foughala
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 829894
ادارة المنتدي فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 103798


foughala
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 829894
ادارة المنتدي فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 103798


foughala
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
foughala

اهلا بكم في منتدى الجزائريين ونحن نرحب بسكان الصحراء
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
الى كل من يريد ان يترك بصمة في هذا المنتدى ان يشاركنا في اثرائه بمختلف المواضيع وله منا جزيل الشكر والعرفان هيئة المنتدى                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

مرحبا بكم في احلى منتدى نتمنى ان تجدوا ماتريدونه                      مدير المنتدى

اعلان : لكل الاعضاء  لقد تم صنع شعار لمنتدانا يجب استعماله في كل المواضيع  ارجوا التقيد بالقانون https://foughala-star.7olm.org/montada-f37/topic-t1867.htm#2710

 

 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Empty
مُساهمةموضوع: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 13, 2010 9:24 pm

*3* باب الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مرابض الغنم‏)‏ أي أماكنها، وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ

الشرح‏:‏

حديث أنس طرف من الحديث الذي قبله، لكن بين هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته - أي حيث دخل وقتها - سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها، وبين هناك أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، ثم بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها، لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك‏.‏

وتعقب بأن الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالب، وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل‏.‏

وقد تقدم مزيد بحث فيه في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ القائل ‏"‏ ثم سمعته بعد يقول ‏"‏ هو شعبة يعني أنه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد أن سمعه منه بدونه، ومفهوم الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد، لكن قد ثبت إذنه في ذلك كما تقدم في كتاب الطهارة‏.‏

*3* باب الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْإِبِلِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مواضع الإبل‏)‏ كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه، لكن لها طرق قوية‏:‏ منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم، وحديث البراء بن عازب عند أبي داود، وحديث أبي هريرة عند الترمذي، وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي، وحديث سبرة بن معبد عن ابن ماجه، وفي معظمها التعبير ‏"‏ بمعاطن الإبل‏"‏‏.‏

ووقع في حديث جابر بن سمرة والبراء ‏"‏ مبارك الإبل‏"‏، ومثله في حديث سليك عند الطبراني، وفي حديث سبرة وكذا في حديث أبي هريرة عند الترمذي ‏"‏ أعطان الإبل ‏"‏ وفي حديث أسيد بن حضير عند الطبراني ‏"‏ مناخ الإبل ‏"‏ وفي حديث عبد الله ابن عمرو عند أحمد ‏"‏ مرابد الإبل‏"‏، فعبر المصنف بالمواضع لأنها أشمل، والمعاطن أخص من المواضع لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء خاصة‏.‏

وقد ذهب بعضهم إلى أن النهي خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن التي تكون فيها الإبل، وقيل هو مأواها مطلقا نقله صاحب المغني عن أحمد، وقد نازع الإسماعيلي المصنف في استدلاله بحديث ابن عمر المذكور بأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله سترة عدم كراهية الصلاة في مبركه، وأجيب بأن مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كما في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين، ونحوه في حديث البراء، كأنه يقول‏:‏ لو كان ذلك مانعا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة وهو على بعيره كما سيأتي في أبواب الوتر، وفرق بعضهم بين الواحد منها وبين كونها مجتمعة لما طبعت عليه من النفار المفضي إلى تشويش قلب المصلي، بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحد معقول، وسيأتي بقية الكلام على حديث ابن عمر في أبواب سترة المصلي إن شاء الله تعالى‏.‏

وقيل علة النهي في التفرقة بين الإبل والغنم بأن عادة أصحاب الإبل التغوط بقربها فتنجس أعطانها وعادة أصحاب الغنم تركه، حكاه الطحاوي عن شريك واستبعده، وغلط أيضا من قال إن ذلك بسبب ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك‏.‏

وقال‏:‏ إن النظر يقتضي عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها كما هو مذهب أصحابه‏.‏

وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحة بالتفرقة فهو قياس فاسد الاعتبار، وإذا ثبت الخبر بطلت معارضته بالقياس اتفاقا، لكن جمع بعض الأئمة بين عموم قوله ‏"‏ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ‏"‏ وبين أحاديث الباب بحملها على كراهة التنزيه وهذا أولى‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ وقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابض الإبل والبقر، وسنده ضعيف، فلو ثبت لأفاد أن حكم البقر حكم الإبل، بخلاف ما ذكره ابن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم‏.‏

*3* باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ حذف التشكيل

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى وقدامه تنور‏)‏ النصب على الظرف، ‏(‏التنور‏)‏ بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة‏:‏ ما توقد فيه النار للخبز وغيره، وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض، وربما كان على وجه الأرض، ووهم من خصه بالأول‏.‏

قيل هو معرب، وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة، وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها إلا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور، وأشار به إلى ما ورد عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال‏:‏ هو بيت نار، أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏أو شيء‏)‏ من العام بعد الخاص، فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل، والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزهري‏)‏ هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في ‏"‏ باب وقت الظهر ‏"‏ وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد، وحديث ابن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف، فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد، وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان، وقد نازعه الإسماعيلي في الترجمة فقال‏:‏ ليس ما أرى الله نبيه من النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل ذلك مختارا، وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد‏.‏

وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، فدل على أن مثله جائز‏.‏

وتفرقة الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة‏.‏

وأحسن من هذا عندي أن يقال‏:‏ لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها، فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه، وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني، وهو المطابق لحديثي الباب، ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل، وكما روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار، ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال‏:‏ لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أريت النار ‏"‏ ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة‏.‏

انتهى‏.‏

وكأن البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس، ففيه ‏"‏ عرضت على النار وأنا أصلي ‏"‏ وأما كونه رآها أمامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه، ففيه أنهم قالوا له بعد أن انصرف ‏"‏ يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت ‏"‏ أي تأخرت إلى خلف، وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار‏.‏

وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا ‏"‏ لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ‏"‏ وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد‏.‏

*3* باب كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كراهية الصلاة في المقابر‏)‏ استنبط من قوله في الحديث ‏"‏ ولا تتخذوها قبورا ‏"‏ أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة، وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه، وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ‏"‏ الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ‏"‏ رجاله ثقات، لكن اختلف في وصله وإرساله، وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من صلاتكم‏)‏ قال القرطبي ‏"‏ من ‏"‏ للتبعيض، والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته‏"‏، قلت‏:‏ وليس فيه ما ينفي الاحتمال‏.‏

وقد حكى عياض عن بعضهم أن معناه‏:‏ اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن‏.‏

وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح‏.‏

وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال‏:‏ لا يجوز حمله على الفريضة، وقد نازع الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال‏:‏ الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر‏.‏

قلت‏:‏ قد ورد بلفظ ‏"‏ المقابر ‏"‏ كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا تجعلوا بيوتكم مقابر ‏"‏ وقال ابن التين‏:‏ تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون، كأنه قال‏:‏ ‏"‏ لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك‏.‏

قلت‏:‏ إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم، وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا، فقد قدمنا وجه استنباطه‏.‏

وقال في النهاية تبعا للمطالع‏:‏ إن تأويل البخاري مرجوح، والأولى قول من قال‏:‏ معناه إن الميت لا يصلى في قبره‏.‏

وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة، وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي‏.‏

وقال أيضا‏:‏ يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي‏.‏

وقال التوربشتي‏:‏ حاصل ما يحتمله أربعة معان، فذكر الثلاثة الماضية ورابعها‏:‏ يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده ما رواه مسلم ‏"‏ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت‏"‏‏.‏

قال الخطابي‏:‏ وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته، قلت‏:‏ ما ادعى أنه تأويل هو ظاهر لفظ الحديث ولا سيما أن جعل النهي حكما منفصلا عن الأمر‏.‏

وما استدل به على رده تعقبه الكرماني فقال‏:‏ لعل ذلك من خصائصه‏.‏

وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون‏.‏

قلت‏:‏ هذا الحديث رواه ابن ماجه مع حديث ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا ‏"‏ ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ‏"‏ وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في الدلائل، وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي عن أبي بكر الصديق أنه قيل له ‏"‏ فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ في المكان الذي قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ‏"‏ إسناده صحيح لكنه موقوف‏.‏

والذي قبله أصرح في المقصود‏.‏

وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه، لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة، ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله ‏"‏ لا تجعلوا بيوتكم مقابر ‏"‏ فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا‏.‏

والله أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 13, 2010 9:24 pm

*3* باب الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ حذف التشكيل

وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب‏)‏ أي ما حكمها‏؟‏ وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص لأن الخسف من جملة العذاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر أن عليا‏)‏ هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال ‏"‏ كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل، فلم يصل حتى أجازه ‏"‏ أي تعداه‏.‏

ومن طريق أخرى عن علي قال ‏"‏ ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار ‏"‏ والظاهر أن قوله ‏"‏ ثلاث مرار ‏"‏ ليس متعلقا بالخسف لأنه ليس فيها إلا خسف واحد، وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا، ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه ‏"‏ نهاني حبيبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة ‏"‏ في إسناده ضعف، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم، والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله‏:‏ ‏(‏فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم‏)‏ الآية، ذكر أهل التفسير والأخبار أن المراد بذلك أن النمرود بن كنعان بنى ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع، فخسف الله بهم، قال الخطابي‏:‏ لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، فإن كان حديث علي ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها، يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم‏.‏

قال‏:‏ فيحتمل أن النهي خاص بعلي إنذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق‏.‏

قلت‏:‏ وسياق قصة علي الأولى يبعد هذا التأويل‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا‏)‏ كان هذا النهي لما مروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك، وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن ابن عمر ببعض ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هؤلاء المعذبين‏)‏ بفتح الذال المعجمة‏.‏

وله في أحاديث الأنبياء ‏"‏ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن تكونوا باكين‏)‏ ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول، بل دائما عند كل جزء من الدخول، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم لم ينزل فيه البتة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ هذا يدل على إباحة الصلاة هناك، لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع، كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لأثر علي‏.‏

قلت‏:‏ والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث ‏"‏ ثم قنع صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي ‏"‏ فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع علي في خسف بابل‏.‏

وروى الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ عن أبي سعيد الخدري قال ‏"‏ رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال‏:‏ ألقه‏.‏

فألقاه ‏"‏ لكن إسناده ضعيف، وسيأتي نهيه صلى الله عليه وسلم أن يستقى من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يصيبكم‏)‏ بالرفع على أن ‏"‏ لا ‏"‏ نافية والمعنى لئلا يصيبكم‏.‏

ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه، وهو نهي بمعنى الخبر‏.‏

وللمصنف في أحاديث الأنبياء ‏"‏ أن يصيبكم ‏"‏ أي خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك‏.‏

والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم، وبهذا يندفع اعتراض من قال‏:‏ كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم‏؟‏ لأنه بهذا التقرير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه‏.‏

وفي الحديث الحث على المراقبة، والزجر عن السكنى في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها، وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى ‏(‏وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم‏)‏ ‏.‏

*3* باب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ حذف التشكيل

وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في البيعة‏)‏ بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتانية‏:‏ معبد للنصارى‏.‏

قال صاحب المحكم، البيعة صومعة الراهب‏.‏

وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد‏.‏

ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر‏:‏ إنا لا ندخل كنائسكم‏)‏ وفي رواية الأصيلي ‏"‏ كنائسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أجل التماثيل‏)‏ هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم، وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التي فيها‏)‏ الضمير يعود على الكنيسة، والصور بالجر على أنها بدل من التماثيل أو بيان لها، أو بالنصب على الاختصاص، أو بالرفع أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ والصور ‏"‏ بزيادة الواو العاطفة‏.‏

وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال‏:‏ لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال‏:‏ أحب أن تجيئني وتكرمني‏.‏

فقال له عمر‏:‏ إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل‏.‏

وتبين بهذا أن روايتي النصب والجر أوجه من غيرهما، والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عباس‏)‏ وصله البغوي في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب من صلى وقدامه تنور ‏"‏ أن لا معارضة بين هذين البابين، وأن الكراهة في حال الاختيار‏.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 13, 2010 9:25 pm

*3* بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا حذف التشكيل

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن سلام كما صرح به ابن السكن في روايته‏.‏

وعبده هو ابن سليمان، وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة أبواب، ومطابقته للترجمة من قوله ‏"‏ بنوا على قبره مسجدا ‏"‏ فإن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَا لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏لما نزل‏)‏ كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت، ولغيره بضم النون وكسر الزاي، وطفق أي جعل‏.‏

والخميصة كساء له أعلام كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال وهو كذلك‏)‏ أي في تلك الحال، ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة، وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم، و قوله‏:‏ ‏(‏اتخذوا‏)‏ جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن، كأنه قيل ما سبب لعنهم‏؟‏ فأجيب بقوله ‏"‏ اتخذوا‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏يحذر ما صنعوا‏)‏ جملة أخرى مستأنفة من كلام الراوي، كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك‏.‏

وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر، والجواب أنه كان فيهم أنبياء أيضا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول، أو الجمع في قوله ‏"‏ أنبيائهم ‏"‏ بإزاء المجموع من اليهود والنصارى، والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفي بذكر الأنبياء، ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب ‏"‏ كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ‏"‏ ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال ‏"‏ إذا مات فيهم الرجل الصالح ‏"‏ ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال ‏"‏ قبور أنبيائهم‏"‏، أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو اتباعا، فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ هُوَ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ

الشرح‏:‏

تقدم الكلام على حديث جابر في أوائل كتاب التيمم، وأخرجه هناك عن محمد بن سنان أيضا وسعيد بن النضر لكنه ساقه هناك على لفظ سعيد وهنا على لفظ ابن سنان وليس بينهما تفاوت من حيث المعنى لا في السند ولا في المتن، وإيراده له هنا يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمة ليست للتحريم لعموم قوله ‏"‏ جعلت لي الأرض مسجدا ‏"‏ أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود، أو يصلح أن يبنى فيه مكان للصلاة، ويحتمل أن يكون أراد أن الكراهة فيها للتحريم، وعموم حديث جابر مخصوص بها، والأول أولى لأن الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه، ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح، لأن التنجس وصف طارئ، والاعتبار بما قبل ذلك‏.‏

*3* باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نوم المرأة في المسجد‏)‏ أي وإقامتها فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ قَالَتْ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ قَالَتْ فَاتَّهَمُونِي بِهِ قَالَتْ فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا قَالَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتْ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ قَالَتْ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قَالَتْ فَقُلْتُ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي قَالَتْ فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا قَالَتْ فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن وليدة‏)‏ أي أمة، وهي في الأصل المولودة ساعة تولد قاله ابن سيده، ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت فخرجت‏)‏ القائلة ذلك هي الوليدة المذكورة، وقد روت عنها عائشة هذه القصة، والبيت الذي أنشدته، ولم يذكرها أحد ممن صنف في رواة البخاري ولا وقفت على اسمها ولا على اسم القبيلة التي كانت لهم ولا على اسم الصبية صاحبة الوشاح‏.‏

والوشاح بكسر الواو ويجوز ضمها ويجوز إبدالها ألفا‏:‏ خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة، وقيل ينسج من أديم عريضا ويرصع باللؤلؤ وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها‏.‏

وعن الفارسي‏:‏ لا يسمى وشاحا حتى يكون منظوما بلؤلؤ وودع‏.‏

انتهى‏.‏

وقولها في الحديث ‏"‏ من سيور ‏"‏ يدل على أنه كان من جلد، وقولها بعد ‏"‏ فحسبته لحما ‏"‏ لا ينفي كونه مرصعا لأن بياض اللؤلؤ على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوضعته أو وقع منها‏)‏ شك من الراوي، وقد رواه ثابت في الدلائل من طريق أبي معاوية عن هشام فزاد فيه أن الصبية كانت عروسا فدخلت إلى مغتسلها فوضعت الوشاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدياة‏)‏ بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة، ويجوز فتح أوله‏.‏

وهي الطائر المعروف المأذون في قتله في الحل والحرم، والأصل في تصغيرها حديأة بسكون الياء وفتح الهمزة لكن سهلت الهمزة وأدغمت ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفا، وتسمى أيضا الحدى بضم أوله وتشديد الدال مقصور، ويقال لها أيضا الحدو بكسر أوله وفتح الدال الخفيفة وسكون الواو وجمعها حدأ كالمفرد بلا هاء، وربما قالوه بالمد‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى فتشوا قبلها‏)‏ كأنه من كلام عائشة، وإلا فمقتضى السياق أن تقول ‏"‏ قبلي ‏"‏ وكذا هو في رواية المصنف في أيام الجاهلية من رواية علي بن مسهر عن هشام، فالظاهر أنه من كلام الوليدة أوردته بلفظ الغيبة التفاتا أو تجريدا، وزاد فيه ثابت أيضا ‏"‏ قالت‏:‏ فدعوت الله أن يبرئني فجاءت الحديا وهم ينظرون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو ذا هو‏)‏ تحتمل أن يكون ‏"‏ هو ‏"‏ الثاني خبرا بعد خبر أو مبتدأ وخبره محذوف أو يكون خبرا عن ذا والمجموع خبرا عن الأول ويحتمل غير ذلك‏.‏

ووقع في رواية أبي نعيم ‏"‏ وها هو ذا ‏"‏ وفي رواية ابن خزيمة ‏"‏ وهو ذا كما ترون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏)‏ أي عائشة ‏(‏فجاءت‏)‏ أي المراة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكانت‏)‏ أي المرأة، وللكشميهني ‏"‏ فكان‏"‏‏.‏

والخباء بكسر المعجمة بعدها موحدة وبالمد‏:‏ الخيمة من وبر أو غيره، وعن أبي عبيد لا يكون من شعر‏.‏

والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة‏:‏ البيت الصغير القريب السمك، مأخوذ من الانحفاش وهو الانضمام، وأصله الوعاء الذي تضع المرأة فيه غزلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتحدث‏)‏ بلفظ المضارع بحذف إحدى التاءين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعاجيب‏)‏ أي أعاجيب واحدها أعجوبة، ونقل ابن السيد أن تعاجيب لا واحد له من لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا إنه‏)‏ بتخفيف اللام وكسر الهمزة، وهذا البيت الذي أنشدته هذه المرأة عروضه من الضرب الأول من الطويل وأجزاؤه ثمانية ووزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات، لكن دخل البيت المذكور القبض وهو حذف الخامس الساكن في ثاني جزء منه، فإن أشبعت حركة الحاء من الوشاح صار سالما‏.‏

أو قلت ويوم وشاح بالتنوين بعد حذف التعريف صار القبض في أول جزء من البيت وهو أخف من الأول، واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا السادس في أشعار العرب كثير جدا نادر في أشعار المولدين، وهو عند الخليل بن أحمد أصلح من الكف، ولا يجوز الجمع عندهم بين الكف - وهو حذف السابع الساكن - وبين القبض بل يشترط أن يتعاقبا‏.‏

وإنما أوردت هذا القدر هنا لأن الطبع السليم ينفر من القبض المذكور‏.‏

وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها، وفيه الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة، ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه المرأة‏.‏

وفيه فضل الهجرة من دار الكفر، وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة‏.‏

والله أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 13, 2010 9:25 pm

*3* باب نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ حذف التشكيل

وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نوم الرجال في المسجد‏)‏ أي جواز ذلك، وهو قول الجمهور، وروي عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة، وعن ابن مسعود مطلقا، وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو قلابة عن أنس‏)‏ هذا طرف من قصة العرنيين، وقد تقدم حديثهم في الطهارة‏.‏

وهذا اللفظ أورده في المحاربين موصولا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرحمن بن أبي بكر‏)‏ هو أيضا طرف من حديث طويل يأتي في علامات النبوة‏.‏

والصفة موضع مظلل في المسجد النبوي كانت تأوي إليه المساكين، وقد سبق البخاري إلى الاستدلال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار رواه ابن أبي شيبة عنهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ و القطان ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو العمري، وحديث عبد الله بن عمر هذا مختصر أيضا من حديث له طويل يأتي في باب فضل قيام الليل، وأورده ابن ماجه مختصرا أيضا بلفظ ‏"‏ كنا ننام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعزب‏)‏ المهملة والزاي أي غير متزوج‏.‏

والمشهور فيه عزب بفتح العين وكسر الزاي، والأول لغة قليلة مع أن القزاز أنكرها‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏لا أهل له‏)‏ هو تفسير لقوله أعزب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الأقارب ونحوهم‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏في مسجد‏)‏ متعلق بقوله ينام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ قَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ هو سلمة بن دينار والد عبد العزيز المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أين ابن عمك‏)‏ فيه إطلاق ابن العم على أقارب الأب لأنه ابن عم أبيها لا ابن عمها، وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة القريبة التي بينهما‏.‏

قوله ‏(‏فلم يقل عندي‏)‏ بفتح الياء التحتانية وكسر القاف، من القيلولة وهو نوم نصف النهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لإنسان‏)‏ يظهر لي أنه سهل راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره‏.‏

وللمصنف في الأدب ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أين ابن عمك‏؟‏ قالت في المسجد ‏"‏ وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة لاحتمال أن يكون المراد من قوله‏:‏ ‏(‏انظر أين هو‏)‏ المكان المخصوص من المسجد‏.‏

وعند الطبراني ‏"‏ فأمر إنسانا معه فوجده مضطجعا في فيء الجدار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو راقد في المسجد‏)‏ فيه مراد الترجمة، لأن حديث ابن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له، وكذا بقية أحاديث الباب، إلا قصة علي فإنها تقتضي التعميم، لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار‏.‏

وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضا جواز القائلة في المسجد، وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه، وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية، والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب، وسيأتي في الأدب أنه كان يفرح إذا دعي بذلك‏.‏

وفيه مدارة الصهر وتسكينه من غضبه، ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه، وأنه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة‏.‏

وسيأتي بقية ما يتعلق به في فضائل علي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن فضيل‏)‏ هو محمد بن فضيل بن غزوان، وأبو حازم هو سلمان الأشجعي، وهو أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء، وإن كانا جميعا مدنيين تابعيين ثقتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة‏)‏ يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة، وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة ابن الأعرابي والسلمي والحاكم وأبو نعيم، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر، وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة، لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رداء‏)‏ هو ما يستر أعالي البدن فقط‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏إما إزار‏)‏ أي فقط ‏(‏وإما كساء‏)‏ أي على الهيئة المشروحة في المتن‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏قد ربطوا‏)‏ أي الأكسية فحذف المفعول للعلم به‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏فمنها‏)‏ أي من الأكسية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيجمعه بيده‏)‏ أي الواحد منهم، زاد الإسماعيلي أن ذلك في حال كونهم في الصلاة‏.‏

ومحصل ذلك أنه لم يكن لأحد منهم ثوبان‏.‏

وقد تقدم نحو هذه الصفة في ‏"‏ باب إذا كان الثوب ضيقا‏"‏‏.‏

*3* باب الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ حذف التشكيل

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة إذا قدم من سفر‏)‏ أي في المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال كعب‏)‏ هو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه وتوبته، وسيأتي في أواخر المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم له، وذكر بعده حديث جابر ليجمع بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يظن أن ذلك من خصائصه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ قَالَ ضُحًى فَقَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قال مسعر أراه‏)‏ بالضم أي أظنه، والضمير لمحارب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان لي عليه دين‏)‏ كذا للأكثر، وللحموي وكان ‏"‏ له ‏"‏ أي لجابر ‏"‏ عليه ‏"‏ أي على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي قوله بعد ذلك ‏(‏فقضاني‏)‏ التفات‏.‏

وهذا الدين هو ثمن جمل جابر‏.‏

وسيأتي مطولا في كتاب الشروط، ونذكر هناك فوائده إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد أخرجه المصنف أيضا في نحو من عشرين موضعا مطولا ومختصرا وموصولا ومعلقا‏.‏

ومطابقته للترجمة من جهة أن تقاضيه لثمن الجمل كان عند قدومه من السفر كما سيأتي واضحا‏.‏

وغفل مغلطاي حيث قال‏:‏ ليس فيه ما بوب عليه‏.‏

لأن لقائل أن يقول إن جابرا لم يقدم من سفر لأنه ليس فيه ما يشعر بذلك، قال النووي‏:‏ هذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر ينوي بها صلاة القدوم، لا أنها تحية المسجد التي أمر الداخل بها قبل أن يجلس، لكن تحصل التحية بها‏.‏

وتمسك بعض من منع الصلاة في الأوقات المنهية ولو كانت ذات سبب بقوله ‏"‏ ضحى ‏"‏ ولا حجة فيه لأنها واقعة عين‏.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9   فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9 Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 13, 2010 9:26 pm

*3* باب إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا دخل المسجد‏)‏ حذف الفاعل للعلم به، وذكر في رواية الأصيلي وكريمة كلفظ المتن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي قتادة‏)‏ بفتحتين، هكذا اتفق عليه الرواة عن مالك، ورواه سهيل بن أبي صالح عن عامر بن عبد الله بن الزبير فقال ‏"‏ عن جابر ‏"‏ بدل أبي قتادة، وخطأه الترمذي والدارقطني وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السلمي‏)‏ بفتحتين لأنه من الأنصار، والإسناد كله مدني كالذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليركع‏)‏ أي فليصل، من إطلاق الجزء وإرادة الكل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين‏)‏ هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق، واختلف في أقله، والصحيح اعتباره فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين‏.‏

واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب، والذي صرح به ابن حزم عدمه، ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يتخطى ‏"‏ اجلس فقد آذيت ‏"‏ ولم يأمره بصلاة، كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر‏.‏

وقال الطحاوي أيضا‏:‏ الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها‏.‏

قلت‏:‏ هما عمومان تعارضا، الأمر بالصلاة لكن داخل من غير تفصيل، والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلا بد من تخصيص أحد العمومين، فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر - وهو الأصح عند الشافعية - وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل أن يجلس‏)‏ صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك، وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه ‏"‏ دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أركعت ركعتين‏؟‏ قال لا، قال‏:‏ قم فاركعهما ‏"‏ ترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس‏.‏

قلت‏:‏ ومثله قصة سليك كما سيأتي في الجمعة‏.‏

وقال المحب الطبري‏:‏ يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز، أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء، ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حديث أبي قتادة هذا ورد على سبب، وهو ‏"‏ أن أبا قتادة دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فجلس معهم، فقال له‏:‏ ما منعك أن تركع‏؟‏ قال‏:‏ رأيتك جالسا والناس جلوس‏.‏

قال‏:‏ فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة ‏"‏ أعطوا المساجد حقها، قيل له‏:‏ وما حقها‏؟‏ قال ركعتين قبل أن تجلس‏"‏‏.‏

*3* باب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحدث في المسجد‏)‏ قال المازري‏:‏ أشار البخاري إلى الرد على من منع المحدث أن يدخل المسجد أو يجلس فيه وجعله كالجنب، وهو مبني على أن الحدث هنا الريح ونحوه، وبذلك فسره أبو هريرة كما تقدم في الطهارة‏.‏

وقد قيل المراد بالحدث هنا أعم من ذلك، أي ما لم يحدث سوءا‏.‏

ويؤيده رواية مسلم ‏"‏ ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه ‏"‏ وفي أخرى للبخاري ‏"‏ ما لم يؤذ فيه بحدث فيه‏"‏، وسيأتي قريبا بناء على أن الثانية تفسير للأولى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الملائكة تصلي‏)‏ للكشميهني ‏"‏ إن الملائكة تصلي ‏"‏ بزيادة إن، والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقول الخ‏)‏ هو بيان لقوله تصلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما دام في مصلاه‏)‏ مفهومه أنه إذا انصرف عنه انقضى ذلك، وسيأتي في ‏"‏ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ‏"‏ بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره، ولفظه ‏"‏ ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ‏"‏ فأثبت للمنتظر حكم المصلي، فيمكن أن يحمل قوله ‏"‏ في مصلاه ‏"‏ على المكان المعد للصلاة، لا الموضع الخاص بالسجود، فلا يكون بين الحديثين تخالف‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏ما لم يحدث‏)‏ يدل على أن الحدث يبطل ذلك ولو استمر جالسا‏.‏

وفيه دليل على أن الحدث في المسجد أشد من النخامة لما تقدم من أن لها كفارة، ولم يذكر لهذا كفارة، بل عومل صاحبه بحرمان استغفار الملائكة، ودعاء الملائكة مرجو الإجابة لقوله تعالى ‏(‏ولا يشفعون إلا لمن ارتضى‏)‏ وسيأتي بقية فوائد هذا الحديث في ‏"‏ باب من جلس ينتظر ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

*3* باب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ حذف التشكيل

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ أَكِنَّ النَّاسَ مِنْ الْمَطَرِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بنيان المسجد‏)‏ أي النبوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو سعيد‏)‏ هو الخدري، والقدر المذكور هنا طرف من حديثه في ذكر ليلة القدر، وقد وصله المؤلف في الاعتكاف وغيره من طريق أبي سلمة عنه، وسيأتي قريبا في أبواب صلاة الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمر عمر‏)‏ هو طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أكن الناس‏)‏ وقع في روايتنا أكن بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ الفعل المضارع من أكن الرباعي يقال‏:‏ أكننت الشيء إكنانا أي صنته وسترته، وحكى أبو زيد كننته من الثلاثي بمعنى أكننته، وفرق الكسائي بينهما فقال كننته أي سترته وأكننته في نفسي أي أسررته، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ أكن ‏"‏ بفتح الهمزة والنون فعل أمر من الإكنان أيضا ويرجحه قوله قبله ‏"‏ وأمر عمر ‏"‏ وقوله بعده ‏"‏ وإياك ‏"‏ وتوجه الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد ثم التفت إلى الصانع فقال له ‏"‏ وإياك‏"‏، أو يحمل قوله وإياك على التجريد كأنه خاطب نفسه بذلك، قال عياض‏:‏ وفي رواية غير الأصيلي والقابسي - أي وأبي ذر - ‏"‏ كن الناس ‏"‏ بحذف الهمزة وكسر الكاف وهو صحيح أيضا‏.‏

وجوز ابن مالك ضم الكاف على أنه من كن فهو مكنون‏.‏

انتهى‏.‏

وهو متجه، لكن الرواية لا تساعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتفتن الناس‏)‏ بفتح المثناة من فتن، وضبطه ابن التين بالضم من أفتن، وذكر أن الأصمعي أنكره وأن أبا عبيدة أجازه فقال فتن وأفتن بمعنى، قال ابن بطال‏:‏ كان عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها وقال ‏"‏ إنها ألهتني عن صلاتي‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة فقد روى ابن ماجه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا ‏"‏ ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم ‏"‏ رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس فقيه مقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ يتباهون بها‏)‏ بفتح الهاء أي يتفاخرون، وهذا التعليق رويناه موصولا في مسند أبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق أبي قلابة أن أنسا قال ‏"‏ سمعته يقول‏:‏ يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا ‏"‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان مختصرا من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ‏"‏ والطريق الأولى أليق بمراد البخاري‏.‏

وعند أبي نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند ابن خزيمة ‏"‏ يتباهون بكثرة المساجد‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ ثم لا يعمرونها ‏"‏ المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله، وليس المراد به بنيانها، بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ لتزخرفنها‏)‏ بفتح اللام وهي لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء وتشديد النون وهي نون التأكيد، والزخرفة الزينة، وأصل الزخرف الذهب ثم استعمل في كل ما يتزين به‏.‏

وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبان من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس هكذا موقوفا، وقبله حديث مرفوع ولفظه ‏"‏ ما أمرت بتشييد المساجد ‏"‏ وظن الطيبي في شرح المشكاة أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في ‏"‏ لتزخرفنها ‏"‏ مكسورة وهي لام التعليل للمنفي قبله، والمعنى‏:‏ ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة، قال‏:‏ والنون فيه لمجرد التأكيد، وفيه نوع توبيخ وتأنيب، ثم قال‏:‏ ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو المعتمد، والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به، وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها، وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله، قال البغوي‏:‏ التشييد رفع البناء وتطويله، وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ زاد الأصيلي ابن سعد‏.‏

ورواية صالح بن كيسان عن نافع من رواية الأقران لأنهما مدنيان ثقتان تابعيان من طبقة واحدة، وعبد الله ‏"‏ هو ابن عمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏باللبن‏)‏ بفتح اللام وكسر الموحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمده‏)‏ بفتح أوله وثانيه ويجوز ضمهما، وكذا قوله ‏"‏ خشب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه‏)‏ أي بجنس الآلات المذكورة ولم يغير شيئا من هيئته إلا توسيعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم غيره عثمان‏)‏ ، أي من الوجهين‏:‏ التوسيع، وتغيير الآلات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالحجارة المنقوشة‏)‏ أي بدل اللبن، وللحموي والمستملي ‏"‏ بحجارة منقوشة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والقصة‏)‏ بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الجص بلغة أهل الحجاز‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ تشبه الجص وليست به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسقفه‏)‏ بلفظ الماضي عطفا على جعل، وبإسكان القاف على عمده، والساج نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند‏.‏

وقال ابن بطال وغيره‏:‏ هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل‏.‏

وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة، ورخص في ذلك بعضهم - وهو قول أبي حنيفة - إذا وقع على سبيل التعظيم للمساجد، ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة‏.‏

وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة‏.‏

وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع، فوقع كما قال‏.‏


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
 
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )9
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )7
»  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )8
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )10
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )11
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الصَّلَاةِ )12

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
foughala :: في رحاب الاسلام :: مع الحديث النبوي الشريف والقدسي-
انتقل الى: