foughala
 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 829894
ادارة المنتدي  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 103798


foughala
 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 829894
ادارة المنتدي  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 103798


foughala
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
foughala

اهلا بكم في منتدى الجزائريين ونحن نرحب بسكان الصحراء
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
الى كل من يريد ان يترك بصمة في هذا المنتدى ان يشاركنا في اثرائه بمختلف المواضيع وله منا جزيل الشكر والعرفان هيئة المنتدى                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

مرحبا بكم في احلى منتدى نتمنى ان تجدوا ماتريدونه                      مدير المنتدى

اعلان : لكل الاعضاء  لقد تم صنع شعار لمنتدانا يجب استعماله في كل المواضيع  ارجوا التقيد بالقانون https://foughala-star.7olm.org/montada-f37/topic-t1867.htm#2710

 

  فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Empty
مُساهمةموضوع: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12    فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Icon_minitimeالخميس ديسمبر 16, 2010 12:07 pm

*3* باب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

‏(‏أبواب الوتر‏)‏ كذا عند المستملي، وعن الباقين ‏"‏ باب ما جاء في الوتر ‏"‏ وسقطت البسملة عند ابن شبويه والأصيلي وكريمة‏.‏

والوتر بالكسر الفرد، وبالفتح الثأر، وفي لغة مترادفان‏.‏

ولم يتعرض البخاري لحكمه لكن إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضي أنه غير ملحق بها عنده، ولولا أنه أورد الحديث الذي فيه إيقاعه على الدابة إلا المكتوبة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه‏.‏

أورد البخاري فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة‏:‏ حديث ابن عمر من وجهين، وحديث ابن عباس، وحديث عائشة‏.‏

فأما حديث ابن عمر فأخرجه من الموطأ ولم يختلف على مالك في إسناده إلا أن في رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعا وعبد الله بن دينار أخبراه كذا في الموطآت للدار قطني، وأورده الباقون بالعنعنة‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن التين‏:‏ اختلف في الوتر في سبعة أشياء‏:‏ في وجوبه، وعدده، واشتراط النية فيه، واختصاص بقراءة، واشتراط شفع قبله، وفي آخر وقته، وصلاته في السفر على الدابة‏.‏

قلت‏:‏ وفي قضائه، والقنوت فيه، وفي محل القنوت منه، وفيما يقال فيه، وفي فصله ووصله، وهل تسن ركعتان بعده، وفي صلاته من قعود‏.‏

لكن هذا الأخير ينبني على كونه مندوبا أو لا‏.‏

وقد اختلفوا في أول وقته أيضا، وفي كونه أفضل صلاة التطوع، أو الرواتب أفضل منه، أو خصوص ركعتي الفجر‏.‏

وقد ترجم البخاري لبعض ما ذكرناه، ويأتي الكلام على ما لم يترجم له أثناء الكلام على أحاديث الباب وما بعدها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه، ووقع في المعجم الصغير للطبراني أن السائل هو ابن عمر، لكن يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن ابن عمر ‏"‏ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل ‏"‏ فذكر الحديث، وفيه ‏"‏ ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه ‏"‏ قال ‏"‏ فما أدري أهو ذلك الرجل أو غيره ‏"‏ وعند النسائي من هذا الوجه أن السائل المذكور من أهل البادية، وعند محمد بن نصر في ‏"‏ كتاب أحكام الوتر ‏"‏ وهو كتاب نفيس في مجلدة من رواية عطية عن ابن عمر أن أعرابيا سأل، فيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل، وقد سبق في ‏"‏ باب الحلق في المسجد ‏"‏ أن السؤال المذكور وقع في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صلاة الليل‏)‏ في رواية أيوب عن نافع ‏"‏ في باب الحلق في المسجد ‏"‏‏:‏ ‏"‏ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال‏:‏ كيف صلاة الليل ‏"‏ ونحوه في رواية سالم عن أبيه في أبواب التطوع، وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل‏.‏

وفي رواية محمد بن نصر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل ‏"‏ وأما قول ابن بزيزة جوابه بقوله مثنى يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية ففيه نظر، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث، واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وهو عن الحنفية وإسحاق، وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح، وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع، وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال، وبأنه قد تبين عن رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، ففي السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق على الأزدي عن ابن عمر مرفوعا ‏"‏ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ‏"‏ وقد تعقب هذا الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله ‏"‏ والنهار ‏"‏ بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ عن علي الأزدي حتى أقبل منه‏؟‏ وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن، ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه ابن عمر، يعني مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته، لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال ‏"‏ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ‏"‏ موقوف أخرجه ابن عبد البر من طريقه، فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا، وقد روى ابن أبي شيبة عن وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله ابن معين صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثنى مثنى‏)‏ أي اثنين اثنين، وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب الكشاف‏.‏

وقال آخرون‏:‏ للعدل والوصف، وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد، وقد فسره ابن عمر راوي الحديث فعند مسلم عن طريق عقبة بن حريث قال قلت لابن عمر‏:‏ ما معني مثنى مثنى‏؟‏ قال‏:‏ تسلم من كل ركعتين‏.‏

وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به، وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى، واستدل بهذا على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر، وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه، ولم يتعين أيضا كونه لذلك، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلى من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض من أمر مهم، ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط لم يواظب عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى اختصاصه به فعليه البيان، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الفصل كما صح عنه الوصل، فعند أبي داود ومحمد بن نصر من طريقي الأوزاعي وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ‏"‏ وإسنادهما على شرط الشيخين، واستدل به أيضا على عدم النقصان عن ركعتين في النافلة ما عدا الوتر، قال ابن دقيق العيد‏:‏ والاستدلال به أقوى من الاستدلال بامتناع قصر الصبح في السفر إلى ركعة، يشير بذلك إلى الطحاوي فإنه استدل على منع التنفل بركعة بذلك، واستدل بعض الشافعية للجواز بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الصلاة خير موضوع، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل ‏"‏ صححه ابن حبان‏.‏

وقد اختلف السلف في الفصل والوصل في صلاة الليل أيهما أفضل‏.‏

وقال الأثرم عن أحمد‏:‏ الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى، فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس‏.‏

وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال‏:‏ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل، إلا أنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا، وقد تضمن كلامه الرد على الداودي الشارح ومن تبعه في دعواهم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين ركعتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا خشي أحدكم الصبح‏)‏ استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر، وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو عوانة وغيره من طريق سليمان بن موسى عن نافع أنه حدثه أن ابن عمر كان يقول ‏"‏ من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ‏"‏ وفي صحيح ابن خزيمة من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له ‏"‏ وهذا محمول على التعمد أو على أنه لا يقع أداء، لما رواه من حديث أبي سعيد أيضا مرفوعا ‏"‏ من نسى الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره ‏"‏ وقيل معنى قوله ‏"‏ إذا خشي أحدكم الصبح - أي وهو في شفع - فلينصرف على وتر ‏"‏ وهذا ينبني على أن الوتر لا يفتقر إلى نية‏.‏

وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح، وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد، وإنما قاله الشافعي في القديم‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح، واختلف السلف في مشروعية قضائه فنفاه الأكثر، وفي مسلم وغيره عن عائشة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ‏"‏ وقال محمد بن نصر‏:‏ لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب‏.‏

وعن عطاء والأوزاعي‏:‏ يقضي ولو طلعت الشمس، وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم، وعن سعيد بن جبير‏:‏ يقضي من القابلة، وعن الشافعية‏:‏ يقضي مطلقا، ويستدل لهم بحديث أبي سعيد المتقدم والله أعلم‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من النهار شرعا، وقد روى ابن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن حد النهار فقال‏:‏ من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق‏.‏

وحكى عن الشعبي أنه وقت منفرد لا من الليل ولا من النهار صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى ركعة واحدة‏)‏ في رواية الشافعي وعبد الله بن وهب ومكي بن إبراهيم ثلاثتهم عن مالك ‏"‏ فليصل ركعة ‏"‏ أخرجه الدار قطني في الموطآت هكذا بصيغة الأمر، وسيأتي بصيغة الأمر أيضا من طريق ابن عمر الثانية في هذا الباب، ولمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا نحوه، واستدل بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر، وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين‏:‏ أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس، والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكتفي بوتره الأول وليتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك هل يحتاج إلى وتر آخر أو لا‏؟‏ فأما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس ‏"‏ وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعلوا الأمر في قوله ‏"‏ اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا ‏"‏ مختصا بمن أوتر آخر الليل‏.‏

وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر، وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان جواز التنفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا‏.‏

وأما الثاني فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا وتران في ليلة‏"‏، وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث طلق بن على‏.‏

وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر، وقد تقدم ما فيه‏.‏

وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال‏:‏ إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صلي ما بدا لك ثم أوتر، وإلا فصل وترك على الذي كنت أوترت‏.‏

ومن طريق أخرى عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال‏:‏ أما أنا فأصلي مثنى، فإذا انصرفت ركعت ركعة واحدة‏.‏

فقيل‏:‏ أرأيت أن أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح‏؟‏ قال‏:‏ ليس بذلك بأس‏.‏

واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صل ركعة واحدة ‏"‏ على أن فصل الوتر أفضل من وصله، وتعقب بأنه ليس صريحا في الفصل، فيحتمل أن يريد بقوله ‏"‏ صل ركعة واحدة ‏"‏ أي مضافة إلى ركعتين مما مضى‏.‏

واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز، واختلفوا فيما عداه، قال‏:‏ فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه‏.‏

وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك ابن مالك عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ‏"‏ لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب ‏"‏ وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعا نحوه، وإسناده على شرط الشيخين، وقد صححه ابن حبان والحاكم، ومن طريق مقسم عن ابن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث، وأخرجه النسائي أيضا‏.‏

وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر وقال‏:‏ لا يشبه التطوع الفريضة فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقله‏.‏

وأما قول محمد بن نصر‏:‏ لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة، نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث، لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة‏.‏

انتهى‏.‏

فيرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن‏.‏

وروى النسائي من حديث أبي بن كعب نحوه ولفظه ‏"‏ يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا يسلم إلا في آخرهن ‏"‏ وبين في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات، ويجاب عنه باحتمال أنهما لم يثبتا عنده، والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين، وقد فعله السلف أيضا، فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير، ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، ومن طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن، ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله، وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب، وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور‏.‏

وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز الثلاث، ولكن النزاع في تعين ذلك فإن الأخبار الصحيحة تأباه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توتر له ما قد صلى‏)‏ استدل به على أن الركعة الأخيرة هي الوتر وأن كل ما تقدمها شفع، وادعى بعض الحنفية أن هذا إنما يشرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفي بواحدة لقوله ‏"‏ فإذا خشي الصبح ‏"‏ فيحتاج إلى دليل تعين الثلاث، وسنذكر ما فيه من رواية القاسم الآتية‏.‏


واستدل به على تعين الشفع قبل الوتر وهو عن المالكية بناء على أن قوله ‏"‏ ما قد صلى ‏"‏ أي من النفل‏.‏

وحمله من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض وقالوا‏:‏ إن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعا ‏"‏ الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها، ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها، وسيأتي في المغازي حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر بركعة، وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن ابن عباس استصوبه، وفي كل ذلك رد على ابن التين في قوله‏:‏ إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك، وكأنه أراد فقهاءهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وهو في الموطأ كذلك إلا أنه ليس مقرونا في سياق واحد بل بين المرفوع والموقوف عدة أحاديث، ولهذا فصله البخاري عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته‏)‏ ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى، وفي هذا دفع لقول من قال‏:‏ لا يصح الوتر إلا مفصولا‏.‏

وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال‏:‏ صلى ابن عمر ركعتين ثم قال يا غلام أرحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة‏.‏

وروى الطحاوي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وإسناده قوي‏.‏

ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي التسليمة التي في التشهد ولا يخفى بعد هذا التأويل والله أعلم‏.‏

وأما حديث ابن عباس فقد تقدم في عدة مواضع في العلم والطهارة والمساجد والإمامة وأحلت بشرحه على ما هنا‏.‏

وقد رواه عن ابن عباس جماعة منهم كريب وسعيد بن جبير وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء وطاوس والشعبي وطلحة بن نافع ويحيى بن الجزار وأبو جمرة وغيرهم مطولا ومختصرا، وسأذكر ما في طرقه من الفوائد ناسبا كل رواية إلى مخرجها إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبهِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه بات عند ميمونة‏)‏ زاد شريك بن أبي نمر عن كريب عند مسلم ‏"‏ فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي ‏"‏ زاد أبو عوانة في صحيحه من هذا الوجه ‏"‏ بالليل‏"‏، ولمسلم من طريق عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏ بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زاد النسائي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب ‏"‏ في إبل أعطاه إياها من الصدقة ‏"‏ ولأبي عوانة من طريق علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه ‏"‏ أن العباس بعثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال‏:‏ فوجدته جالسا في المسجد فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى المغرب قام فركع حتى أذن بصلاة العشاء ‏"‏ ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد العباس ذودا من الإبل، فبعثني إليه بعد العشاء وكان في بيت ميمونة ‏"‏ وهذا يخالف ما قبله، ويجمع بأنه لما لم يكلمه في المسجد أعاده إليه بعد العشاء إلى بيت ميمونة، ولمحمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن الزيادة ‏"‏ فقال لي‏:‏ يا بني بت الليلة عندنا ‏"‏ وفي رواية حبيب المذكورة ‏"‏ فقلت‏:‏ لا أنام حتى أنظر ما يصنع في صلاة الليل ‏"‏ وفي رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن مخرمة ‏"‏ فقلت لميمونة‏:‏ إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظني ‏"‏ وكان عزم في نفسه على السهر ليطلع على الكيفية التي أرادها، ثم خشي أن يغلب النوم فوصى ميمونة أن توقظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في عرض وسادة‏)‏ في رواية محمد بن الوليد المذكورة ‏"‏ وسادة من أدم حشوها ليف ‏"‏ وفي رواية طلحة بن نافع المذكورة ‏"‏ ثم دخل مع امرأته في فراشها ‏"‏ وزاد أنها ‏"‏ كانت ليلتئذ حائضا ‏"‏ وفي رواية شريك بن أبي نمر عن كريب في التفسير ‏"‏ فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله سماعة ‏"‏ وقد سبقت الإشارة إليه في كتاب العلم، وتقدم الكلام على الاضطجاع والعرض ومسح النوم والعشر الآيات في ‏"‏ باب قراءة القرآن بعد الحدث ‏"‏ وكذا على الشن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى انتصف الليل أو قريبا منه‏)‏ جزم شريك بن أبي نمر في روايته المذكورة ‏"‏ بثلث الليل الأخير ‏"‏ ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين‏:‏ ففي الأولى نطر إلى السماء ثم تلا الآيات ثم عاد لمضجعه فنام، وفي الثانية أعاد ذلك ثم توضأ وصلى، وقد بين ذلك محمد بن الوليد في روايته المذكورة‏.‏

وفي رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب في الصحيحين ‏"‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام، ثم قام فأتى القرية ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم ‏"‏ ثم قام قومة أخرى ‏"‏ وعنده من رواية شعبة عن سلمة ‏"‏ فبال ‏"‏ بدل فأتى حاجته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام إلى شن‏)‏ زاد محمد بن الوليد ‏"‏ ثم استفرغ من الشن في إناء ثم توضأ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأحسن الوضوء‏)‏ في رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع جميعا ‏"‏ فأسبغ الوضوء ‏"‏ وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب ‏"‏ فتوضأ وضوءا خفيفا ‏"‏ وقد تقدمت في ‏"‏ باب تخفيف الوضوء ‏"‏ ويجمع بين هاتين الروايتين برواية الثوري فإن لفظه ‏"‏ فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ ‏"‏ ولمسلم من طريق عياض عن مخرمة ‏"‏ فأسبغ الوضوء ولم يمس من الماء إلا قليلا ‏"‏ وزاد فيها ‏"‏ فتسوك ‏"‏ وكذا لشريك عن كريب ‏"‏ فاستن ‏"‏ كما تقدمت الإشارة إليه قبيل كتاب الغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام يصلي‏)‏ في رواية محمد بن الوليد ثم أخذ بردا له حضرميا فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصنعت مثله‏)‏ يقتضي أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر والوضوء والسواك والتوشح، ويحتمل أن يحمل على الأغلب، وزاد سلمة عن كريب في الدعوات في أوله ‏"‏ فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه ‏"‏ وكأنه خشي أن يترك بعض عمله لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقمت إلى جنبه‏)‏ تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة مستوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخذ بأذني‏)‏ زاد محمد بن الوليد في روايته ‏"‏ فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل ‏"‏ وفي رواية الضحاك عن عثمان ‏"‏ فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني ‏"‏ وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمين متمسكا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث قال ‏"‏ فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه ‏"‏ لكن لا يلزم من إدارته على هذه الصفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وإيقاظه لأن حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى ركعتين ثم ركعتين‏)‏ كذا في هذه الرواية، وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين، ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها ‏"‏ يسلم من كل ركعتين ‏"‏ ولمسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس التصريح بالفصل أيضا وأنه استاك بين كل ركعتين إلى غير ذلك‏.‏

ثم إن رواية الباب فيها التصريح بذكر الركعتين ست مرات ثم قال ‏"‏ ثم أوتر‏"‏، ومقتضاه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في الدعوات حيث قال ‏"‏ فتتامت ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة‏"‏‏.‏

وفي رواية عبد ربه بن سعيد الماضية في الإمامة عن كريب فصلى ثلاث عشرة ركعة‏.‏

وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد ‏"‏ وركعتين بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح ‏"‏ وهي موافقة لرواية الباب لأنه قال بعد قوله ‏"‏ ثم أوتر‏:‏ فقام فصلى ركعتين ‏"‏ فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة، وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها، لكن رواية شريك بن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه ‏"‏ فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج ‏"‏ فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف، وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكا فيها، وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ منه، وقد حمل بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء، ولا يخفى بعده ولا سيما في رواية مخرمة في حديث الباب، إلا إن حمل على أنه أخر سنة العشاء حتى استيقظ، لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبا، وقد اختلف على سعيد جبير أيضا‏:‏ ففي التفسير من طريق شعبة عن الحكم عنه ‏"‏ فصلى أربع ركعات ثم نام ثم صلى خمس ركعات ‏"‏ وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربع على أنها سنة العشاء لكونها وقعت قبل النوم، لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس فإن فيه ‏"‏ فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف ‏"‏ فإنه يقتضي أن يكون صلى الأربع في المسجد لا في البيت، ورواية سعيد بن جبير أيضا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم وفيه نظر، وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه ‏"‏ فصلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن‏"‏‏.‏

وقد ظهر لي من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الإشكال ويوضح أن رواية الحكم وقع فيها تقصير، فعند النسائي من طريق يحيى بن عباد بن سعيد بن جبير ‏"‏ فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن‏"‏، فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب، وأما ما وقع في رواية عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عند أبي داود ‏"‏ فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ‏"‏ فهو نظير ما تقدم من الاختلاف في رواية كريب، وأما ما في روايتهما من الفصل والوصل فرواية سعيد صريحة في الوصل، ورواية كريب محتملة فتحمل على رواية سعيد‏.‏

وأما قوله في رواية طلحة بن نافع ‏"‏ يسلم من كل ركعتين ‏"‏ فيحتمل تخصيصه بالثمان فيوافق رواية سعيد، ويؤيده رواية يحيى بن الجزار الآتية، ولم أر في شيء طرق حديث ابن عباس ما يخالف ذلك لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددا، ومن ذكر العدد منهم لم يزد على ثلاث عشرة ولم ينقص عن إحدى عشرة، إلا أن في رواية علي بن عبد الله بن عباس عند مسلم ما يخالفهم فإن فيه ‏"‏ فصلى ركعتين أطال فيهما ثم انصرف فنام حتى نفخ، ففعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات - يعني آخر آل عمران - ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة ‏"‏ انتهى‏.‏

فزاد على الرواة تكرار الوضوء وما معه ونقص عنهم ركعتين أو أربعا ولم يذكر ركعتي الفجر أيضا، وأظن ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت فإن فيه مقالا، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه اختلافا تقدم ذكر بعضه، ويحتمل أن يكون لم يذكر الأربع الأول كما لم يذكر الحكم الثمان كما تقدم، وأما سنة الفجر فقد ثبت ذكرها في طريق أخرى عن علي بن عبد الله عند أبي داود‏.‏

والحاصل أن قصة مبيت ابن عباس يغلب على الظن عدم تعددها، فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها، ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولا سيما إن زاد أو نقص، والمحقق من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة، وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سنة العشاء، ووافق ذلك رواية أبي جمرة عن ابن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ ‏"‏ كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ‏"‏ يعني بالليل، ولم يبين هل سنة الفجر منها أو لا، وبينها يحيى بن الجزار عن ابن عباس عند النسائي بلفظ ‏"‏ كان يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث ويصلي ركعتين قبل صلاة الصبح ‏"‏ ولا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب فيمكن أن يجمل قوله ‏"‏ صلى ركعتين ثم ركعتين ‏"‏ أي قبل أن ينام، ويكون منها سنة العشاء‏.‏

وقوله ‏"‏ثم ركعتين الخ ‏"‏ أي بعد أن قام‏.‏

وسيأتي نحو هذا الجمع في حديث عائشة في أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى، وجمع الكرماني بين ما اختلف من روايات قصة ابن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى ابن عباس به فيه وفصله عما لم يقتد به فيه، وبعضهم ذكر الجميع مجملا والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين‏)‏ تقدمت تسمية المؤذن قريبا، وسيأتي بيان الاختلاف في الاضطجاع هل كان قبل ركعتي الفجر أو بعدها في أوائل أبواب التطوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم خرج‏)‏ أي إلى المسجد ‏(‏فصلى الصبح‏)‏ أي بالجماعة، وزاد سلمة بن كهيل عن كريب هنا كما سيأتي في الدعوات ‏"‏ وكان من دعائه‏:‏ اللهم اجعل في قلبي نورا ‏"‏ الحديث‏.‏

وسيأتي الكلام عليه في أول أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي حديث ابن عباس من الفوائد غير ما تقدم جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة، وهو محمول على التطوع، ويحتمل أن يكون إعطاؤه العباس ليتولى صرفه في مصالح غيره ممن يحل له أخذ ذلك‏.‏

وفيه جواز تقاضي الوعد وإن كان من وعد به مقطوعا بوفائه‏.‏

وفيه الملاطفة بالصغير والقريب والضيف، وحسن المعاشرة للأهل، والرد على من يؤثر دوام الانقباض‏.‏

وفيه مبيت الصغير عند محرمه وإن كان زوجها عندها، وجواز الاضطجاع مع المرأة الحائض، وترك الاحتشام في ذلك بحضرة الصغير وإن كان مميزا بل مراهقا‏.‏

وفيه صحة صلاة الصبي وجواز فتل أذنه لتأنيسه وإيقاظه، وقد قيل إن المتعلم إذ تعوهد بفتل أذنه كان أذكى لفهمه وفيه حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الاقتداء به ومشروعية التنفل بين المغرب والعشاء، وفضل صلاة الليل ولا سيما في النصف الثاني، والبداءة بالسواك واستحبابه عند كل وضوء وعند كل صلاة، وتلاوة آخر آل عمران عند القيام إلى صلاة الليل، واستحباب غسل الوجه واليدين لمن أراد النوم وهو محدث، ولعله المراد بالوضوء للجنب صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيه جواز الاعتراف من الماء القليل لأن الإناء المذكور كان قصعة أو صحفة، واستحباب التقليل من الماء في التطهير مع حصول الإسباغ، وجواز التصغير والذكر بالصفة كما تقدم في باب السمر في العلم حيث قال ‏"‏ نام الغليم‏"‏، وبيان فضل ابن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين وحسن تأتيه في ذلك‏.‏

وفيه اتخاذ مؤذن راتب للمسجد، وإعلام المؤذن الإمام بحضور وقت الصلاة، واستدعاؤه لها، والاستعانة باليد في الصلاة وتكرار ذلك كما سيأتي البحث فيه في أواخر كتاب الصلاة‏.‏

وفيه مشروعية الجماعة في النافلة، والائتمام بمن لم ينو الإمامة، وبيان موقف الإمام والمأموم، وقد تقدم كل ذلك في أبواب الإمامة والله المستعان‏.‏

واستدل به على أن الأحاديث الواردة في كراهية القرآن على غير وضوء ليست على العموم في جميع الأحوال، وأجيب بأن نومه كان لا ينقض وضوءه فلا يتم الاستدلال به إلا أن يثبت أنه قرأ الآيات بين قضاء الحاجة والوضوء والله أعلم‏.‏

انتهى الكلام على حديث ابن عباس‏.‏

وأما طريق ابن عمر الثانية فالقاسم المذكور في إسناده هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وقوله فيه ‏"‏ فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة ‏"‏ فيه دفع لقول من ادعى أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر لأنه علقه بإرادة الانصراف وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك، وقوله فيه ‏"‏ قال القاسم ‏"‏ هو بالإسناد المذكور، كذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه، ووهم من زعم أنه معلق‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ منذ أدركنا ‏"‏ أي بلغنا الحلم أو عقلنا، وقوله ‏"‏يوترون بثلاث وأن كلا لواسع ‏"‏ يقتضي أن القاسم فهم من قوله ‏"‏ فاركع ركعة ‏"‏ أي منفردة منفصلة، ودل ذلك على أنه لا فرق عنده بين الوصل والفصل في الوتر والله أعلم‏.‏

وأما حديث عائشة فقد أعاده المصنف إسنادا ومتنا في كتاب صلاة الليل، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وكأنه أراد بإيراده هنا أن لا معارضة بينه وبين حديث ابن عباس، إذ ظاهر حديث ابن عباس فصل الوتر وهذا محتمل الأمرين، وقد بين القاسم أن كلا من الأمرين واسع فشمل الفصل والوصل والاقتصار على واحدة وأكثر‏.‏

قال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ وأن كلا ‏"‏ أي وأن كل واحدة من الركعة والثلاث والخمس والسبع وغيرها جائز، وأما تعيين الثلاث موصولة ومفصولة فلم يشمله كلامه لأن المخالف من الحنفية يحمل كل ما ورد من الثلاث على الوصل، مع أن كثيرا من الأحاديث ظاهر في الفصل كحديث عائشة ‏"‏ يسلم من كل ركعتين ‏"‏ فإنه يدخل فيه الركعتان اللتان قبل الأخيرة فهو كالنص في موضع النزاع، وحمل الطحاوي هذا ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها، ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهي عن البتيراء مع احتمال أن يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شيء، وهو أعم من أن يكون الوصل أو الفصل، وصرح كثير منهم أن الفصل يقطعهما عن أن يكونا من جملة الوتر، ومن خالفهم يقول إنهما منه بالنية‏.‏

وبالله التوفيق والله أعلم‏
.‏


عدل سابقا من قبل Admin في الخميس ديسمبر 16, 2010 1:53 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12    فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Icon_minitimeالخميس ديسمبر 16, 2010 12:08 pm

*3* باب سَاعَاتِ الْوِتْرِ حذف التشكيل

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ساعات الوتر‏)‏ أي أوقاته‏.‏

ومحصل ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر، لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء، كذا نقله ابن المنذر‏.‏

لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول العشاء، قالوا‏:‏ ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبأن أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول، ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة ‏"‏ وانتهى وتره إلى السحر ‏"‏ لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن علم من نفسه قوة، كما ورد في حديث جابر عند مسلم ولفظه ‏"‏ من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة‏.‏

وذلك أفضل‏.‏

ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة‏)‏ هو طرف من حديث أورده المصنف من طريق أبي عثمان عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ وإن أوتر قبل أن أنام‏"‏، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه بلفظ التعليق، وكذا أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَكَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ قَالَ حَمَّادٌ أَيْ سُرْعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نطيل‏)‏ كذا للأكثر بنون الجمع، وللكشميهني أطيل بالإفراد، وجوز الكرماني في ‏"‏ أطيل ‏"‏ أن يكون بلفظ مجهول الماضي ومعروف المضارع، وفي الأول بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى‏)‏ استدل به على فضل الفصل لكونه أمر بذلك وفعله، وأما الوصل فورد من فعله فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويوتر بركعة‏)‏ لم يعين وقتها، وبينت عائشة أنه فعل ذلك في جميع أجزاء الليل، والسبب في ذلك ما سيذكر في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكأن‏)‏ بتشديد النون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأذنيه‏)‏ أي لقرب صلاته من الأذان، والمراد به هنا الإقامة، فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت، ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما، فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما‏.‏

ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أن أنسا قال لابن عمر‏:‏ إني لست عن هذا أسألك، قال‏:‏ إنك لضخم ألا تدعني أستقرئ لك ‏"‏ الحديث‏.‏

ويستفاد من هذا جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه، ومن قوله ‏"‏ إنك لضخم ‏"‏ أن السمين في الغالب يكون قليل الفهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال حماد‏)‏ أي ابن زيد الراوي، وهو بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسرعة‏)‏ كذا لأبي ذر وأبي الوقت وابن شبويه، ولغيرهم ‏"‏ سرعة ‏"‏ بغير موحدة، وهو تفسير من الراوي لقوله ‏"‏ كان الأذان بأذنيه ‏"‏ وهو موافق لما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو حفص بن غياث، ومسلم هو أبو الضحى لا ابن كيسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل الليل‏)‏ بنصب ‏"‏ كل ‏"‏ على الظرفية‏.‏

وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره، والتقدير أوتر فيه‏.‏

ولمسلم من طريق يحيى بن وثاب عن مسروق ‏"‏ من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر ‏"‏ والمراد بأوله بعد صلاة العشاء كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى السحر‏)‏ زاد أبو داود والترمذي ‏"‏ حين مات ‏"‏ ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال، فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعا، وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرا، وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب أحواله، لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل والله أعلم‏.‏

والسحر قبيل الصبح، وحكى الماوردي أنه السدس الأخير، وقيل أوله الفجر الأول‏.‏

وفي رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس عند ابن خزيمة ‏"‏ فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة ‏"‏ قال ابن خزيمة المراد به الفجر الأول، وروى أحمد من حديث معاذ مرفوعا ‏"‏ زادني ربي صلاة وهي الوتر، وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وكذا في حديث خارجة بن حذافة في السنن، وهو الذي احتج به من قال بوجوب الوتر، وليس صريحا في الوجوب والله أعلم‏.‏

وأما حديث بريدة رفعه ‏"‏ الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا وأعاد ذلك ثلاثا ‏"‏ ففي سنده أبو المنيب وفيه ضعف، وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ ‏"‏ حق ‏"‏ بمعنى واجب في عرف الشارع، وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد‏.‏

*3* باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للوتر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا راقدة معترضة‏)‏ تقدم الكلام عليه في سترة المصلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيقظني فأوترت‏)‏ أي فقمت فتوضأت فأوترت، واستدل به على استحباب جعل الوتر آخر الليل سواء المتهجد وغيره، ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره، واستدل به على وجوب الوتر لكونه صلى الله عليه وسلم سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد‏.‏

وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب، نعم يدل على تأكد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية، وفيه استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة، ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات، قال القرطبي‏:‏ ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب في المندوب، لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال، فهو كالغافل، وتنبيه الغافل واجب‏.‏

*3* باب لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ليجعل آخر صلاته وترا‏)‏ أي بالليل، وقد تقدم الكلام على حديث الباب في أثناء الحديث الأول وقد استدل به بعض من قال بوجوبه، وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة فكذا آخره، وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله‏.‏

*3* باب الْوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الوتر على الدابة‏)‏ لما كان حديث عائشة في إيقاظها للوتر وحديث ابن عمر في الأمر بالوتر آخر الليل قد تمسك بهما بعض من ادعى وجوب الوتر عقبهما المصنف بحديث ابن عمر الدال على أنه ليس بواجب، فذكره في ترجمتين‏.‏

إحداهما تدل على كونه نفلا، والثانية تدل على أنه آكد من غيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ سَعِيدٌ فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقُلْتُ بَلَى وَاللَّهِ قَالَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر بن عمر‏)‏ لا يعرف اسمه، وهو ثقة ليس له في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما لك في رسول الله أسوة‏)‏ فيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلى والله‏)‏ فيه الحلف على الأمر الذي يراد تأكيده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يوتر على البعير‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم، والجامع بينهما أن الفرض لا يجزئ على واحدة منهما‏.‏

انتهى‏.‏

ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فسيأتي في أبواب تقصير الصلاة من طريق سالم عن أبيه ‏"‏ أنه كان يصلي من الليل على دابته وهو مسافر ‏"‏ وروى محمد بن نصر من طريق ابن جريج ‏"‏ قال حدثنا نافع أن ابن عمر كان يوتر على دابته‏"‏‏.‏

قال ابن جريج ‏"‏ وأخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال الطحاوي ذكر عن الكوفيين أن الوتر لا يصلى على الراحلة، وهو خلاف السنة الثابتة، واستدل بعضهم برواية مجاهد أنه رأى ابن عمر نزل فأوتر، وليس ذلك بمعارض لكونه أوتر على الراحلة لأنه لا نزاع أن صلاته على الأرض أفضل، وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يوتر على راحلته، وربما نزل فأوتر بالأرض‏.‏


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12    فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Icon_minitimeالخميس ديسمبر 16, 2010 12:09 pm

*3* باب الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الوتر في السفر‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال‏:‏ إنه لا يسن في السفر، وهو منقول عن الضحاك‏.‏

وأما قول ابن عمر ‏"‏ لو كنت مسبحا في السفر لأتممت ‏"‏ كما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حفص بن عاصم عنه فإنما أراد به راتبة المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر، وذلك بين من سياق الحديث المذكور، فقد رواه الترمذي من وجه آخر بلفظ ‏"‏ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين لا يصلون قبلها ولا بعدها، فلو كنت مصليا قبلها أو بعدها لأتممت ‏"‏ ويحتمل أن تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل، فإن ابن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في الليل وهو مسافر، وقد قال مع ذلك ما قال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا الفرائض‏)‏ أي لكن الفرائض بخلاف ذلك، فكان لا يصليها على الراحلة‏.‏

واستدل به على أن الوتر ليس بفرض، وعلى أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه لكونه أوقعه على الراحلة، وأما قول بعضهم إنه كان من خصائصه أيضا أن يوقعه على الراحلة مع كونه واجبا عليه فهي دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجمع، واستدل به على أن الفريضة لا تصلى على الراحلة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وليس ذلك بقوى، لأن الترك لا يدل على المنع إلا أن يقال إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر فترك الصلاة لها على الراحلة دائما يشعر بالفرق بينها وبين النافلة في الجواز وعدمه‏.‏

وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير الواجب، فلا يلزم من نفي الفرض نفي الواجب، وهذا يتوقف على أن ابن عمر كان يفرق بين الفرض والواجب، وقد بالغ الشيخ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه، مع أن ابن شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم، وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت، ونقله ابن العربي عن أصبغ من المالكية ووافقه سحنون، وكأنه أخذه من قول مالك‏:‏ من تركه أدب، وكان جرحة في شهادته‏.‏

*3* باب الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القنوت قبل الركوع وبعده‏)‏ القنوت يطلق على معان، والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ أثبت بهذه الترجمة مشروعية القنوت إشارة إلى الرد على من روى عنه أنه بدعة كابن عمر، وفي الموطأ عنه أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات، ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتفع عن درجة المباح، قال‏:‏ ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدا في بعض الأحاديث بالصبح، وأوردها صلى الله عليه وسلم في أبواب الوتر أخذا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث، كذا قال، ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة ‏"‏ كان القنوت في الفجر والمغرب ‏"‏ لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار، فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية، مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر، فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال ‏"‏ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر‏:‏ اللهم اهدني فيمن هديت ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَقَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَوَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سئل أنس‏)‏ في رواية إسماعيل عن أيوب عند مسلم ‏"‏ قلت لأنس ‏"‏ فعرف بذلك أنه أبهم نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل أو قنت‏)‏ في رواية الكشميهني بغير واو، وللإسماعيلي ‏"‏ هل قنت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل الركوع‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ أو بعد الركوع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد الركوع يسيرا‏)‏ قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها ‏"‏ إنما قنت بعد الركوع شهرا ‏"‏ وفي صحيح ابن خزيمة من وجه آخر عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ‏"‏ وكأنه محمول على ما بعد الركوع‏.‏

بناء على أن المراد بالحصر في قوله ‏"‏ إنما قنت شهرا ‏"‏ أي متواليا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ قُلْتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، وعاصم هو ابن سليمان الأحول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد كان القنوت‏)‏ فيه إثبات مشروعيته في الجملة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال‏:‏ كذب‏)‏ لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحا، ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين بدليل روايته المتقدمة، فإن مفهوم قوله ‏"‏ بعد الركوع يسيرا ‏"‏ يحتمل أن يكون وقبل الركوع كثيرا، ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلا، ومعنى قوله ‏"‏ كذب ‏"‏ أي أخطأ، وهو لغة أهل الحجاز، يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ، ويحتمل أن يكون أراد بقوله ‏"‏ كذب ‏"‏ أي إن كان حكى أن القنوت دائما بعد الركوع، وهذا يرجح الاحتمال الأول، ويبينه ما أخرجه ابن ماجة من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال ‏"‏ قبل الركوع وبعده ‏"‏ إسناده قوي، وروى ابن المنذر من طريق أخرى عن حميد عن أنس ‏"‏ أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع ‏"‏ وروى محمد بن نصر من طريق أخرى عن حميد عن أنس ‏"‏ أن أول من جعل القنوت قبل الركوع - أي دائما - عثمان، لكي يدرك الناس الركعة ‏"‏ وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ ‏"‏ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة‏؟‏ قال‏:‏ لا بل عند الفراغ من القراءة ‏"‏ ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان بعث قوما يقال لهم القراء‏)‏ سيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب المغازي، وكذا على رواية أبي مجلز، والتيمي الراوي عنه هو سليمان وهو يروي عن أنس نفسه، ويروى عنه أيضا بواسطة كما في هذا الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن علية، وخالد هو الحذاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان القنوت في المغرب والفجر‏)‏ قد تقدم توجيه إيراد هذه الرواية في أول هذا الباب، وتقدم الكلام على بعضها في أثناء صفة الصلاة‏.‏

