*3* باب بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَتِهِمْ حذف التشكيل
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا
وَقَالَ مُغِيرَةُ احْتَلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَبُلُوغُ النِّسَاءِ فِي الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ أَدْرَكْتُ جَارَةً لَنَا جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً
الشرح:
قوله: (باب بلوغ الصبيان وشهادتهم) أي حد بلوغهم وحكم شهادتهم قبل ذلك، فأما حد البلوغ فسأذكره، وأما شهادة الصبيان فردها الجمهور، واعتبرها مالك في جراحاتهم بشرط أن يضبط أول قولهم قبل أن يتفرقوا، وقبل الجمهور أخبارهم إذا انضمت إليها قرينة، وقد اعترض بأنه ترجم بشهادتهم وليس في حديثي الباب ما يصرح بها، وأجيب بأنه مأخوذ من الاتفاق على أن من حكم ببلوغه قبلت شهادته إذا اتصف بشرط القبول، ويرشد إليه قول عمر بن عبد العزيز " إنه لحد بين الصغير والكبير".
قوله: (وقول الله عز وجل: وإذا بلع الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) في هذه الآية تعليق الحكم ببلوغه الحلم، وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غير سواء كان في اليقظة أو المنام، وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام إلا مع الإنزال.
قوله: (وقال مغيرة) هو ابن مقسم الضبي الكوفي.
قوله: (وأنا ابن ثنتي عشرة سنة) جاء مثله عن عمرو بن العاص، فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتي عشرة سنة.
قوله: (وبلوغ النساء إلى الحيض لقوله عز وجل: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم - إلى قوله - أن يضعن حملهن) هو بقية من الترجمة، ووجه الانتزاع من الآية للترجمة تعليق الحكم في العدة بالأقراء على حصول الحيض، وأما قبله وبعده فبالأشهر، فدل على أن وجود الحيض ينقل الحكم، وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء.
قوله: (وقال الحسن بن صالح) هو ابن حي الهمداني الفقيه الكوفي تقدم نسبه في أوائل الكتاب، وأثره هذا رويناه موصولا في " المجالسة " للدينوري من طريق يحيى بن آدم عنه نحوه وزاد فيه " وأقل أوقات الحمل تسع سنين " وقد ذكر الشافعي أيضا أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت لاستكمال تسع ووضعت بنتا لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك، واختلف العلماء في أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل، وهل تنحصر العلامات في ذلك أم لا؟ وفي السن الذي إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم والمرأة ولم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ، فاعتبر مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور الإنبات، إلا أن مالكا لا يقيم به الحد للشبهة، واعتبره الشافعي في الكافر، واختلف قوله في المسلم.
وقال أبو حنيفة: سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام وسبع عشرة للجارية.
وقال أكثر المالكية: حده فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة.
وقال الشافعي وأحمد وابن وهب والجمهور: حده فيهما استكمال خمس عشرة سنة على ما في حديث ابن عمر في هذا الباب.
الحديث:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ
الشرح:
قوله: (حدثنا عبيد الله بن سعيد) كذا في جميع الأصول عبيد الله بالتصغير، وهو أبو قدامة السرخسي، ووقع بخط ابن العكلي الحافظ عبيد بن إسماعيل وبذلك جزم البيهقي في الخلافيات فأخرج الحديث من طريق محمد بن الحسين الخثعمي عن عبيد بن إسماعيل ثم قال: أخرجه البخاري عن عبيد الله بن إسماعيل.
قلت: وهو معروف بالرواية عن أبي أسامة، وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن أبي قدامة السرخسي فقال: " عن يحيى بن سعيد القطان " بدل أبي أسامة فهذا يرجح ما قال البيهقي.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني) فيه التفات أو تجريد إذ كان السياق يقتضي أن يقول فلم يجزه لكنه التفت، أو جرد من نفسه أولا شخصا فعبر عنه بالماضي ثم التفت فقال: " عرضني " ووقع في رواية يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر كما سيأتي في المغازي " فلم يجزه " وفي رواية مسلم عن ابن نمير عن أبيه عن عبد الله بن عمر " عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال فلم يجزني " وقوله: " فلم يجزني " بضم أوله من الإجازة.
وفي رواية ابن إدريس وغيره عن عبيد الله عند مسلم " فاستصغرني".
قوله: (ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) لم تختلف الرواة عن عبيد الله بن عمر في ذلك وهو الاقتصار على ذكر أحد والخندق، وكذا أخرجه ابن حبان من طريق مالك عن نافع، وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن هارون عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر فزاد فيه ذكر بدر ولفظه " عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردني، وعرضت عليه يوم أحد " الحديث، قال ابن سعد: قال يزيد بن هارون ينبغي أن يكون في الخندق ابن ست عنوة سنة ا هـ، وهو أقدم من نعرفه استشكل قول ابن عمر هذا، وإنما بناه على قول ابن إسحاق، وأكثر أهل السير أن الخندق كانت في سنة خمس من الهجرة وإن اختلفوا في تعيين شهرها كما سيأتي في المغازي، واتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث، وإذا كان كذلك جاء ما قال يزيد أنه يكون حينئذ ابن ست عشرة سنة، لكن البخاري جنح إلى قول موسى بن عقبة في المغازي أن الخندق كانت في شوال سنة أربع، وقد روى يعقوب بن سفيان في تاريخه ومن طريقه البيهقي عن عروة نحو قول موسى بن عقبة، وعن مالك الجزم بذلك، وعلى هذا لا إشكال، لكن اتفق أهل المغازي على أن المشركين لما توجهوا في أحد نادوا المسلمين: موعدكم العام المقبل بدر، وأنه صلى الله عليه وسلم خرج إليها من السنة المقبلة في شوال فلم يجد بها أحدا، وهذه هي التي تسمى " بدر الموعد " ولم يقع بها قتال فتعين ما قال ابن إسحاق إن الخندق كانت في سنة خمس فيحتاج حينئذ إلى الجواب عن الإشكال، وقد أجاب عنه البيهقي وغيره بأن قول ابن عمر " عرضت يوم أحد وأنا " بن أربع عشرة " أي دخلت فيها، وأن قوله: " عرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة " أي تجاوزتها فألغي الكسر في الأولى وجبره في الثانية، وهو شائع مسموع في كلامهم، وبه يرتفع الإشكال المذكور وهو أولى من الترجيح والله أعلم.
(تنبيهان) : الأول زعم ابن التين أنه ورد في بعض الروايات أن عرض ابن عمر كان ببدر فلم يجزه ثم بأحد فأجازه، قال: وفي رواية عرض يوم أحد وهو ابن ثلاث عشرة فلم يجزه وعرض يوم الخندق وهو ابن أربع عشرة سنة فأجازه، ولا وجود لذلك، وإنما وجد ما أشرت إليه عن ابن سعد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي معشر، وأبو معشر مع ضعفه لا يخالف ما زاده من ذكر بدر ما رواه الثقات بل يوافقهم.
الثاني زعم ابن ناصر أنه وقع في " الجمع " للحميدي هنا " يوم الفتح " بدل يوم الخندق، قال ابن ناصر: والسابق إلى ذلك ابن مسعود أو خلف فتبعه شيخنا ولم يتدبره، والصواب " يوم الخندق " في جميع الروايات، وتلقى ذلك ابن الجوزي عن ابن ناصر وبالغ في التشنيع على من وهم في ذلك، وكان الأولى ترك ذلك فإن الغلط لا يسلم منه كثيرا أحد.
قوله: (قال نافع فقدمت على عمر) هو موصول بالإسناد المذكور.
قوله: (إن هذا الحد بين الصغير والكبير) في رواية ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر عند الترمذي " فقال هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة".
قوله: (وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة) زاد مسلم في روايته " ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال " وقوله: " أن يفرضوا " أي يقدروا لهم رزقا في ديوان الجند.
وكانوا يفرقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء، وهو الرزق الذي يجمع في بيت المال ويفرق على مستحقيه.
واستدل بقصة ابن عمر على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم، فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود، ويستحق سهم الغنيمة، ويقتل إن كان حربيا، ويفك عنه الحجر إن أونس رشده وغير ذلك من الأحكام.
وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز وأقره عليه راوية نافع.
وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال، وذلك يتعلق بالقوة والجلد.
وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها، ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السن قد احتلم فلذلك أجازه.
وتجاسر بعضهم فقال: إنما رده لضعفه لا لسنه، وإنما أجازه لقوته لا لبلوغه.
ويرد على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، ورواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما من وجه آخر عن ابن جريج " أخبرني نافع " فذكر هذا الحديث بلفظ " عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت " وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيها، لجلالة ابن جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع، وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه، وقد نص فيها لفظ ابن عمر بقوله: " ولم يرني بلغت " وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في قصة تتعلق به.
وفي الحديث أن الإمام يستعرض من يخرج معه للقتال قبل أن تقع الحرب فمن وجده أهلا استصحبه وإلا رده، وقد وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد وغيرهما، وستأتي الإشارة إليه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.
وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال على البلوغ، بل للإمام أن يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة، فرب مراهق أقوى من بالغ.
وحديث ابن عمر حجة عليهم ولا سيما الزيادة التي ذكرتها عن ابن جريج، والله أعلم.
(تنبيه) : ظاهر الترجمة مع سياق الآية أن الولد يطلق عليه صبي وطفل إلى أن يبلغ وهو كذلك، وأما ما ذكره بعض أهل اللغة وجزم به غير واحد أن الولد يقال له جنين حتى يوضع، ثم صبي حتى يفطم، ثم غلام إلى سبع ثم يافع إلى عشر، ثم حزور إلى خمس عشرة.
ثم قمد إلى خمس وعشرين، ثم عنطنط إلى ثلاثين، ثم ممل إلى أربعين، ثم كهل إلى خمسين، ثم شيخ إلى ثمانين، ثم هم إذا زاد فلا يمنع إطلاق شيء من ذلك على غيره مما يقاربه به تجوزا.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ
الشرح:
قوله: (عن أبي سعيد) هو الخدري.
قوله: (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم في الجمعة من طريق أخرى عن صفوان بن سليم بلفظ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال".
قوله: (غسل يوم الجمعة) في رواية أحمد عن سفيان " الغسل يوم الجمعة " وقد تقدم الحديث ومباحثه في كتاب الجمعة، وفيه إشارة إلى أن البلوغ يحصل بالإنزال لأنه المراد بالاحتلام هنا.
ويستفاد مقصود الترجمة بالقياس على بقية الأحكام من حيث تعلق الوجوب بالاحتلام.