*3* باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب قبول الهدية) كذا لأبي ذر وهو تكرار بغير فائدة.
وهذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة قبول هدية الصيد من العام بعد الخاص.
ووقع عند النسفي " باب من قبل الهدية " وذكر فيه ستة أحاديث.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ يَبْتَغُونَ بِهَا أَوْ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
حديث عائشة " كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة " وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده، وقوله فيه: " مرضاة " هو مصدر بمعنى الرضا، وقوله فيه: " يبتغون " بالموحدة والمعجمة من البغية، وروي " يتبعون " بتقديم مثناة مثقلة وكسر الموحدة وبالمهملة.
الحديث:
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
حديث ابن عباس " أهدت أم حفيد " وهي بالمهملة والفاء مصغر، وسيأتي الكلام عليه في الأطعمة في الكلام على الضب، وقوله فيه: " وترك الأضب " كذا لأبي ذر بصيغة الجمع ولغيره " الضب " والأضب بضم المعجمة جمع ضب مثل أكف وكف، قوله: " تقذرا " بالقاف والمعجمة تقول قذرت الشيء وتقذرته إذا كرهته.
وقول ابن عباس " لو كان حراما ما أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم " استدلال صحيح من جهة التقرير.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مَعَهُمْ
الشرح:
حديث أبي هريرة في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة، وقوله فيه: " إذا أتي بطعام " زاد أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد " من غير أهله".
قوله: (ضرب بيده) أي شرع في الأكل مسرعا، ومثله ضرب في الأرض إذا أسرع السير فيها.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَقِيلَ تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ قَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ
الشرح:
قوله: (عن أنس) في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة " سمع أنس بن مالك".
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ وَخُيِّرَتْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ زَوْجُهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ قَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ زَوْجِهَا قَالَ لَا أَدْرِي أَحُرٌّ أَمْ عَبْدٌ
الشرح:
حديث عائشة في قصة بريرة من طريق القاسم عن عائشة، وسيأتي شرحه في كتاب النكاح وقد مضى ما يتعلق بشراء بريرة في كتاب العتق قريبا، وشاهد الترجمة منه قوله: " هو لها صدقة ولنا هدية " فيؤخذ منه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، ووقع في رواية أبي ذر الهروي " فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ": هذا تصدق به على بريرة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لها صدقة ولنا هدية " ووقع لغير أبي ذر هنا " فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا تصدق به على بريرة؟ هو لها صدقة ولنا هدية " فجعل السؤال والجواب من كلامه صلى الله عليه وسلم، والأول أصوب وهو الثابت في غير هذه الرواية أيضا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ لَا إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ إِلَيْهَا مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا
الشرح:
حديث أم عطية في الشاة من الصدقة وأنها بلغت محلها: قوله فيه (الذي بعثت إليها) كذا للأكثر بصيغة المخاطب، وللكشميهني " بعثت " بضم أوله على البناء للمجهول.
قوله: (أنه قد بلغت) في رواية الكشميهني " إنها قد بلغت محلها " بكسر المهملة يقع على المكان والزمان، أي زال عنها حكم الصدقة المحرمة علي وصارت لي حلالا.
(تنبيه) : أم عطية اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغرا كما تقدم في الكلام على هذا الحديث في أواخر الزكاة، ووقع عند الإسماعيلي من رواية وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله نسيبة بفتح النون ومن رواية يزيد بن زريع عن خالد الحذاء نسيبة بالتصغير وهو الصواب.
ثم أخرجه من طريق ابن شهاب عن الحذاء عن أم عطية قالت: " بعثت إلي نسيبة الأنصارية بشاة فأرسلت إلى عائشة منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عندكم شيء؟ قالت: لا إلا ما أرسلت به نسيبة " الحديث.
قال الإسماعيلي: هذا يدل على أن نسيبة غير أم عطية.
قلت: سبب ذلك تحريف وقع في روايته في قوله: " بعث " والصواب " بعثت " على البناء للمجهول، وفيه نوع التجريد لأن أم عطية أخبرت عن نفسها بما يوهم أن الذي تخبر عنه غيرها، قال ابن بطال: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس، ولأن أخذ الصدقة منزلة ضعة، والأنبياء منزهون عن ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله تعالى: (ووجدك عائلا فأغنى) والصدقة لا تحل للأغنياء.
وهذا بخلاف الهدية فإن العادة جارية بالإثابة عليها، وكذلك كان شأنه.
وقوله: " قد بلغت محلها " فيه أن الصدقة يجوز فيها تصرف الفقير الذي أعطيها بالبيع والهدية وغير ذلك، وفيه إشارة إلى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن الصدقة كما حرمت عليه، لأن عائشة قبلت هدية بريرة وأم عطية مع علمها بأنها كانت صدقة عليهما، وظنت استمرار الحكم بذلك عليها ولهذا لم تقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم لعلمها أنه لا تحل له الصدقة، وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم ولكنه بين لها أن حكم الصدقة فيها قد تحول فحلت له صلى الله عليه وسلم أيضا، ويستنبط من هذه القصة جواز استرجاع صاحب الدين من الفقير ما أعطاه له من الزكاة بعينه وأن للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها ولو كان ينفق عليها منها، وهذا كله فيما لا شرط فيه.
والله أعلم.
(تنبيه) : استشكلت قصة عائشة في حديث أم عطية مع حديثها في قصة بريرة لأن شأنهما واحد، وقد أعلمها النبي صلى الله عليه وسلم في كل منهما بما حاصله أن الصدقة إذا قبضها من يحل له أخذها ثم تصرف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه أن يتناول منها إذا أهديت له أو بيعت، فلو تقدمت إحدى القصتين على الأخرى لأغنى ذلك عن إعادة ذكر الحكم، ويبعد أن تقع القصتان دفعة واحدة.