Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )8 الخميس ديسمبر 16, 2010 11:50 am | |
| *3* قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ حذف التشكيل
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
الشرح:
قوله: (وقول الله عز وجل) (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله: (مهينا) في رواية كريمة، واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال: إلى قوله: (عذابا مهينا) .
وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها ومن الثانية إلى قوله: (معك) ثم قال إلى قوله (عذابا مهينا) .
قال الزين بن المنير: ذكر صلاة الخوف أثر صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس، لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات، ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس، وعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند شدة الخوف، وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولا وبالسنة فعلا.
انتهى ملخصا.
ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة شبه الكيفية التي ذكرها فيه بالآية.
ومعنى قوله تعالى (وإذا ضربتم) أي سافرتم، ومفهومه أن القصر مختص بالسفر وهو كذلك.
وأما قوله: (إن خفتم) فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضا، وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم، فثبت القصر في الأمن ببيان السنة، واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه ابن الماجشون أخذا بالمفهوم أيضا وأجازه الباقون.
وأما قوله: (وإذا كنت فيهم) فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية، وحكى عن المزني صاحب الشافعي، واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي " فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم.
وقال ابن العربي وغيره: شرط كونه صلى الله عليه وسلم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير: بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول.
ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر، والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو، وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم.
وقال الزين المنير: الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى (أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) وقال الطحاوي: كان أبو يوسف قد قال مرة: لا تصلي صلاة الخوف بعد رسول صلى الله عليه وسلم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، قال: وهذا القول عندنا ليس بشيء، وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول: إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى.
وسيأتي سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي صَلَاةَ الْخَوْفِ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
الشرح:
قوله: (عن الزهري سألته) القائل هو شعيب والمسئول هو الزهري وهو القائل " أخبرني سالم " أي ابن عبد الله بن عمر، ووقع بخط بعض من نسخ الحديث عن الزهري قال سألته فأثبت قال ظنا أنها حذفت خطأ على العادة، وهو محتمل، ويكون حذف فاعل قال، لا أن الزهري هو الذي قال: والمتجه حذفها وتكون الجملة حالية أي أخبرني الزهري حال سؤالي إياه.
وقد رواه النسائي من طريق بقية عن شعيب حدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وأخرجه السراج عن محمد بن يحيى عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فزاد فيه ولفظه " سألته هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أم لا؟ وكيف صلاها إن كان صلاها؟ وفي أي مغازيه كان ذلك؟ " فأفاد بيان المسئول عنه وهو صلاة الخوف.
قوله: (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد، ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب، وسيأتي بيان هذه الغزوة في الكلام على غزوة ذات الرقاع من المغازي.
قوله: (فوازينا) بالزاي أي قابلنا، قال صاحب الصحاح: يقال آزيت، يعني بهمزة ممدودة لا بالواو.
والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوا.
قوله: (فصاففناهم) في رواية المستملي والسرخسي " فصاففنا لهم " وقوله " فصلي لنا " أي لأجلنا أو بنا.
قوله: (ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل) أي فقاموا في مكانهم، وصرح به في رواية بقية المذكورة، ولمالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر " ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون " وسيأتي عند المصنف في التفسير.
قوله: (ركعة وسجد سجدتين) زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري " مثل نصف صلاة الصبح " وفي قوله مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية، وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر، وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة.
قوله: (فقام كل واحد منهم فركع لنفسه) لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده.
ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه " ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا " ا ه.
وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة، ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق، وبهذه الكيفية أخذ الحنفية، واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي، وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد، لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد، فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد.
ويحرس واحد ثم يصلي الآخر، وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا، لكن قال الشافعي: أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله: (أسلحتهم) ذكره النووي في شرح مسلم وغيره، واستدل به على عظم أمر الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة، ورجح ابن عبد البر هذه الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الإسناد لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه، وعن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، ومال إلى ترجيح حديث سهل ابن أبي حثمة الآتي في المغازي، وكذا رجحه الشافعي، ولم يختر إسحاق شيئا على شيء، وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه، وكذا ابن حبان في صحيحه وزاد تاسعا.
وقال ابن حزم: صح فيها أربعة عشر وجها، وبينها في جزء مفرد.
وقال ابن العربي في " القبس ": جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة، ولم يبينها.
وقال النووي نحوه في شرح مسلم ولم يبينها أيضا، وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت سبعة عشر وجها، لكن يمكن أن تتداخل.
قال صاحب الهدى: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من اختلاف الرواة ا ه.
وهذا هو المعتمد، وإليه أشار شيخنا بقوله: يمكن تداخلها.
وحكى ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات.
وقال ابن العربي: صلاها أربعا وعشرين مرة.
وقال الخطابي: صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى ا ه. وفي كتب الفقه تفاصيل لها كثيرة وفروع لا يتحمل هذا الشرح بسطها والله المستعان.
عدل سابقا من قبل Admin في الخميس ديسمبر 16, 2010 1:49 pm عدل 2 مرات | |
|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )8 الخميس ديسمبر 16, 2010 11:52 am | |
| *3* باب صَلَاةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا رَاجِلٌ قَائِمٌ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب صلاة الخوف رجالا وركبانا) قيل: مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها، بل تصلي على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية.
قوله: (راجل: قائم) يريد أن قوله " رجالا " جمع راجل والمراد به هنا القائم، ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى (يأتوك رجالا) أي مشاة، وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا
الشرح:
قوله: (عن نافع عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما، وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا ") هكذا أورده البخاري مختصرا وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه، فأشكل الأمر فيه فقال الكرماني: معناه أن نافعا روى عن ابن عمر نحوا مما روى مجاهد عن ابن عمر، المروي المشترك بينهما هو ما إذا اختلطوا قياما، وزيادة نافع على مجاهد قوله " وإن كانوا أكثر من ذلك الخ " قال: ومفهوم كلام ابن بطال أن ابن عمر قال مثل قول مجاهد، وأن قولهما مثلا في الصورتين، أي في الاختلاط وفي الأكثرية، وأن الذي زاد هو ابن عمر لا نافع ا ه.
وما نسبه لابن بطال بين في كلامه إلا المثلية في الأكثرية فهي مختصة بابن عمر وكلام ابن بطال هو الصواب وإن كان لم يذكر دليله.
والحاصل أنهما حديثان: مرفوع وموقوف، فالمرفوع من رواية ابن عمر وقد يروى كله أو بعضه موقوفا عليه أيضا، والموقوف من قول مجاهد لم يروه عن ابن عمر ولا غيره، ولم أعرف من أين وقع للكرماني أن مجاهدا روى هذا الحديث عن ابن عمر فإنه لا وجود لذلك في شيء من الطرق، وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري فيه بإسناده المذكور عن ابن عمر قال " إذا اختلطوا " يعني في القتال " فإنما هو الذكر وإشارة الرأس " قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا " هكذا اقتصر على حديث ابن عمر، وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن سعيد المذكور مثل ما ساقه البخاري سواء، وزاد بعد قوله " اختلطوا: فإنما هو الذكر وإشارة الرأس " ا ه.
وتبين من هذا أن قوله في البخاري " قياما " الأولى تصحيف من قوله " فإنما " وقد ساقه الإسماعيلي من طريق أخرى بين لفظ مجاهد وبين فيها الواسطة بين ابن جريج وبينه، فأخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال " إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة بالرأس " قال ابن جريج " حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر بمثل قول مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس " وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم " فإن كثروا فليصلوا ركبانا أو قياما على أقدامهم " فتبين من هذا سبب التعبير بقوله " نحو قول مجاهد " لأن بين لفظه وبين لفظ ابن عمر مغايرة، وتبين أيضا أن مجاهدا إنما قاله برأيه لا من روايته عن ابن عمر والله أعلم.
وقد أخرج مسلم حديث ابن عمر من طريق سفيان الثوري عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره " قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومئ إيماء " ورواه ابن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا لكن قال في آخره " وأخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يخبر بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم " فاقتضى ذلك رفعه كله.
وروى مالك في الموطأ عن نافع كذلك لكن قال في آخره " قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم " وزاد في آخره " مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها".
وقد أخرجه المصنف من هذا الوجه في تفسير سورة البقرة، ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا كله بغير شك أخرجه ابن ماجه ولفظه " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف: أن يكون الإمام يصلي بطائفة " فذكر نحو سياق سالم عن أبيه وقال في آخره " فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا " وإسناده جيد.
والحاصل أنه اختلف في قوله " فإن كان خوف أشد من ذلك " هل هو مرفوع أو موقوف على ابن عمر، والراجح رفعه، والله أعلم.
قوله: (وإن كانوا أكثر من ذلك) أي إن كان العدو، والمعنى أن الخوف إذا اشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان، وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان، فينتقل عن القيام إلى الركوع، وعن الركوع والسجود إلى الإيماء إلى غير ذلك، وبهذا قال الجمهور، ولكن قال المالكية: لا يصنعون ذلك حتى يخشى فوات الوقت، وسيأتي مذهب الأوزاعي في ذلك بعد باب.