وقد روى مسلم من حديث البراء نحو حديث أنس هذا، وتمسك به الطحاوي في ترك القنوت في الصبح قال‏:‏ لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب، فيكون في الصبح كذلك‏.‏

انتهى‏.‏

ولا يخفى ما فيه‏.‏

وقد عارضه بعضهم فقال‏:‏ أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح، ثم اختلفوا هل ترك، فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه‏؟‏ وظهر لي أن الحكمة في جعل القنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت ‏"‏ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ‏"‏ وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثم اتفقوا على أنه يجهر به، بخلاف القنوت في الصبح فاختلف في محله وفي الجهر به‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن العربي أن القنوت ورد لعشرة معان، فنظمها شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فيما أنشدنا لنفسه إجازة غير مرة‏:‏ ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشر معاني مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة إقامتها إقراره بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله كذاك دوام طاعة الرابح القنيه ‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الوتر من الأحاديث المرفوعة على خمسة عشر حديثا، منها واحد معلق، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية أحاديث، والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها، وفيه من الآثار ثلاثة موصولة، والله أعلم‏.‏

*3* باب الِاسْتِسْقَاءِ وَخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

‏(‏باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا للمستملي دون البسملة، وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني، وللأصيلي كتاب الاستسقاء فقط، وثبتت البسملة في رواية ابن شبويه‏.‏

والاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو الغير، وشرعا طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة، وسيأتي في ‏"‏ باب تحويل الرداء ‏"‏ التصريح بسماع عبد الله له من عباد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم، كما سيأتي صريحا في الباب المذكور وسياقه أتم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى المصلى كما سيأتي التصريح به أيضا فيه، ويأتي الكلام فيه على كيفية تحويل الرداء وزاد فيه ‏"‏ وصلى ركعتين‏"‏‏.‏

وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال‏:‏ يبرزون للدعاء والتضرع، وإن خطب لهم فحسن‏.‏

ولم يعرف الصلاة، هذا هو المشهور عنه‏.‏

ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك، وحكى ابن عبد البر الإجماع على استحباب الخروج إلى الاستسقاء، والبروز إلى ظاهر المصر، لكن حكى القرطبي عن أبي حنيفة أيضا أنه لا يستحب الخروج، وكأنه أشتبه عليه بقوله في الصلاة‏.‏

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
Admin
المديــــــــــر
المديــــــــــر
Admin


عدد المساهمات : 4687
نقاط : 9393
التميز : 80
تاريخ التسجيل : 03/05/2009
العمر : 32
الموقع : الجزائر . بسكرة . فوغالة

 فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12    فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12 Icon_minitimeالخميس ديسمبر 16, 2010 12:11 pm

*3* باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اجعلها سنين كسني يوسف‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمؤمنين، والدعاء على الكافرين، وفيه معنى الترجمة‏.‏

ووجه إدخاله في أبواب الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين بإضعاف عدو المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين‏.‏

وقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم برفع القحط، كما في الحديث الثاني‏.‏

ويمكن أن يقال‏:‏ إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي مشروعية الدعاء للمؤمنين فيها، فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها‏.‏

والمراد بسني يوسف ما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع كما وقع في التنزيل، وقد بين ذلك في الحديث الثاني حيث قال ‏"‏ سبعا كسبع يوسف ‏"‏ وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها، أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن‏)‏ هو الحزامي بالمهملة والزاي لا المخزوي، وهما مدنيان من طبقة واحدة لكن الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد دون المخزومي، وقد بينه ابن معين والنسائي، لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتي في الجهاد من رواية الثوري، وفي أحاديث الأنبياء من رواية شعيب، وأخرجه الإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة كلهم عن أبي الزناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اجعلها سنين‏)‏ في الرواية الماضية في ‏"‏ باب يهوى بالتكبير من صفة الصلاة ‏"‏‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعلها علهم ‏"‏ والضمير في قوله ‏"‏ اجعلها ‏"‏ يعود على المدة التي تقع فيها الشدة المعبر عنها بالوطأة، وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف ‏"‏ وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له ‏"‏ وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ غفار غفر الله لها الخ‏)‏ هذا حديث آخر، وهو عند المصنف بالإسناد المذكور وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه‏.‏

وقد أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري، ويحتمل أن يكون له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محاربا دون من كان مسالما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفار غفر الله لها‏)‏ فيه الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد‏:‏ أحمد الله عاقبتك، ولعلى‏:‏ أعلاك الله‏.‏

وهو من جناس الاشتقاق، ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر، ومنه قوله تعالى ‏(‏وأسلمت مع سليمان‏)‏ وسيأتي في المغازي حديث ‏"‏ عصية عصت الله ورسوله ‏"‏ وإنما اختصت القبيلتان بهذا الدعاء لأن غفارا أسلموا قديما، وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن أبي الزناد عن أبيه‏:‏ هذا كله في الصبح‏)‏ يعني أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن أبيه بهذا الإسناد، فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح، وقد تقدم بعض بيان الاختلاف في ذلك في أثناء صفة الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنْ الْجُوعِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَتْ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا عند عبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود، وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله بن مسعود بهذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما رأى من الناس إدبارا‏)‏ أي من الإسلام، وسيأتي في تفسير الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسـلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذتهم سنة‏)‏ بفتح المهملة بعدها نون خفيفة أي أصابهم القحط، وقوله ‏"‏حصت ‏"‏ بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أكلنا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ حتى أكلوا ‏"‏ وهو الوجه، وكذا قوله ‏"‏ ينظر أحدكم ‏"‏ عند الأكثر ‏"‏ ينظر أحدهم ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب‏.‏

*3* باب سُؤَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لو أدخل تحت هذه الترجمة حديث ابن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر‏.‏

انتهى‏.‏

ويظهر لي أنه لما كان من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين، وكان في حديث ابن مسعود المذكور أن الذي سأل قد يكون مشركا، ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب من الفريقين كما سأبينه، ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله ‏"‏ سؤال الناس ‏"‏ وذلك أن المصنف أورد في هذا الباب تمثل ابن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس ‏"‏ إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ‏"‏ وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ حديث ابن عمر خارج عن الترجمة، إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا‏.‏

وأجاب ابن المنير عن حديث ابن عمر بأن المناسبة تؤخذ من قوله فيه ‏"‏ يستسقى الغمام ‏"‏ لأن فاعله محذوف وهم الناس، وعن حديث أنس بأن في قول عمر ‏"‏ كنا نتوسل إليك بنبيك ‏"‏ دلالة على أن للإمام مدخلا في الاستسقاء‏.‏

وتعقب بأنه لا يلزم من كون فاعل ‏"‏ يستسقى ‏"‏ هو الناس أن يكونوا سألوا الإمام أن يستسقى لهم كما في الترجمة، وكذا ليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم، إذ يحتمل أن يكونوا في الحالين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال‏.‏

انتهى‏.‏

وهو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث ابن عمر سياق الطريق الثانية عنه، وأن يبين أن الطريق الأولى مختصرة منها، وذلك أن لفظ الثانية ‏"‏ ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم، وأن ابن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب‏.‏

وقد علم من بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث ابن مسعود الماضي وفي حديث أنس الآتي وغيرهما من الأحاديث، وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من رواية مسلم الملائي عن أنس قال ‏"‏ جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط‏.‏

ثم أنشده شعرا يقول فيه‏:‏ وليس لنـا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال ‏"‏ اللهم اسقنا ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ثم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه‏.‏

من ينشدنا قوله‏؟‏ فقام علي فقال‏:‏ يا رسول الله، كأنك أردت قوله ‏"‏ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ الأبيات، فظهرت بذلك مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة، وقد ذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به‏.‏

وقوله ‏"‏يئط ‏"‏ بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا ‏"‏ يغط ‏"‏ بالمعجمة، والأطيط صوت البعير المثقل، والغطيط صوت النائم كذلك، وكني بذلك عن شدة الجوع، لأنهما إنما يقعان غالبا عند الشبع‏.‏

وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه، وهو عند الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال ‏"‏ كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وقد أشار إلى ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه، بخلاف ما أورده هو‏:‏ قلت‏:‏ وليس ذلك بمبتدع، لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده‏.‏

وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس ‏"‏ أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس‏:‏ قم فأستسق، فقام العباس ‏"‏ فذكر الحديث، فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك‏.‏

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قال ‏"‏ أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له‏:‏ ائت عمر ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة، وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتمثل‏)‏ أي ينشد شعر غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبيض‏)‏ بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعني أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله ‏"‏ سيدا ‏"‏ في البيت الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثمال‏)‏ بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي، قد أطلق على كل من ذلك‏.‏

وقوله ‏"‏عصمة للأرامل ‏"‏ أي يمنعهم مما يضرهم، والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا، ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال‏.‏

وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، وهي أكثر من ثمانين بيتا، قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفـروا عنه من يريد الإسلام، أولها‏:‏ ولمـا رأيت القـوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العـرا والوسائل وقد جاهرونا بالعـداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العـدو المزايل يقول فيها‏:‏ أعبد مناف أنتم خـير قومكم فلا تشركوا في أمركم كل واغل فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم تكونوا كما كانت أحاديث وائـل يقول فيها‏:‏ أعوذ برب الناس من كل طاعن علينـا بسـوء أو ملح ببـاطل وثور ومن أرسى ثبيرا مـكانه وراق لـبر في حـراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة وبالله أن الله ليس بغـافل يقول فيها‏:‏ كذبتم وبيت الله نبزى محمـدا ولمـا نطاعن حـوله ونناضل ونسـلمه حتى نصرع حـوله ونذهل عن أبنائنـا والحـلائل يقول فيهـا‏:‏ وما ترك قـوم لا أبالك سيدا يحوط الذمار بين بكر بن وائل وأبيض يستسقى الغمام بوجهـه ثمـال اليتـامى عصمة للأرامل يلوذ به الهـلاك من آل هـاشم فهم عنـده في نعمـة وفواضل قال السهيلي‏:‏ فإن قيل كيف قال أبو طالب ‏"‏ يستسقى الغمام بوجهه ‏"‏ ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة‏!‏ وأجاب بما حاصله‏:‏ أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام‏.‏

انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه، وسيأتي في الكلام على حديث ابن مسعود ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة‏.‏

وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره من شأنه، وفيه نظر لما تقدم عن ابن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث، ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير مـن الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما‏.‏

ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والرد عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه‏.‏

وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة، وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب مـن كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن حمزة‏)‏ أي ابن عبد الله بن عمر، وسالم شيخه هو عمه، وعمر مختلف في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة، فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى، وهو من أمثلة أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث، وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه، وعقيل فيهما بفتح العين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستسقى‏)‏ بفتح أوله زاد ابن ماجة في روايته ‏"‏ على المنبر ‏"‏ وفي روايته أيضا ‏"‏ في المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجيش‏)‏ بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة يقال‏:‏ جاش الوادي إذا زخر بالماء، وجاشت القدر إذا غلت، وجاش الشيء إذا تحرك‏.‏

وهو كناية عن كثرة المطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل ميزاب‏)‏ بكسر الميم وبالزاي معروف، وهو ما يسيل منه الماء مـن موضع عال‏.‏

ووقع في رواية الحموي ‏"‏ حتى يجيش لك ‏"‏ بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن بن محمد‏)‏ هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا الموضـع، ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا‏)‏ بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط، وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال ‏"‏ اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث‏.‏

فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس ‏"‏ وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال ‏"‏ استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فخطب الناس عمر فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله ‏"‏ وفيه ‏"‏ فما برحوا حتى سقاهم الله ‏"‏ وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ بدل ابن عمر، فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان، وذكر ابن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثمان عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر، والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم، سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر، وقد تقدم من رواية الإسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمر والعباس، وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور‏.‏

ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elhai.webs.com/
 
فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )12
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )15
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )16
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )1
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )17
» فتح الباري شرح صحيح البخاري ( كِتَاب الْجُمُعَةِ )2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
foughala :: في رحاب الاسلام :: مع الحديث النبوي الشريف والقدسي-
انتقل الى: