ويشمل هذا النوع الأضرب التالية:
الضرب الأول: الأمور الطبية ، فقد تناول النبي صلى الله عليه وسلم، أو أعطى غيره، أو وصف له، أطعمة وأشربة متنوعة على سبيل حفظ الصحة، أو لدرء أمراض معينة، كألبان الإبل وأبوالها. وكذلك تعاطى أو أعطى أنواعا مختلفة من العلاج.
الضرب الثاني: شؤون الزراعة.
الضرب الثالث: الصناعة.
الضرب الرابع: التجارة.
الضرب الخامس: أنواع أخرى من المكاسب كرعي الغنم، أو العمل للغير بأجر.
الضرب السادس: مثل التدابير الفنية التي اتخذها صلى الله عليه وسلم في الحرب، من استعمال المجانيق والسيوف والرماح والسهام، وتربية الخيل للقتال، وحفر الخنادق، وترتيب الجيوش وتدريبها.
الضرب السابع: مثل التدابير التي اتخذها صلى الله عليه وسلم في الإدارة المدنية ، من اتخاذ الولاة والكتاب والحراس والحجاب والسفراء، وكذلك الأعلام والشعارات، والمرافق من الطرق والحصون وغيرها.
فهذه الأضرب وأمثالها قد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من أفرادها، ونقل إلينا أشياء من ذلك.
والنظر في الأحكام التي يمكن أن تدل عليها مثل تلك الأحاديث من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: (أصل) الطب والزراعة والصناعة والتجارة والقصد إلى تحصيل المكاسب، والسعي لتحقيق التدابير المدنية والعسكرية المناسبة، ونحو ذلك: تعتبر أقواله صلى الله عليه وسلم في ذلك حجة يجب اعتقادها واتباعها، ويستفاد من الأحاديث القولية والفعلية في ذلك إباحته، وأنه لا يخالف العقيدة ولا الشريعة. وقد يرتقي إلى درجة الاستحباب أو الوجوب، بحسب الأحوال الداعية إليه ودلالة نطقه في ذلك.
وفي الحديث إشارة إلى ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، فهذا في الصناعة، وقال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين يوم القيامة"، فهذا في التجارة، وورد في الزراعة وغيرها أحاديث أخرى، وتأتي الأحاديث التي تأمر بالتطبيب والعلاج.
الوجه الثاني: إرشادات وتوجيهات شرعية في ممارسة تلك الأعمال، كتجنب البول وقضاء الحاجة تحت الشجر المثمر، ووجوب إحسان الذبح، وتحديد الشفرة لئلا يتعذب الحيوان المذبوح، وإمكانية استعمال المنجنيق في الحرب، وتجنب قتل النساء والأطفال فيها، ونحو ذلك، فهذا شرع يؤخذ كما يؤخذ غيره من الشرع في العبادات ونحوها.
الوجه الثالث: الأمر الذي عمله بخصوصه، هو مباح له، وقد يكون مستحبًّا له، أو واجبا عليه، لاعتقاده صلى الله عليه وسلم أنه هو المؤدي إلى غرض مستحب أو واجب.
أقواله (ص) وأفعاله المبنية في الأصل على التجارب الشخصية: ليست حجة، ولا يلزم الأخذ بها.
أقواله (ص) وأفعاله المبنية في الأصل على التجارب الشخصية: ليست حجة، ولا يلزم الأخذ بها. |
|
ولكن هل يكون حكم مثله بالنسبة إلينا كذلك؟ كما لو شرب دواء معينا لعلاج مرض معين، فهل يستحب لنا شرب ذلك الدواء لذلك المرض مثلا، أو يجب، بل هل يباح بناء على ذلك أم لا؟ هذا ينبني على القاعدة التي سبق تحريرها، وقد رجحنا فيها قول من قال من العلماء: إن أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله في ذلك الباب ليست حجة، ولا يلزم الأخذ بها، بل هي أقوال وأفعال مبنية في الأصل على التجارب الشخصية للنبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو بشر، وما قد سمع به من أهل التجربة والمعرفة.
ونبه د. محمد الأشقر هنا إلى أنه إذا نص القرآن على أمر دنيوي فهو حق لا مرية فيه؛ لأنه من الله تعالى الذي لا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض. فإذا كان الحديث النبوي في الشؤون الدنيوية استجابة لإرشادات القرآن التي تتعلق بذلك الأمر، فيكون الفعل بيانا أو امتثالا للقرآن، ويحمل على الشرعي. ولعل خير مثال على ذلك شربه صلى الله عليه وسلم العسل للتداوي، فإن ذلك تطبيق لقوله تعالى: (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ). وشبيه بذلك ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه فعله عن وحي من الله تعالى.
كما نبه الأشقر إلى أمر آخر وهو أنه إذا تردد الفعل بين أن يكون دنيويا أو دينيا، حمل على الديني؛ لأنه الأكثر من أفعاله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم