*2*كِتَاب الْغُسْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
الشرح:
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الغسل) كذا في روايتنا بتقديم البسملة.
وللأكثر بالعكس، وقد تقدم توجيهه ذلك، وحذفت البسملة من رواية الأصيلي وعنده " باب الغسل " وهو يضم الغين اسم للاغتسال، وقيل إذا أريد به الماء فهو مضموم، وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح حكاه ابن سيده وغيره، وقيل المصدر بالفتح والاغتسال بالضم، وقيل الغسل بالفتح فعل المغتسل وبالضم الماء الذي يغتسل به وبالكسر ما يجعل مع الماء كالأشنان.
وحقيقة الغسل جريان الماء على الأعضاء.
واختلف في وجوب الدلك فلم يوجبه الأكثر، ونقل عن مالك والمزني وجوبه، واحتج ابن بطال بالإجماع على وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها قال: فيجب ذلك في الغسل قياسا لعدم الفرق بينهما.
وتعقب بأن جميع من لم يوجب الدلك أجازوا غمس اليد في الماء للمتوضئ من غير إمرار فبطل الإجماع وانتفت الملازمة.
قوله: (وقول الله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا) قال الكرماني: غرضه بيان أن وجوب الغسل على الجنب مستفاد من القرآن.
قلت: وقدم الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة، وهي أن لفظ التي في المائدة (فاطهروا) ففيها إجمال، ولفظ التي في النساء (حتى تغتسلوا) ففيها تصريح بالاغتسال وبيان للتطهير المذكور، ودل على أن المراد بقوله تعالى (فاطهروا) فاغتسلوا قوله تعالى في الحائض (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) أي اغتسلن اتفاقا، ودلت آية النساء على أن استباحة الجنب الصلاة - وكذا اللبث في المسجد - يتوقف على الاغتسال، وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية.
*3* باب الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الوضوء قبل الغسل) أي استحبابه.
قال الشافعي رحمه الله في الأم: فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء، فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه.
والاختيار في الغسل ما روت عائشة.
ثم روى حديث الباب عن مالك بسنده، وهو في الموطأ كذلك، قال ابن عبد البر هو من أحسن حديث روى في ذلك.
قلت: وقد رواه عن هشام وهو ابن عروة جماعة من الحفاظ غير مالك كما سنشير إليه.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ
الشرح:
قوله: (كان إذا اغتسل) أي شرع في الفعل، و " من " في قوله " من الجنابة " سببية.
قوله: (بدأ فغسل يديه) يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر، وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك.
ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام " قبل أن يدخلهما في الإناء " رواه الشافعي والترمذي، وزاد أيضا " ثم يغسل فرجه"، وكذا لمسلم من رواية أبي معاوية، ولأبي داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام، وهي زيادة جليلة، لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مسه في أثناء الغسل.
قوله: (كما يتوضأ صلاة) فيه احتراز عن الوضوء اللغوي، ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل، ويحتمل أن يكتفي بغسلها في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى، وإلى هذا جنح الداودي شارح المختصر من الشافعية فقال: يقدم غسل أعضاء وضوئه على ترتيب الوضوء، لكن بنية غسل الجنابة.
ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وهو مردود، فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث.
قوله: (فيخلل بها) أي بأصابعه التي أدخلها في الماء.
ولمسلم " ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر " وللترمذي والنسائي من طريق أبي عيينة " ثم يشرب شعره الماء".
قوله: (أصول الشعر) وللكشميهني " أصول شعره " أي شعر رأسه، ويدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام عند البيهقي " يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك " وقال القاضي عياض: احتج به بعضهم على تخليل شعر الجسد في الغسل إما لعموم قوله " أصول الشعر " وإما بالقياس على شعر الرأس.
وفائدة التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة، ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء، وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به.
ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقا إلا إن كان الشعر ملبدا بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله.
والله أعلم.
قوله: (ثم يدخل) إنما ذكره بلفظ المضارع، وما قبله مذكور بلفظ الماضي - وهو الأصل - لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين.
قوله: (ثلاث غرف) بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف، وللكشميهني " ثلاث غرفات " وهو المشهور في جمع القلة.
وفيه استحباب التثليث في الغسل، قال النووي: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما تفرد به الماوردي فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل.
قلت: وكذا قال الشيخ أبو علي السنجي في شرح الفروع وكذا قال القرطبي، وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة الآتية قريبا فإن مقتضاها أن كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس، وسيأتي في آخر الكلام على حديث ميمونة زيادة في هذه المسألة.
قوله: (ثم يفيض) أي يسيل، والإفاضة الإسالة.
واستدل به من لم يشترط الدلك وهو ظاهر.
وقال المازري: لا حجة فيه لأن أفاض بمعنى غسل، والخلاف في الغسل قائم.
قلت: ولا يخفى ما فيه والله أعلم.
وقال القاضي عياض: لم يأت في شيء من الروايات في وضوء الغسل ذكر التكرار.
قلت: بل ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن عائشة أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة.
الحديث وفيه " ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاثا".
قوله: (على جلده كله) هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعدما تقدم، وهو يؤيد الاحتمال الأول أن الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل، وعلى هذا فينوي المغتسل الوضوء إن كان محدثا وإلا فسنة الغسل، واستدل بهذا الحديث على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل، ولا يؤخر غسل الرجلين إلى فراغه وهو ظاهر من قولها " كما يتوضأ للصلاة " وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه، لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية عن هشام فقال في آخره " ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه " وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام، قال البيهقي هي غربية صحيحة.
قلت: لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال، نعم له شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي وزاد في آخره " فإذا فرغ غسل رجليه " فأما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها " وضوءه للصلاة " أي أكثره وهو ما سوى الرجلين، أو يحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء، ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية " ثم غسل رجليه " أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء فيوافق قوله في حديث الباب " ثم يفيض على جلده كله".
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا هَذِهِ غُسْلُهُ مِنْ الْجَنَابَةِ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي، وسفيان هو الثوري، وجزم الكرماني بأن محمد ابن يوسف هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة، ولا أدري من أين له ذلك.
قوله: (وضوءه للصلاة غير رجليه) يه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل الخ وهو مخالف لظاهر رواية عائشة.
ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم وإما بحمله على حالة أخرى، وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم، وعند الشافعية في الأفضل قولان، قال النووي أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه، قال: لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك.
انتهى.
كذا قال، وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة كرواية " توضأ وضوءه للصلاة " أو ظاهرة تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة، وشاهدها من طريق أبي سلمة، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب، وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش، وقول من قال " إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز " متعقب، فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة، ولفظه " كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه " فذكر الحديث وفي آخره " ثم يتنحى فيغسل رجليه " قال القرطبي: الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء.
قوله: (وغسل فرجه) يه تقديم وتأخير، لأن غسل الفرج كان قبل الوضوء إذ الواو لا تقتضي الترتيب، وقد بين ذلك ابن المبارك عن الثوري عند المصنف في باب الستر في الغسل، فذكر أولا غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه، وأتى بثم الدالة على الترتيب في جميع ذلك.
قوله: (هذه غسلة) الإشارة إلى الأفعال المذكورة، أو التقدير هذه صفة غسله، وللكشميهني " هذا غسله " وهو ظاهر، وأشار الإسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد، وأن زائدة بن قدامة بين ذلك في روايته عن الأعمش، واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق الوضوء وعلى استحباب الإفراغ باليمين على الشمال للمغترف من الماء لقوله في رواية أبي عوانة وحفص وغيرهما " ثم أفرغ بيمينه على شماله " وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة لقوله فيها " ثم تمضمض واستنشق " وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما، وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب، وليس الأمر هنا كذلك قاله ابن دقيق العيد: وعلى استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض لقوله في الروايات المذكورة " ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط " قال ابن دقيق العيد: وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة لأن الأصل عدم التكرار، وفيه خلاف.
انتهى.
وصحح النووي وغيره أنه يجزئ، لكن لم يتعين في هذا الحديث أن ذلك كان لإزالة النجاسة، بل يحتمل أن يكون للتنظيف فلا يدل على الاكتفاء، وأما دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه ليكون أنقى كما قال البخاري.
وأبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة رطوبة الفرج لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة.
وقوله في حديث الباب " وما أصابه من أذى " ليس بظاهر في النجاسة أيضا، واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة، وعلى أن من توضأ بنية الغسل أكمل باقي أعضاء بدنه لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدث، وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء، وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه " لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مرواح الشيطان " وقال ابن الصلاح: لم أجده.
وتبعه النووي.
وقد أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن حاتم في العلل من حديث أبي هريرة، ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحا أن يحتج به.
وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت، وقد عقد المصنف لكل مسألة بابا وأخرج هذا الحديث فيه بمغايرة الطرق ومدارها على الأعمش، وعند بعض الرواة عنه ما ليس عند الآخر، وقد جمعت فوائدها في هذا الباب.
وصرح في رواية حفص بن غياث عن الأعمش بسماع الأعمش من سالم فأمن تدليسه.
وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء: الأعمش وسالم وكريب، وصحابيان: ابن عباس وخالته ميمونة بنت الحارث.
وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء لقولها في رواية حفص وغيره " وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا " وفي رواية عبد الواحد " ما يغتسل به " وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن، وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها، وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر، فأما إذا كان الماء في إبريق مثلا فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء، ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء، وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا يمسح فيه الرأس بل يكتفي عنه بغسله، واستدل بعضهم بقولها في رواية أبي حمزة وغيره " فناولته ثوبا فلم يأخذه " على كراهة التنشيف بعد الغسل، ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه كان مستعجلا، أو غير ذلك.
قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ، وقد وقع عند أحمد والإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: لا بأس بالمنديل، وإنما رده مخافة أن يصير عادة.
وقال التيمي في شرحه: في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف، ولولا ذلك لم تأته بالمنديل.
وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف، لأن كلا منهما إزالة.
وقال النووي: اختلف أصحابنا فيه على خمسة أوجه أشهرها أن المستحب تركه، وقيل مكروه، وقيل مباح، وقيل مستحب، وقيل مكروه في الصيف مباح في الشتاء.
واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته.