*3* باب الطُّمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حذف التشكيل
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ
الشرح:
قوله: (باب الاطمأنينة) كذا للأكثر، وللكشميهني " الطمأنينة " وقد تقدم الكلام عليها في " باب استواء الظهر".
قوله: (وقال أبو حميد) يأتي موصولا مطولا في " باب سنة الجلوس في التشهد".
وقوله "رفع " أي من الركوع " فاستوى " أي قائما كما سيأتي بيانه هناك، وهو ظاهر فيما ترجم له.
ووقع في رواية كريمة " جالسا " بعد قوله " فاستوى " فإن كان محفوظا حمل على أنه عبر عن السكون بالجلوس وفيه بعد، أو لعل المصنف أراد إلحاق الاعتدال بالجلوس بين السجدتين بجامع كون كل منهما غير مقصود لذاته فيطابق الترجمة.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ
الشرح:
قوله: (ينعت) بفتح المهملة، أي يصف.
وهذا الحديث ساقه شعبة عن ثابت مختصرا، ورواه عنه حماد بن زيد مطولا كما سيأتي في " باب المكث بين السجدتين " فقال في أوله " عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا " فصرح بوصف أنس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، وقوله "لا آلو " بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر.
وزاد حماد بن زيد أيضا " قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه " وفيه إشعار بأنهم كانوا يخلون بتطويل الاعتدال، وقد تقدم حديث أنس وإنكاره عليهم في أمر الصلاة في أبواب المواقيت وقوله " حتى نقول " بالنصب.
وقوله "قد نسي " أي نسي وجوب الهوي إلى السجود قاله الكرماني، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلا أو وقت التشهد حيث كان جالسا.
ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة " قلنا قد نسي من طول القيام " أي لأجل طول قيامه.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ
الشرح:
حديث البراء تقدم التنبيه عليه في " باب استواء الظهر".
وقوله "قريبا من السواء " فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود.
قوله: (وإذا رفع) أي ورفعه إذا رفع، وكذا قوله " وبين السجدتين " أي وجلوسه بين السجدتين، والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب، ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في " باب استواء الظهر " وهو قوله " ما خلا القيام والقعود " ووقع في رواية لمسلم " فوجدت قيامه فركعته فاعتداله " الحديث، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل، ثم قال في آخر كلامه: فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث ا هـ.
وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على ابن أبي ليلى عن البراء، لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه، ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك، إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله " ما خلا القيام والقعود " وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وكذا القعود والمراد به القعود للتشهد كما تقدم، قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل، وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك، بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم: لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود.
ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد، وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع، فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجيء قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا " ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " زاد في حديث ابن أبي أوفى " اللهم طهرني بالثلج الخ " وزاد في حديث الآخرين " أهل الثناء والمجد الخ " وقد تقدم في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور، ومن ثم اختار النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب، واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال " ربنا لك الحمد " قياما طويلا قريبا مما ركع.
قال النووي: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذكر ا هـ.
وقد أشار الشافعي في الأم إلى عدم البطلان فقال في ترجمة " كيف القيام من الركوع ": ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة، إلى آخر كلامه في ذلك.
فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال، وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها، والله أعلم.
وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله " قريبا من السواء " ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدلة فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان، فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر، وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات.
الحديث:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَبَ هُنَيَّةً قَالَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ
الشرح:
قوله: (كان مالك بن الحويرث) في رواية الكشميهني " قام " والأول يشعر بتكرير ذلك منه وقد تقدم بعض الكلام عليه في " باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم " ويأتي بقية الكلام عليه في " باب المكث بين السجدتين".
قوله: (فأنصت) في رواية الكشميهني بهمزة مقطوعة وآخره مثناة خفيفة.
وللباقين بألف موصولة وآخره موحدة مشددة، وحكى ابن التين أن بعضهم ضبطه بالمثناة المشددة بدل الموحدة، ووجهه بأن أصله انصوت فأبدل من الواو تاء ثم أدغمت إحدى التاءين في الأخرى، وقياس إعلاله إنصات تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، قال: ومعنى إنصات استوت قامته بعد الانحناء كأنه أقبل شبابه، قال الشاعر: وعمرو بن دهمان الهنيدة عاشهـا وتسعين عاما ثم قوم فأنصاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه وعاوده شرخ الشباب الذي فاتا ا هـ.
وعرف بهذا أن من نقل عن ابن التين - وهو السفاقسي - أنه ضبطه بتشديد الموحدة فقد صحف، ومعنى رواية الكشميهني أنصت أي سكت فلم يكبر للهوي في الحال، قال بعضهم: وفيه نظر، والأوجه أن يقال هو كناية عن سكون أعضائه، عبر عن عدم حركتها بالإنصات وذلك دال على الطمأنينة.
وأما الرواية المشهورة بالموحدة المشددة الفعل من الصب كأنه كنى عن رجوع أعضائه عن الانحناء إلى القيام بالانصباب، ووقع عند الإسماعيلي " فانتصب قائما " وهي أوضح من الجميع.
قوله: (هنية) أي قليلا، وقد تقدم ضبطها في " باب ما يقول بعد التكبير".
قوله: (صلاة شيخنا هذا أبي يزيد) هو عمرو بن سلمة الجرمي، واختلف في ضبط كنيته، ووقع هنا للأكثر بالتحتانية والزاي، وعند الحموي وكريمة بالموحدة والراء مصغرا وكذا ضبطه مسلم في الكنى.
وقال عبد الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالزاي لكن مسلم أعلم، والله أعلم.