3* باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إذا ركع دون الصف) كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة، وقد سبق هناك ترجمة " المرأة وحدها تكون صفا " وذكرت هناك أن ابن بطال استدل بحديث أنس المذكور فيه في صلاة أم سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة، ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن جماعة من كبار الأئمة، لكنه متعقب، وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه ابن خزيمة فقال: لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق، فكيف يقاس مأمور على منهي؟ والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهي على التنزيه والأمر على الاستحباب.
وقال ناصر الدين ابن المنير: هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث لم يأت: بجواب " إذا " لإشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله " ولا تعد".
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ الْأَعْلَمِ وَهُوَ زِيَادٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ
الشرح:
قوله: (عن الأعلم هو زياد) في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه ابن أبي شيبة، وزياد هو ابن حسان بن قرة الباهلي من صغار التابعين، قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة، والإسناد كله بصريون.
قوله: (عن الحسن) هو البصري.
قوله: (عن أبي بكرة) هو الثقفي، وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال " حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه " أخرجه أبو داود والنسائي.
قوله: (أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية سعيد المذكورة " أنه دخل المسجد " زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه " وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى " وللطحاوي من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم " وقد حفزه النفس".
قوله: (فذكر ذلك) في رواية حماد عند الطبراني " فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل الصف وهو راكع".
قوله: (زادك الله حرصا) أي على الخير، قال ابن المنير صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من الجهة العامة وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، وخطأه من الجهة الخاصة.
قوله: (ولا تعد) أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها.
وفي رواية عبد العزيز المذكورة " فقال من الساعي " وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عن الطبراني " فقال أيكم صاحب هذا النفس؟ قال: خشيت أن تفوتني الركعة معك " وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث " صل ما أدركت واقض ما سبقك " وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره " أيكم الراكع دون الصف " وقد تقدم من روايته قريبا " أيكم دخل نصف وهو راكع " وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال: إنما قال له " لا تعد " لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم ا ه.
ولم ينحصر النهي في ذلك كما حررته، ولو كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف، وقد تقدم نقل الاتفاق على كراهيته، وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة، واستدلوا بحديث وابصة بن معبد " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة " أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما.
ولابن خزيمة أيضا من حديث علي بن شيبان نحوه وزاد " لا صلاة لمنفرد خلف الصف " واستدل الشافعي وغيره بحديث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة، لكن نهى عن العود إلى ذلك، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل.
وروى البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال: صلاته تامة وليس له تضعيف، وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة، فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة، وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان.
واستنبط بعضهم من قوله " لا تعد " أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهي عنه بقوله لا تعد، فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة البخاري في " جزء القراءة خلف الإمام " ويؤخذ مما حررته جواب من قال: لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص؟ وأجاب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة ا ه.
وهو مبني على أن النهي إنما وقع عن التأخير وليس كذلك.
(تنبيه) : قوله " ولا تعدل " ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الإعادة، ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني " صل ما أشركت واقض ما سبقك " وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف " واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها، وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها " وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعا وفي إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة.
*3* باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ حذف التشكيل
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
الشرح:
قوله: (باب إتمام التكبير في الركوع) أي مده بحيث ينتهي بتمامه، أو المراد إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع قاله الكرماني.
قلت: ولعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة إلى تضعيف ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبزى قال " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير " وقد نقل البخاري في التاريخ عن داود الطيالسي أنه قال: هذا عندنا باطل.
وقال الطبري والبزار: تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول، وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده.
قوله: (قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي الإتمام ومراده أنه قال ذلك بالمعنى، لأنه أشار بذلك إلى حديثه الموصول في آخر الباب الذي بعده وفيه قوله لعكرمة لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين وعشرين تكبيرة " إنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " فيستلزم ذلك أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إتمام التكبير، لأن الرباعية لا يقع فيها لذاتها أكثر من ذلك، ومن لازم ذلك التكبير في الركوع.
وهذا يبعد الاحتمال الأول.
قوله: (وفيه مالك بن الحويرث) أي يدخل في الباب حديث مالك، وقد أورده المؤلف بعد أبواب في " باب المكث بين السجدتين " ولفظه " فقام ثم ركع فكبر".
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ
الشرح:
قوله: (حدثنا خالد) هو الطحان، والجريري هو سعيد، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف الذي روى هذا الحديث عنه، والإسناد كله بصريون وفيه رواية الأقران والإخوة.
قوله: (صلى) أي عمران (مع علي) أي ابن أبي طالب (بالبصرة) يعني بعد وقعة الجمل.
قوله: (ذكرنا) بتشديد الكاف وفتح الراء، وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك، وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال " ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا " ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال: قلنا - يعني لعمران بن حصين - يا أبا نجيد، هو بالنون والجيم مصغر، من أول من ترك التكبير؟ قال: عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته.
وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر.
وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية.
وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد.
وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكأن معاوية تركه بترك عثمان.
وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء، ويرشحه حديث أبي سعيد الآتي في " باب يكبر وهو ينهض من السجدتين"، لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، قال: وكذلك كانت بنو أمية تفعل، وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وعن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام، وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره، ووجهه بأن التكبير شرع للإيذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد، لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل، فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام.
وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله صلى الله عليه وسلم قال ناصر الدين بن المنير: الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية صلى الله عليه وسلم.
قوله: (كلما رفع وكلما وضع) هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة، لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع فإنه شرع فيه التحميد، وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي هريرة في الباب، ومن حديث أبي موسى الذي ذكرناه عند أحمد والنسائي، ومن حديث ابن مسعود عن الدارمي والطحاوي، ومن حديث ابن عباس في الباب الذي بعده، ومن حديث ابن عمر عند أحمد والنسائي، ومن حديث عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، ومن حديث وائل بن حجر عند ابن حبان، ومن حديث جابر عند البزار، وسيأتي مفسرا من حديث أبي هريرة فيه.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله في حديث أبي هريرة (يصلي بهم) في رواية الكشميهني " يصلي لهم".