*3* باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب حد المريض أن يشهد الجماعة) قال ابن التين تبعا لابن بطال: معنى الحد هاهنا الحدة، وقد نقله الكسائي، ومثله قول عمر في أبي بكر " كنت أرى منه بعض الحد " أي الحدة، قال: والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة، قال ابن التين: ويصح أن يقال هنا " جد " بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر، لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم.
انتهى.
وقد أثبت ابن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسي.
وقال ابن رشيد: إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها.
ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلغ إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه.
وأن قوله في الحديث الماضي " لأتوهما ولو حبوا " وقع على طريق المبالغة، قال: ويمكن أن يقال معناه باب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة.
انتهى ملخصا.
الحديث:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بَعْضَهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا
الشرح:
قوله: (مرضه الذي مات فيه) سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره، وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة.
قوله: (فحضرت الصلاة) هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فأذن) بضم الهمزة على البناء للمفعول.
وفي رواية الأصيلي " وأذن بالواو " وهو أوجه، والمراد به أذان الصلاة.
ويحتمل أن يكون معناه أعلم، ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في " باب الرجل يأتم بالإمام " ولفظه " جاء بلال يؤذنه بالصلاة " واستفيد منه تسمية المبهم، وسيأتي في رواية موسى ابن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمي عليه.
.
الحديث.
قوله: (مروا أبا بكر فليصل) استدل به على أن الآمر بالأمر بالشيء يكون آمرا به، وهي مسألة معروفة في أصول الفقه، وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته.
وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم.
قوله: (فقيل له) قائل ذلك عائشة كما سيأتي.
قوله: (أسيف) بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيق القلب.
ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث: قال عاصم والأسيف الرقيق الرحيم، وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة " فقالت له عائشة: إنه رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء " ومن حديث أبي موسى نحوه، ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ " قالت عائشة: قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر".
قوله: (فأعادوا له) أي من كان في البيت، والمخاطب بذلك عائشة كما ترى، لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك.
ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه " فعادت " ولابن عمره " فعاودته".
قوله: (فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف) فيه حذف بينه مالك في روايته المذكرة، وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة، وفيه أيضا " فمر عمر، فقال: مه إنكن لأنتن صواحب يوسف " وصواحب جمع صاحبة، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن.
ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط، كما أن " صواحب " صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به.
وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت " لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا " الحديث.
وسيأتي بتمامه في " باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى.
وأخرجه مسلم أيضا.
وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن.
ووقع في مرسل الجنس عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم.
ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن، كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال.
(فائدة) : زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة، أخرجه الدورقي في مسنده، وزاد مالك في روايته التي ذكرناها " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خبرا".
ومثله للإسماعيلي في حديث الباب، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة في المعاودة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه.
قوله: (فليصل بالناس) في رواية الكشميهني " للناس".
قوله: (فخرج أبو بكر) فيه حذف دل عليه سياق الكلام، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه " فأتاه الرسول " أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك، وفي روايته أيضا " فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس.
فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا عمر صل بالناس فقال له عمر: أنت أحق بذلك " انتهى.
وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة.
قال النووي: تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس.
انتهى.
ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره.
ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح.
والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استحلف.
قال القرطبي: ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستحلف لا يتوقف على إذن خاص له بذلك.
قوله: (فصلى) في رواية المستملي والسرخسي " يصلي " وظاهره أنه شرع في الصلاة، ويحتمل أن يكـون المراد أنه تهيأ لها، وسيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ " فلما دخل في الصلاة " وهو محتمل أيضا بأن يكون المراد دخل في مكان الصلاة، ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى.
قوله: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها، ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله " فخرج أبو بكر " وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور " فصلى أبو بكر تلك الأيام.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة " وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء.
قوله: (يهادي) بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف، والتهادي التمايل في المشي البطيء، وقوله "يخطان الأرض " أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض، وسقط لفظ " الأرض " من رواية الكشميهني.
وفي رواية عاصم المذكورة عند ابن حبان " إني لأنظر إلى بطون قدميه".
قوله: (بين رجلين) في الحديث الثاني من حديثي الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة، ووقع في رواية عاصم المذكورة " وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة " ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي، أو يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدار قطني أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس.
وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلي فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة.
(تنبيه) : نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة، ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ " خرج بين بريرة ورجل آخر".
قوله: (فأراد أبو بكر) زاد أبو معاوية عن الأعمش " فلما سمع أبو بكر حسه " وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث " فلما أحس الناس به سبحوا " أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن.
قوله: (أن مكانك) في رواية عاصم المذكورة " أن أثبت مكانك " وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر.
قوله: (ثم أتى به) كذا هنا بضم الهمزة.
وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه " فقال أجلساني إلى جنبه، فأجلساه " وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب - كما سيأتي بعد أبواب - مكان الجلوس فقال في روايته " حتى جلس عن يسار أبي بكر " وهذا هو مقام الإمام، وسيأتي القول فيه.
وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما؟ فقال: لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره.
انتهى.