ولا راحة له فيما تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد، وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلم كان خفيا من الوجع، وكان من عادته أن يجهر بالتكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك.
ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل لا يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم في مرسل عطاء وغيره، بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة.
نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله: وصلى الناس وراءه قياما " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا، فصلوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا " وهذه الزيادة تقوى ما قال ابن حبان أن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة.
هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم.
وقد تقدم الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في " باب حد المريض أن يشهد الجماعة"
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا
الشرح:
قوله: (في بيته) أي في المشربة التي في حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر، وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر، لكنه لم ينقل أنه استخلف، ومن ثم قال عياض: أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد، وهذا الذي قاله محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون استخلف وإن لم ينقل، ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين ومذهب عياض خلافه، لكن له أن يقول محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد وهنا كان معه بعض أصحابه.
قوله: (وهو شاك) بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية وهي المرض، وكان سبب ذلك ما في حديث أنس المذكور بعده أن سقط عن فرس.
قوله: (فصلى جالسًا) قال عياض: يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام.
قال: وليس كذلك، وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت كما في رواية بشير بن المفضل عن حميد عن أنس الإسماعيلي، وكذا لأبي داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر كما قدمناه.
وأما قوله في رواية الزهري عن أنس بن مالك " جحش شقه الأيمن " وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس " جحش ساقه " أو " كتفه " كما تقدم في " باب الصلاة على السطوح " فلا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الأمرين، وقد تقدم تفسير الجحش بأن الخدش والخدش قشر الجلد، ووقع عند المصنف في " باب يهوي بالتكبير " من رواية سفيان عن الزهري عن أنس قال سفيان: حفظت من الزهري شقه الأيمن، فلما خرجنا قال ابن جريج: ساقه الأيمن.
قلت: ورواية ابن جريج أخرجها عبد الرزاق عنه، وليست مصحفة كم زعم بعضهم لموافقة رواية حميد المذكورة لها، وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن الخدش لم يستوعبه.
وحاصل ما في القصة أن عائشة أبهمت الشكوى، وبين جابر وأنس السبب وهو السقوط عن الفرس، وعين جابر العلة في الصلاة قاعدا وهي انفكاك القدم، وأفاد ابن حبان أن هذا القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة.
قوله: (وصلى وراءه قوم قياما) ولمسلم من رواية عبدة عن هشام " فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه " الحديث، وقد سمى منهم في الأحاديث أنس كما في الحديث الذي بعده عند الإسماعيلي، وجابر كما تقدم، وأبو بكر كما في حديث جابر، وعمر كما في رواية الحسن مرسلا عند عبد الرزاق.
قوله: (فأشار إليهم) كذا للأكثر هنا من الإشارة، وكذا لجميعهم في الطب من رواية يحيى القطان عن هشام، ووقع هنا للحموي " فأشار عليهم " من المشورة، والأول أصح فقد رواه أبوب عن هشام بلفظ " فأومأ إليهم " ورواه عبد الرزاق عن معمر عن هشام بلفظ " فأخلف بيده يومئ بها إليهم " وفي مرسل الحسن " ولم يبلغ بها الغاية".
قوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قال البيضاوي وغيره: الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل الإمام إماما ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال.
وقال النووي وغيره: متابعة الإمام واجبه في الأفعال الظاهرة، وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر وقد خرجت بدليل آخر، وكأنه يعني قصة معاذ الآتية.
ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها لأنه يقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله لا في جميع أحواله كما لو كان محدثا أو حامل نجاسة فإن الصلاة خلفه تصح لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء، ثم مع وجوب المتابعة ليس بشيء منها شرطا في صحة القدوة إلا تكبيرة الإحرام، واختلف في الائتمام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، وخالف الحنفية فقالوا: تكفي المقارنة، قالوا لأن معنى الائتمام الامتثال ومن فعل مثل فعل إمامه عد ممتثلا، وسيأتي بعد باب الدليل على تحريم التقدم على الإمام في الأركان.
قوله: (فإذا ركع فاركعوا) قال ابن المنير: مقتضاه أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام إما بعد تمام انحنائه وإما أن يسبقه الإمام بأوله فيشرع فيه بعد أن يشرع، قال: وحديث أنس أتم من حديث عائشة لأنه زاد فيه المتابعة في القول أيضا.
قلت: قد وقعت الزيادة المذكورة وهي قوله: " وإذا قال سمع الله لمن حمده " في حديث عائشة أيضا، ووقع في رواية الليث عن الزهري عن أنس زيادة أخرى في الأقوال وهي قوله في أوله " فإذا كبر فكبروا " وسيأتي في " باب إيجاب التكبير " وكذا فيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة، وزاد في رواية عبدة عن هشام في الطب " وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا " وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات، وكذا وردت زيادة ذلك في حديث أنس الذي في الباب، وقد وافق عائشة وأنسا وجابرا على رواية هذا الحديث دون القصة التي في أوله أبو هريرة، وله طرق عنه عند مسلم منها ما اتفق عليه الشيخان من رواية همام عنه كما سيأتي في " باب إقامة الصف " وفيه جميع ما ذكر في حديث عائشة وحديث أنس بالزيادة، وزاد أيضا بعد قوله ليؤتم به: " لا فلا تختلفوا عليه " ولم يذكرها المصنف في رواية أبي الزناد عن الأعرج عنه من طريق شعيب عن أبي الزناد في " باب إيجاب التكبير " لكن ذكرها السراج والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في المستخرج عنه من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو عوانة من رواية بشر بن شعيب عن أبيه شيخ أبي اليمان ومسلم من رواية مغيرة بن عبد الرحمن والإسماعيلي من رواية مالك وورقاء كلهم عن أبي الزناد شيخ شعيب.
وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع يعم جميع المأمومين ولا يكفي في تحصيل الائتمام اتباع بعض دون بعض، ولمسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عنه " لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا " الحديث، زاد أبو داود من رواية مصعب بن محمد عن أبي صالح " ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد " وهي زيادة حسنة تنفي احتمال إرادة المقارنة من قوله إذا كبر فكبروا.
(فائدة) : جزم ابن بطال ومن تبعه حتى ابن دقيق العيد أن الفاء في قوله: " فكبروا " للتعقيب، قالوا ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام، لكن تعقب بأن الفاء التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط، فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء، وقد قال قوم إن الجزاء يكون مع الشرط، فعلى هذا لا تنفي المقارنة، لكن رواية أبي داود هذه صريحة في انتقاء التقدم والمقارنة والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَوْلُهُ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (فقولوا ربنا ولك الحمد) كذا لجميع الرواة في حديث عائشة بإثبات الواو، وكذا لهم في حديث أبي هريرة وأنس إلا في رواية الليث عن الزهري في " باب إيجاب التكبير " فللكشميهني بحذف الواو ورجح إثبات الواو بأن فيها معنى زائدا لكونها عاطفة على محذوف تقديره ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد فيشتمل على الدعاء والثناء معا، ورجح قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتكون عاطفة على كلام غير تام، والأول أوجه كما قال ابن دقيق العيد.
وقال النووي: ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها، والوجهان جائزان بغير ترجيح، وسيأتي في أبواب صفة الصلاة الكلام على زيادة " اللهم " قبلها، ونقل عياض عن القاضي عبد الوهاب أنه استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله " سمع الله لمن حمده " وأن المأموم يقتصر على قوله " ربنا ولك الحمد " وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله، نعم مقتضاه أن المأموم يقول " ربنا لك الحمد " عقب قول الإمام " سمع الله لمن حمده " فأما منع الإمام من قول ربنا ولك الحمد فليس بشيء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما كما سيأتي في " باب ما يقول عند رفع رأسه من الركوع " ويأتي باقي الكلام عليه هناك.
قوله: (عن أنس) في رواية شعيب عن الزهري " أخبرني أنس".
قوله: (فصلى صلاة من الصلوات) في رواية سفيان عن الزهري " فحضرت الصلاة " وكذا في رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي، قال القرطبي: اللام للعهد ظاهرا، والمراد الفرض، لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة.
وحكى عياض عن ابن القاسم أنها كانت نفلا، وتعقب بأن في رواية جابر عند ابن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض كما سيأتي، لكن لم أقف على تعيينها، إلا أن في حديث أنس " فصلى بنا يومئذ " فكأنها نهارية، الظهر أو العصر.
قوله: (فصلينا وراءه قعودا) ظاهره يخالف حديث عائشة، والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارا، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم الجلوس، وقد تقدم في " باب الصلاة في السطوح " من رواية حميد عن أنس بلفظ " فصلى بهم جالسا وهم قيام، فلما سلم قال: إنما جعل الإمام " وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر فيه قوله لهم " اجلسوا"، والجمع بينهما أنهم ابتدؤوا الصلاة قياما فأومأ إليهم بأن يقعدوا فقعدوا، فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين، وجمعتهما عائشة، وكذا جمعهما جابر عند مسلم، وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس وهذا الذي حكته عائشة.
وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام.
وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة وفيه بعد، لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول " إنما جعل الإمام ليؤتم به الخ " لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودا لكونه قاعدا.
(فائدة) : وقع في رواية جابر عند أبي داود أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما، لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس، والثانية كانت فريضة وابتدؤوا قياما فأشار إليهم بالجلوس.
وفي رواية بشر عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي نحوه.
قوله: (وإذا صلى جالسا) استدل به على صحة إمامة الجالس كما تقدم.
وادعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدي به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين، لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، قال: فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر " إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا " وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد، وبأن سياق طرق الحديث تأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله وإذا سجد فاسجدوا، فلما عدل على ذلك إلى قوله " وإذا صلى جالسا " كان كقوله وإذا صلى قائما، فالمراد بذلك جميع الصلاة.
ويؤيد ذلك قول أنس " فصلينا وراءه قعودا".
قوله: (أجمعون) كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو، إلا أن الرواة اختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة كما سيأتي في " باب إقامة الصف " فقال بعضهم " أجمعين " بالياء والأول تأكيد لضمير الفاعل في قوله " صلوا"، وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه، والثاني نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال: أعنيكم أجمعين.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسي لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة.
وفيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك، بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة.