*2*كِتَاب الْحَيْضِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى قَوْلِهِ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
الشرح:
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الحيض) أصله السيلان، وفي العرف جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة.
قوله: (وقول الله تعالى) بالجر عطفا على الحيض، والمحيض عند الجمهور هو الحيض، وقيل زمانه، وقيل مكانه.
قوله: (أذى) قال الطيبي: سمي الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته.
وقال الخطابي: الأذى المكروه الذي ليس بشديد، كما قال تعالى (لن يضروكم إلا أذى) ، فالمعنى أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقيه بدنها.
قوله: (فاعتزلوا النساء في المحيض) روى مسلم وأبو داود من حديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية فقال " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فأنكرت اليهود ذلك، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله ألا نجامعهن في الحيض؟ يعني خلافا لليهود، فلم يأذن في ذلك.
وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح.
*3* باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ حذف التشكيل
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ
الشرح:
قوله: (باب كيف كان بدء الحيض) أي ابتداؤه، وفي إعراب " باب " الأوجه المتقدمة أول الكتاب.
قوله: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا شيء) يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه، لكن بلفظ " هذا أمر " وقد وصله بلفظ " شيء " من طريق أخرى بعد خمسة أبواب أو ستة، والإشارة بقوله " هذا " إلى الحيض.
قوله: (وقال بعضهم: كان أول) بالرفع لأنه اسم كان والخبر " على بني إسرائيل " أي على نساء بني إسرائيل، وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال " كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد " وعنده عن عائشة نحوه.
قوله: (وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر) قيل معناه أشمل لأنه عام في جميع بنات آدم، فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن، أو المراد أكثر شواهد أو أكثر قوة.
وقال الداودي ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أريد به الخصوص.
قلت: ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده.
وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم (وامرأته قائمة فضحكت) أي حاضت.
والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس " أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة"، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ خَرَجْنَا لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قَالَ مَا لَكِ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قَالَتْ وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ
الشرح:
قوله: (سمعت القاسم) يعني أباه، وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
قوله: (لا نرى) بالضم أي لا نظن.
و " سرف " بفتح المهملة كسر الراء بعدها فاء موضع قريب من مكة بينهما نحو من عشرة أميال، وهو ممنوع من الصرف وقد يصرف.
قوله: (فاقضى) المراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد.
قوله: (غير أن لا تطوفي بالبيت) زاد في الرواية الآتية " حتى تطهري " وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
*3* باب غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله) بالجر عطفا على غسل، أي تسريح شعر رأسه.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ
الشرح:
الحديث مطابق لما ترجم له من جهة الترجيل، والحق به الغسل قياسا، أو إشارة إلى الطريق الآتية في باب مباشرة الحائض فإنها صريحة في ذلك، وهو دال على أن ذات الحائض طاهرة، وعلى أن حيضها لا يمنع ملامستها.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ سُئِلَ أَتَخْدُمُنِي الْحَائِضُ أَوْ تَدْنُو مِنِّي الْمَرْأَةُ وَهِيَ جُنُبٌ فَقَالَ عُرْوَةُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ تَعْنِي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ
الشرح:
قوله: (أخبرنا هشام) وفي رواية الأكثر " أخبرني هشام بن عروة " وفي هذا الإسناد لطيفة، وهي اتفاق اسم شيخ الراوي وتلميذه، مثاله هذا ابن جريج عن هشام وعنه هشام، فالأعلى ابن عروة والأدنى ابن يوسف، وهو نوع أغفله ابن الصلاح.
قوله: (مجاور) أي معتكف، وثبت هذا التفسير في نسخة الصغاني في الأصل، وحجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد، وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسا، وهو جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب، وألحق الخدمة بالترجيل.
وفي الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته، وأن الحائض لا تدخل المسجد.
وقال ابن بطال: فيه حجة على الشافعي في قوله أن المباشرة مطلقا تنقض الوضوء، كذا قال.
ولا حجة فيه لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء، وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة، وعلى تقدير ذلك فمس الشعر لا ينقض الوضوء.
والله أعلم.