*2*كِتَاب الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ رَافِعِي الْمُقْنِعُ وَالْمُقْمِحُ وَاحِدٌ
الشرح:
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب المظالم.
في المظالم والغصب) كذا للمستملي، وسقط " كتاب " لغيره، وللنسفي " كتاب الغصب باب في المظالم".
والمظالم جمع مظلمة مصدر ظلم يظلم واسم لما أخذ بغير حق، والظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي، والغصب أخذ حق الغير بغير حق.
قوله: (وقول الله عز وجل: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون - إلى - عزيز ذو انتقام) كذا لأبي ذر.
وساق غيره الآية.
قوله: (مقنعي رءوسهم: رافعي رءوسهم، المقنع والمقمح واحد) سقط للمستملي والكشميهني قوله: " رافعي رءوسهم " وهو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي من طريقه وهو قول أكثر أهل اللغة والتفسير وكذا قاله أبو عبيدة في " المجاز " واستشهد بقول الراجز: أنهض نحـوي رأسـه وأقنعـا كأنما أبصـر شيئا أطمعا وحكى ثعلب أنه مشترك، يقال أقنع إذا رفع رأسه، وأقنع إذا طأطأه، ويحتمل أن يراد الوجهان: أن يرفع رأسه ينظر، ثم يطأطئه ذلا وخضوعا قاله ابن التين، وأما قوله: " المقنع والمقمح واحد " فذكره أبو عبيدة أيضا في " المجاز " في تفسير سورة يس وزاد: معناه أن يجذب الذقن حتى تصير في الصدر ثم يرفع رأسه، وهذا يساعد قول ابن التين لكنه بغير ترتيب.
قوله: (وقال مجاهد: مهطعين مديمي النظر.
وقال غيره: مسرعين) ثبت هذا هنا لغير أبي ذر ووقع له هو في ترجمة الباب الذي بعده، وتفسير مجاهد وصله الفريابي أيضا، وأما تفسير غيره فالمراد به أبو عبيدة أيضا فكذا قاله واستشهد عليه، وهو قول قتادة والمعروف في اللغة، ويحتمل أن يكون المراد كلا من الأمرين.
وقال ثعلب: المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع لا يقطع بصره.
قوله: (وأفئدتهم هواء يعني جوفا لا عقول لهم) وهو تفسير أبي عبيدة أيضا في " المجاز " واستشهد بقول حسان: ألا أبلغ أبـا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء والهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام، أي لا قوة في قلوبهم ولا جراءة.
وقال ابن عرفة: معناه نزعت أفئدتهم من أجوافهم.
*3* باب قِصَاصِ الْمَظَالِمِ حذف التشكيل
وَقَالَ مُجَاهِدٌ مُهْطِعِينَ مُدِيمِي النَّظَرِ وَيُقَالُ مُسْرِعِينَ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ يَعْنِي جُوفًا لَا عُقُولَ لَهُمْ وَأَنْذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الْأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسِبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
الشرح:
قوله: (باب قصاص المظالم) يعني يوم القيامة، ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري، وقد ترجم عليه في كتاب الرقاق " باب القصاص يوم القيامة " ويأتي الكلام عليه هناك.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ
الشرح:
وقوله: " بقنطرة " الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة.
وقوله: " فيتقاصون " بتشديد المهملة يتفاعلون من القصاص، والمراد به تتبع ما بينهم من المظالم وإسقاط بعضها ببعض.
وقوله: " حتى إذا نقوا " بضم النون بعدها قاف من التنقية، ووقع للمستملي هنا " تقصوا " بفتح المثناة والقاف وتشديد المهملة أي أكملوا التقاص.
قوله: (وهذبوا) أي خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض، ويشهد لهذا الحديث قوله في حديث جابر الآتي ذكره في التوحيد " لا يحل لأحد من أهل الجنة أن يدخل الحنة ولأحد قبله مظلمة " والمراد بالمؤمنين هنا بعضهم، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى: قوله: (وقال يونس بن محمد الخ) وصله ابن منده في كتاب الإيمان، وأراد البخاري به تصريح قتادة عن أبي المتوكل بالتحديث، واسم أبي المتوكل علي بن دؤاد بضم الدال بعدها همزة.
*3* باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين) ذكر فيه حديث ابن عمر " يدني الله المؤمن فيضع عليه كنفه " الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في التوحيد، وفي كتاب الرقاق الإشارة إليه.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
الشرح:
قوله في هذه الرواية " كنفه " بفتح النون والفاء عند الجميع، ووقع لأبي ذر عن الكشميهني بكسر المثناة وهو تصحيف قبيح قاله عياض.
ووجه دخوله في أبواب الغصب الإشارة إلى أن عموم قوله هنا " أغفرها لك " مخصوص بحديث أبي سعيد الماضي في الباب قبله.
*3* باب لَا يَظْلِمُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُسْلِمُهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله (باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه) بضم أوله يقال: أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه، وهو عام في كل من أسلم لغيره، لكن غلب في الإلقاء إلى الهلكة.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح:
قوله: (المسلم أخو المسلم) هذه أخوة الإسلام، فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الأخوة، ويشترك في ذلك الحر والعبد والبالغ والمميز.
قوله: (لا يظلمه) هو خبر بمعنى الأمر، فإن ظلم المسلم للمسلم حرام، وقوله: " ولا يسلمه " أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك واجبا وقد يكون مندوبا بحسب اختلاف الأحوال، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن سالم " ولا يسلمه في مصيبة نزلت به " ولمسلم في حديث أبي هريرة " ولا يحقره " وهو بالمهملة والقاف، وفيه " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
قوله: (ومن كان في حاجة أخيه) في حديث أبي هريرة عند مسلم " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
قوله: (ومن فرج عن مسلم كربة) أي غمة، والكرب هو الغم الذي يأخذ النفس، وكربات بضم الراء جمع كربة ويجوز فتح راء كربات وسكونها.
قوله: (ومن ستر مسلما) أي رآه على قبيح فلم يظهره أي للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ويحمل الأمر في جواز الشهادة عليه بذلك على ما إذا أنكر عليه ونصحه فلم ينته عن قبيح فعله ثم جاهر به، كما أنه مأمور بأن يستتر إذا وقع منه شيء، فلو توجه إلى الحاكم وأقر لم يمتنع ذلك، والذي يطهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الإنكار عليه وإلا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة، وفيه إشارة إلى ترك الغيبة لأن من أظهر مساوئ أخيه لم يستره.
قوله: (ستره الله يوم القيامة) في حديث أبي هريرة عند الترمذي " ستره الله في الدنيا والآخرة " وفي الحديث حض على التعاون وحسن التعاشر والألفة، وفيه أن المجازاة تقع من جنس الطاعات، وأن من حلف أن فلانا أخوه وأراد أخوة الإسلام لم يحنث.
وفيه حديث عن سويد بن حنظلة في أبي داود في قصة له مع وائل بن حجر.