*3* باب شَهَادَةِ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ حذف التشكيل
وَقَالَ أَنَسٌ شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلَّا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ وَقَالَ شُرَيْحٌ كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ
الشرح:
قوله: (باب شهادة الإماء والعبيد) أي في حال الرق، وقد ذهب الجمهور إلى أنها لا تقبل مطلقا.
وقالت طائفة: تقبل مطلقا، وقد نقل المصنف بعض ذلك وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور، وقيل تقبل في الشيء اليسير وهو قول الشعبي وشريح والنخعي والحسن.
قوله: (وقال أنس: شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا) وصله ابن أبي شيبة من رواية المختار بن فلفل قال: " سألت أنسا عن شهادة العبيد فقال جائزة".
قوله: (وأجازه شريح وزرارة بن أبي أوفى) أما شريح فوصله ابن أبي شيبة من رواية عامر وهو الشعبي " أن شريحا أجاز شهادة العبيد " وروى سعيد بن منصور من رواية عمار الدهني قال: " سمعت شريحا أجاز شهادة عبد في الشيء اليسير " ورويناه في " جامع سفيان بن عيينة " عن هشام عن ابن سيرين " كان شريح يجيز شهادة العبد في الشيء اليسير إذا كان مرضيا " وروى ابن أبي شيبة أيضا من طريق أشعث عن الشعبي " كان شريح لا يجيز شهادة العبد، فقال علي: لكننا نجيزها فكان شريح بعد ذلك يجيزها إلا لسيده " وأما قول زرارة بن أبي أوفى وهو قاضي البصرة فلم أقف على سنده إليه.
قوله: (وقال ابن سيرين شهادته) أي العبد (جائزة، إلا العبد لسيده) وصله عبد الله بن أحمد بن حنبل في " المسائل " من طريق يحيى بن عتيق عنه بمعناه.
قوله: (وأجازه الحسن وإبراهيم في الشيء التافه) وصله ابن أبي شيبة من رواية منصور عن إبراهيم قال: " كانوا يجيزونها في الشيء الخفيف " ومن طريق أشعث الحمراني عن الحسن نحوه.
قوله: (وقال شريح: كلكم بنو عبيد وإماء) كذا للأكثر، ولابن السكن " كلكم عبيد وإماء " وصله ابن أبي شيبة من طريق عمار الدهني " سمعت شريحا شهد عنده عبد فأجاز شهادته، فقيل له أنه عبد، فقال: كلنا عبيد وأمنا حواء " وأخرجه سعيد بن منصور من هذا الوجه نحوه بلفظ " فقيل له إنه عبد، فقال: كلكم بنو عبيد وبنو إماء " ثم أورد المصنف حديث عقبة بن الحارث في قصة الأمة السوداء المرضعة، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده، ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم أمر عقبة بفراق امرأته بقول الأمة المذكورة، فلو لم تكن شهادتها مقبولة ما عمل بها، واحتجوا أيضا بقوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء) قالوا فإن كان الذي في الرق رضا فهو داخل في ذلك، وأجيب عن الآية بأنه تعالى قال في آخرها: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) والإباء إنما يتأتى من الأحرار لاشتغال الرقيق بحق السيد، وفي الاستدلال بهذا القدر نظر، وأجاب الإسماعيلي عن حديث الباب فقال: قد جاء في بعض طرقه " فجاءت مولاة لأهل مكة " قال: وهذا اللفظ يطلق على الحرة التي عليها الولاء فلا دلالة فيه على أنها كانت رقيقة، وتعقب بأن رواية حديث الباب فيه التصريح بأنها أمة فتعين أنها ليست بحرة، وقد قال ابن دقيق العيد: إن أخذنا بظاهر حديث الباب فلا بد من القول بشهادة الأمة، وقد سبق إلى الجزم بأنها كانت أمة أحمد بن حنبل رواه عنه جماعة كأبي طالب ومهنا وحرب وغيرهم، وقد تقدم في العلم تسمية أم يحيى بنت أبي إهاب وإنها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها تحتانية مثقلة، ثم وجدت في النسائي أن اسمها زينب فلعل غنية لقبها، أو كان اسمها فغير بزينب كما غير اسم غيرها، والأمة المذكورة لم أقف على اسمها.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ح و حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ قَالَ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ عَنِّي قَالَ فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا فَنَهَاهُ عَنْهَا
الشرح:
قوله: (فأعرض عني) زاد في البيوع من طريق عبد الله بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة " وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله فيه (فتنحيت فذكرت ذلك له) في رواية النكاح " فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة " وفي رواية الدار قطني " ثم سألته فأعرض عني وقال في الثالثة أو الرابعة".
*3* باب شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب شهادة المرضعة) ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث في قصة المرأة التي أخبرته أنها أرضعته وأرضعت امرأته، أخرجه في الباب الذي قبله، وفي هذا الباب عن أبي عاصم، لكن هنا عن عمر بن سعيد وفي الذي قبله عن ابن جريج كلاهما عن ابن أبي مليكة وكأن لأبي عاصم فيه شيخين، فقد وجدت له فيه ثالثا ورابعا أخرجه الدار قطني من طريق محمد بن يحيي عن أبي عاصم عن أبي عامر الخراز ومحمد بن سليم كلاهما عن ابن أبي مليكة أيضا، واحتج به من قبل شهادة المرضعة وحدها، قال علي بن سعد: سمعت أحمد يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع قال: تجوز على حديث عقبة بن الحارث وهو قول الأوزاعي.
ونقل عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال: " فرق عثمان بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم " قال ابن شهاب: الناس يأخذون بذلك من قول عثمان اليوم، واختاره أبو عبيد إلا أنه قال: إن شهدت المرضعة وحدها وجب على الزوج مفارقة المرأة ولا يجب عليه الحكم بذلك وإن شهدت معها أخرى وجب الحكم به.
واحتج أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم عقبة بفراق امرأته بل قال له " دعها عنك " وفي رواية ابن جريج " كيف وقد زعمت " فأشار إلى أن ذلك على التنزيه، وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي في ذلك شهادة المرضعة لأنها شهادة على فعل نفسها، وقد أخرج أبو عبيد من طريق عمر والمغيرة بن شعبة وعلي بن أبي طالب وابن عباس أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقال عمر: فرق بينهما إن جاءت بينة، وإلا فخل بين الرجل وامرأته إلا أن يتنزها، ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين الزوجين إلا فعلت.
وقال الشعبي: تقبل مع ثلاث نسوة شرط أن لا تتعرض نسوة لطلب أجرة، وقيل لا تقبل مطلقا، وقيل تقبل في ثبوت المحرمية دون ثبوت الأجرة لها على ذلك، قال مالك تقبل مع أخرى.
وعن أبي حنيفة لا تقبل في الرضاع شهادة النساء المتمحضات، وعكسه الإصطخري من الشافعية، وأجاب من لم يقبل شهادة المرضعة وحدها بحمل النهي في قوله: " فنهاه عنها " على التنزيه ويحمل الأمر في قوله: " دعها عنك " على الإرشاد.
وفي الحديث جواز إعراض المفتي ليتنبه المستفتي على أن الحكم فيما سأله الكف عنه، وجواز تكرار السؤال لمن لم يفهم المراد والسؤال عن السبب المقتضي لرفع النكاح، وقوله في الإسناد الذي قبله " حدثني عقبة بن الحارث أو سمعته منه " فيه رد على من زعم أن ابن أبي مليكة لم يسمع من عقبة بن الحارث وقد حكاه ابن عبد البر، ولعل قائل ذلك أخذه من الرواية الآتية في النكاح من طريق ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث، قال ابن أبي مليكة: " وقد سمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد أحفظ " وأخرجه أبو داود من طريق حماد عن أيوب ولفظه " عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: وحدثنيه صاحب لي عنه وأنا لحديث صاحبي أحفظ " ولم يسمه، وفيه إشارة إلى التفرقة في صيغ الأداء بين الإفراد والجمع، أو بين القصد إلى التحديث وعدمه، فيقول الراوي فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ أو قصد الشيخ تحديثه بذلك " حدثني " بالإفراد وفيما عدا ذلك " حدثنا " بالجمع أو " سمعت فلانا يقول " ووقع عند الدار قطني من هذا الوجه " حدثني عقبة بن الحارث " ثم قال: " لم يحدثني ولكني سمعته يحدث " وهذا يعين أحد الاحتمالين، وقد اعتمد ذلك النسائي فيما يرويه عن الحارث بن مسكين فيقول " الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا اسمع " ولا يقول حدثني ولا أخبرني لأنه لم يقصده بالتحديث وإنما كان يسمعه من غير أن يشعر به.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ دَعْهَا عَنْكَ أَوْ نَحْوَهُ
الشرح:
قوله فيه (إني قد أرضعتكما) زاد الدار قطني من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة " فدخلت علينا امرأة سوداء فسألت فأبطأنا عليها فقالت: تصدقوا علي، فوالله لقد أرضعتكما جميعا " زاد البخاري في العلم من طريق عمر بن سعيد عن ابن أبي حسين عن ابن أبي مليكة " فقال لها عقبة ما أرضعتني ولا أخبرتني - أي بذلك - قبل التزوج " زاد في " باب إذا شهد بشيء فقال آخر ما علمت ذلك " وفي العلم " فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله " وترجم عليه " الرحلة في المسألة النازلة " وزاد في النكاح " فقالت لي قد أرضعتكما وهي كاذبة".
قوله: (دعها عنك أو نحوه) في رواية النكاح " دعها عنك " حسب، زاد الدار قطني في رواية أيوب في آخره " لا خير لك فيها"، وفي الباب الذي قبله " فنهاه عنها، زاد في الباب المشار إليه من الشهادات " ففارقها ونكحت زوجا غيره".