*3* باب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الذكر في الكسوف رواه ابن عباس) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم حديثه بلفظ " فاذكروا الله".
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ
الشرح:
قوله: (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا) بكسر الزاي صفة مشبهة، ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة.
قوله: (يخشى أن تكون الساعة) بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة، أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف، أو العكس.
قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال، لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر، فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج.
ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك.
ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح.
هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره، وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك، وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك.
وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف.
وأما الرابع فلا يخفى بعده.
وأقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) ، ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال.
وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها.
وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (هذه الآيات التي يرسل الله) ثم قال (ولكن يخوف الله بها عباده) موافق لقوله تعالى (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول، واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك، وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء.
ولم يقع في هذه الرواية ذكر الصلاة، فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية.
قوله: (إلى ذكر الله) في رواية الكشميهني " إلى ذكره " والضمير يعود على الله في قوله " يخوف الله بها عباده"، وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء.
*3* باب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ حذف التشكيل
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب الدعاء في الكسوف) في رواية كريمة وأبي الوقت " في الخسوف".
قوله: (قاله أبو موسى وعائشة) يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله، وأما حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني، وورد الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره، ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها، والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال " فصلوا وادعوا"، ووقع في حديث ابن عباس عند سعيد ابن منصور " فاذكروا الله وكبروه وسبحوه وهللوه " وهو من عطف الخاص على العام، وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول.
*3* باب قَوْلِ الْإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ أَمَّا بَعْدُ حذف التشكيل
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ
الشرح:
قوله: (باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد) ذكر فيه حديث أسماء مختصرا معلقا فقال " وقال أبو أسامة"، وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة، ووقع فيه هنا في رواية أبي علي ابن السكن وهم نبه عليه أبي علي الجياني وذلك أنه أدخل - بين هشام وفاطمة بنت المنذر - عروة بن الزبير والصواب حذفه.
قلت: لعله كان عنده " هشام بن عروة بن الزبير " فتصحفت " ابن " فصارت " عن " وذلك من الناسخ، وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار.
وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه.
*3* باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الصلاة في كسوف القمر) أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا، واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال، والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول، وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله " وإذا كان ذلك فصلوا " بعد قوله " أن الشمس والقمر " وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك، فعند ابن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس بن عبيد في هذا الحديث " فإذا رأيتم شيئا من ذلك " وعنده في حديث عبد الله ابن عمرو " فإذا انكسف أحدهما " وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ " كسوف أيهما انكسف " وفي ذلك رد على من قال لا تندب الجماعة في كسوف القمر، وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند ابن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث بإسناده في هذا الحديث " صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم"، وأخرجه الدار قطني أيضا، وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله " صلى " أي أمر بالصلاة، جمعا بين الروايتين.
وقال صاحب الهدى: لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له " أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام"، وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور، وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في نظمها.
(تنبيه) : حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا " انكسف القمر " بدل الشمس، وهذا تغيير لا معنى له، وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك.
*3* باب الرَّكْعَةُ الْأُولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ حذف التشكيل
الشرح:
قوله: (باب الركعة الأولى في الكسوف أطول) كذا وقع هنا للحموي وللكشميهني، ووقع بدله للمستملي " باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى " قال ابن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة، وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا، وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع آخر، وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا، والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة أبواب فهو نص فيه.
انتهى.
ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري فإنه ذكر " باب صب المرأة " أولا وقال في الحاشية: ليس فيه حديث، ثم ذكر " باب الركعة الأولى أطول " وأورد فيه حديث عائشة، وكذا صنع الإسماعيلي في مستخرجه.
فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد، أما من اقتصر على الأولى وهو المستملي فخطأ محض، إذ لا تعلق لها بحديث عائشة، وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلا، وكأنهما استشكلاها فحذفاها، ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن الكشميهني، وكذا من رواية الأكثر.
الحديث:
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ الْأَوَّلُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ
الشرح:
قوله: (حدثنا أبو أحمد) هو الزبيري، وسفيان هو الثوري، وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في " باب صلاة الكسوف في المسجد " وكأنه مختصر منه بالمعنى فإنه قال فيه " ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول " وقال في هذا " أربع ركعات في سجدتين الأولى أطول " وقد رواه الإسماعيلي بلفظ " الأولى فالأولى أطول " وفيه دليل لمن قال: إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى، وقد قال ابن بطال: إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعيها.
وقال النووي: اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما، واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء؟ قيل: وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله " وهو دون القيام الأول " هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله.
ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني، ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله " القيام الأول " أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما، فالأول أكثر فائدة، والله أعلم.