hchelahi
عدد المساهمات : 1368 نقاط : 3862 التميز : 52 تاريخ التسجيل : 26/07/2009 العمر : 64 الموقع : بسكرة
| موضوع: الحَالَةُ السِّيَاسِيَّةُ في بِلَادِ العَرَبِ قبل البعثة الإثنين نوفمبر 02, 2009 6:12 pm | |
|
إن مُجمل القول في الحالة السياسية في بلاد العرب هو أن بلاد العرب-وهي شبه جزيرة لوقوعها بين ثلاثة أبحر؛ الأحمر غرباً، والهندي جنوباً، والخليج شرقاً-من المناطق السياسية ذات الأثر على الحياة الاجتماعية. ففي اليمن حيث ملوك حمير من التبابعة وغيرهم. والحيرة شرقاً إلى العراق حيث المناذرة، والشمال حيث الغساسنة. أما الوسط وهو نجد والحجاز وتهامة فإنه دائرة المجد، وموضع طلوع الفجر، فأرض حماها مولاها من شطوة الجبابرة، وسياسة المتاجرة، فلم تصل إليها يدُ الأحباش، ولا يدُ الفوارس، ولا يد الروم ولا الرومان؛ لأنها مشرق الأنوار، ومكمن الأسرار، وعما قريب يطلع نجمُها ويعلو كعبها، وتسود الدنيا وما فيها. فالبلاد اليمانية: تداولتها ملوك حِمْيَرْ من التبابعة, كما حكمها في فترات ملوك الأحباش مباشرة أحياناً، وبواسطة أبنائها أحياناً أخرى، وقد عظم ملك اليمانيين أحياناً حتى غزوا الشرق ووصلت طلائع جنودهم إلى بلاد فارس متجاوزة أرض العراق إلى أعماق الشرق. وآخر ملوكهم ذو نواس وهو صاحب الأخدود وكان يهوديَّ العقيدة، فكان آخر ملوك حمير ببلاد اليمن. كما أن آخر ملوك التبابعة باليمن كان أبا كرب تبّان بن أسعد الذي غزا المدينة ودخل مكة وكسا الكعبة المشرفة وعاد إلى اليمن، وهلك بها. وأما المناذرة بالحيرة فإن ملوكهم وآخرهم النعمان بن المنذر كانوا تابعين في الغالب لملوك إيران. وكذلك الحال بالنسبة إلى الغساسنة بأرض الشام فإنهم تابعون في الغالب لملوك الروم. مع العلم بأن ملوك الحيرة كملوك الشام أصلهم يمنيُّون نزحوا من اليمن بعد خراب سد مأرب، بواسطة سيل العرم، والأوس والخزرج بالمدينة النبوية, وطيئ بجبل طيئ شمالاً الكل من مهاجري اليمن بعد خراب سدهم الذي كان مصدر غناهم وثروتهم، إذ أرسل الله تعالى عليهم سيل العرم عقوبة لهم بعدما ظلموا. قال تعالى :{ لَقَدْ كَاَنَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَتَانِ عَنْ يَمِنِنْ وَشِمَاَلٍ } إلى قوله-تعالى-:{ فَأَعْرَضُوا} أي عن طاعة الله وطاعة رسوله { فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمْ }. وأما العدنانيون وهم سكان مكة وما حولها من ديار تهامة والحجاز فمجمل القول في الحالة السياسية عندهم: أن قبيلة جرهم التي استوطنت مكة مع هاجر أم إسماعيل وعاشت زمناً في ظِل حكم إسماعيل وأحفاده إلى أن استولت على الحكم بمكة وانتزعته من يد أبناء إسماعيل-عليه السلام- وبقي الحكم في جرهم إلى أن جارت وظلمت واستحلت المحرَّم في مكة فسلَّط الله-تعالى-عليها كما هي سنته في الظالمين المعرضين عن طاعة الله وطاعة رسوله- بني بكر من كنانة، وغبشان خزاعة, فأجلوهم عن مكة وهم يبكون فالتحقوا باليمن ديارهم الأولى والأبيات التالية ترسم صورة صادقة لجرهمم بمكة, وحزنها عند جلائها عنها:وقائــلةٍ والجمـعُ سَكْــبٌ مبــادِرٌ | | وقد شَرِقَتْ بالدَّمعِ منها المحاجِرُ | كأنْ لم يكنْ بينَ الحَجُونِ إلى الصَّفَا | | أنيسٌ ولم يَسْمـُرْ بمـكَّة سَـامـِرُ | فقلتُ لـها والقلــب منــي كـأنـما | | يُلجْلِـجهُ بـين الجناحـينِ طـائـرُ | بلى ، نحن كُنَّـا أهلـها فـأزالـــنا | | صُرُوفُ الليالي والجدودُ العـواثـرُ | وكٌنَّا ولاة البيـت مـن بعـد نـابتٍ | | يطوفُ بذاك البيتِ والخيرُ ظاهرُ | ونحن وَلينا البيت من بعد نـابت | | بعـزٍّ فما يحظى لديـنا المـكاثـرُ | ملكـنا فعـززنـا فأعظـم بمـلكـنا | | فلـيس َ لِحَيّ غيـرنـا ثـَمّ فاخرُ |
إلى أن قال :وصرنا أحاديثاً وكنا بغبطةٍ | | بذلك عَفَّتنا السنـــونُ الغوابرُ | فسحَّت دموعُ العينِ تبكي لِبَلْدَةٍ | | بها حَرَمٌ أمْنٌ وفيها المشــاعِرُ | وتبكي لبيتٍ ليس يُؤذي حمامةً | | يظــلُّ بـه آمـناً وفيه العصافرُ | وفيه وحوشٌ لا تُرامُ أنيسةٌ | | إذا خرجتْ منه فليست تُغــادَرُ |
زعيم القبيلة
كان سكان الجزيرة العربية ينقسمون إلى بدو، وحضر، وكان النظام السائد بينهم هو النظام القبلي، حتى في الممالك المتحضرة التي نشأت بالجزيرة، كمملكة اليمن في الجنوب ومملكة الحيرة في الشمال الشرقي، ومملكة الغساسنة في الشمال الغربي، فلم تنصهر الجماعة فيها في شعب واحد، وإنما ظلت القبائل وحدات متماسكة والقبيلة العربية مجموعة من الناس، تربط بينها وحدة الدم } النسب{ ووحدة الجماعة، وفي ظل هذه الرابطة نشأ قانون عرفي ينظم العلاقات بين الفرد والجماعة، على أساس من التضامن بينهما في الحقوق والواجبات، وهذا القانون العرفي كانت تتمسك به القبيلة في نظامها السياسي والاجتماعي. وزعيم القبيلة ترشحه للقيادة منزلته القبلية وصفاته، وخصائصه من شجاعته ومروءة وكرم ونحوها، ولرئيس القبيلة حقوق أدبية ومادية، فالأدبية أهمها احترامه وتبجيله، والاستجابة لأمره، والنزول على حكمه وقضائه، وأما المادية فقد كانت له في كل غنيمة تغنمها } المرباع { وهو ربع الغنيمة، و} الصفايا{ وهو ما يصطفيه لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، و}النشيطة { وهي ما أصيب من مال العدو قبل اللقاء، و} الفضول{ وهو ما لا يقبل القسمة من مال الغنيمة، وقد أجمل الشاعر العربي ذلك بقوله :
لك المِرباعُ فينا، والصَّفايا
|
| وحُكمُك ، والنَّشِيطةُ ، والفضولُ | ومقابل هذه الحقوق واجبات ومسئوليات، فهو في السلم جواد كريم ، وفي الحرب يتقدم الصفوف، ويعقد الصلح ، والمعاهدات. والنظام القبلي تسود فيه الحرية، فقد نشأ العربي في جو طليق، وفي بيئة طليقة، ومن ثم كانت الحرية من أخص خصائص العرب، ويعشقونها ويأبون الضيم والذل وكل فرد في القبيلة ينتصر لها، ويشيد بمفاخرها، وأيامها ، وينتصر لكل أفرادها محقاً أو مبطلاً ، حتى صار من مبادئهم : } انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً { وكان شاعرهم يقول : لا يسألون أخاهُم حينَ يَندبهمْ
|
| في النائباتِ على ما قالَ بُرهاناً | والفرد في القبيلة تبع للجماعة، وقد بلغ من اعتزازهم برأي الجماعة أنه قد تذوب شخصيته في شخصيتها،
قال دُريدُ بن الصَّمة :
وهل أنا إلاَّ من غُزيَّة إن غوَت
| | غويتُ وإنْ ترشُد غُزيَّة أرشُدِ |
وكانت كل قبيلة من القبائل العربية لها شخصيتها السياسية وهي بهذه الشخصية كانت تعقد الأحلاف مع القبائل الأخرى، وبهذه الشخصية أيضاً كان تشن الحرب عليها، ولعل من أشهر الأحلاف التي عقدت بين القبائل العربية، حلف الفضول، } حلف المطيبين{ وكانت الحروب بين القبائل على قدم وساق، ومن أشهر هذه الحروب حرب الفجار، وكان – عدا هذه الحروب الكبرى – تقع إغارات فردية بين القبائل تكون أسبابها شخصية أحياناً، أو طلب العيش أحياناً أخرى، إذ كان رزق بعض القبائل في كثيرٍ من الأحيان في حد سيوفها، ولذلك ما كانت القبيلة تأمن أن تنقض عليها قبيلة أخرى في ساعة ليلى أو نهار لتسلب أنعامها ومؤنها، وتدع ديارها خاوية كأن لم تسكن بالأمس.
مِنْ زُعَمَاءِ الجَزِيْرَةِ المشهورينَ
قُصَي بن كِلَاب
بعد مرور زمن طويل ومكة يحكمها بنو بكر وغبشان خزاعة أي من يوم انتزعوا الحكم من يد جرهم تغلبت غبشان خزاعة على بني بكر واستقلوا بالولاية وتداولوها زمناً، وكان آخر من وليها منهم حُليل بن حُبْشِيّة بن سلول الخزاعي، فخطب ابنته حُبّى قصي بن كلاب فزوّجه إياها فولدت له عبد الدار، وعبد مناف, وعبد العزّى، وعبداً وكبروا وكثر مالهم وعظم شرفهم، ومات حُليُل فرأى قُصي أنه وبنيه أولى بولاية الكعبة فكلم رجالاً من قريش وبنى كنانة طالباً نصرتهم فأعانوه على إخراج خزاعة وبني بكر انتهى بصلح وتحكيم عمرو بن عوف الكناني، كانت نهاية ولاية قصي على مكة والكعبة فجمع قصي قومه من قريش من منازلهم إلى مكة وملكوه فكان أول أمير من قريش في مكة المكرمة، وكانت له الحجابة والسقاية وجمع قصي قبائل قريش في مكة والحرم ، وبذلك سُمّي مُجمعاً ، وفيه يقول الشاعر :
قصي لعمري كان يدعى مجمعا
|
| به جمع الله القبائل من فهر |
حقائق وعبر :
من استعراضنا للحالة السياسية في بلاد العرب نستخلص الحقائق التالية :
1. إن البلاد اليمانية اعتورتها حكومات متعددة أعظمها حكومات التبابعة من قبيلة حمير .
2. إن كلاً من الأحباش والفوارس قد استعمروا اليمن بواسطة اليمنيين الذين يستنجدونهم في ظروف معينة.
3. شرق الجزيرة من الحيرة إلى العراق لم يكن في الحقيقة إلا ولايات تابعة للحكم الفارسي طيلة الدهر حتى جاء الإسلام، وأن ملوك المناذرة لم يكونوا مستقلين في الغالب، وإنما هم تابعون سياسياً للحكم الفارسي المجوسي .
4. شمال الجزيرة كشرقها لم يكن فيه في الغالب حكم عربي خالص، وإنما كان تابعاً لحكم الروم والغساسنة فيه كالمناذرة في الشرق سواء بسواء.
5. وسط الجزيرة حيث الحرم وما جاوره من ديار العرب العدنانيين كان مستقلاً لم يحكمه الروم ولا فارس ولا الأحباش كرامة الله تعالى لحرمه وحرم حبيبه محمد-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-وسكانهما وجيرانهما.
وفي هذه المقطوعة من العبر ما يلي :
1. إن الظلم لا يدوم وإن طال زمانه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً
2. حماية الله لبلده وحرمه بإهلاك وإبعاد كل من يظلم فيهما ويستبيح المحرم فيهما.
3. من فضائل قريش الرفادة والسقاية؛ إذ الرفادة هي جمع المال من أفراد القبائل القرشية سنوياً وإنفاقه في إطعام الحجاج كل عام والسقاية كذلك وهي: إحضار الماء محلّى أحياناً بالزبيب وسقي الحُجّاج أيام حجهم من كل عام .
| |
|