ‏"‏ وكذا أشار إليه الكلاباذي ورجح القطب الحليمي في شرحه أنه ابن هارون قال‏:‏ لأنه وجد من روايته ولم يوجد من رواية ابن زريع‏.‏

قلت‏:‏ ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع، كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه فدل على وجدانه، والمثبت مقدم على النافي‏.‏

وقد خرجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري، وهذا من مرجحات كونه ابن زريع، وأيضا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون ابن هارون قاله المزي، والقاعدة في من أهمل أن يحمل على من للراوي به خصوصية كالإكثار وغيره، فترجح أنه ابن زريع‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو‏)‏ كذا للأكثر، ولأبي ذر يعني ابن ميمون وهو ابن مهران، كما سيأتي في آخر الباب الذي يليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت عائشة‏)‏ وفي الإسناد الذي يليه ‏"‏ سألت عائشة ‏"‏ فيه رد على البراز حيث زعم أن سليمان ابن يسار لم يسمع من عائشة، على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى، فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره، وزاد أن الحفاظ قالوا‏:‏ إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه، وإنما هو في فتوى سليمان‏.‏

انتهى‏.‏

وقد تبين من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة سماع سليمان منها وأن رفعه صحيح، وليس بين فتواه وروايته تناف، وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان، وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة، لأن كلا منهما سأل شيخه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض وكلهم ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد البصري، وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري ولم يخرج له البخاري شيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن المني‏)‏ أي عن حكم المني هل يشرع غسله أم لا‏؟‏ فحصل الجواب بأنها كانت تغسله، وليس في ذلك ما يقتضي إيجابه كما قدمناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيخرج‏)‏ أي من الحجرة إلى المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقع الماء‏)‏ بضم العين على أنه بدل من قوله ‏"‏ أثر الغسل‏"‏، ويجوز النصب على الاختصاص، وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يستحيي منه لمصلحة تعلم الأحكام، وفيه خدمة الزوجات للأزواج، واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر فلهذا ترجم ‏"‏ باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره ‏"‏ وأعاد الضمير مذكرا على المعنى أي فلم يذهب أثر الشيء المغسول، ومراده أن ذلك لا يضر‏.‏

وذكر في الباب حديث الجنابة وألحق غيرها بها قياسا، أو أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت‏:‏ يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض، فكيف أصنع‏؟‏ قال ‏"‏ إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه ‏"‏ قالت فإن لم يخرج الدم‏؟‏ قال ‏"‏ يكفيك الماء ولا يضرك أثره ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ذكره البيهقي، والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس ‏"‏ حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ‏"‏ أخرجه أبو داود أيضا وإسناده حسن‏.‏

ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏المنقري‏)‏ بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف نسبة إلى بني منقر - بطن من تميم - وهو أبو سلمة التبوذكي، وعبد الواحد هو ابن زياد أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت سليمان بن يسار في الثوب‏)‏ أي يقول في مسألة الثوب، وللكشميهني ‏"‏ سألت سليمان ابن يسار في الثوب ‏"‏ أي قلت له ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أغسله‏)‏ أي أثر الجنابة أو المني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأثر الغسل فيه‏)‏ يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى أثر الماء أو إلى الثوب ويكون قوله ‏"‏ بقع الماء ‏"‏ بدلا من قوله ‏"‏ أثر الغسل ‏"‏ كما تقدم، أو المعنى أثر الجنابة المغسولة بالماء فيه من بقع الماء المذكور‏.‏

وقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ ثم أراه فيه ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ كانت تغسل المني ‏"‏ يرجح هذا الاحتمال الأخير لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو المني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنها كانت‏)‏ محتمل أن يكون مذكورا بالمعنى من لفظها، أي قالت كنت أغسل، ليشاكل قولها ‏"‏ ثم أراه ‏"‏ أو حذف لفظ قالت قبل قولها ثم أراه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقعة أو بقعا‏)‏ يحتمل أن يكون من كلامها وينزل على حالتين، أو شكا من أحد رواته‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3* باب أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ وَمَرَابِضِهَا حذف التشكيل

وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ الْبَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ وَالْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أبوال الإبل والدواب والغنم‏)‏ والمراد بالدواب معناه العرفي وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير، ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام، والأول أوجه، ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد لأنها مأوى الدواب التي تركب، وحديث العرنيين ليستدل به على طهارة أبوال الإبل، وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضا منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومرابضها‏)‏ جمع مربض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة، وهي للغنم كالمعاطن للإبل، والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم‏.‏

ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف فيه، لكن ظاهر إيراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة، ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر ولم يذكر سوى بول الناس، وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم، وهو يرد على من نقل الإجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقا، وقد قدمنا ما فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلى أبو موسى‏)‏ هو الأشعري، وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له قال‏:‏ حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث - هو السلمي الكوفي - عن أبيه قال ‏"‏ صلى بنا أبو موسى في دار البريد، وهناك سرقين الدواب، والبرية على الباب، فقالوا‏:‏ لو صليت على الباب ‏"‏ فذكره‏.‏

والسرقين بكسر المهملة وإسكان الراء هو الزبل، وحكى فيه ابن سيده فتح أوله وهو فارسي معرب، ويقال له السرجين بالجيم، وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف، والبرية الصحراء منسوبة إلى البر، ودار البريد المذكورة موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان، وكانت الدار في طرف البلد ولهذا كانت البرية إلى جنبها‏.‏

وقال المطرزي‏:‏ البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط، ثم سمي به الرسول المحمول عليها‏:‏ ثم سميت به المسافة المشهورة‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ ذكر البخاري في تاريخه‏:‏ همدان بريد عمر، وهو يروي عن عمر، وله أثر ذكره المصنف تعليقا عن عمير كما سيأتي تخريجه من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سواء‏)‏ يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة، وتعقب بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى، لأنه يمكن أن يصلي فيها على ثوب يبسطه‏.‏

وأجيب بأن الأصل عدمه، وقد رواه سفيان الثوري في جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه ‏"‏ صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين ‏"‏ وهذا ظاهر في أنه بغير حائل، وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره أن الصلاة على الطنفسة محدث، وإسناده صحيح‏.‏

والأولى أن يقال إن هذا من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره، فلا يكون حجة‏.‏

أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطا في صحة الصلاة بل يراها واجبة برأسها، وهو مذهب مشهور‏.‏

وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح وظهر عليه الدم الكثير، فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر، كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر، وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح، لأن الفرق بينهما متجه لو ثبت أن روث المأكول طاهر، وسنذكر ما فيه قريبا‏.‏

والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعا بلفظ ‏"‏ استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ‏"‏ أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال فيجب اجتنابها لهذا الوعيد‏.‏

والله أعلم‏.‏

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8 Icon_minitimeالأحد ديسمبر 12, 2010 11:19 pm

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب عن أبي قلابة‏)‏ كذا رواه البخاري، وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني وأبي داود الحراني، وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان، وخالفهم مسلم فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب، وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة، وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان‏.‏

وقال الدارقطني وغيره‏:‏ ثبوت أبي رجاء وحذفه - في حديث حماد بن زيد عن أيوب - صواب، لأن أيوب حديث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة، وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها، وحدث به أيوب أيضا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة، وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر عبد العزيز كما سيأتي ذلك في كتاب الديات، ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء، فالطريقان جميعا صحيحان، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ زاد الأصيلي ‏"‏ ابن مالك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم أناس‏)‏ وللأصيلي والكشميهني والسرخسي ‏"‏ ناس ‏"‏ أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرح به المصنف في الديات من طريق أبي رجاء عن أبي قلابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عكل أو عرينة‏)‏ الشك فيه من حماد، وللمصنف في المحاربين عن قتيبة عن حماد ‏"‏ أن رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه إلا قال من عكل‏"‏، وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب ‏"‏ أن رهطا من عكل ‏"‏ ولم يشك، وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير، وفي الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة، وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس ‏"‏ أن ناسا من عرينة ‏"‏ ولم يشك أيضا، وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس، وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ‏"‏ أن ناسا من عكل وعرينة ‏"‏ بالواو العاطفة وهو الصواب، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال‏:‏ كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أيوب، وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس ‏"‏ أن رهطا من عكل ثمانية ‏"‏ لاحتمال أن يكون الثامن غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب، وغفل من نسب عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى وهي عند البخاري وكذا عند مسلم، وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل، وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان‏:‏ عكل من عدنان، وعرينة من قحطان‏.‏

وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب، وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس، ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة‏.‏

وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا‏.‏

وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست‏.‏

وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها، وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما، والله أعلم‏.‏

وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب أنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاجتووا المدينة‏)‏ زاد في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا ‏"‏ فأسلموا ‏"‏ وفي رواية أبي رجاء قبل هذا ‏"‏ فبايعوه على الإسلام ‏"‏ قال ابن فارس‏:‏ اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة‏.‏

وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة‏.‏

وقال القزاز‏:‏ اجتووا أي لم يوافقهم طعامها‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ الجوى داء يأخذ من الوباء‏.‏

وفي رواية أخرى يعني رواية أبي رجاء المذكورة ‏"‏ استوخموا ‏"‏ قال وهو بمعناه‏.‏

وقال غيره‏:‏ الجوى داء يصيب الجوف‏.‏

وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة ‏"‏ فقالوا‏:‏ يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف‏"‏‏.‏

وله في الطب من رواية ثابت عن أنس ‏"‏ إن ناسا كان بهم سقم قالوا‏:‏ يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا‏:‏ إن المدينة وخمة‏"‏‏.‏

والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس ‏"‏ كان بهم هزال شديد ‏"‏ وعنده من رواية أبي سعد عنه ‏"‏ مصفرة ألوانهم‏"‏‏.‏

وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس، وسيأتي ذكر حمى المدينة من حديث عائشة في الطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة‏.‏

ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس ‏"‏ وقع بالمدينة الموم ‏"‏ أي بضم الميم وسكون الواو قال‏:‏ وهو البرسام، أي بكسر الموحدة سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير‏.‏

فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة ‏"‏ فعظمت بطونهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمرهم بلقاح‏)‏ أي فأمرهم أن يلحقوا بها، وللمصنف في رواية همام عن قتادة ‏"‏ فأمرهم أن يلحقوا براعيه ‏"‏ وله عن قتيبة عن حماد ‏"‏ فأمر لهم بلقاح‏"‏؛ بزيادة اللام فيحتمل أن تكون زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك، وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج مسلم إسنادها ‏"‏ أنهم بدءوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا‏:‏ يا رسول الله قد وقع هذا الوجع، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل ‏"‏ وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب أنهم قالوا ‏"‏ يا رسول الله أبغنا رسلا ‏"‏ أي اطلب لنا لبنا ‏"‏ قال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود ‏"‏ وفي رواية أبي رجاء ‏"‏ هذه نعم لنا تخرج فأخرجوا فيها‏"‏‏.‏

واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة‏:‏ النوق ذوات الألبان، وأحدها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف‏.‏

وقال أبو عمرو‏:‏ يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون، وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وصرح بذلك في المحاربين عن موسى عن وهيب بسنده فقال ‏"‏ إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏، وله فيه من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده ‏"‏ فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة ‏"‏ وكذا في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة، والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى ما طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا، وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن المدينة تنفي خبثها ‏"‏ وسيأتي في موضعه‏.‏

وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة، وأنهم نحروا منها واحدة يقال لها الحناء، وهو في ذلك متابع للواقدي، وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يشربوا‏)‏ أي وأمرهم أن يشربوا، وله في رواية أبي رجاء ‏"‏ فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها ‏"‏ بصيغة الأمر‏.‏

وفي رواية شعبة عن قتادة ‏"‏ فرخص لهم أن يأتوا الصدقة فيشربوا ‏"‏ فأما شربهم ألبان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل، وأما شربهم لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فبإذنه المذكور، وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته، أما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه، وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره، واحتج ابن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، قال‏:‏ ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، قال‏:‏ وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل على طهارتها‏.‏

قلت‏:‏ وهو استدلال ضعيف، لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته، وقد دل على نجاسة الأبوال كلها حديث أبي هريرة الذي قدمناه قريبا‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل، وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي، وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة، بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب‏؟‏ وأجيب بمنع أنه ليس حراما ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى ‏(‏وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه‏)‏ فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر، والله أعلم‏.‏

وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب غير مسلم، فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح الأمر جائز كالسفر مثلا‏.‏

وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوي به لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ‏"‏ رواه أبو داود من حديث أم سلمة وستأتي له طريق أخرى في الأشربة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء، فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار، وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر ‏"‏ إنها ليست بدواء، إنها داء ‏"‏ في جواب من سأله عن التداوي بها فيما رواه مسلم، فإن ذلك خاص بالخمر، ويلتحق به غيرها من المسكر، والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره‏.‏

ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم‏.‏

قاله الطحاوي بمعناه‏.‏

وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ أن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم ‏"‏ والذرب فساد المعدة، فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، والله أعلم‏.‏

وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما صحوا‏)‏ في السياق حذف تقديره ‏"‏ فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا‏"‏‏.‏

وقد ثبت ذلك في رواية أبي رجاء، وزاد في رواية وهيب ‏"‏ وسمنوا ‏"‏ وللإسماعيلي من رواية ثابت ‏"‏ ورجعت إليهم ألوانهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستاقوا النعم‏)‏ من السوق وهو السير العنيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء الخبر‏)‏ في رواية وهيب عن أيوب ‏"‏ الصريخ ‏"‏ بالخاء المعجمة وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم؛ وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية ابن قرة عن أنس، وقد أخرج مسلم إسناده ولفظه ‏"‏ فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال‏:‏ قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل ‏"‏ واسم راعي النبي صلى الله عليه وسلم المقتول يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة، كذا ذكره ابن إسحاق في المغازي، ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح قال ‏"‏ كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار ‏"‏ زاد ابن إسحاق ‏"‏ أصابه في غزوة بني ثعلبة ‏"‏ قال سلمة ‏"‏ فرآه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها ‏"‏ فذكر قصة العرنيين وأنهم قتلوه، ولم أقف على تسمية الراعي الآتي بالخبر، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره بالإفراد، وكذا لمسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس ‏"‏ ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم ‏"‏ بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس، فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم من راعي اللقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبعث في آثارهم‏)‏ زاد في رواية الأوزاعي ‏"‏ الطلب ‏"‏ وفي حديث سلمة بن الأكوع ‏"‏ خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري ‏"‏ وكذا ذكره ابن إسحاق والأكثرون، وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي، وللنسائي من رواية الأوزاعي ‏"‏ فبعث في طلبهم قافة ‏"‏ أي جمع قائف، ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم، ولم أقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين، لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلا، ولم يقل من الأنصار، بل سمي منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة ابن الأكوع الأسلميان وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان وغيرهم، والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبا، أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم‏.‏

وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد، كذا عنده بزيادة ياء والذي ذكره غيره أنه سعد بسكون العين ابن زيد الأشهلي، وهذا أيضا أنصاري فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة‏.‏

وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم، لكن إسناده ضعيف، والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما ارتفع‏)‏ فيه حذف تقديره فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا، فلما ارتفع النهار جيء بهم أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمر بقطع‏)‏ كذا للأصيلي والمستملي والسرخسي، وللباقين فقطع أيديهم وأرجلهم، قال الداودي‏:‏ يعني قطع يدي كل واحد ورجليه‏.‏

قلت‏:‏ ترده رواية الترمذي ‏"‏ من خلاف ‏"‏ وكذا ذكره الإسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده، وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضا ‏"‏ ولم يحسمهم ‏"‏ أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسمرت أعينهم‏)‏ تشديد الميم‏.‏

وفي رواية أبي رجاء ‏"‏ وسمر ‏"‏ بتخفيف الميم ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء، ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز ‏"‏ وسمل ‏"‏ بالتخفيف واللام، قال الخطابي، السمل‏:‏ فقء العين بأي شيء كان، قال أبو ذؤيب الهذلي‏:‏ والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع قال‏:‏ والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب‏.‏

قال‏:‏ وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت‏.‏

قلت‏:‏ قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه ‏"‏ ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها ‏"‏ فهذا يوضح ما تقدم، ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقء العين بأي شيء كان كما مضى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وألقوا في الحرة‏)‏ هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة، وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستسقون فلا يسقون‏)‏ زاد وهيب والأوزاعي ‏"‏ حتى ماتوا ‏"‏ وفي رواية أبي رجاء ‏"‏ ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا ‏"‏ وفي رواية شعبة عن قتادة ‏"‏ يعضون الحجارة ‏"‏ وفي الطب من رواية ثابت قال أنس ‏"‏ فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة‏"‏‏.‏

وزعم الواقدي أنهم صلبوا، والروايات الصحيحة ترده‏.‏

لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس ‏"‏ فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين ‏"‏ كذا ذكر ستة فقط، فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة‏.‏

ومال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس ‏"‏ إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة ‏"‏ وقصر من اقتصر في غزوه للترمذي والنسائي، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المثلة في حقهم وقعت من جهات، وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية‏.‏

قلت‏:‏ كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ، قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة‏:‏ هذا الحديث ينسخ كل مثله‏.‏

وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ‏.‏

قلت‏:‏ يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي، وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود، ولموسى بن عقبة في المغازي‏:‏ وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي، واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم‏.‏

انتهى‏.‏

وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم‏.‏

وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم، بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل‏:‏ إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد، والله أعلم قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا‏)‏ أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها، وهذا قاله أبو قلابة استنباطا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقتلوا‏)‏ أي الراعي كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكفروا‏)‏ هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي، وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث، وليس موقوفا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم، وكذا قوله ‏"‏ وحاربوا ‏"‏ ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث ‏"‏ وهربوا محاربين ‏"‏ وستأتي قصة أبي قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسألة القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم‏:‏ قدوم الوفود على الإمام، ونظره في مصالحهم، وفيه مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وفيه أن كل جسد يطب بما اعتاده، وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة إن قلنا إن قتلهم كان قصاصا، وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها، وثبوت حكم المحاربة في الصحراء، وأما في القرى ففيه خلاف، وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسا عليه بإذن الإمام، وفيه العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك المعرفة التامة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو التياح‏)‏ تقدم أنه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وآخره مهملة، وهذا الحديث في الصلاة في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وأبعارها، قالوا‏:‏ لأنها لا تحلو من ذلك، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، ونوزع من استدل بذلك لاحتمال الحائل، وأجيب بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض، وفيه نظر لأنها شهادة نفي، لكن قد يقال إنها مستندة إلى أصل، والجواب أن في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير في دارهم، وصح عن عائشة أنه كان يصلي على الخمرة‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ هذا الحديث منسوخ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، فاقتضى أنه في أول الهجرة، وقد صح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور، وأن تطيب وتنظف، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه ابن خزيمة وغيره، ولأبي داود نحوه من حديث سمرة وزاد ‏"‏ وأن نطهرها ‏"‏ قال‏:‏ وهذا بعد بناء المسجد‏.‏

وما ادعاه من النسخ يقتضي الجواز ثم المنع، وفيه نظر لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة‏.‏

نعم ليس فيه دلالة على طهارة المرابض، لكن فيه أيضا النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، فلو اقتضى الإذن الطهارة لاقتضى النهي التنجيس، ولم يقل أحد بالفرق، لكن المعنى في الإذن والنهي بشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة وهو أن الغنم من دواب الجنة والإبل خلقت من الشياطين‏.‏

والله أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
 
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )1
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )5
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )6
»  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )7
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كتاب الوضوء )9

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
foughala :: في رحاب الاسلام :: مع الحديث النبوي الشريف والقدسي-
انتقل الى: