*3* باب خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ حذف التشكيل
الشرح:
(تنبيه) :: وقع في رواية السرخسي هنا " باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه " ولا معنى لذكره هنا، ووقع عنده أيضا " باب خمس من الدواب فواسق " وسقط من رواية غيره وهو أولى.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَفَعَهُ قَالَ خَمِّرُوا الْآنِيَةَ وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ فَإِنَّ لِلشَّيَاطِينِ
الشرح:
حديث جابر: قوله: (حدثنا كثير) هو ابن شنظير - بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة - بصري قد قال فيه ابن معين: ليس بشيء، قال الحاكم: مراده بذلك أنه ليس له من الحديث ما يشتغل به.
وقد قال فيه ابن معين مرة: صالح، وكذا قال أحمد.
وقال ابن عدي: أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة.
قلت وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد توبع عليه كما تراه في آخر الحديث، وآخر في السلام على المصلي، وله متابع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر.
قوله: (رفعه) كذا هنا، ووقع عند الإسماعيلي من وجهين عن حماد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (خمروا الآنية) أي غطوها.
ومضى في الرواية التي في صفة إبليس " وخمر أناءك واذكر اسم الله ولو أن تعرض عليه شيئا " وهو بضم الراء وبكسرها وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة.
قوله: (وأوكئوا) بكسر الكاف بعدها همزة أي اربطوها وشدوها، والوكاء اسم ما يسد به فم القربة.
قوله: (وأجيفوا) بالجيم والفاء أي أغلقوها تقول: أجفت الباب إذا أغلقته.
وقال القزاز: تقول جفأت الباب أغلقته.
قال ابن التين: لم أر من ذكره هكذا غيره، وفيه نظر فإن أجيفوا لامه فاء، وجفأت لامه همزة.
زاد في الرواية الماضية " وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا".
قوله: (واكفتوا) بهمزة وصل وكسر الفاء ويجوز ضمها بعدها مثناة أي ضموهم إليكم، والمعنى امنعوهم من الحركة في ذلك الوقت.
قوله: (عند المساء) في الرواية المتقدمة في هذا الباب " إذا جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم".
قوله: (فإن للجن انتشارا وخطفة) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة والفاء، في الرواية الماضية " فإن الشياطين تنتشر حينئذ وإذا ذهبت ساعة من الليل " وفي رواية الكشميهني " فإذا ذهب " وكأنه ذكره باعتبار الوقت.
قوله: (فإن الفويسقة) هي الفأرة قد تقدم تفسير ذلك في الحج.
قوله: (اجترت) بالجيم وتشديد الراء، في رواية الإسماعيلي " ربما جرت " وسيأتي في الاستئذان حديث ابن عمر مرفوعا " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تناموا " قال النووي هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف بسببها حريق دخلت في ذلك، وإن حصل الأمن منها كما هو الغالب فلا بأس بها لانتفاء العلة.
وقال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة ويحتمل أن تكون للندب، ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر.
وقال ابن العربي: ظن قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها، وليس كذلك وإنما هو مقيد بالليل؛ وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار.
قوله: (قال ابن جريج وحبيب عن عطاء فإن للشيطان) يعني أن ابن جريج وحبيبا - وهو المعلم - رويا هذا الحديث بن عطاء عن عائشة كما رواه كثير بن شنظير، إلا أنهما قالا في روايتهما " فإن للشيطان " بدل قول كثير في روايته " فإن للجن " ورواية ابن جريج قد تقدمت موصولة في أوائل هذا الباب، ورواية حبيب وصلها أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن حبيب المذكور.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ قَالَ وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
الشرح:
حديث ابن مسعود في قصة الحية: قوله: (وعن إسرائيل عن الأعمش) يعني أن يحيى بن آدم رواه عن إسرائيل عن شيخين أفردهما، ولم يختلف عليه في أنه من رواية إبراهيم وهو النخعي عن علقمة.
قوله: (رطبة) أي غضة طرية في أول ما تلاها ووصفت هي بالرطوبة، والمراد بالرطوبة رطوبة فيه أي أنهم أخذوها عنه قبل أن يجف ريقه من تلاوتها، ويحتمل أن يكون وصفها بالرطوبة لسهولتها، والأول أشبه.