(تنبيه) : ابن جريج سمع الكثير من نافع، وقد أدخل في هذا الحديث بينه وبين نافع موسى بن عقبة، ففي هذا التقوية لمن قال إنه أثبت الناس في نافع، ولابن جريج فيه إسناد آخر أخرجه عبد الرزاق عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه.
*3* باب يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف) قال ابن بطال: محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه، بخلاف الصورة الماضية في حديث ابن عمر.
وقال الطحاوي: ليس هذا بخلاف القرآن لجواز أن يكون قوله تعالى (ولتأت طائفة أخرى) إذا كان العدو في غير القبلة، وذلك ببيانه صلى الله عليه وسلم.
ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
الشرح:
قوله: (عن الزبيدي) في رواية الإسماعيلي " حدثنا الزبيدي " ولم أره من حديثه إلا من رواية محمد ابن حرب عنه، وافقه عليه النعمان بن راشد عن الزهري أخرجه البزار وقال: لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان، ولا عنه إلا وهيب يعني ابن خالد ا ه.
ورواية الزبيدي ترد عليه.
قوله: (وركع ناس منهم) زاد الكشميهني " معه".
قوله: (ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا معه) في رواية النسائي والإسماعيلي " ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه".
قوله: (فركعوا وسجدوا) في روايتهما أيضا " فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله: (في صلاة) زاد الإسماعيلي " يكبرون " ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا، وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم من شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره " ولم يقضوا " وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة.
وفي الباب عن حذيفة وعن زيد ابن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان، وعن جابر عند النسائي، ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة " وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما.
وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين، ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف، وسيأتي عن بعضهم في شدة الخوف أسهل من ذلك.
وقال الجمهور: قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأولوا رواية مجاهد هذه على أن المراد به ركعة مع الإمام، وليس فيه نفي الثانية.
وقالوا: يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق " لم يقضوا " أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم.
(فائدة) : لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب، وقد أجمعوا على أنه لا يدخلها قصر، واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس.
| |
|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )8 الخميس ديسمبر 16, 2010 11:53 am | |
| *3* باب الصَّلَاةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ حذف التشكيل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَا يُجْزِئُهُمْ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
الشرح:
قوله: (باب الصلاة عند مناهضة الحصون) أي عند إمكان فتحها، وغلبة الظن على القدرة على ذلك.
قوله: (ولقاء العدو) وهو من عطف الأعم على الأخص، قال الزين بن المنير: كأن المصنف خص هذه الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة، فإن الخوف يقتضي مشروعية صلاة الخوف والرجاء بحصول الظفر يقتضي اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح، فلهذا خالف الحكم في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به.
قوله: (وقال الأوزاعي الخ) كذا ذكره الوليد بن مسلم عنه في كتاب السير.
قوله: (إن كان تهيأ الفتح) أي تمكن.
وفي رواية القابسي " إن كان بها الفتح " بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف.
قوله: (فإن لم يقدروا على الإيماء) قيل: فيه إشكال لأن العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل، إلا أن تقع دهشة فيعزب استحضاره ذلك، وتعقب.
قال ابن رشيد: من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء، وأشار ابن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال، ويحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ.
قوله: (فلا يجزيهم التكبير) فيه إشارة إلى خلاف من قال يجزئ كالثوري، وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا " إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فتلك صلاتهم بلا إعادة " وعن مجاهد والحكم: إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا، فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدة أجزأته أين كان وجهه.
وقال إسحاق بن راهويه: يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ بها إيماء، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر فتكبيرة.
قوله: (وبه قال مكحول) قال الكرماني: يحتمل أن يكون بقية من كلام الأوزاعي، ويحتمل أن يكون من تعليق البخاري.
انتهى.
وقد وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ " إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض".
(تنبيه) : ذكر ابن رشيد أن سياق البخاري لكلام الأوزاعي مشوش، وذلك أنه جعل الإيماء مشروطا بتعذر القدرة، والتأخير مشروطا بتعذر الإيماء، وجعل غاية التأخير انكشاف القتال، ثم قال " أو يأمنوا فيصلوا ركعتين " فجعل الأمن قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه؟ وأجاب الكرماني عن هذا بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة، كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة واتصال المدد بغير انكشاف، فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين.
وأما قوله " فإن لم يقدروا " فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء " فواحدة " وهذا يؤخذ من كلامه الأول قال " فإن لم يقدروا عليها أخروا " أي حتى يحصل الأمن التام.
والله أعلم.
