2- شعراء الصعاليك: جمع صعلوك ، وهو - لغة - الفقير الذي لا مال له . اما الصعاليك في عرف التاريخ الادبي فهم جماعة من شواذ العرب وذؤبانها ، كانوا يغيرون على البدو والحضر ، فيسرعون في النهب; لذلك يتردد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة ، ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو ، وحين نرجع الى اخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر ، فكل الصعاليك فقراء لا نستثني منهم احدا حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذين كانوا يلجئون اليه كلما قست عليهم الحياة ليجدوا ماوى حتى يستغنوا ، فالرواة يذكرون انه كان صعلوكا فقيرا مثلهم (5) ، ومن هؤلاء:
- الشنفري الازدي .
- تابط شرا .
- عروة بن الورد .
تابط شرا
اسمه ثابتبن جابر . وسبب لقبه انه اخذ ذات يوم سيفا تحت ابطه وخرج ، وكان تابط شرا من الصعاليك حاد البصر والسمع يلحق بالخيل ، ويغزو على رجليه ، وانه مات قتيلا .
واكثر شعره في الحماسة والفخر ، ومن شعره في الفخر:
يا عبد ما لك من شوق وايراق (6)
ومر طيف على الاهوال طراق (7)
لا شيء اسرع مني ليس ذا عذر (8)
وذا جناح (9) بجنبالريد (10) خفاق (11)
توفي الشاعر تابط شرا عام 530 للميلاد .
عروة بن الورد
عروة بن الورد من بني عبس ، وكان من فرسان العرب ، كان كريم الاخلاق عفيفا صادقا وفيا بالعهود ، وقد فضله بعضهم على حاتم في الكرم .
واكثر شعره في الفخر والحماسة والنسيب . قال في الحث على الاغتراب في طلب الغنى:
ذريني للغنى اسعى فاني
رايت الناس شرهم الفقير
وابعدهم واهونهم عليهم
وان امسى له حسب وخير (12)
توفي ابن الورد سنة 596 للميلاد .
3- شعراء آخرون: وهناك افراد من الشعراء في يثرب وغيرها من مدن الحجاز والجزيرة العربية اعتنقوا اليهودية كالسموال بن عاديا ، او النصرانية كقس بن ساعدة .
السموال
هو السموال بن عاديا صاحب الحصن المعروف ، والعرب كانوا ينزلون عند السموال ضيوفا لان السموال عالي اللهجة وسريع النجدة . وسبب ضرب المثل عند العرب في قولهم «اوفى من السموال» يعود الى امرئ القيس التجا الى السموال فاودعه درعه واسلحته وابنته وذهب الى القسطنطينية ليستنجد بقيصر الروم ويساله النصر على قتلة ابيه ، وفي هذه الاثناء اسر ابن السموال الذي كان في الصيد من قبل المنذر ، فطلب المنذر من السموال ان يسلم الدرع والسلاح وابنة امرؤ القيس والا يضرب عنق ابن السموال ، فابى السموال ذلك فنفذ المنذر وعيده (13) . ومن يطلع على سيرة السموال يحس شرفا واباء بالاضافة الى اندفاعه الى المجد والفخر ، وله قصيدة لامية مشهورة ، يدعو الى الاخذ بالمتعة والحياة دون التفكير فيها ولا في آلامها ، ومما جاء فيها قوله:
اذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
تعيرنا انا قليل عديدنا
فقلت لها ان الكرام قليل
وما ضرنا انا قليل وجارنا
عزيز وجار الاكثرين ذليل
وننكر ان شئنا على الناس قولهم
ولا ينكرون القول حين نقول
اذا سيد منا خلا قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول
وما اخمدت نار لنا دون طارق
ولا ذمنا في النازلين نزيل
سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم
وليس سواء عالم وجهول (14)
توفي ابن عاديا سنة 560ه . ق .
قس بن ساعدة الايادي
هو اسقف نجران ، وكان خطيبها البارع وحكيمها ، ويتصف بالزهد في الدنيا ، وكان يحضر سوق عكاظ ويلقي الشعر .
يروى ان النبي صلى الله عليه وآله راى قس في سوق عكاظ على جمل احمر وهو يقول (15) :
«ايها الناس ، اسمعوا وعوا انه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت . . . آيات محكمات: مطر ونبات وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، ضوء وظلام ، وبر وآثام ، لباس ومركب ، ومطعم ومشرب ، ونجوم تمور (16) ، وبحور لا تغور (17) ، وسقف مرفوع ، وليل داج (18) ، وسماء ذاتابراج (19) ، ما لي ارى الناس يموتون ولا يرجعون . . . يا معشر اياد اين ثمود وعاد ؟ واين الآباء والاجداد ؟
ومن نوادر شعره:
وفي الذاهبين الاولين
من القرن لنا بصائر
لما رايت مواردا
للموت ليس لها مصادر
ورايت قومي نحوها
يمضي الاصاغر والاكابر
لا يرجع الماضي ولا
يبقى من الباقين غابر (20)
ايقنت اني لا محالة
حيث صار القوم صائر (21)
توفي ابن ساعدة سنة 600 للميلاد .
يتبع