3* باب دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب دخول المشرك المسجد) هذه الترجمة ترد على الإسماعيلي حيث ترجم بها فيما مضى بدل ترجمة الاغتسال إذا أسلم، وقد يقال إن في هذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة " الأسير يربط في المسجد " تكرارا، لأن ربطه فيه يستلزم إدخاله.
لكن يجاب عن ذلك بأن هذا أعم من ذاك، وقد اختصر المصنف الحديث مقتصرا على المقصود منه، وسيأتي تاما في المغازي.
وفي دخول المشرك المسجد مذاهب: فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية.
وقيل: يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب.
*3* باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب رفع الصوت في المسجد) أشار بالترجمة إلى الخلاف في ذلك، فقد كرهه مالك مطلقا سواء كان في العلم أم في غيره، وفرق غيره بين ما يتعلق بغرض ديني أو نفع دنيوي وبين ما لا فائدة فيه، وساق البخاري في الباب حديث عمر الدال على المنع، وحديث كعب الدال على عدمه، إشارة منه إلى أن المنع قيما لا منفعة فيه وعدمه فيما تلجئ الضرورة إليه.
وقد تقدم البحث فيه في باب التقاضي.
ووردت أحاديث في النهي عن رفع الصوت في المساجد، لكنها ضعيفة أخرج ابن ماجه بعضها، فكأن المصنف أشار إليها.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن) في رواية الإسماعيلي " الجعد بن أوس " وهو هو، فإن اسمه الجعد وقد يصغر، وهو ابن عبد الرحمن بن أوس، فقد ينسب إلى جده.
قوله: (حدثني بزيد بن خصيفة) هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده، وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة، أخرجه الإسماعيلي، والجعيد صح سماعه من السائب كما تقدم في الطهارة، فليس هذا الاختلاف قادحا، وعند عبد الرزاق له طريق أخرى عن نافع قال " كان عمر يقول لا تكثروا اللغط.
فدخل المسجد فإذا هو برجلين قد ارتفعت أصواتهما.
فقال: إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت " الحديث.
وفيه انقطاع، لأن نافعا لم يدرك ذلك الزمان.
قوله: (كنت قائما في المسجد) كذا في الأصول بالقاف.
وفي رواية " نائما " بالنون.
ويؤيده رواية حاتم عن الجعيد بلفظ " كنت مضطجعا".
قوله: (فحصبني) أي رماني بالحصباء.
قوله: (فإذا عمر) الخبر محذوف تقديره قائم أو نحوه، ولم أقف على تسمية هذين الرجلين، لكن في رواية عبد الرزاق أنهما ثقفيان.
قوله: (لو كنتما) يدل على أنه كان تقدم نهيه عن ذلك، وفيه المعذرة لأهل الجهل بالحكم إذا كان مما يخفى مثله.
قوله: (لأوجعتكما) زاد الإسماعيلي " جلدا".
ومن هذه الجهة يتبين كون هذا الحديث له حكم الرفع، لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي.
قوله: (ترفعان) هو جواب عن سؤال مقدر كأنهما قالا له: لم توجعنا؟ قال: لأنكما ترفعان.
وفي رواية الإسماعيلي " برفعكما أصواتكما " وهو يؤيد ما قدرناه.
وقد تقدم توجيه جمع أصواتكما في حديث " يعذبان في قبورهما".
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا كَعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَاقْضِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا أحمد) في رواية أبي علي الشبوب عن الفربري " حدثنا أحمد بن صالح " وبذلك جزم ابن السكن، وقد تقدم الكلام على حديث كعب في " باب التقاضي " قبل عشرة أبواب أو نحوها.
وقوله هنا " حتى سمعها " في رواية الأصيلي " سمعهما".
*3* باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الحلق) بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحة على كل حال: جمع حلقة بإسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ
الشرح:
قوله: (عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري.
قوله: (سأل رجل) لم أقف على اسمه.
قوله: (ما ترى) أي ما رأيك؟ من الرأي، ومن الرؤية بمعنى العلم، و (مثنى مثنى) بغير تنوين أي اثنتين اثنتين، وكرر تأكيدا.
قوله: (فأوترت) بفتح الراء، أي تلك الواحدة.
قوله: (وأنه كان يقول) بكسر الهمزة على الاستئناف، وقائل ذلك هو نافع، والضمير لابن عمر.
قوله: (بالليل) هي في رواية الكشميهني والأصيلي فقط.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَقَالَ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلًا نَادَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح:
قوله في طريق أيوب عن نافع (توتر) بالجزم جوابا للأمر، وبالرفع على الاستئناف، وزاد الكشميهني والأصيلي " لك".
قوله: (قال الوليد بن كثير) هذا التعليق وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن الوليد، وهو بمعنى حديث نافع عن ابن عمر، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى.
وأراد البخاري بهذا التعليق بيان أن ذلك كان في المسجد ليتم له الاستدلال لما ترجم له.
وقد اعترضه الإسماعيلي فقال: ليس فيما ذكر دلالة على الحلق ولا على الجلوس في المسجد بحال.
وأجيب بأن كونه كان في المسجد صريح من هذا المعلق، وأما التحلق فقال المهلب: شبه البخاري جلوس الرجال في المسجد حول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالتحلق حول العالم، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين، والله أعلم.
وقال غيره: حديث ابن عمر يتعلق بأحد ركني الترجمة وهو الجلوس، وحديث أبي واقد يتعلق بالركن الآخر وهو التحلق.
وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: مالي أراكم عزين " فلا معارضة بينه وبين هذا، لأنه إنما كره تحلقهم على ما لا فائدة فيه ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان لسماع العلم والتعلم منه.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح:
قوله: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) زاد في العلم " والناس معه " وهو أصرح فيما ترجم له.
قوله: (فرأي فرجة) زاد في العلم " في الحلقة " وزادها الأصيلي والكشميهني أيضا في هذه الرواية، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب العلم.
*3* باب الِاسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الاستلقاء في المسجد) زاد في نسخة الصغاني " ومد الرجل".
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ
الشرح:
قوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي.
قوله: (عن عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني.
قوله: (واضعا إحدى رجليه على الأخرى) قال الخطابي: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك.
قلت: الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال، وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ.
وقال المازري: إنما بوب على ذلك لأنه وقع في كتاب أبي داود وغيره، لا في الكتب الصحاح، النهي عن أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، لكنه عام لأنه قول يتناول الجميع، واستلقاؤه في المسجد فعل قد يدعي قصره عليه فلا يؤخذ منه الجواز، لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم، بل هو جائز مطلقا، فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض، فيجمع بينهما، فذكر نحو ما ذكره الخطابي.
وفي قوله عن حديث النهي " ليس في الكتب الصحاح " إغفال، فإن الحديث عند مسلم في اللباس من حديث جابر.
وفي قوله " فلا يؤخذ منه الجواز " نظر لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم.
قال الخطابي: وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة.
وقال الداودي: فيه أن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا.
قوله: (وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) هو معطوف على الإسناد المذكور، وقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي، وهو كذلك في الموطأ، وقد غفل عن ذلك من زعم أنه معلق.