*3* باب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه، على نحو الكتابة) أشار البخاري بهذه الترجمة إلى أن المراد بقوله في حديث ابن عمر " وإلا فقد عتق منه ما عتق " أي وإلا، فإن كان المعتق لا مال له يبلغ قيمة بقية العبد فقد تنجز عتق الجزء الذي كان يملكه وبقي الجزء الذي لشريكه على ما كان عليه أولا إلى أن يستسعي العبد في تحصيل القدر الذي يخلص به باقيه من الرق إن قوي على ذلك، فإن عجز نفسه استمرت حصة الشريك موقوفة.
وهو مصير منه إلى القول بصحة الحديثين جميعا والحكم برفع الزيادتين معا وهو قوله في حديث ابن عمر: " وإلا فقد عتق منه ما عتق " وقد تقدم بيان من جزم بأنها من جملة الحديث، وبيان من توقف فيها أو جزم بأنها من قول نافع.
وقوله في حديث أبي هريرة " فاستسعي به غير مشقوق عليه " وسأبين من جزم بأنها من جملة الحديث ومن توقف فيها أو جزم بأنها من قول قتادة، وقد بينت ذلك في كتابي " المدرج " بأبسط مما هنا.
وقد استبعد الإسماعيلي إمكان الجمع بين حديثي ابن عمر وأبي هريرة ومنع الحكم بصحتهما معا وجزم بأنهما متدافعان، وقد جمع غيره بينهما بأوجه أخر يأتي بيانها في أواخر الباب إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ عَبْدٍ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا أَوْ شَقِيصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ تَابَعَهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ
الشرح:
قوله: (جرير بن حازم سمعت قتادة) سيأتي بعد أبواب من رواية جرير بن حازم عن نافع، فله فيه طريقان، وقد حفظ الزيادة التي في كل منهما وجزم برفع كل منهما.
قوله: (عن بشير بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبفتح النون وكسر الهاء وزنا واحدا.
قوله: (من أعتق شقيصا من عبد) كذا أورده مختصرا وعطف عليه طريق سعيد عن قتادة، وقد تقدم في الشركة من وجه آخر عن جرير بن حازم وبقيته " أعتق كله إن كان له مال وإلا يستسعي غير مشقوق عليه " وأخرجه الإسماعيلي من طريق بشر بن السري ويحيى بن بكير جميعا عن جرير بن حازم بلفظ " من أعتق شقصا من غلام وكان للذي أعتقه من المال ما يبلغ قيمة العبد أعتق في ماله، وإن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه".
قوله: (حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة.
قوله: (عن النضر) في رواية جرير - التي قبلها - عن قتادة " حدثني النضر".
قوله: (وإلا قوم عليه فاستسعي به) في رواية عيسى بن يونس عن سعيد عند مسلم " ثم يستسعي في نصيب الذي لم يعتق " الحديث.
وفي رواية عبدة عند النسائي ومحمد بن بشر عند أبي داود كلاهما عن سعيد " فإن لم يكن له مال قوم ذلك العبد قيمة عدل واستسعي في قيمته لصاحبه " الحديث.
قوله: (غير مشقوق عليه) تقدم توجيهه.
وقال ابن التين: معناه لا يستغلي عليه في الثمن، وقيل معناه غير مكاتب وهو بعيدا جدا.
وفي ثبوت الاستسعاء حجة على ابن سيرين حيث قال: يعتق نصيب الشريك الذي لم يعتق من بيت المال.
قوله: (تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة واختصره شعبة) أراد البخاري بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ.
وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به، فاستظهر له برواية جرير بن حازم بموافقته، ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها.
فأما رواية حجاج فهو في نسخة حجاج بن حجاج عن قتادة من رواية أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية، ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطاة أخرجه الطحاوي، وأما رواية أبان فأخرجها أبو داود والنسائي من طريقه قال: حدثنا قتادة أخبرنا النضر بن أنس ولفظه " فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعي العبد " الحديث، ولأبي داود " فعليه أن يعتقه كله والباقي سواء " وأما رواية موسى بن خلف فوصلها الخطيب في " كتاب الفصل والوصل " من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مظهر عنه عن قتادة عن النضر ولفظه " من أعتق شقصا له في مملوك فعليه خلاصه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال استسعي غير مشقوق عليه " وأما رواية شعبة فأخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه " عن النبي صلى الله عليه وسلم في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال: يضمن"، ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ " من أعتق شقصا من مملوك فهو حر من ماله " وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الطيالسي عن شعبة وأبو داود من طريق روح عن شعبة بلفظ " من أعتق مملوكا بينه وبين آخر فعليه خلاصه " وقد اختصر ذكر السعاية أيضا هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده: فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس ومنهم من لم يذكره، وأخرجه أبو داود والنسائي بالوجهين ولفظ أبي داود والنسائي جميعا من طريق معاذ بن هشام عن أبيه " من أعتق نصيبا له في مملوك عتق من ماله إن كان له مال " ولم يختلف على هشام في هذا القدر من المتن، وغفل عبد الحق فزعم أن هشاما وشعبة ذكرا الاستسعاء فوصلاه، وتعقب ذلك عليه ابن المواق فأجاد، وبالغ ابن العربي فقال: اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول قتادة.
ونقل الخلال في " العلل " عن أحمد أنه ضعف رواية سعيد في الاستسعاء، وضعفها أيضا الأثرم عن سليمان بن حرب، واستند إلى أن فائدة الاستسعاء أن لا يدخل الضرر على الشريك قال: فلو كان الاستسعاء مشروعا للزم أنه لو أعطاه مثلا كل شهر درهمين أنه يجوز ذلك، وفي ذلك غاية الضرر على الشريك ا هـ، وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة، قال النسائي: بلغني أن هماما رواه فجعل هذا الكلام أي الاستسعاء من قول قتادة.
وقال الإسماعيلي: قوله: " ثم استسعي العبد " ليس في الخبر مسندا، وإنما هو قول قتادة مدرج في الخبر على ما رواه همام.
وقال ابن المنذر والخطابي: هذا الكلام الأخير من فتيا قتادة ليس في المتن.
قلت: ورواية همام قد أخرجها أبو داود عن محمد بن كثير عنه عن قتادة لكنه لم يذكر الاستسعاء أصلا ولفظه " أن رجلا أعتق شقصا من غلام، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه " نعم رواه عبد الله بن يزيد المقرئ عن همام فذكر فيه السعاية وفصلها من الحديث المرفوع أخرجه الإسماعيلي وابن المنذر والدار قطني والخطابي والحاكم في " علوم الحديث " والبيهقي والخطيب في " الفصل والوصل " كلهم من طريقه ولفظه مثل رواية محمد بن كثير سواء وزاد " قال فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعي العبد قال الدار قطني: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول ما أحسن ما رواه همام ضبطه وفصل بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين قول قتادة، هكذا جزم هؤلاء بأنه مدرج.
وأبى ذلك آخرون منهم صاحبا الصحيح فصححا كون الجميع مرفوعا، وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد وجماعة، لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره، وهشام وشعبة إن كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينافيا ما رواه، وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه، وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد، فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره، وهذا كله لو انفرد، وسعيد لم ينفرد، وقد قال النسائي في حديث أبي قتادة عن أبي المليح في هذا الباب بعد أن ساق الاختلاف فيه على قتادة: هشام وسعيد أثبت في قتادة من همام، وما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة تقدم ذكرهم وآخرون معهم لا نطيل بذكرهم، وهمام هو الذي انفرد بالتفصيل، وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكما عاما، فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي.
والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث ابن عمر في الباب الماضي " وإلا فقد عتق منه ما عتق " بكون أيوب جعله من قول نافع كما تقدم شرحه، ففصل قول نافع من الحديث وميزه كما صنع همام سواء فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث همام مدرجا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك وهمام لم يوافقه أحد، وقد جزم بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون، والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لعمل صاحبي الصحيح.
وقال ابن المواق: والإنصاف أن لا نوهم الجماعة بقول واحد مع احتمال أن يكون سمع قتادة يفتي به، فليس بين تحديثه به مرة وفتياه به أخرى منافاة.
قلت: ويؤيد ذلك أن البيهقي أخرج من طريق الأوزاعي عن قتادة أنه أفتى بذلك، والجمع بين حديثي ابن عمر وأبي هريرة ممكن بخلاف ما جزم به الإسماعيلي، قال ابن دقيق العيد: حسبك بما اتفق عليه الشيخان فإنه أعلى درجات الصحيح، والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعللوا في تضعيفه بتعليلات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليها مثل تلك التعليلات، وكأن البخاري خشي من الطعن في رواية سعيد بن أبي عروبة فأشار إلى ثبوتها بإشارات خفية كعادته، فإنه أخرجه من رواية يزيد بن زريع عنه وهو من أثبت الناس فيه وسمع منه قبل الاختلاط، ثم استظهر له برواية جرير بن حازم بمتابعته لينفي عنه التفرد، ثم أشار إلى أن غيرهما تابعهما ثم قال: اختصره شعبة، وكأنه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف لم يذكر الاستسعاء، فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره ساقه بتمامه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد والله أعلم.
وقد وقع ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة: أخرجه الطبراني من حديث جابر، وأخرجه البيهقي من طريق خالد بن أبي قلابة عن رجل من بني عذرة، وعمدة من ضعف حديث الاستسعاء في حديث ابن عمر قوله: " وإلا فقد عتق منه ما عتق " وقد تقدم أنه في حق المعسر وأن المفهوم من ذلك الجزء الذي لشريك المعتق باق على حكمه الأول، وليس فيه التصريح بأن يستمر رقيقا، ولا فيه التصريح بأنه يعتق كله.
وقد احتج بعض من ضعف رفع الاستسعاء بزيادة وقعت في الدار قطني وغيره من طريق إسماعيل بن أمية وغيره عن نافع عن ابن عمر قال في آخره " ورق منه ما بقي " وفي إسناده إسماعيل بن مرزوق الكعبي وليس بالمشهور عن يحيى بن أيوب وفي حفظه شيء عنهم، وعلى تقدير صحتها فليس فيها أنه يستمر رقيقا، بل هي مقتضى المفهوم من رواية غيره، وحديث الاستسعاء فيه بيان الحكم بعد ذلك فللذي صحح رفعه أن يقول: معنى الحديثين أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق، ثم يستسعي في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق، وجعلوه في ذلك كالمكاتب، وهو الذي جزم به البخاري.
والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله: " غير مشقوق عليه " فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له بذلك غاية المشقة، وهو لا يلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها، وإلى هذا الجمع مال البيهقي وقال: لا يبقى بين الحديثين معارضة أصلا، وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء، فيعارضه حديث أبي المليح عن أبيه " أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لله شريك " وفي رواية " فأجاز عتقه " أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد قوي وأخرجه أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة " أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو كله، فليس لله شريك " ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه، فقد روى أبو داود من طريق ملقام بن التلب عن أبيه " أن رجلا أعتق نصيبه من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده حسن، وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا.
وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك: المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ما له فيه من الرق، قالوا ومعنى قوله: " غير مشقوق عليه " أي من وجه سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق، لكن يرد على هذا الجمع قوله في الرواية المتقدمة " واستسعي في قيمته لصاحبه"، واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند مسلم " أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة " ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة الميت، وأجاب من أثبت الاستسعاء بأنها واقعة عين فيحتمل أن يكون قبل مشروعية الاستسعاء، ويحتمل أن يكون الاستسعاء مشروعا إلا في هذه الصورة وهي ما إذا أعتق جميع ما ليس له أن يعتقه، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات عن أبي قلابة عن رجل من بني عذرة " أن رجلا منهم أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين " وهذا يعارض حديث عمران، وطريق الجمع بينهما ممكن.
واحتجوا أيضا بما رواه النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر بلفظ " من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء، والجواب مع تسليم صحته أنه مختص بصورة اليسار لقوله فيه: " وله وفاء"، والاستسعاء إنما هو في صورة الإعسار كما تقدم فلا حجة فيه، وقد ذهب إلى الأخذ بالاستسعاء إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية وآخرون، ثم اختلفوا فقال الأكثر: يعتق جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك، وزاد ابن أبي ليلى فقال: ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما أداه للشريك.
وقال أبو حنيفة وحده: يتخير الشريك بين الاستسعاء وبين عتق نصيبه، وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط، وهو موافق لما جنح إليه البخاري من أنه يصير كالمكاتب، وقد تقدم توجيهه، وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق، وخالف الجميع زفر فقال: يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرا، وترتب في ذمته إن كان معسرا.