*3* باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين) أي بعد التشهد، فيخرج ما إذا تركه ونهض قائما من السجود لعموم قوله في الرواية التي قبله " ولا حين يرفع رأس من السجود"، ويحتمل حمل النفي هناك على حالة رفع الرأس من السجود لا على ما بعد ذلك حين يستوي قائما.
وأبعد من استدل بقول سالم في روايته " ولا يفعل ذلك في السجود " على موافقة رواية نافع في حديث هذا الباب حيث قال " وإذا قام من الركعتين " لأنه لا يلزم من كونه لم ينفه أنه أثبته بل هو ساكت عنه.
وأبعد أيضا من استدل برواية سالم على ضعف رواية نافع، والحق أنه ليس بين روايتي نافع وسالم تعارض، بل في رواية نافع زيادة لم ينفها سالم، وستأتي الإشارة إلى أن سالما أثبتها من وجه آخر.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا
الشرح:
قوله: (حدثنا عياش) هو بالمثناة التحتانية وبالمعجمة وهو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص.
قوله: (ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية أبي ذر " إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم " قال أبو داود: رواه الثقفي يعني عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني عن نافع موقوفا، وحكي الدار قطني في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال: الأشبه بالصواب قول عبد الأعلى.
وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه، قال الإسماعيلي: وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله فرووه موقوفا عن ابن عمر.
قلت: وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال، لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أخرجهما البخاري في " جزء رفع اليدين " وفيه الزيادة، وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر، وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه " وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث علي بن أبي طالب أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان.
وقال البخاري في الجزء المذكور: ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح، لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم.
وقال ابن بطال: هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع.
وقال الخطابي: لم يقل به الشافعي، وهو لازم على أصله في قبول الزيادة.
وقال ابن خزيمة: هو سنة، وإن لم يذكره الشافعي فالإسناد صحيح، وقد قال: قولوا بالسنة ودعوا قولي.
وقال ابن دقيق العيد: قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من اقتصر عليه عند الافتتاح، والحجة في الموضعين واحدة، وأول راض سيرة من يسيرها.
قال: والصواب إثباته، وأما كونه مذهبا للشافعي لكونه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي ففيه نظر.
انتهى.
ووجه النظر أن محل العمل بهذه الوصية ما إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي، أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده أو تأوله بوجه من الوجوه فلا، والأمر هنا محتمل.
واستنبط البيهقي من كلام الشافعي أنه يقول به لقوله في حديث أبي حميد المشتمل على هذه السنة وغيرها: وبهذا نقول.
وأطلق النووي في الروضة أن الشافعي نص عليه، لكن الذي رأيت في الأم خلاف ذلك فقال في " باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة " بعد أن أورد حديث ابن عمر من طريق سالم وتكلم عليه: ولا نأمره أن يرفع يديه في شيء من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاثة.
وأما ما وقع في أواخر البويطي: يرفع يديه في كل خفض ورفع، فيحمل الخفض على الركوع والرفع على الاعتدال، وإلا فحمله على ظاهره يقتضي استحبابه في السجود أيضا وهو خلاف ما عليه الجمهور، وقد نفاه ابن عمر.
وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواطن الثلاثة، وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء كما أخرجه عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية، وقد قال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو علي الطبري والبيهقي والبغوي وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وهو شاذ.
وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه " وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا، ولم ينفرد به سعيد فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة لا يخلو شيء منها عن مقال، وقد روى البخاري في " جزء رفع اليدين " في حديث على المرفوع " ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد " وأشار إلى تضعيف ما ورد في ذلك.
(تنبيه) : روى الطحاوي حديث الباب في مشكله من طريق نصر بن علي عن عبد الأعلى بلفظ " كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " وهذه رواية شاذة، فقد رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن علي المذكور بلفظ عياش شيخ البخاري، وكذا رواه هو وأبو نعيم من طريق أخرى عن عبد الأعلى كذلك.
قوله: (رواه حماد بن سلمة عن أيوب الخ) وصله البخاري في الجزء المذكور عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعا ولفظه " كان إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع".
قوله: (ورواه ابن طهمان) يعني إبراهيم عن أيوب وموسى بن عقبة، وهذا وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين عن إبراهيم بن طهمان بهذا السند موقوفا نحو حديث حماد وقال في آخره " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك".
واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في حديث حماد ولا ابن طهمان الرفع من الركعتين المعقود لأجله الباب، قال: فلعل المحدث عنه دخل له باب في باب، يعني أن هذا التعليق يليق بحديث سالم الذي في الباب الماضي.
وأجيب بأن البخاري قصد الرد على من جزم بأن رواية نافع لأصل الحديث موقوفة وأنه خالف في ذلك سالما كما نقله ابن عبد البر وغيره، وقد تبين بهذا التعليق أنه اختلف على نافع في وقفه ورفعه لا خصوص هذه الزيادة، والذي يظهر أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعا كان يرويه موقوفا ثم يعقبه بالرفع، فكأنه كان أحيانا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه، والله أعلم.
*3* باب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة) أي في حال القيام.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي
الشرح:
قوله: (كان الناس يؤمرون) هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.
قوله: (على ذراعه) أبهم موضعه من الذراع، وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي " ثم وضع يده اليمنى على ظهره كفه اليسرى والرسغ والساعد " وصححه ابن خزيمة وغيره، وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة، والرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة هو المفصل بين الساعد والكف، وسيأتي أثر على نحوه في أواخر الصلاة، ولم يذكر أيضا محلهما من الجسد.
وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، والبزار عند صدره، وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه.
وهلب بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة، وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف.
واعترض الداني في أطراف الموطأ فقال: هذا معلول، لأنه ظن من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه الخ لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم.
وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن شيء يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور، فروى عن ابن مسعود قال " رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى " إسناده حسن، قيل: لو كان مرفوعا ما احتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلمه الخ، والجواب أنه أراد الانتقال إلى التصريح، فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال: له حكم الرفع، قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع.
ومن اللطائف قول بعضهم: القلب موضع النية، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره.
وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة.
ومنهم من كره الإمساك.
ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة.
قوله: (قال أبو حازم) يعني راويه بالسند المذكور إليه (لا أعلمه) أي سهل بن سعد (إلا ينمي) أوله وسكون النون وكسر الميم، قال أهل اللغة: نميت الحديث إلى غيري رفعته وأسندته وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف الإسماعيلي والدار قطني، وزاد ابن وهب: ثلاثتهم عن مالك بلفظ " يرفع ذلك"، ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيده".
قوله: (وقال إسماعيل ينمي ذلك ولم يقل ينمي) الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي كرواية القعنبي، فعلى الأول الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلا لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل.
وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي في الجمع.
وقرأت بخط مغلطاي هو إسماعيل بن إسحاق القاضي، وكأنه رأى الحديث عند الجوزقي والبيهقي وغيرهما من روايته عن القعنبي فظن أنه المراد، وليس كذلك لأن رواية إسماعيل بن إسحاق موافقة لرواية البخاري، ولم يذكر أحد أن البخاري روى عنه وهو أصغر سنا من البخاري وأحدث سماعا، وقد شاركه في كثير من مشايخه البصريين القدماء: ووافق إسماعيل بن أبي أويس على هذه الرواية عن مالك ابن سويد بن سعيد فيما أخرجه الدار قطني في الغرائب.
(تنبيه) حكى في المطالع أن رواية القعنبي بضم أوله من أنمى، قال: وهو غلط؛ وتعقب بأن الزجاج ذكر في " كتاب فعلت وأفعلت ": نميت الحديث وأنميته، وكذا حكاه ابن دريد وغيره.
ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوله من الثلاثي، فلعل الضم رواية القعنبي في الموطأ، والله أعلم.