كلمة ربا في اللغة تعني الزيادة, و هو المعنى المفهوم من الآية: "و ترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج", في إشارة لزيادة حجم حبات الرمل عندما تختلط بالماء. و لكن ما يعنينا من هذا المعنى تحديدا هو الزيادة الغير مشروعة في رأس المال أي الربا بمعناه الاصطلاحي. و لكي نفهم هذا النوع من الزيادة ينبغي أن نحدد ما معنى الزيادة المشروعة في المال أولا.
إن الزيادة في المال إنما تكون مشروعة بقدر ما كانت منسجمة مع فكرة تحقيق العدالة الاجتماعية.. أي أنها زيادة لا يترتب عنها أكل لأموال الناس بالباطل و إلا كانت سرقة و اعتداء على حقوق الآخرين.. و ليس الربا إلا عملية نهب مقننة. بهذا المفهوم نستطيع أن نفضح حقيقة الممارسات المالية و الاقتصادية السائدة في عالمنا اليوم. و سوف نجد أن الربا و حسب هذا التعريف يتحقق من عمليتين اثنتين: إما عن طريق الإقراض, و هو المعروف في الإسلام بربا النسيئة. و إما عن طريق المبادلة أو البيع, و هو ربا الفضل.
و في البيع أو المبادلة يقوم كل من البائع و الشاري بتسليم شيء و أخذ شيء في المقابل, و هي عملية من المفترض أن تتم في شكل معادلة.. و ما لم يتحقق التعادل بين طرفي المعادلة فإنها تكون مفاضلة.. و منها كلمة الفضل. نخلص من ذلك أن ربا الفضل هو زيادة غير مشروعة في أحد طرفي المعادلة في عملية البيع. و في هذا يقول المولى عز و جل:"و أحل الله البيع و حرم الربا".
أما ربا القروض أو النسيئة, فهو زيادة يطلبها الدائن من مدينه مقابل أجل محدد لسداد الدين (كذلك هي الفوائد المصرفية).. و هو ما يعتبر في الاقتصاد الربوي نوع من الاستثمار. و في ذلك خدعة بينة.. فالاستثمار ليس مرادفا للقرض, كما أن الربا ليس مرادفا للبيع. فالمرء قد يقترض لحاجة ماسة, من أجل توفير مسكن مثلا.. أو سيارة.. و ليس في ذلك أي وجه من وجوه الاستثمار. لدى يجب أن نفرق بين نوعين من القروض:
النوع الأول هو درجة من درجات الصدقة.. و هو ما يعرف في الإسلام بالقرض الحسن. فالمقرض هنا لا ينتظر أجرا و إنما يفعل ذلك لوجه الله. و لعله عمل لا ينبغي أن يندرج ضمن اختصاص المؤسسات المصرفية و الاستثمارية و أن يبقى مقتصرا على الأفراد و المؤسسات الخيرية.
أما النوع الثاني فهو القرض الاستثماري.. حيث أن المقترض يسعى للحصول على رأس المال من أجل توظيفه في تجارة أو استثمار. و القاعدة السليمة هي أن تكون هناك مشاركة في الربح و الخسارة. و لكن و حسب العرف الاقتصادي السائد فإن المقترض وحده هو الذي يتحمل عبأ الخسارة دون صاحب القرض. كما أن سعر الفائدة يدخل في حساب سعر التكلفة, أي أن الزيادة يدفعها المستهلك لتستقر في نهاية الأمر في جيب المرابي دونما عناء منه أو مساهمة حقيقية في عجلة الإنتاج.. و لا يشفع له أنه مالك لرأس المال لأنه يمارس الاحتيال من أجل الحصول على ربح سهل ليس فيه خسارة أبدا.. و في هذا خروجا عن قواعد التجارة و الاستثمار الصحيح.. و سرقة منظمة لأموال الناس. يقول تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و إن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون } [سورة البقرة:276-279]. أن لا يظلم الناس بعضهم بعضا, تلك هي العلة في التحريم.
و الملاحظ أن اليهودية و هي تدعو أتباعها للامتناع عن الممارسات الربوية فيما بينهم تشير ضمنا إلى أن الغرض من إباحة هذا النوع من المعاملات مع الغير إنما هو من أجل تمكين اليهود من الهيمنة على الشعوب الأخرى. (راجع الكتاب المقدس: سفر التثنية: إصحاح 15: 1-6 و إصحاح 23: 19-20). و في ذلك تأكيد لثلاثة أمور:
أولا: غطرسة اليهود.
ثانيا: ازدواجية المعايير في عقيدتهم.
ثالثا: اليهودية لا تنفي كون الربا عملا منبوذا بل و محرما على اليهود في معاملاتهم البينية.
فهل بعد ذلك يبقى هنالك شك في قلوب الناس في أن الربا قد حرم لحكمة. و أنه من الحكمة العمل على استبدال النظام الربوي السائد في العالم اليوم بنظام بديل يكفل حقوق الناس جميعا و يضمن الاستقرار الاقتصادي و التوازن الاجتماعي. و لا نذهب بعيدا فمثل هذا النظام البديل موجود أصلا بين أيدينا في انتظار من يقوم بالمبادرة و يحوله إلى واقع ملموس. و ربما كانت المصارف الإسلامية خطوة في هذا الاتجاه شرط أن لا تكون هدفا في حد ذاتها و إنما سبيلا إلى تحقيق اقتصاد إسلامي متكامل.
طريق الإسلام