إن الجواب على هذا السؤال الملح هو-مع الأسف-أنه لم يكن في بلاد العرب في هذه الظروف حنفاء يؤمنون بالله وحده ويعبدونه بما شرع مخلصين له في ذلك، اللهم إلا ما كان من زيد بن عمرو بن نُفيل الذي قال فيه رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-:" إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده " . فقد كان ينكر أعمال أهل الجاهلية، ويُصرّح ببطلان دين قريش، ويقول لهم: والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. وقال محمد بن إسحاق: لقد حدثت أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعمر بن الخطاب قالا لرسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: أنستغفر لزيد بن عمرو بن نفيل؟ قال:" نعم، فإنه يبعث أمة وحده" . وقد مات زيد قبل بعثة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-. ومصداق هذا في حديث مسلم إذ قال رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-:" إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" فهذا الحديث دليل واضح أنه ما بعث النبي الحبيب محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وفي العرب رجل واحد على دين صحيح يعبد به الله –تعالى-. أما اليهود، والنصارى ففيهم بقايا يعبدون الله –تعالى- بدين صحيح من دين موسى وعيسى-عليها السلام- لكنهم قليل جداً لا يتم على أيديهم هداية الناس وإصلاحهم. وأما ورقة بن نوفل فقد دان بالنصرانية، ومات قبل بدء الدعوة الإسلامية كما أن عبيد الله بن جحش بن رئاب و إن أسلم في أول الأمر؛ لأنه حضر البعثة المحمدية إلا أنه ترك الإسلام وتنصر في الحبشة كما هاجر إليها مع من هاجر من المسلمين، وخلف زوجته أم حبيبه بنت أبي سفيان فتزوجها رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- رحمة بها وأناب عنه في عقد نكاحها أصحم النجاشي ملك الحبشة -رحمه الله تعالى-. وأما عثمان بن الحويرث فقد قدم الشام وتنصر وكانت له منزلة عند قيصر ملك الروم النصراني. فهولاء الرجال الأربعة الذين كانوا قد أنكروا على قريش عبادة الأوثان، وكانوا يُصَرِّحوُن بأنهم على دين إبراهيم-عليه السلام- إلا أنهم في آخر الأمر ماتوا على غير الحنيفية إلا ما كان من زيد بن عمرو بن نُفيل وورقة بن نوفل. ويؤكد ذلك إذن النبي –صلى الله عليه وسلم- لولد زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب بالاستغفار له، وأخبر أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده.
نتائج وعبر:
1. بيان أن الناس عرباً وعجماً قد ضلوا سواء السبيل، واستوجبوا مقت الله–تعالى-لهم، اللهم إلى أفراداً قلائل من أهل الكتابين اليهود والنصارى فإنهم بقوا يعبدون الله –تعالى- بما شرع على ألسنة رسله حتى بُعِثَ النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- الخاتم الحبيب محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، وهم قليل.
2. بيان أن العرب لم يبق منهم رجل واحد على دين الله الذي أرسل الله به إبراهيم والأنبياء من قبل ومن بعد يعبد الله –تعالى- بما شرع ويوحده في عبادته؛ لأن زيد بن عمرو بن نفيل وإن كان موحداً إلا أنه لم يكن له شرع يعبد الله –تعالى- به هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه قد مات قبل البعثة المحمدية.
3. حال الناس هذه في ضلالهم وعدم هدايتهم كانت مستوجبة للبعثة المحمدية متطلبة لها بل كانت حاجتها الملحة التي لا بد منها.
هذه هي حالة العالم قبل الإسلام، فلك أن تقارن بينها وبين ما هي عليه بعد الإسلام. فاللهم لك الحمد على نعمة الإسلام, وعلى نعمة القرآن, وعلى نعمة محمد نبي الإسلام، اللهم.
الحمد لك يا ربنا أن هديتنا للإسلام، والحمد لك يا ربنا أن جعلتنا من أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-، والحمد لك يا ربنا أن هديتنا للقرآن.
فالحمد لك أولاً وآخراً وظاهراً وباطنا. وصلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا وقائدنا ومعلمنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
للمزيد راجع:
1- " هذا الحبيب يا محب (24-49)"
2- " السيرة النبوية للصلابي (14-30)"
3- " الرحيق المختوم (28-52)"
4- " المفصل في تاريخ العرب" المجلد 6-9"
5- " موقع الشبكة الإسلامية"