قوله: (وقال أنس) وصله ابن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه، وذكره " خليفة في تاريخه " وعمر بن شبة في " أخبار البصرة " من وجهين آخرين عن قتادة، ولفظ عمر " سأل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال فقال: حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس - يعني أبا موسى الأشعري - أميرهم".
قوله: (تستر) بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر، وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى.
قوله: (اشتعال القتال) بالعين المهملة.
قوله: (فلم يقدروا على الصلاة) يحتمل أن يكون للعجز عن النزول، ويحتمل أن يكون للعجر عن الإيماء أيضا، فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي، وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال.
قوله: (إلا بعد ارتفاع النهار) في رواية عمر بن شبة " حتى انتصف النهار".
قوله: (ما يسرني بتلك الصلاة) أي بدل تلك الصلاة.
وفي رواية الكشميهني " من تلك الصلاة".
قوله: (الدنيا وما فيها) في رواية خليفة: الدنيا كلها، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع، فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت، ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم، ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه، وهو كقول أبي بكر الصديق " لو طلعت لم تجدنا غافلين " وقيل: مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم، والمراد بالصلاة على هذه الفائتة ومعناه: لو كانت في وقتها كانت أحب إلي فالله أعلم، وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال: إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور، وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح، وقوله هذا موافق لحديث " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " انتهى، وكأنه أراد الموافقة في اللفظ، وإلا فقصة أنس في المفروضة والحديث في النافلة، ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء، لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا؟ والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ قَالَ فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا
الشرح:
قوله: (حدثنا يحيى حدثنا وكيع) كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية أبي ذر في نسخة " يحيى ابن موسى " وفي أخرى " يحيى بن جعفر " وهذا المعتمد، وهي نسخة صحيحة بعلامة المستملي، وفي بعض النسخ " يحيى بن موسى بن جعفر " وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية ابن جعفر على أنها نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب، واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة، واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ البخاري وكلاهما من أصحاب وكيع.
قوله: (عن جابر) تقدم الكلام على حديثه في أواخر المواقيت، ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا، وعلى الثاني هل كان للشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف؟ وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك، وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفه لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا، وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه، وإلى الثالث جنح الشافعية كما تقدم في الموضع المذكور، وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف، قال ابن القصار: وهو قول من لا يعرف السنن، لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر؟ فالله المستعان.
*3* باب صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً حذف التشكيل
وَقَالَ الْوَلِيدُ ذَكَرْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ صَلَاةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ
الشرح:
قوله: (باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء) كذا للأكثر.
وفي رواية الحموي من الطريقين، إليه " وقائما " قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته يومئ إيماء، وإن كان طالبا نزل فصلى على الأرض، قال الشافعي: إلا أن ينقطع من أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك، وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب، ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب طاهرة لتحقق السبب المقتضي لها، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو.
وما نقله ابن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي، فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثن طالبا من مطلوب، وبه قال ابن حبيب من المالكية، وذكر أبو إسحاق الفزاري في " كتاب السير " له عن الأوزاعي قال: إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حال، لأن الحديث جاء " إن النصر لا يرفع ما دام الطلب".
قوله: (وقال الوليد) كذا ذكره في " كتاب السير " ورواه الطبري وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي قال " قال شرحبيل بن السمط لأصحابه: لا تصلوا الصبح إلا على ظهر، فنزل الأشتر يعني النخعي فصلى على الأرض، فقال شرحبيل: مخالف خالف الله به " وأخرجه ابن أبي شيبة.
من طريق رجاء بن حيوة قال " كان ثابت بن السمط في خوف، فحضرت الصلاة فصلوا ركبانا، فنزل الأشتر - يعني النخعي - فقال: مخالف خولف به " فلعل ثابتا كان مع أخيه شرحبيل في ذلك الوجه، وشرحبيل المذكور بضم المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة ثم ياء تحتانية ساكنة كندي هو الذي افتتح حمص ثم ولي إمرتها، وقد اختلف في صحبته، وليس له في البخاري غير هذا الموضع.
قوله: (إذا تخوف الفوت) زاد المستملي " في الوقت".
قوله: (واحتج الوليد) معناه أن الوليد قوي مذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة، قال ابن بطال: لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق صلوا ركبانا لكان بينا في الاستدلال، فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال يكون بالقياس فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء.
قال ابن المنير: والأبين عندي أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضي ترك الصلاة أصلا كما جرى لبعضهم، أو الصلاة على الدواب كما وقع للآخرين، لأن النزول ينافي مقصود الجد في الوصول، فالأولون بنوا على أن النزول معصية لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع، وكأن تأخيرهم لها لوجود المعارض، والآخرون جمعوا بين دليلي وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانا، فلو فرضنا أنهم نزلوا لكان ذلك مضادا للأمر بالإسراع، وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة.
انتهى.
وهذا الذي حاوله ابن المنير قد أشار إليه ابن بطال بقوله: لو وجد في بعض طرق الحديث الخ، فلم يستحسن الجزم في النقل بالاحتمال.
وأما قوله: لا يظن بهم المخالفة، فمعترض بمثله بأن يقال لا يظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة بغير توقيف، والأولى في هذا ما قاله ابن المرابط ووافقه الزين بن المنير أن وجه الاستدلال منه بطريق الأولوية، لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يعنفوا مع كونهم فوتوا الوقت، فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء - أو كيف ما يمكن - أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَابِ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ
الشرح:
قوله: (حدثنا جويرية) هو بالجيم تصغير جارية، وهو عم عبد الله الراوي عنه.
قوله: (لا يصلين أحد العصر) في رواية مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ البخاري في هذا الحديث " الظهر " وسيأتي بيان الصواب من ذلك في كتاب المغازي مع بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى.
(فائدة) : أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبيد الله بن أنيس إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان الهذلي قال " فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء " وإسناده حسن.
| |
|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )8 الخميس ديسمبر 16, 2010 11:53 am | |
| *3* باب التَّكْبِيرِ وَالْغَلَسِ بِالصُّبْحِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب التكبير) كذا للأكثر، وللكشميهني من الطريقين " التبكير " بتقديم الموحدة وهو أوجه.
قوله: (والصلاة عند الإغارة) بكسر الهمزة بعدها معجمة، وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا.
أورد فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب، وقد تقدم في أوائل الصلاة في " باب ما يذكر في الفخذ " من طريق أخرى عن أنس وأوله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها صلاة الغداة " الحديث بطوله، وهو أتم سياقا مما هنا، وقوله "ويقولون: محمد والخميس " فيه حمل لرواية عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت، فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من أنس قوله " والخميس " وأنها في رواية ثابت عند مسلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَا أَمْهَرَهَا قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا فَتَبَسَّمَ
الشرح:
قوله: (فصارت صفية لدحية الكلبي، وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنها صارت لهما معا، وليس كذلك بل صارت لدحية أولا ثم صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور، وسيأتي بقية الكلام عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى.
ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام المقاتلة، أشار إلى ذلك الزين بن المنير.
ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو.
وأما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول، وعند كل حادث سرور، شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى.
(خاتمة) : اشتملت أبواب صلاة الخوف على ستة أحاديث مرفوعة موصولة، تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث ابن عباس.
وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار، منها واحد موصول وهو أثر مجاهد، والله أعلم. | |
|
Admin المديــــــــــر
عدد المساهمات : 4687 نقاط : 9393 التميز : 80 تاريخ التسجيل : 03/05/2009 العمر : 32 الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة
| موضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )8 الخميس ديسمبر 16, 2010 11:54 am | |
| *3* باب فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب في العيدين والتجمل فيه) كذا في رواية أبي علي بن شبويه، ونحوه لابن عساكر، وسقطت البسملة لأبي ذر، وله في رواية المستملي " أبواب " بدل " كتاب".
واقتصر في رواية الأصيلي والباقين على قوله " باب الخ " والضمير في " فيه " راجع إلى جنس العيد.
وفي رواية الكشميهني " فيهما".
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ
الشرح:
قوله: (أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا للأكثر " أخذ " بهمزة وخاء وذال معجمتين في الموضعين، وفي بعض النسخ " وجد " بواو وجيم في الأول وهو أوجه، وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين وغير واحد من طرق إلى أبي اليمان شيخ البخاري فيه.
ووجه الكرماني الأول بأنه أراد ملزوم الأخذ وهو الشراء وفيه نظر لأنه لم يقع منه ذلك، فلعله أراد السوم.
قوله: (ابتع هذه تجمل بها) كذا للأكثر بصيغة الأمر مجزوما وكذا جوابه.
ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي " ابتاع هذه تجمل " وضبط في نسخ معتمدة بهمزة استفهام ممدودة ومقصورة وضم لام تجمل على أن أصله تتجمل فحذفت إحدى التاءين كأن عمر استأذن أن يبتاعها ليتجمل بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون بعض الرواة أشبع فتحة التاء فطنت ألفا.
وقال الكرماني قوله " هذه " إشارة إلى نوع الجبة، كذا قال، والذي يظهر إشارة إلى عينها ويلتحق بها جنسها، وقد تقدم في كتاب الجمعة توجيه الترجمة وأنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم على أصل التجمل، وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريرا.
قوله: (للعيد والوفود) تقدم في كتاب الجمعة بلفظ " للجمعة " بدل للعيد وهي رواية نافع، وهذه رواية سالم، وكلاهما صحيح.
وكأن ابن عمر ذكرهما معا فاقتصر كل راو على أحدهما.
قوله: (تبيعها وتصيب بها حاجتك) في رواية الكشميهني " أو تصيب " ومعنى الأول وتصيب بثمنها، والثاني يحتمل أن " أو " بمعنى الواو فهو كالأول أو التقسيم، والمراد المقايضة أو أعم من ذلك والله أعلم.
وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب اللباس، إن شاء الله تعالى.
(فائدة) : روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.
*3* باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الحراب والدرق يوم العيد) الحراب بكسر المهملة جمع حربة، والدرق جمع درقة وهي الترس.
قال ابن بطال: حمل السلاح في العيد لا مدخل له في سنة العيد ولا في صفة الخروج إليه، ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم كان محاربا خائفا فرأى الاستظهار بالسلاح، لكن ليس في حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم خرج بأصحاب الحراب معه يوم العيد، ولا أمر أصحابه بالتأهب بالسلاح، يعني فلا يطابق الحديث الترجمة.
وأجاب ابن المنير في الحاشية بأن مراد البخاري الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من الانبساط ما لا يغتفر في غيره ا ه.
وليس في الترجمة أيضا تقييده بحال الخروج إلى العيد، بل الظاهر أن لعب الحبشة إنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من المصلى، لأنه كان يخرج أول النهار فيصلي ثم يرجع.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي
الشرح:
قوله: (حدثنا أحمد) كذا للأكثر غير منسوب.
وفي رواية أبي ذر وابن عساكر " حدثنا أحمد ابن عيسى " وبه جزم أبو نعيم في المستخرج، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه " حدثنا أحمد بن صالح " وهو مقتضى إطلاق أبي علي بن السكن حيث قال: كل ما في البخاري " حدثنا أحمد " غير منسوب فهو ابن صالح.
قوله: (أخبرنا عمرو) هو ابن الحارث المصري، وشطر هذا الإسناد الأول مصريون والثاني مدنيون.
قوله: (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية الزهري عن عروة " في أيام منى " وسيأتي بعد ثلاثة وعشرين بابا.
قوله: (جاريتان) زاد في الباب الذي بعده " من جواري الأنصار " وللطبراني من حديث أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت، وفي الأربعين للسلمي أنهما كانتا لعبد الله بن سلام، وفي العيدين لابن أبي الدنيا من طريق فليح عن هشام بن عروة " وحمامة وصاحبتها تغنيان " وإسناده صحيح، ولم أقف على تسمية الأخرى، لكن يحتمل أن يكون اسم الثانية زينب وقد ذكره في كتاب النكاح، ولم يذكر حمامة الذين صنفوا في الصحابة وهي على شرطهم.
قوله: (تغنيان) زاد في رواية الزهري " تدففان " بفاءين أي تضربان بالدف، ولمسلم في رواية هشام أيضا " تغنيان بدف " وللنسائي " بدفين " والدف بضم الدال على الأشهر وقد تفتح، ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر، وفي حديث الباب الذي بعده " بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث " أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء، وللمصنف في الهجرة " بما تعازفت " بمهملة وزاي وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوي.
وفي رواية " تقاذفت " بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض، ولأحمد من رواية حماد ابن سلمة عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخزرج ا ه.
وبعاث بضم الموحدة وبعدها مهملة وآخره مثلثة قال عياض ومن تبعه: أعجمها أبو عبيدة وحده.
وقال ابن الأثير في الكامل: أعجمها صاحب العين يعني الخليل وحده، وكذا حكى أبو عبيد البكري في معجم البلدان عن الخليل، وجزم أبو موسى في ذيل الغريب بأنه تصحيف وتبعه صاحب النهاية، قال البكري: هو موضع من المدينة على ليلتين.
وقال أبو موسى وصاحب الهداية: هو اسم حصن للأوس، وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي قيس بن الأسلت: هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم، وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك.
ولا منافاة بين القولين.
وقال صاحب المطالع: الأشهر فيه ترك الصرف.
قال الخطابي: يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره.
قلت: تبعه على هذا جماعة من شراح الصحيحين، وفيه نظر لأنه يوهم أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة، وليس كذلك فسيأتي في أوائل الهجرة قول عائشة " كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله فقدم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم " وكذا ذكره ابن إسحاق والواقدي وغيرهما من أصحاب الأخبار، وقد روى ابن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أول من لقيه من الأنصار - وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشا - كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإسلام والنصر له: واعلم إنما كانت وقعة بعاث عام الأول، فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه، وهي البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسا، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل التي تليها.
فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو المعتمد، وهو أصح من قول ابن عبد البر في ترجمة زيد ابن ثابت من الاستيعاب: إنه كان يوم بعاث ابن ست سنين، وحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن إحدى عشرة، فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين.
نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة، وكان أولها فيما ذكر ابن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخزرج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين بها فحالفوهم وكانوا تحت قهرهم، ثم غلبوا على اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبلة ملك غسان، فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب سمير - بالمهملة مصغرا - بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك ابن عجلان الخزرجي فحالفه، فقتله رجل من الأوس يقال له سمير فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين، ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم السرارة بمهملات، ويوم فارع بفاء ومهملة، ويوم الفجار الأول والثاني، وحرب حصين بن الأسلت، وحرب حاطب بن قيس، إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد وكان يقال له حضير الكتائب، وجرح يومئذ ثم مات بعد مدة من جراحته، وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان، وجاءه سهم في القتال فصرعه فهزموا بعد أن كانوا قد ستظهروا، ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم.
قوله: (فاضطجع على الفراش) في رواية الزهري المذكورة أنه " تغشى بثوبه " وفي رواية مسلم " تسجى " أي التف بثوبه.
قوله: (وجاء أبو بكر) في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده " دخل على أبو بكر وكأنه جاء زائرا لها بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته".
قوله: (فانتهرني) في رواية الزهري " فانتهرهما " أي الجاريتين، ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقريرها، وأما الجاريتان فلفعلهما.
قوله: (مزمارة الشيطان) بكسر الميم يعني الغناء أو الدف، لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي، فقد تشغل القلب عن الذكر.
وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد " فقال: يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال القرطبي: المزمور الصوت، ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر، وضبطه عياض بضم الميم وحكى فتحها.
قوله: (فأقبل عليه) في رواية الزهري " فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه " وفي رواية فليح " فكشف رأسه " وقد تقدم أنه كان ملتفا.
قوله: (دعهما) زاد في رواية هشام " يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " ففيه تعليل الأمر بتركهما، وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائما فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إنكار ذلك قياما عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندا إلى ما ظهر له، فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال، وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس، وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال: كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي صلى الله عليه وسلم؟ وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه.
وفي قوله " لكل قوم " أي من الطوائف وقوله " عيد " أي كالنيروز والمهرجان، وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما: يوم الفطر والأضحى " واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى.
استنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعية قضاء صلاة العيد فيها لمن فاتته كما سيأتي بعد.
واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها " وليستا بمغنيتين " فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة على الحداء.
ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح، قال القرطبي: قولها " ليستا بمغنيتين " أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه، قال: وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سني الأحوال وهذا - على التحقيق - من آثار الزندقة، وقول أهل المخرفة والله المستعان ا ه.
وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ " سيء " عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية ثقيلة مهموزا.
وأما الآلات فسيأتي الكلام على اختلاف العلماء فيها عند الكلام على حديث المعازف في كتاب الأشربة، وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها، وحكى بعضهم عكسه، وسنذكر بيان شبهة الفريقين إن شاء الله تعالى.
ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس إن شاء الله تعالى.
وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل، والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم.
وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى.
وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.
وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة، وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج، إذ التأديب وظيفة الآباء، والعطف مشروع من الأزواج للنساء.
وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها، وأن مواضع أهل الخير تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بإذنهم.
وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه، بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه، وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته، ويحتمل أن يكون أبو بكر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نام فخشي أن يستيقظ فيغضب على ابنته فبادر إلى سد هذه الذريعة.
وفي قول عائشة في آخر هذا الحديث " فلما غفل غمزتهما فخرجتا " دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه عليها فأخرجتهما، واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم.
واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكة لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره، واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج.ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك، والله أعلم.
قوله: (وكان يوم عيد) هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة وأفردهما بعضهم، وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب المساجد، ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا " وقالت - أي عائشة - كان يوم عيد " فتبين بهذا أنه موصول كالأول.
قوله: (يلعب فيه السودان) في رواية الزهري المذكورة " والحبشة يلعبون في المسجد " وزاد في رواية معلقة ووصلها مسلم " بحرابهم " ولمسلم من رواية هشام عن أبيه " جاء حبش يلعبون في المسجد"، قال المحب الطبري: هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد، ووقع في رواية ابن حبان " لما قدم وفد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد " وهذا يشعر بأن الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم، ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد وكان من عادتهم اللعب في الأعياد ففعلوا ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون يوم كل عيد، ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس قال " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحا بذلك لعبوا بحرابهم"؛ ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد، قال الزين بن المنير: سماه لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب وهو من الجد لما فيه من شبه اللعب، لكونه يقصد إلى الطعن ولا يفعله ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه.
قوله: (فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين) هذا تردد منها فيما كان وقع له هل كان أذن لها في ذلك ابتداء منه أو عن سؤال منها، وهذا بناء على أن سألت بسكون اللام على أنه كلامها، ويحتمل أن يكون بفتح اللام فيكون كلام الراوي فلا ينافي مع ذلك قوله " وإما قال تشتهين تنظرين " وقد اختلفت الروايات عنها في ذلك: ففي رواية النسائي من طريق يزيد بن رومان عنها " سمعت لغطا وصوت صبيان، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن - أي ترقص - والصبيان حولها فقال: يا عائشة، تعالي فانظري " ففي هذا أنه ابتدأها.
وفي رواية عبيد بن عمير عنها عند مسلم أنها قالت للعابين " وددت أني أراهم " ففي هذا أنها سألت، ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها.
وفي رواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها " دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم " إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا.
وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها قالت " ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا " كذا فيه بالنصب، وهو حكاية قول الحبشة، ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس " أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لهم، فقال: ما يقولون؟ قال يقولون: محمد عبد صالح".
قوله: (فأقامني وراءه خدي على خده) أي متلاصقين وهي جملة حالية بدون واو كما قيل في قوله تعالى (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) وفي رواية هشام عن أبيه عند مسلم " فوضعت رأسي على منكبه " وفي رواية أبي سلمة المذكورة " فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده " وفي رواية عبيد ابن عمير عنها " أنظر بين أذنيه وعاتقه " ومعانيها متقاربة، ورواية أبي سلمة أبينها.
وفي رواية الزهري الآتية بعد عن عروة " فيسترني وأنا أنظر " وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ " يسترني بردائه " ويتعقب به على الزين بن المنير في استنباطه من لفظ حديث الباب جواز اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء، لأن القصة واحدة، وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء.
قوله: (وهو يقول: دونكم) بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء والمغري به محذوف وهو لعبهم بالحراب، وفيه إذن وتنهيض لهم وتنشيط.
قوله: (يا بني أرفدة) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح، قيل هو لقب للحبشة، وقيل هو اسم جنس لهم، وقيل اسم جدهم الأكبر وقيل المعنى يا بني الإماء، زاد في رواية الزهري عن عروة " فزجرهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمنا بني أرفدة " وبين الزهري أيضا عن سعيد عن أبي هريرة وجه الزجر حيث قال " فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر " وسيأتي في الجهاد، وزاد أبو عوانة في صحيحه " فإنهم بنو أرفدة " كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم.
قال المحب الطبري: فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم، لأن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص، انتهى.
وروى السراج من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة " وهذا يشعر بعدم التخصيص، وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله كما سيأتي تقريره، أو لعله لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم.
قوله: (حتى إذا مللت) بكسر اللام الأولى -.
وفي رواية الزهري " حتى أكون أنا الذي أسأم " ولمسلم من طريقه " ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف " وفي رواية يزيد بن رومان عند النسائي " أما شبعت؟ أما شبعت؟ قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده " وله من رواية أبي سلمة عنها: " قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك؟ قلت: لا تعجل.
قال: وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه " وزاد في النكاح في رواية الزهري " فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو " وقولها " اقدروا " بضم الدال من التقدير ويجوز كسرها، وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة، وقد تمسك به من ادعى نسخ هذا الحكم وأنه كان في أول الإسلام كما تقدمت حكايته في أبواب المساجد، ورد بأن قولها: " يسترني بردائه " دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، وكذا قولها " أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي " مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر، أرادت الفخر عليهن، فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها، وقد تقدم من رواية ابن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة، وقد تقدم في أبواب المساجد شيء نحو هذا والجواب عنه واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه، واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب، قال عياض: وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك، ومن تراجم البخاري عليه " باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة " وقال النووي: أما النظر بشهوة وعند خشية الفتنة فحرام اتفاقا، وأما بغير شهوة فالأصح أنه محرم.
وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة، وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه، قال: أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم، وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال.
انتهى.
وقد تقدمت بقية فوائده في أبواب المساجد.
وسيأتي بعد ستة أبواب وجه الجمع بين ترجمة البخاري هذا الباب والباب الآتي هناك حيث قال " باب ما يكره من حمل السلاح في العيد " إن شاء الله تعالى.
| |
|