*3* باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ حذف التشكيل
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ
الشرح:
قوله: (باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف) المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله".
قوله: (وقال النعمان بن بشير) هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال " النعمان بن بشير يقول: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم.
قال: فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه " واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ
الشرح:
قوله: (عن أنس) رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في آخره وهي قوله " وكان أحدنا الخ " وصرح بأنها من قول أنس.
وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ " قال أنس: فلقد رأيت أحدنا الخ " وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته " ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس".
*3* باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الْإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته) تقدم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ " خلفه " وقال هناك " لم تفسد صلاتهما " بدل قوله " تمت صلاته " وأخرج هناك حديث ابن عباس هذا لكن من وجه آخر، ولم ينبه أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة، بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب.
والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين، فقوله " لم تفسد صلاتهما " أي بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا، وقوله "تمت صلاته " أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولا مع كونه في غير موقفه، ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم.
ويحتمل أن يكون الضمير للإمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف، ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة، فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة والله أعلم.
وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم رتبة فلكل منها قرب من وجه.
قلت: لكن إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمار بين يديه.
*3* باب الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب المرأة وحدها تكون صفا) أي في حكم الصف، وبهذا يندفع اعتراض الإسماعيلي حيث قال: الشخص الواحد لا يسمى صفا، وأقل ما يقوم الصف باثنين.
ثم إن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه ابن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا " والمرأة وحدها صف".
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا
الشرح:
قوله: (حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي، وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو ابن عيينة.
قوله: (عن إسحاق عن أنس) في رواية الحميدي عند أبي نعيم وعلي بن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان " حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك".
قوله: (صليت أنا ويتيم) كذا للجميع، وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن ابن عيينة.
ووقع عند ابن فتحون فيما رواه عن ابن السكن بسنده في الخبر المذكور " صليت أنا وسليم " بسين مهملة ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ " يتيم " ومشى على ذلك ابن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب: سليم غير منسوب وساق هذا الحديث.
ثم إن هذا طرف من حديث اختصره سفيان وطوله مالك كما تقدم في " باب الصلاة على الحصير " واستدل بقوله " فصففت أنا واليتيم وراءه " على أن السنة في موقف الاثنين أن يصفا خلف الإمام، خلافا لمن قال من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره، وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود الذي أخرجه أبو داود وغيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينه والأسود عن شماله، وأجاب عنه ابن سيربن بأن ذلك كان لضيق المكان، رواه الطحاوي.
قوله: (وأمي أم سليم خلفنا) فيه أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم: دليله قول ابن مسعود " أخروهن من حيث أخرهن الله " والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، وحكاية هذا تغني عن تكـلف جوابه، والله المستعان.
فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك؟ وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه.
وقال ابن رشيد: الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه " لا صلاة لمنفرد خلف الصف " يعني أنه مختص بالرجال، والحديث المذكور أخرجه ابن حبان من حديث علي بن شيبان، وفي صحته نظر كما سنذكره في " باب إذا ركع دون الصف " واستدل به ابن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد، قال: لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى، لكن لمخالفه أن يقول: إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال، بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا.
وباقي مباحثه تقدمت في " باب الصلاة على الحصير".
*3* باب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب ميمنة المسجد والإمام) أورد فيه حديث ابن عباس مختصرا، وهو موافق للترجمة: أما للإمام فبالمطابقة، وأما للمسجد فباللزوم.
وقد تعقب من وجه آخر، وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا، أما إذا كثروا فلا دليل فيه على فضيلة ميمنة المسجد.
وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال " كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه"، ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعا " أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف".
وأما ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر قال " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة المسجد تعطلت، فقال: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر " ففي إسناده مقال.
وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي أَوْ بِعَضُدِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي
الشرح:
قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي، وعاصم هو ابن سليمان.
قوله: (وقال بيده) أي تناول، ويدل عليه رواية الإسماعيلي " فأخذ بيدي".
قوله: (من ورائي) في رواية الكشميهني " من ورائه " وهو أوجه.