وقوله "وقيت شركم ووقيتم شرها " أي قتلكم إياها هو شر بالنسبة إليها وإن كان خيرا بالنسبة إليهم، وفيه جواز قتل الحية في الحرم، وجواز قتلها في جحرها، والجحر بضم الجيم وسكون المهملة معروف.
قوله: (وتابعه أبو عوانة عن مغيرة) أي عن إبراهيم، وطريق أبي عوانة ستأتي في تفسير (المرسلات) .
قوله: (وقال حفص) هو ابن غياث (وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله) يعني أن هؤلاء الثلاثة خالفوا إسرائيل فجعلوا " الأسود " بدل علقمة.
ورواية حفص وصلها المؤلف في الحج، وأما رواية أبي معاوية فأخرجها أحمد عنه وهي عند مسلم، وأما رواية سليمان بن قرم فلم أقف عليها موصولة.
الحديث:
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ قَالَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
الشرح:
حديث ابن عمر وأبي هريرة معا، وهو من طريق عبيد الله بالتصغير وهو ابن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة، والقائل " قال " و " حدثنا " عبيد الله هو ابن عبد الأعلى المذكور في الإسناد المذكور وهو ابن عبد الأعلى البصري.
قوله: (دخلت امرأة) لم أقف على اسمها، ووقع في رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل، وكذا لمسلم، ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى، وقد وقع ما يدل على ذلك في " كتاب البعث للبيهقي " وأبداه عياض احتمالا، وأغرب النووي فأنكره.
قوله: (في هرة) أي بسبب هرة.
ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند مسلم من جرا هرة وهو بمعناه، وجرا بفتح الجيم وتشديد الراء مقصور ويجوز فيه المد، والهرة أنثى السنور والهر الذكر، ويجمع الهر على هررة كقرد وقردة وتجمع الهرة على هرر كقربة وقرب.
ووقع في حديث جابر الماضي في الكسوف " وعرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها " الحديث.
قوله: (من خشاش الأرض) بفتح المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبمعجمتين بينهما ألف الأولى خفيفة، والمراد هوام الأرض وحشراتها من فأرة ونحوها، وحكى النووي أنه روي بالحاء المهملة، والمراد نبات الأرض، قال: وهو ضعيف أو غلط، وظاهر هذا الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس، قال عياض: يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بالنار حقيقة، أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عذب.
ثم يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسبب ذلك، أو مسلمة وعذبت بسبب ذلك.
قال النووي: الذي يظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية، كذا قال، ويؤيد كونها كافرة ما أخرجه البيهقي في " البعث والنشور " وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " من حديث عائشة وفيه قصة لها مع أبي هريرة، وهو بتمامه عند أحمد، وفيه جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل إطعامها وسقيها، ويلتحق بذلك غير الهرة مما في معناها، وأن الهر لا يملك، وإنما يجب إطعامه على من حبسه، كذا قال القرطبي، وليس في الحديث دلالة على ذلك.
وفيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه، كذا قال النووي، وفيه نظر لأنه ليس في الخبر أنها كانت في ملكها، لكن في قوله " هرة لها " كما هي رواية همام ما يقرب من ذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً
الشرح:
حديث أبي هريرة: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس.
قوله: (نزل نبي من الأنبياء) قيل هو العزير، وروى الحكيم الترمذي في " النوادر " أنه موسى عليه السلام، وبذلك جزم الكلاباذي في " معاني الأخبار " والقرطبي في التفسير.
قوله: (فلدغته) بالدال المهملة والغين المعجمة أي قرصته، وليس هو بالذال المعجمة والعين المهملة فإن ذاك معناه الإحراق.
قوله: (فأمر بجهازه) بفتح الجيم ويجوز كسرها بعدها زاي أي متاعه.
قوله: (ثم أمر ببيتها فأحرق) أي بيت النمل.
وفي رواية الزهري الماضية في الجهاد فأمر بقرية النمل فأحرقت، وقرية النمل موضع اجتماعهن، والعرب تفرق في الأوطان فيقولون لمسكن الإنسان وطن، ولمسكن الإبل عطن، وللأسد عرين وغابة، وللظبي كناس، وللضب وجار، وللطائر عش، وللزنبور كور، ولليربوع نافق، وللنمل قرية.
قوله: (فهلا نملة واحدة) يجوز فيه النصب على تقدير عامل محذوف تقديره فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية.
واستدل بهذا الحديث على جواز إحراق الحيوان المؤذي بالنار من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه ولا سيما إن ورد على لسان الشارع ما يشعر باستحسان ذلك، لكن ورد في شرعنا النهي عن التعذيب بالنار، قال النووي: هذا الحديث محمول على أنه كان جائزا في شرع ذلك النبي جواز قتل النمل وجواز التعذيب بالنار، فإنه لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الإحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة، وأما في شرعنا فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا في القصاق بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس في السنن " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة " انتهى، وقد قيد غيره كالخطابي النهي عن قتله من النمل بالسليماني.
وقال البغوي: النمل الصغير الذي يقال له الذر يجوز قتله، ونقله صاحب " الاستقصاء " عن الصيمري وبه جزم الخطابي.
وفي قوله أن القتل والإحراق كان جائزا في شرع ذلك النبي نظر، لأنه لو كان كذلك لم يعاتب أصلا ورأسا إذا ثبت أن الأذى طبعه.
وقال عياض: في هذا الحديث دلالة على جواز قتل كل مؤذ.
ويقال إن لهذه القصة سببا، وهو أن النبي مر على قرية أهلكهما الله تعالى بذنوب أهلها فوقف متعجبا فقال: يا رب قد كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبا، ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة، فنبهه الله جل وعلا على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذ، وتقتل أولاده وإن لم تبلغ الأذى انتهى.
وهذا هو الظاهر وإن ثبتت هذه القصة تعين المصير إليه.
والحاصل أنه لم يعاتب إنكارا لما فعل بل جوابا له وإيضاحا لحكمة شمول الهلاك لجميع أهل تلك القرية، فضرب له المثل بذلك أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره وتعين إهلاك الجميع طريقا إلى إهلاك المستحق جاز إهلاك الجميع، ولهذا نظائر كتترس الكفار بالمسلمين وغير ذلك والله سبحانه أعلم.
وقال الكرماني النمل غير مكلف فكيف أشير في الحديث إلى أنه لو أحرق نملة واحدة جاز مع أن القصاص إنما يكون بالمثل لقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ثم أجاب بتجويز أن التحريق كان جائزا عنده، ثم قال يرد على قولنا كان جائرا لو كان كذلك لما ذم عليه.
وأجاب بأنه قد يذم الرفيع القدر على خلاف الأولى انتهى.
والتعبير بالذم في هذا لا يليق بمقام النبي، فينبغي أن يعبر بالعتاب.
وقال القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن هذا النبي إنما عاتبه الله حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه منه واحد، وكان الأولى به الصبر والصفح، وكأنه وقع له أن هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان، فلو انفرد هذا النظر ولم يأت إليه التشفي لم يعاتب.
قال: والذي يؤيد هذا التمسك بأصل عصمة الأنبياء وأنهم أعلم بالله وبأحكامه من غيرهم وأشدهم له خشية انتهى.
(تكمله) : النملة واحدة النمل وجمع الجمع نمال.
والنمل أعظم الحيوانات حيلة في طلب الرزق.
ومن عجيب أمره أنه إذا وجد شيئا ولو قل أنذر الباقين، ويحتكر في زمن الصيف للشتاء، وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض وإذا حفر مكانه اتخذها تعاريج لئلا يجري إليها ماء المطر، وليس في الحيوان ما يحمل أثقل منه غيره، والذي في النمل كالزنبور في النحل.
قوله: (أمة من الأمم مسبحة) استدل به على أن الحيوان يسبح الله تعالى حقيقة، ويتأيد به قول من حمل قوله (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) على الحقيقة.
وتعقب بأن ذلك لا يمنع الحمل على المجاز بأن يكون سببا للتسبيح.