*3* باب لَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ حذف التشكيل
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا
الشرح:
قوله: (باب لا يفترش ذراعيه في السجود) يجوز في " يفترش " الجزم على النهي والرفع على النفي وهو بمعنى النهي، قال الزين بن المنير: أخذ لفظ الترجمة من حديث أبي حميد، والمعنى من حديث أنس، وأراد بذلك أن الافتراش المذكور في حديث أبي حميد بمعنى الانبساط في حديث أنس ا هـ.
والذي يظهر لي أنه أشار إلى رواية أبي داود، فإنه أخرج الباب عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ " ولا يفترش " بدل ينبسط.
وروى أحمد والترمذي وابن خزيمة من حديث جابر نحوه بلفظ " إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه " الحديث، ولمسلم عن عائشة نحوه.
قوله: (وقال أبو حميد الخ) هو طرف من حديث يأتي مطولا بعد ثلاثة أبواب.
قوله: (ولا قابضهما) أي بأن يضمهما ولا يجافيهما عن جنبيه.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ
الشرح:
قوله: (عن أنس) في رواية أبي داود الطيالسي عند الترمذي وفي رواية معاذ عند الإسماعيلي كلاهما عن شعبة التصريح بسماع قتادة له من أنس.
قوله: (اعتدلوا) أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض.
وقال ابن دقيق العيد: لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر، لأن الاعتدال الحسي المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا، فإنه هناك استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي، قال: وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته، فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة.
انتهى.
والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة.
قوله: (ولا ينبسط) كذا للأكثر بنون ساكنة قبل الموحدة وللحموي " يبتسط " بمثناة بعد موحدة.
وفي رواية ابن عساكر بموحدة ساكنة فقط وعليها اقتصر العمدة، وقوله "انبساط " بالنون في الأولى والثالثة وبالمثناة وهي ظاهرة والثالثة تقديرها ولا يبسط ذراعيه فينبسط انبساط الكلب.
*3* باب مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ نَهَضَ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته) ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث ومطابقته واضحة، وفيه مشروعية جلسة الاستراحة، وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث، وعن أحمد روايتان، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها، ولم يستحبها الأكثر، واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ " فقام ولم يتورك " وأخرجه أبو داود أيضا كذلك قال: فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سنة الصلاة، ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص، وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " فحكايته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر.
ويستدل بحديث أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز، وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله صلى الله عليه وسلم "لا تبادروني بالقيام والقعود، فإني قد بدنت " فدل على أنه كان يفعلها لهذا السبب، فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك، وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغني فيها بالتكبير المشروع للقيام، فإنها من جملة النهوض إلى القيام، ومن حديث المعنى إن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع، فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز رفع ركبتيه، وإنما يتم ذلك بأن يجلس ثم ينهض قائما، نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية، ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي، بل أخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عنه بإثباتها، وسيأتي ذلك عند الكلام على حديثه بعد بابين إن شاء الله تعالى.
وأما قول بعضهم: لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته، فيقوى أنه فعلها للحاجة ففيه نظر، فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف، وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم.
*3* باب كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة) أي أي ركعة كانت.
وفي رواية المستملي والكشميهني من الركعتين أي الأولى والثالثة.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَالَ أَيُّوبُ فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ وَكَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ قَالَ مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَالَ أَيُّوبُ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ
الشرح:
قوله: (عن السجدة) في رواية المذكورين " في السجدة " وفي بعض نسخ أبي ذر " من السجدة " وهي رواية الإسماعيلي، وقد تقدم الكلام على حديث مالك بن الحويرث، والغرض منه هنا ذكر الاعتماد على الأرض عند القيام من السجود أو الجلوس، والإشارة إلى رد ما روي بخلاف ذلك، فعند سعيد بن منصور بإسناد ضعيف عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه، وعن ابن مسعود مثله بإسناد صحيح، وعن إبراهيم أنه كره أن يعتمد على يديه إذا نهض.
فإن قيل ترجم على كيفية الاعتماد، والذي في الحديث إثبات الاعتماد فقط، أجاب الكرماني بأن بيان الكيفية مستفاد من قوله جلس واعتمد على الأرض ثم قام، فكأنه أراد بالكيفية أن يقوم معتمدا عن جلوس لا عن سجود.
وقال ابن رشيد: أفاد في الترجمة التي قبل هذه إثبات الجلوس في الأولى والثالثة، وفي هذه أن ذلك الجلوس جلوس اعتماد على الأرض بتمكن، بدليل الإتيان بحرف " ثم " الدال على المهلة وأنه ليس جلوس استيفاز، فأفاد في الأولى مشروعية الحكم وفي الثانية صفته ا هـ ملخصا.
وفيه شيء إذ لو كان ذلك المراد لقال كيف يجلس مثلا.
وقيل يستفاد من الاعتماد أنه يكون باليد لأنه افتعال من العماد والمراد به الاتكاء وهو باليد، وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما.
*3* باب يُكَبِّرُ وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ حذف التشكيل
وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ
الشرح:
قوله: (باب يكبر وهو ينهض من السجدتين) ذهب أكثر العلماء إلى أن المصلي يشرع في التكبير أو غيره عند ابتداء الخفض أو الرفع، إلا أنه اختلف عن مالك في القيام إلى الثالثة من التشهد الأول، فروي في الموطأ عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أنهم كانوا يكبرون في حال قيامهم، وروى ابن وهب عنه أن التكبير بعد الاستواء أولى، وفي المدونة: لا يكبر حتى يستوي قائما.
ووجهه بعض أتباعه بأن تكبير الافتتاح يقع بعد القيام فينبغي أن يكون هذا نظيره من حيث أن الصلاة فرضت أولا ركعتين ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه.
وكان ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذ لتكمل المناسبة، ولا قائل منهم به.
قوله: (وكان ابن الزبير) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (صلى لنا أبو سعيد) أي الخدري بالمدينة، وبين الإسماعيلي في روايته من طريق يونس بن محمد عن فليح سبب ذلك ولفظه " اشتكى أبو هريرة - أو غاب - فصلى أبو سعيد، فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع " الحديث، وزاد في آخره أيضا " فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فقام عند المنبر فقال: إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أم لم تختلف، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي " والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والإسرار به، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرونه كما تقدم في " باب إتمام التكبير في الركوع " وكان أبو هريرة يصلي بالناس في إمارة مروان على المدينة.
وأما مقصود الباب فالمشهور عن أبي هريرة أنه كان يكبر حين يقوم ولا يؤخره حتى يستوي قائما كما تقدم عن الموطأ، وأما ما تقدم في " باب ما يقول الإمام ومن خلفه " من حديثه بلفظ " وإذا قام من السجدتين قال الله أكبر " فيحمل على أن المعنى إذا شرع في القيام، قال الزين بن المنير: أجرى البخاري الترجمة وأثر ابن الزبير مجرى التبيين لحديثي الباب، لأنهما ليسا صريحين في أن ابتداء التكبير يكون مع أول النهوض.
وقال ابن رشيد: في هذه الترجمة إشكال، لأنه ترجم فيما مضى " باب التكبير إذا قام من السجود " وأورد فيه حديث ابن عباس وأبي هريرة وفيهما التنصيص على أنه يكبر في حالة النهوض، وهو الذي اقتضته هذه الترجمة، فكان ظاهرها التكرار ويحمل قوله " من السجدتين " على أنه أراد من الركعتين، لأن الركعة تسمى سجدة مجازا، ثم استبعده، ثم رجح أن المراد بهذه الترجمة بيان محل التكبير حين ينهض من السجدة الثانية بأنه إذا قعد على الوتر يكون تكبيره في الرفع إلى القعود ولا يؤخره إلى ما بعد القعود، ويتوجه ذلك بأن الترجمتين اللتين قبله فيهما بيان الجلوس، ثم بيان الاعتماد، فبين في هذه الثالثة محل التكبير ا هـ ملخصا.
ويحتمل أن يكون مراده بقوله " من السجدتين " ما هو أعم من ذلك فيشمل ما قيل أولا وثانيا، ويؤيد ذلك اشتمال حديثي الباب على ذلك، ففي حديث أبي سعيد " حين رفع رأسه من السجود وحين قام من الركعتين " وفي حديث عمران بن حصين " وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر " وأما أثر ابن الزبير فيمكن شموله الأمرين لأن النهضة تحتملهما، لكن استعمالها في القيام أكثر، وهذا يرجح الحمل الأول الذي استبعده ابن رشيد، ولا بعد فيه فقد تقدم أن خلاف مالك إنما هو في النهوض من الركعتين بعد التشهد الأول.
الحديث:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلَاةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
الكلام على حديث عمران بن حصين قد تقدم في " باب إتمام التكبير في الركوع".