- التحضيرات الأولية لعقد مؤتمر الصومام:
يندرج مؤتمر الصومام في إطار القرارات الأولى التي سطرتها المجموعة التي
أشعلت فتيل الثورة1954م، وكان المنتظر أن ينعقد أول مؤتمر لجبهة التحرير
الوطني في سنة 1955م، من أجل تقييم المسار و تقدير الصعوبات وحصر
الإمكانيات، وإعادة ترتيب الأوضاع لكن هذا القرار لم يطبق في الوقت المحدد
له وذلك يعود إلى استشهاد بعض القادة مثل: ديدوش مراد، و اعتقال البعض
الآخر كرابح بيطاط ومصطفى بن بولعيد، إلى جانب الصعوبات التي لم تكن
متوقعة كشراء الأسلحة وإدخالها إلى الجزائر، كل هذا أجل عقد المؤتمر( ).
وبعد هجومات 20 أوت1955م وما حققته من نتائج إيجابية دفع المسؤولين
لمحاولة التعرف على حقيقة الوضع بعد ذلك خاصة في المنطقة الثانية، و
استمرت اتصالات مع المناطق الأخرى، وفي نوفمبر1955م شهدت المنطقة زيارة
عمارة رشيد كمبعوث من المنطقة الرابعة (الجزائر) وذلك للاطلاع عن قرب على
تنظيم المنطقة، ورفع معنويات الجنود والمناضلين، كما حضر عدة لقاءات بين
المسؤولين على المستوى المحلي، ونوقشت خلالها عدة لقاءات بين المسؤولين في
المنطقة الثانية تنسيق العمل الثوري على مستوى القطر، وتوضيح الرؤى
المستقبلية، وأبدت المنطقة استعدادها لعقد المؤتمر فوق ترابها( )، بعد ذلك
عاد عمارة إلى العاصمة حاملا معه رسالة من قيادة المنطقة الثانية سلمها
إلى عبان رمضان الذي نقلها إلى أوعمران، وقد أعجب هذا الأخير بالفكرة
وبعدها تم إرسال سعد دحلب إلى المنطقة الثانية الذي وصل إلى قسنطينة وهناك
التقى بزيغود يوسف رفقة عبد الله بن طوبال، علي كافي وباقي الأعضاء
الآخرين، ودامت إقامة دحلب في المنطقة حوالي ثلاثة أسابيع، اطلع خلالها
على التنظيم و الانضباط الذي تتميز به
المنطقة، وبعد عودته إلى العاصمة وصلت رسالة الموافقة على الاقتراح المقدم حول عقد المؤتمر في المنطقة الثانية( ).
وتمثلت التحضيرات في إعداد مشروع وثيقة تعرض على المشاركين للمناقشة
والإثراء ثم المصادقة عليها لتكون ميثاق عمل الثورة و المجاهدين في
المرحلة الجديدة وقد تكونت لجنة، لهذا الغرض من بين أعضائها البارزين،
المحامي عبد الرزاق شنتوف وعمار أوزقان، محمد لبجاوي ذلك( ) في محاولة
للاستجابة للمسائل السياسية الإيديولوجية المطروحة بالفعل على الجبهة،
أفضت أعمالها إلى صياغة مشروع "برنامج الصومام"( ).
يعد مؤتمر الصومام الحدث الأكبر أهمية في تاريخ جبهة التحرير الوطني الذي
جمع قادة الداخل في 20 أوت1956، ففي هذا المؤتمر استطاع جيش التحرير
الوطني أن يخرج مستفيدا من دروس عشرين شهرا مضت من الحرب و استطاع المؤتمر
أن يحدد الأهداف السياسية للثورة، والمبادئ الأساسية التي سارت عليها حرب
التحرير، إلى أن استطاعت تحقيق الغاية التي قامت لأجلها و المتمثلة في
الاستقلال الوطني.
وقبل الحديث عن مؤتمر الصومام لابد من الكلام عن الظروف و العوامل التي
أدت إلى عقده، حيث أن الثورة الجزائرية استطاعت أن تحقق عدة انتصارات من
يوم اندلاعها في أول نوفمبر1954، إلى تاريخ انعقاد المؤتمر، وقد مرت
بمراحل صعبة خلال هذه الفترة، لاسيما في بدايتها( ).
2- ظروف انعقاده:
أ-داخليا:
لقد كانت لأحداث 20أوت1955، أثرا كبيرا على مسار الثورة، ففي هذا اليوم
وعلى الساعة12:00 بالضبط عند منتصف النهار، نظم جيش التحرر الوطني، هجومات
عسكرية على أربعين مدينة من مدن الشمال القسنطيني منها سكيكدة، عين عبيد،
قسنطينة، وادي الزناتي، القل، الميلية، الخروب وأشعلوا النيران في محلات
المعمرين ومكاتب الشرطة و الإدارات الفرنسية، والثكنات وأحدثوا فزعا ورعبا
في الجهاز الاستعماري بالجزائر، الذي تأكد أن هذه الثورة أصيلة ذات أهداف
سامية، زد على ذلك انضمام المئات إلى صفوف الثوار إذ وصل عدد المجاهدين في
سنة 1956 إلى أكثر من40 ألف، و أكثر من ذلك انتشرت الثورة في ربوع الوطن(
).
تصميم النظام الاستعماري، على إجهاض الثورة بكل قوته، مما أدى إلى صعوبة
الاتصال بين مختلف قيادات جيش التحرير الوطني، كما كانت الحاجة شديدة إلى
السلاح، ولا يوجد من المال إلا القليل، إضافة إلى ضعف التنسيق في الأعمال
كذلك ضعف التكوين السياسي للفرق المسلحة حيث يكاد يكون معدوما لأن الثورة
كانت في حاجة ماسة إلى منهج سياسي ثابت.
ومما زاد من مناعة الثورة هو الالتحام الشعبي، والالتفاف حول جيش وجبهة التحرير الوطني، تأكيدا لمقولة العربي بن مهيدي:
" ساعدوني على إنزال الثورة إلى الشارع، وأنا سأضمن لها النجاح" إذ تمكنت
جبهة التحرير الوطني من جمع الوطنيين وتوحيد الشعب الجزائري في كفاحه
وبذلك تمكنت الثورة من أن تتوسع توسعا قويا( ) .